في الرابعة عصراً بتوقيت دمشق، 20 يناير/كانون الثاني، نتذكر تلك اللحظات المرعبة التي خيّمت على منطقة عفرين قبل ستة أعوام، إذ قصفت /72/ طائرة حربية تركية /108/ هدفاً خلال ساعةٍ ونصف من الهجوم، لتعلو أصوات الانفجارات وألسنة اللهب وأعمدة الدخان الأسود سماء عفرين الصافية وأراضيها المزدهرة بأشجار السنديان والصنوبر والسمّاق والزيتون… ولتعلن تركيا بذلك بدء حربها الشاملة على المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها /2500/ كم2، تحت مسمى “غصن الزيتون”، وذلك بعد تحشيد قواتها وإطلاق حملات إعلامية وتوجيه نحو /90/ ألف مسجد لقراءة سورة الفتح والابتهال إلى الله!

لعلّ مجلس الأمن الدولي مسؤول عن حفظ السّلم والأمن الدولي وحماية حقوق الإنسان، ولكنه فشل في إيجاد حلٍّ لأزمة سوريا، وغير متوافق حيالها، نظراً لتنازع أطراف رئيسية فيه على الساحة السورية، ولم يتمكن من حماية المدنيين بأي شكل، سوى اعتماد آلية لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية الأممية دون تغطية كامل الأراضي السورية.

حاولت تركيا إطلاق مسمى “المنطقة الآمنة” على المناطق التي احتلتها بثلاث عمليات عسكرية أعوام (2016، 2018، 2019) في شمالي سوريا، دون أن تفلح في ذلك، لأنها لا ترتكز إلى أساسٍ قانوني وغير مقبولة سياسياً وأخلاقياً من حيث الوقائع والممارسات؛ فقد أضحت تلك المناطق، من بينها عفرين، ساحات لانتشار الميليشيات والاقتتال البيني وللنشاط العسكري التركي، ومنطلقاً للأعمال القتالية في الصراع مع الأطراف السورية المسيطرة على المناطق الأخرى؛ علاوةً على تهجير الكُـرد السكّان الأصليين من مناطقهم وتعريض المتبقين منهم لمختلف صنوف الانتهاكات والجرائم، أبرزها تغيير الهندسة الديموغرافية على نحوٍ ممنهج؛ بالإضافة إلى تدمير بنى تحتية والاستيلاء على ممتلكات خاصة وعامة أو سرقتها ونهبها على نطاقٍ واسع.

بُعيد الاحتلال تمّ تقسيم المنطقة إلى قطاعات عسكرية لميليشيات ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري- الحكومة السورية المؤقتة” ولا تزال تنتشر بين المدنيين وتحكم بيدٍ من حديد بإشراف وتوجيهات الاستخبارات التركية على نحوٍ مباشر، دون تأسيس نمط حكمٍ مدني أو إجراء نوعٍ من الانتخابات، حيث تنتفي الحياة السياسية والحريات العامة، بل وتأوي تلك الميليشيات المئات إن لم نقل الآلاف من عناصر وقيادات تنظيم داعش، علاوةً على تأمين ممرٍ لهم للفرار إلى الخارج، وقد قُتل بعضهم بغارات جوية من قبل قوات التحالف الدولي.

فتحوّلت عفرين من منطقة آمنةً ومستقرةً نسبياً وتشهد تطوراً طبيعياً في مختلف المجالات خلال ست سنوات في ظل الإدارة الذاتية السابقة إلى منطقةٍ غير آمنة خلال ستة أعوامٍ من الاحتلال التركي وسطوة ميليشياته السورية المرتزقة المرتبطة بالائتلاف السوري- الإخواني، بعد العدوان عليها في 20 كانون الثاني 2018م باستخدام مختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية وتجنيد حوالي /20/ ألف مرتزق من مُسلّحي المعارضة، واحتلالها فعلياً منذ 18 آذار 2018م.

جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية اقترفت بحق المنطقة وأهاليها، والتي تُعدُّ انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، بينما المجتمع الدولي صامتٌ حيالها.

نلخصها فيما يلي:

جريمة العدوان: لم تكن عفرين يوماً خطراً على محيطها، بل تلقت حوالي /50/ هجوماً عدائياً بين أعوام /2012-2017/م من جماعاتٍ تسمى بـ (الجيش السوري الحرّ) وتنظيم داعش وجبهة النصرة ومن الجيش التركي أيضاً، تسبب بأضرار مادية ووقوع ضحايا قتلى شهداء وجرحى؛ بينما كانت الحدود التركية مع عفرين آمنةً، لم يُشن أي هجوم ضد الأراضي التركية ولم يكن هناك تهديد وشيك ضدها، وبالتالي جاء الاجتياح التركي مخالفاً للمادة /51/ من ميثاق الأمم المتحدة، فشكَّل عدواناً على أراضي دولةٍ أخرى، الذي يعتبر بحد ذاته جريمةً وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي أضحى احتلالاً دامغاً بموجب اتفاقية لاهاي 1907م وجميع معايير القوانين الدولية المتعلقة به، وحسب الوقائع والممارسات على الأرض أيضاً.

استخدام أسلحة محرّمة: وردت أنباء من الإدارة الذاتية السابقة أنّ الجيش التركي استخدم قنابل عنقودية، وكذلك غاز الكلور في قرية “أرنده”- شيه/شيخ الحديد، أثناء الاجتياح والعدوان العسكري.

