علي شمدين: تضامناً مع الوجود الكردي

كورد أونلاين |

 

في إطار انشغال القوى الإقليمية والدولية العظمى بمتابعة مصالحها وحماية أمنها القومي أينما كان، باتت اليوم منطقة الشرق الأوسط تغلي كالمرجل على نار ليست هادئة، وتعيش كوارث حقيقية تفتعلها تلك القوى من أجل التغطية على سياسياتها ومشاريعها في هذه المنطقة وتعمية شعوبها وجرها إلى أتون حروب داخلية وصراعات دينية وقومية يصبح أبناؤها وقوداً لها، وباتت المنطقة تعيش منذ ما يزيد عن نصف قرن، حالة من (الفوضى الخلاقة)، تديرها تلك القوى من وراء الكواليس بمهارة فائقة، ومن خلال تأجيج مشاكلها وإثارة صراعاتها وصولاً إلى تشكيل (الشرق الأوسط الجديد).
وقد كانت القضيتان ( الكردية والفلسطينية)، من أهم الأوراق التي استخدمتها تلك القوى في صراعاتها البينية، وتصفية حساباتها الداخلية، وخاصة في مرحلة الحرب الباردة، حيث تم التلاعب بهما بما يخدم مصالحها وتعزيز نفوذها في المنطقة، وإن الإبقاء عليهما من دون حل سلمي، لا بل تأجيجهما حين اللزوم، شكلتا ذريعة دائمة لتلك القوى للتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وبالتالي إدارة الصراعات فيها كما تريد وبما يحقق مصالحها، بينما شعوب المنطقة هي التي تدفع ضريبتها، وخاصة الشعب الكردي، من القتل والمجازر والإبادات الجماعية وعمليات الأنفال والرش بالغازات الكيمياوية المحرمة دولياً على يد أنظمتها الدكتاتورية المحمية من تلك القوى العظمى..
فإذا كانت القضية الفلسطينية خلال مرحلة الحرب الباردة قد تصدرت المشهد الرئيسي للصراع في الشرق الأوسط، باعتبارها كانت تشكل قضية العرب الأولى، والتي خمدت بعض الشيء في مرحلة القطب الواحد وانخراط الدول العربية المناصرة لها في عملية التسوية مع إسرائيل واحدة بعد الأخرى، فإن القضية الكردية التي أدارت لها هذه القوى ظهرها في تلك المرحلة لحرصها على المصالح التي كانت تربطها بأنظمة الدول التي تقتسم كردستان، فإنها خرجت إلى النور بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمتغيرات المتلاحقة التي أعقبته، هذه المتغيرات التي بلغت ذروتها على صعيد المنطقة بسقوط صدام حسين ونظامه الدموي، وتحرر الشعب الكردي في كردستان العراق من نيره، وصار يتمتع بكيان فيدرالي دفع بالقضية الكردية نحو الأضواء، وقد تعززت هذه القضية أكثر وجذبت المزيد من الأنظار مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا، والتي افرزت حالة من الإدارة الذاتية في المناطق الكردية في سوريا، والتي باتت إلى حدٍ ما أمراً واقعاً خلال الأزمة السورية، ولعل النقلة النوعية الجذرية التي دفعت بالقضية الكردية نحو المعادلات