التمثيل بالجثامين: أثناء الحرب نشر المسلّحون الجهاديون مقاطع فيديو تُظهر اعتدائهم المقزز على جثامين شهداء مقاتلين كُـرد، حيث أن إجرامهم بحق جثمان الشهيدة بارين كوباني كان الأكشف عن مدى الحقد الدفين في نفوسهم. كما أنّ الميليشيات لم تسمح للأهالي بدفن جثامين العشرات من الشهداء الكُـرد بعد انتهاء الحرب، إذ بقيت في العراء ومكشوفة لأشهر.

القتل العمد ومجازر وهجمات ضد المدنيين: اُرتكبت مجازر جماعية (مدجنة روباريا، معبطلي، كوبليه، باسوطة، هيكجيه، مشفى آفرين، بربنه، جنديرس، فريرية، حي المحمودية، يلانقوز…) واُستهدفت قوافل المدنيين أثناء الهجوم على عفرين، حيث وصلت أعداد ضحايا الغزو إلى ما يقارب /300/ شهيد مدني وعشرات لم توثق أسماؤهم، بينهم عشرات الأطفال والنساء، وأكثر من /1000/ جريح مدني، عدا شهداء وجرحى قوات الأسايش (الأمن الداخلي) ووحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ والمتطوعين للدفاع عن المنطقة؛ بينما وقع حوالي /293/ مدنياً ضحايا شهداء منذ 18 آذار2018 لغاية اليوم، الذين تمكنّا من توثيقهم، بسبب عمليات السطو المسلّح والتعذيب وانفجار سيارات وألغام والتصفية الجسدية أثناء الخطف والإعدام وغيره، عدا حالات الوفاة قهراً بسبب الاضطهاد والتعديات أو بسبب الظروف المعيشية الصّعبة التي فرضها الاحتلال بمختلف تجلياته؛ ولابد من التذكير بمجزرة جنديرس التي ارتكبت عشية عيد نـوروز 21 آذار 2023م من قبل عناصر ميليشيات “جيش الشرقية” وراح ضحيتها أربعة أشقاء.

تدمير واسع النطاق في الممتلكات والاستيلاء عليها: أثناء العدوان على المنطقة، تم تخريب وتدمير الآلاف من المنازل والممتلكات العامة والخاصة، ولجأ الغزاة إلى تعفيش المنازل ومصادرة الممتلكات والأموال، وقد سمي يوم /18/ من آذار 2018م، بيوم الجراد، لما تعرضت فيه مدينة عفرين إلى عمليات سرقة واسعة للمحلات والمستودعات والمنازل والآلات والآليات وغيرها على مرأى ومسمع العالم، فالنهب والسلب والسطو المسلح حتى تاريخه جارٍ على نطاق واسع. معظم معاصر الزيتون ومعامل البيرين والصابون وورشات الألبسة ومحلات ومستودعات المنطقة الصناعية تعرّضت للسرقة أو دفع أصحابها مبالغ مالية كبيرة للميليشيات من أجل حماية منشآتهم أو استعادة مسروقاتهم، كما يدفعون أتاوى شهرية. وعمليات الاستيلاء على المحلات والمنازل والعقارات والأراضي الزراعية وحقول الزيتون مستمرة، خاصةً تلك العائدة للغائبين وللكثير من الموجودين أيضاً، وعبر حِيَل وأساليب عديدة؛ والتي بمجموعها تتجاوز نصف ممتلكات أهالي عفرين. كما يمتنع المسلّحون والذين تم توطينهم عن إخلاء منازل ومحلات عائدة لأهالي عفرين، رغم مطالباتهم المتكررة ورفعهم لشكاوى عديدة، إضافةً إلى طرد بعض العوائل الكردية من مساكنهم أو مساكن عائدة لأقربائهم بغية إسكان المستقدمين بدلاً عنهم.

الاستيلاء على بعض القرى: عمد الجيش التركي والميليشيات الموالية له إلى الاستيلاء على بعض القرى ومنع أهاليها من العودة إليها، مثل (“قسطل جندو، بافلون، سينكا، بعرافا”- شرَّا/شرّان، تلّف- جنديرس، “شيخورز”- بلبل…)، واتخاذها مقرّات عسكرية أو مساكن للمسلحين؛ ولا تزال قرى (“جلبر، كوبله، ديرمشمش، زريكات، باسليه، خالتا”- روباريا، “جيا/جبلية، درويش”- راجو) مهجورة وخالية من أهاليها.

استهداف مواقع ومنشآت ومساكن مدنية: أثناء العدوان على عفرين، لم يتردد الجيش التركي في استهداف بنى تحتية ومواقع ومنشآت مدنية، من مشافي ومراكز طبية ومنشآت للدواجن والمواشي ومدارس وجوامع ومزارات دينية ومباني إدارية وأفران خبز ومحطات لمياه الشرب والري ومنشآت سد ميدانكي ومعاصر للزيتون وغيرها، وقد تعرّض قسمٌ كبير منها إلى التخريب المتعمّد والسرقات، مثل أبراج الاتصالات وشبكتي الهاتف الأرضي والكهرباء العامة، ولا يزال الكثير من المنشآت والبنى التحتية خارج الخدمة، إذ شُيِّد بدلاً عن البعض منها منشآت تابعة لمؤسسات تركية، كما تم استهداف آلاف المنازل في المنطقة بتدميرٍ جزئي أو كلي أو إحراق البعض منها، أثناء الاجتياح العسكري.

بنى تحتية ضعيفة وتدني الخدمات: السرقة والتخريب المتعمّد طال بُنى تحتية أساسية، من شبكات ومحطات ومراكز الكهرباء والاتصالات ومياه الشرب ومدارس ومعاهد وجامعة وشبكات وقنوات الري الزراعي ومجموعات توليد الطاقة الكهربائية والبلديات وغيرها، وتم إشغال بعضها- بينها مباني مدرسية – كمقرّات عسكرية، فأصبحت في أدنى مستوى لها أو معدومة، ولاتزال الخدمات المقدّمة متدنية، رغم ترميم بعض المؤسسات وإحداث بعضها، بل وأهلكت الأسعار المرتفعة للمواد الغذائية والمحروقات والطاقة الكهربائية كاهل الناس؛ إلى جانب تحييد خدمات معظم مؤسسات الحكومة السورية، وسوء أوضاع شبكة الطرقات.

تدمير مقابر ومواقع أثرية، سرقة الآثار: استهدف العدوان التركي مواقع أثرية عديدة بالقصف الثقيل مثل (تل عين دارا الأثري، نبي هوري، تقلكه، مارمارون…) وأوقع فيها أضرار جسيمة لتختفي معها معالم تاريخية، كما أن سلطات الاحتلال تغض النظر عن عمليات سرقة الآثار والبحث عنها، بل وتشرف وتشارك في أغلبها، حيث كافة التلال والمواقع التاريخية – على كثرتها – تعرّضت للنبش والحفر والتخريب وسرقة آثارها وكنوزها الدفينة بمختلف الأدوات البسيطة والثقيلة، مثل ما جرى في مواقع وتلال (هوري، عين دارا، براد ومار مارون، برج عبدالو، قيبار، جنديرس، كمروك، سيمالك، زرافكه، كتخ، دروميه، دوديرا ميدانكي، مروانيه تحتاني، جرناز، بازاريه، خرابه علو، كئورا، بليلكو، برج حيدر…) والكثير من المزارات الإسلامية والإيزيدية. ومن جهةٍ أخرى تم استهداف مقابر الشهداء في (كفرصفرة، متينا، كفرشيل) وتدميرها بالقصف، وتخريب أضرحة شخصيات دينية وثقافية، مثل ضريح الدكتور نوري ديرسمي، وتخريب مقابر وشواهد قبور مكتوب عليها باللغة الكردية وقبور للإيزيديين، كما أخرجت سلطات الاحتلال أواسط تموز 2021م جثامين /71/ شهيداً من المقاتلين والمدنيين الكُـرد سقطوا في الأيام الأخيرة من العدوان في آذار2018م من مقبرةٍ نظامية داخل مدينة عفرين وأزالته وشوّهت حقائقها.

الأسرى والحبس غير المشروع والاخفاء القسري: لم يفصح الجيش التركي عن أعداد الأسرى لديه ومصيرهم، كما أنّ لدى الميليشيات سجون خاصة، ولا يزال حوالي /500- عدد تقديري/ شخص معتقل مخفي قسراً ومجهول المصير، وتُشير شهادات بعض المفرج عنهم إلى إخفاء حوالي /1500/ في سجن بلدة الراعي تحت التعذيب وفي ظروف قاسية، أُطلق سراح معظمهم. وخلال النصف الثاني من عام 2020م لنهاية عام 2021، أفرجت سلطات الاحتلال عن معتقلين مخفين قسراً بين /2-3.5/ أعوام، الأمر الذي أكّد على وجود السجون السرية، خاصةً ذاك الفيديو المنشور في 28/5/2020م إبان شن ميليشيات “جيش الإسلام” هجوماً على مقرّ “فرقة الحمزات” (مبنى الأسايش سابقاً) في حرش المحمودية- عفرين، وظهرت فيه /11/ امرأة مضى على تغييبهُنّ عامان.

الاعتقالات العشوائية والتعسفية: عدا الخطف والاختطاف والاحتجاز وموجات التوقيف كان هناك حملات مداهمة واعتقالات عشوائية، بتُهم العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة، عسكرية كانت أم مدنية أو تطوعية خدمية أو حراسة ليلية وغيرها، حيث تقود الاستخبارات التركية الحملة عبر أدواتها المحلية (شرطة، محاكم، ميليشيات، شبكة عملاء…)؛ يترافق ذلك أحياناً بالضرب المباشر أمام أعين الأهالي والتعذيب في مراكز التحقيق الذي يؤدي إلى القتل أحياناً (مثل ما جرى مع المحامي لقمان حميد حنان الذي اعتقل بتاريخ 19/12/2022م من قبل الاستخبارات التركية وشرطة عفرين، وسلّم لذويه جثةً هامدة بتاريخ 22/12/2022م)، وبمصادرة الهواتف النقالة وتفتيش المنازل والعبث بأثاثها مع توجيه الإهانات وأحياناً سرقة الأموال، حيث بعض الحالات تتكرر بحق نفس الأشخاص، لخمس مرات أحياناً، تطال النساء والقُصَّر والمسنين أيضاً، وتفضي إلى فرض عقوبة سجن لمدد وغرامات مالية مختلفة، وفي بعض الحالات بعقوبات أشدّ، كما حكم القضاء التركي على بعض المعتقلين المدنيين بالسجن المؤبد وبالحبس لمدد مختلفة على العشرات منهم، تم نقل بعضهم من عفرين، وتطال الاعتقالات أبناء عفرين المقيمين في تركيا بناءً على وشايات وتقارير كيدية معدّة من قبل الاستخبارات التركية؛ وبهذا الخصوص ترتكب الحكومة التركية مخالفةً فاضحة للمادة /70/ من اتفاقية جنيف الرابعة /1949/ التي لا تجيز “لدولة الاحتلال أن تقبض على الأشخاص المحميين أو تحاكمهم أو تدينهم بسبب أفعال اقترفوها أو آراء أعربوا عنها قبل الاحتلال…”.

وقعت الاعتقالات العشوائية والتعسفية على نطاق واسع عن سبق دراسة وتصميم، وهي متواصلة، ليس فقط بحق المقرّبين من الإدارة الذاتية السابقة بل بحق أغلب الكُـرد – سكّان المنطقة الأصليين، وليس المرام الأول منها توليد إيرادات مالية وحسب، بل أيضاً إهانة وترويع السكّان الأصليين ودفعهم لترك منازلهم وممتلكاتهم، وإنشاء قاعدة بيانات أمنية عنهم لصالح الاستخبارات التركية، خاصةً وأن معظم مرتكبي الانتهاكات والجرائم لا يُحاسبون ويفلتون من العقاب بسهولة، في وقتٍ أصبح فيه القانون و(القضاء الذي تم تأسيسه في عفرين) أداةً للتنكيل بالمعتقلين والسكّان الأصليين، وليس لإنصافهم ورد المظالم عنهم ولمحاسبة المجرمين والقبض على اللصوص؛ مما يؤكد بالدليل القاطع أنها سياسة عدائية ممنهجة تُساق ضد الكُـرد بإشرافٍ تركي مباشر.

ورغم مضي ستة أعوام على غياب الإدارة الذاتية السابقة لا يزال شبح الاتهام بالعلاقة معها – ولو المشاركة بالحراسة لساعةٍ واحدة – يلاحق ما بقي من الكُـرد، وكذلك العائدون منهم إلى ديارهم يتعرضون للتحقيق واعتقال أغلبهم وفرض إتاوات وغرامات مالية عليهم.

التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المعاملة المهينة: تعرّض أهالي عفرين المتبقين إلى إهانات يومية والابتزاز والاستفزاز، وعمليات الاختطاف والاعتقالات التعسفية واسعة النطاق، ولا تزال متواصلة، حيث أنّ معظم المختطفين والمعتقلين تعرّضوا للتعذيب الذي يُعد ممارسةً روتينية، بينهم نساء وقُصَّر ومسنين، وجرى تهديد بعضهم بالذبح وفق مقاطع فيديو منشورة؛ ولايزال مصير حوالي /500- عدد تقديري/ منهم مجهولاً ودون محاكمة ولو صورية، وأهالي أغلب المفرج عنهم قد دفعوا غرامات أو فدى مالية وصلت أحياناً إلى /20/ ألف دولار أمريكي. هذا، وخلال النصف الثاني من عام 2020م لنهاية عام 2021، أفرجت سلطات الاحتلال عن معتقلين تم إخفاؤهم قسراً ما بين /2-3.5/ أعوام، بعد أن تدهورت أحوالهم الصحية، الأمر الذي يؤكد على وجود السجون السرية، أشهرها سجن بلدة الراعي السيء الصيت الذي لم يُغلق ملفه بَعد، وقد توفى فيه حوالي /15/ معتقلاً دون تسليم جثامين أغلبهم لذويهم أو إعلامهم بوفاتهم، حيث دُفنوا في مكانٍ سري؛ وهناك خشية على حياة بعضهم بسبب الأمراض التي يعانون منها أو من تنفيذ حكم الإعدام بهم؛ كما أنّ أغلب المفرج عنهم لا يجرؤون على التحدث عن السجون السرية والظروف التي مرّوا بها.

إبعاد السكّان والتغيير الديموغرافي: تَهجيرٌ قسري بالأعمال العدائية أثناء الحرب لأكثر من /250/ ألف نسمة من السكّان الأصليين ومنع عودة حوالي /200/ ألف منهم من مناطق النزوح والداخل السوري، بسبب إغلاق سلطات الاحتلال معابر عفرين ومنع النازحين من العودة، فبقوا مشرَّدين في مناطق النزوح (بلدتي النبل والزهراء وقرى وبلدات الشهباء – شمالي حلب…)، ومنهم من فرّ إلى حلب ومناطق كوباني والجزيرة، في وقتٍ قيّدت فيه السلطات السورية أيضاً ولا تزال ممرات التنقل أمامهم. كما تم توطين حوالي /600/ ألف نسمة في عفرين ونواحيها من عوائل المسلّحين المرتزقة لدى تركيا وعوائل المستقدمين من غوطة دمشق وأرياف حمص وحماه وإدلب وحلب وغيرها وقسمٍ من المرحلين قسراً من تركيا، وإسكانهم في منازل ومحلات وممتلكات السكّان الأصليين وفي مخيماتٍ عشوائية كثيرة، وبُنيت لهم تجمعات سكّانية وقرى استيطانية نموذجية، مثل قرى (“بسمة” قرب شاديره، “كويت الرحمة، يد العون الثانية” قرب خالتا/خالدية- جبل ليلون، “الأمل 2”- كوبله/روباريا، “الزعيم، أجنادين” – جنديرس، “قرب متينا”، “يد العون الأولى، أهل الخير، مخيم كفروم”- كفروم/شرّا/شرّان، “الوفاء 2”- حي المحمودية بمدينة عفرين، “عباير”- قرية قرتقلاق/شرّا/شرّان، “تجمعات سكانية”- بلدة كفرصفرة، “جبل حج حسنا”- جنديرس، “قرية التميز2”- معبطلي، “القطرية 2، نواف الخير”- جقلا تحتاني/شيخ الحديد، “مؤسسة الخير”- جبل الأحلام/كيمار) وغيرها قيد التجهيز وأخرى قيد الإعمار؛ فشكَّل ذلك تغييراً كبيراً للتركيبة السكانية في المنطقة، حيث تدنت نسبة الوجود الكردي إلى أقلّ من /25%- أكثرهم مسنين/ من المقيمين في المنطقة حالياً، بينما كانت نسبتهم قبل الغزو أكثر من /95%/، وقد عاد المئات من الأفراد والعوائل خلال أعوام 2021 – 2023م إلى ديارهم، فتعرضوا للابتزاز المادي وفرض الفدى المالية والتحقيقات والسجن لقسمٍ منهم، ولم يتمكن بعضهم من استرجاع ممتلكاتهم؛ كما شمل التغيير الديمغرافي مجالات أخرى، إضافةً إلى ضغوطات يومية تُمارس ضد الكُـرد المتبقين في المنطقة، بغية دفعهم لترك أرضهم وممتلكاتهم نحو هجرةٍ قسرية متواصلة؛ حيث أنّ هذا التغيير يرتقي إلى مستوى التطهير العرقي بحق إثنية متمايزة.

الاضطهاد الثقافي والقومي: إن ما صرَّح به مراراً مسؤولون وجنود أتراك ومتزعمو الميليشيات وعناصرها عن تكفير الكُـرد واتهامهم بالانفصال والإرهاب، وإطلاق مشايخ وشرعيي “الثورة والجهاد” فتاوى نهب ممتلكاتهم والإضرار بهم، تنم بالأساس من عداء عنصري وشوفيني نحوهم، حيث أنّ القمع والاضطهاد يطالهم بشكل ممنهج، في وقتٍ يتم فيه تفضيل المستقدمين عليهم، بل ودفعهم للاعتداء على الكُـرد وممتلكاتهم. عدا محاربة الثقافة واللغة الكردية وتغيير معالم وأسماء قرى وبلدات وساحات عامة والسعي لتفكيك النسيج الاجتماعي، ومنع الكُـرد من الاحتفاء بعيدهم القومي نـوروز، والاعتداء على رموزهم، مثل تدمير “دوار وتمثال كاوا” وتغييره إلى “دوار غصن الزيتون” وإزالة نُصب “دوار نـوروز” وتغييره إلى “دوار صلاح الدين الأيوبي” وتغيير اسم ساحة السراي القديم إلى “ساحة الرئيس رجب طيب أردوغان”، وإهمال تعليم اللغة الكردية في المدارس سوى بعض الساعات الاختيارية في بعضها، في حين يتم إجبار تعليم اللغة التركية من الصف الأول إلى الثالث الثانوي واعتبارها مادة راسبة في المنهاج العربي المعتمد. إضافةً إلى إجبار أهالي عفرين والمستقدمين فيها على إصدار بطاقات تعريف شخصية تمنحها سلطات الاحتلال باللغتين التركية والعربية، بغية صهر الجميع في بوتقةٍ مجتمعية جديدة وبهويةٍ “عثمانية جديدة”.

الاضطهاد الديني: تعرّض الايزديون لانتهاكات عديدة، من تهجير وقتل وتعذيب وتشليح ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفاء بأعيادهم السنوية وكذلك إجبار بعضهم على الصلاة في الجوامع، وبُنيت مساجد في بعض قراهم نكايةً بهم، وتم العبث بمزاراتهم ومقابرهم وتخريب العديد منها؛ كما تعرضت الكنيسة المسيحية الوحيدة للسرقة والنهب والإغلاق، ورغم قلة أعداد المسيحيين، لا يجرؤ أحدهم على التحدث عن دينه أينما كان؛ والأنكى من ذلك تعرّضت بعض المساجد إلى القصف أثناء العدوان، وسُرقت مقتنيات بعضها من سجادات وأواني نحاسية وأجهزة كهربائية وصوتية؛ حيث أن عفرين معروفة بطابعها الاجتماعي المنفتح ونبذ التعصب في المعتقدات الدينية، إلا أنّ الغزاة يستمرون في استجلاب ممارسات متشددة دينياً واجتماعياً ويعملون لفرضها على السكّان الأصليين بجميع انتماءاتهم الدينية، لاسيما هناك حركة دينية متشددة نشطة بالمنطقة وفق النمط العثماني- الإخواني وبإشراف مباشر من “وقف الديانت” ورئاسة الشؤون الدينية في تركيا. وتغيب مظاهر الاحتفاء والابتهاج في أعياد الفطر والأضحى عن أهالي عفرين عموماً وسط مشاعر الحزن والفراق وأجواء الاضطهاد والطغيان.

التتريك والتطرف الديني وأفكار العثمانية الجديدة: تواصل سلطات الاحتلال سياسة التتريك ونشر التطرف الديني وأفكار العثمانية الجديدة في عفرين، بين أوساط الشباب والأطفال بشكلٍ خاص، عبر حملات إعلامية وتحت مسميات عديدة (جمعيات خيرية وثقافية ودينية، جامعة ومعاهد ومدارس خاصة، مراكز ثقافية تركية، مدارس إمام الخطيب، أنشطة شبابية، إحياء مناسبات تركية مع رفع العلم التركي بكثافة وتقليد شارة الذئاب الرمادية، دورات تدريبية، روضات براعم الجنة،…) وتعتمد مناهج دراسية مؤدلجة وتفرض تعليم اللغة التركية، إلى جانب محاربة ثقافة وتراث المنطقة عبر العديد من التغييرات والانتهاكات. وكذلك تستمر محاولات تغيير هوية وثقافة المنطقة وتخريب وسرقة ممتلكاتها الثقافية ومحو تاريخها، مثل تحويل مرقد “النبي هوري” الهرمي الروماني والمسجد المجاور له إلى مَعلم تركي- عثماني؛ الأمر الذي يشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح الصادرة في 14 أيار/مايو 1954م.

الاستعباد وإفقار المدنيين: إن سلطات الاحتلال عمدت ولا تزال إلى إحداث شلل عام في جميع مناحي الحياة وسدّ أبواب العمل أمام أهالي عفرين، إضافةً إلى مصادرة ونهب ممتلكاتهم وأموالهم ومواردهم وسلب مواسمهم “زيتون، حبوب، فاكهة، سماق، ورق عنب…”، وتبديد ثروتهم الحيوانية (المواشي والدواجن) بما يعادل /20/ مليون دولار في العام الأول، عدا خسائر أنواع أخرى من الحيوانات (أحصنة، بغال، حمير، مناحل العسل)، وعدا توقف المداجن عن العمل، أو تدمير بعضها نهائياً، بسبب القصف والسرقات؛ إذ وصلت خسائر مواسم الزيتون (2018، 2019، 2020، 2021، 2022، 2023)- مصدر الرزق الرئيسي- إلى ما يقارب /375/ مليون دولار أمريكي، إضافةً إلى فرض أتاوى وفدى وغرامات مالية مختلفة ومتواصلة عليهم (إتاوات ميليشيات فرقة السلطان سليمان شاه لوحدها، موسم 2023-2024م وصلت إلى حوالي 26.5 مليون دولار أمريكي)، وكذلك تشغيل وتسخير البعض منهم دون دفع الأجور لهم. وكمؤشر على تدمير البنية الاقتصادية في عفرين، لم يبقى من أصل /850/ ورشة خياطة ألبسة كانت تغذي الأسواق السورية وبعض البلدان المجاورة، سوى /50/ فقط بعد الاحتلال وعملت بحدودها الدنيا من الإنتاج، حيث ازدادت إلى حدود /160/ ورشة خلال الأعوام الست الماضية؛ إن الخسائر في المجال الصناعي والاقتصادي عموماً كبيرة، ونسبة البطالة أصبحت عالية والفقر واسعاً.

سرقة زيت الزيتون: “تعاونيات الائتمان الزراعي التركي” التي مُنحت صلاحيات استثنائية أصدرت لوائح بأسعار متدنية لشراء زيت الزيتون من منطقة عفرين خلال ستة مواسم منصرمة، والذي يُباع في الخارج بأسعار باهظة، لتدرّ أرباح طائلة لتركيا والمتعاونين معها، ولتموّل بها الميليشيات الإرهابية المرتزقة، لاسيّما هناك مركز تجاري تركي (مقره معصرة “رفعتية” – جنديرس) استولى على شراء كميات تصل لحوالي 80% من إجمالي إنتاج الزيت، وتم نقلها بالشاحنات عبر معبر “حمام” الجديد إلى هاتاي- تركيا دون المرور بالمنطقة الحرّة في مدينة “قره خان”، فلا تُسجَّل بشكل نظامي، أي دون الدخول في عملية “الاستيراد” رغم أنها تأتي من دولة أخرى، لتتم معالجة الزيت وبيعه للخارج تحت عنوان “صنع في تركيا”. لاسيّما وأنّ ممثلين عن “التعاونيات” ذهبوا إلى أمريكا عام 2022م للترويج للزيت.

ولكن في موسم 2023-2024م كان الإنتاج متدنياً، ونظراً لارتفاع أسعار الزيوت الغذائية عالمياً، تحرر سعر زيت الزيتون في عفرين إلى حدٍ ما؛ كما تفرض حواجز النظام السوري إتاوة /15/ دولاراً على التنكة الواحدة (16 كغ صافي) لقاء شحنها إلى مناطق سيطرته، عدا أجور النقل.

رفض شكاوى المواطنين أو إهمالها: معظم الذين تعرضوا للانتهاكات والجرائم لا يجرؤون على البوح عنها، خوفاً من عقوبات أشدّ، ولا تُجرى تحقيقات ومحاكمات عادلة حول الجرائم والانتهاكات التي تقع بحق المدنيين، كما لا تنظر سلطات الاحتلال بجدية إلى شكاوى المواطنين ولا تُعطيهم أجوبة مقنعة عليها، ولا تفصح عن مصير المعتقلين المخفيين قسراً، وتنظر المحاكم المنشئة في التهم الملفّقة الموجهة ضد المعتقلين وتفرض عليهم أحكام وغرامات جائرة، حيث أنّ معظم أهالي عفرين لا يتمكنون من رفع شكاوى أو دعاوى قضائية ضد من أجرم بحقهم، بل قد يُعاقبون مجدداً، ويُمنع البعض من توكيل محامين عنهم، لذلك تراهم يحجمون عن الإدلاء بالتصريحات أو الحديث عما تطالهم من انتهاكات وجرائم، بل يُجبر البعض منهم على الإدلاء بشهادات عكس ما هو واقع. كما جاءت “لجنة رد الحقوق المشتركة” المشكلة في أيلول 2020م من بين متزعمي الميليشيات لتجميل وجه الاحتلال وللتغطية على تلك الجرائم الكبرى، وذلك تحت ضغط آلاف التقارير المنشورة عن الانتهاكات والجرائم المرتكبة، ولكنّ اللجنة توقفت عن العمل بتاريخ 8/11/2022م، رغم تكدس آلاف ملفات التظلم، وذلك بعد احتدام الخلافات والاقتتال بين الميليشيات وطرد “الجبهة الشامية” من عفرين.

أضرار شديدة بالبيئة والغطاء النباتي: قبل الغزو كانت السلطات التركية قد جرفت مساحات زراعية وحراجية واسعة بمحاذاة الشريط الحدودي، بعمق /200- 500/ متر وبطول /150/ كم، لدى بنائها لجدار اسمنتي عازل، كما قامت آلياتها العسكرية أثناء العدوان بقلع آلاف أشجار الزيتون في العديد من المواقع، مثل (“جبل بلال وجرقا، قرية درويش، قرية جيا”– ناحية راجو، وقرى “حمام، مروانية فوقاني وتحتاني، آنقلة، أشكان غربي”- ناحية جنديرس، وقرى “قرمتلق، جقلي”- ناحية شيه/شيخ الحديد، و”سرتا ريز” قرب قرية “كازيه”، و”سرتا حبيبا” قرب قرية “مسكه فوقاني”، وبين قريتي كفرجنة ومتينا-ناحية شرّان، وفي جبل شيروا)، بقصد إقامة قواعد عسكرية لجيشها؛ وطالت الحرائق والقطع الجائر الواسع- لم تشهد المنطقة مثيلاً له من قبل- عموم الغابات الحراجية الطبيعية والاصطناعية وأشجار نادرة ومعمّرة، وكذلك قطع مئات الآلاف من الأشجار المثمرة (الزيتون وغيره) بشكلٍ جائر وآلاف منها بشكلٍ كلي، من قبل الميليشيات والمستقدمين، بغية التحطيب وصناعة الفحم والتجارة، حيث ترتقي تلك التعديات لمستوى إبادة البيئة؛ ووفق خبراء زراعيين يبلغ إجمالي مساحات الغابات (الطبيعية /18500/ هكتار+ الاصطناعية /21000/ هكتار= 39500 هكتار) ونسبة التدهور فيها بين الحرق والقطع خلال ست سنوات تتجاوز 60% منها، أي إزالة حوالي (/6/ مليون شجرة حراجية طبيعية + /13/ مليون شجرة حراجية مزروعة = /19/ مليون شجرة) بالإضافة إلى ملايين الأشجار الصغيرة الحجم بين تلك الكبيرة.

بالإضافة إلى الرعي الجائر لقطعان المواشي بين حقول الزيتون والأراضي الزراعية، ليلحقها أضرار جمّة، دون أن يجرؤ ويتمكن أصحابها على منعه.

إحدى ركائز السياسة العدائية التي يتبعها الاحتلال التركي ومرتزقته هي ضرب علاقة الإنسان الكردي في عفرين ببيئته الطبيعية وممتلكاته وبالتالي زعزعة جذور المجتمع وإضعافها.

اضطهاد المرأة، الاغتصاب والإكراه على الزواج: بالأصل تلك الميليشيات الجهادية السلفية تضطهد المرأة ضمن مجتمعاتها دون وازع، من تعدد الزوجات وفرض الحجاب وانتشار الدعارة وغيرها، وهي تواظب على اضطهاد المرأة الكردية في عفرين وفق ذات الذهنية؛ فرغم إحجام معظم من تطالهم الانتهاكات والجرائم عن فضحها أو رفع شكاوى ودعاوى قضائية ضد مرتكبيها، علاوةً على حجز حرية المرأة، تتوارد أنباء عديدة عن حالات التحرش الجنسي بمختلف أشكاله والإكراه على الزواج أو استغلال القاصرات، وعن حالات اختطاف واغتصاب والقتل العمد والتعدي على مسنات مقيمات لوحدهنّ مثل ما جرى مع المسنة “فاطمة جنيد” التي تعرّضت بتاريخ 23/12/2022م للاعتداء والسرقة في منزلها بقرية “باصوفان” على يدّ ميليشيات “فيلق الشام”. ونظراً لفقدان الأمان تحجم نسبة كبيرة من الفتيات عن ارتياد المدارس الإعدادية والثانوية خوفاً من التعرّض للانتهاكات، خاصةً أولئك القاطنات في القرى.

إشاعة الفوضى والفلتان: لم تلجأ حكومة أنقرة إلى بسط الأمن والأمان في منطقة عفرين، ولم تمارس مسؤولياتها في تأمين النظام والسلامة العامة وحماية المدنيين، وقد شكّلت مجالس محلية لم تكن إلا أدوات لتنفيذ سياساتها، بل وأفلتت يدّ الميليشيات الإرهابية لترتكب أفظع الجرائم والانتهاكات، والتي تقاتلت فيما بينها أحياناً كثيرة على خلفية نزعات مقيتة وتصفيات داخلية وخلافات حول السرقات ونطاق النفوذ، منها اشتباكات في تشرين الأول 2022م بين ميليشيات “فرقة الحمزات” و “الجبهة الشامية” واقتحام “هيئة تحرير الشام” الإرهابية لمنطقة عفرين انطلاقاً من إدلب بهدف قتال “الشامية” وإخراجها. كما وقعت تفجيرات إرهابية بين المدنيين أدت إلى وقوع ضحايا قتلى وجرحى، إذ كثرت التفجيرات بعبوات ناسفة، منها انفجار قوي بتاريخ 16/9/2023م في شقةٍ سكنية بالطابق الثاني قرب دوار “ماراته” بمدينة عفرين أدى لمقتل وجرح عدد من المسلحين، وكذلك استهداف بعض متزعمي الميليشيات وعناصرها. ومن جانبٍ آخر نتيجة تبادل قصف القوات التركية وميليشياتها مع مناطق سيطرة الجيش السوري تعرّضت مدينة عفرين وبعض قراها لهجمات صاروخية أدت لوقوع أضرار مادية وضحايا قتلى وجرحى بين المدنيين، منهم ثلاثة شهداء في قريتي كباشين وبرج حيدر بتاريخ 1/1/2024م.

مُهجَّرو عفرين قسراً: المهَّجرون المقيمون في مناطق الشهباء ومدينتي نبل والزهراء وتل رفعت وديرجمال وبعض قرى وبلدات جبل ليلون- شمال حلب، الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري وضمن النفوذ الروسي، يعيشون حياةً بائسة، إذ أن عددهم حوالي /60/ ألف نسمة، منهم /9/ ألاف يقطنون في خمسة مخيمات، محاصرون من الجهات الأربعة- سجن كبير- ويُمنَعون من التنقل من قبل قوات الحكومة السورية وميليشيات المعارضة والجيش التركي، وغير مشمولين ببرامج الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية، وهم يعانون من تدني فرص العمل والخدمات من كهرباء ومياه الشرب والصحة والتعليم وغيرها، حيث تمنع عنهم القوات الحكومية بين الفترة والأخرى المحروقات ومواد أساسية أخرى، بينما مطلبهم الأساس هو العودة إلى ديارهم. ومن جهةٍ أخرى تتكرر حالات قصف القوات التركية والميليشيات المرتبطة بها لقرى وبلدات شمال حلب والتي نزح إليها أهالي عفرين، ولا تزال مستمرّة، مخلفةً أضرار مادية وضحايا قتلى وجرحى، مثل ما جرى في مجزرة تل رفعت بتاريخ 2/12/2019م.

بناء جدار عازل: بنى الجيش التركي جدران اسمنتية حول مقرّاته وقواعده في مركز مدينة عفرين ونواحيها، وهي مخدمة بكافة المستلزمات، كما بنى جدران من كتل خرسانية بارتفاع مترين قرب قرى كيمار وجلبر ومريمين- جنوب شرق عفرين، في خطوةٍ مشبوهة وتمهيداً لبناء جدار عازل للمنطقة عن شمال محافظة حلب؛ ولا تزال منطقة عفرين منفصلة عن مدينة حلب، ولا يوجد حتى معبر إنساني بينهما.

أثناء الحرب على عفرين لم تلتزم تركيا بقرار الهدنة الصادر عن مجلس الأمن رقم /2401/، تاريخ 24 شباط 2018م، ولا تلتزم بمضامين قرار مجلس الأمن 2254(2015)، من حيث “اتخاذ الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي”، رغم سيطرتها الفعلية الكاملة على المنطقة عسكرياً وإدارياً وسيادياً. فالمنطقة محتلة، وعلى تركيا تَحمُّل مسؤولياتها وواجباتها، وكذلك الالتزام بالقانون الإنساني الدولي.

منطقة عفرين واقعةٌ في حصارٍ مطبق وتعتيمٍ إعلامي تفرضه سلطات الاحتلال التركي ومرتزقته، وتعاني من تفاصيل مؤلمة في الحياة اليومية لسكّانها الأصليين، وهي مغلقة أمام زيارات وسائل الإعلام ووفود منظمات حقوقية ومدنية مهتمة بحقوق الانسان، ووفود برلمانية، سوى لحالات فردية متناغمة مع الراوية التركية.

إنّ أخطر ما يهدد عفرين وأهاليها والعلاقة بين مكونات الشعب السوري هو التهجير القسري الذي طال ما يقارب نصف سكّانها الكُـرد وتوطين مئات آلاف المستقدمين من المحافظات السورية الأخرى بدلاً عنهم وتثبيت وجودهم ببناء قرى استيطانية نموذجية لهم، لأجل ترسيخ التغيير الديموغرافي الممنهج الذي طال المنطقة، الأمر الذي يُشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977م.

وإن نداء أهالي عفرين أينما كانوا هو إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الميليشيات الإرهابية من منطقتهم، وعودة جميع النازحين إلى ديارهم، وحسب البند /1/ من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة /1514/ تاريخ 14 كانون الأول1960، الذي ينص على “إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السّلم والتعاون العالميين”، فإن الكُـرد يواصلون كفاحهم العادل بكافة السبل والوسائل المشروعة دفاعاً عن قضيتهم وفي تعرية سياسات تركيا العدائية وفضح الانتهاكات والجرائم اليومية المرتكبة.

كما يناشدون المعنيين جميعاً على المستوى الكردستاني والوطني السوري والدولي، للعمل على كسر الصمت حيال الأوضاع السيئة السائدة في منطقتهم، وحث حكومة أنقرة لوضع حدٍ للانتهاكات والجرائم وإنهاء احتلالها للمنطقة وإعادتها للسيادة السورية وإدارة أهاليها.

20/1/2024م

المكتب الإعلامي-عفرين

حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

——————

الصور:

– دبابة وجندي تركي أمام مبنى السراي القديم في مدينة عفرين، تاريخ 18/3/2018م.

—————

يمكنكم تنزيل الملف كاملاً بالنقر هنا:

عفرين-تحت-الاحتلال-خاص-274-20-01-2024

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز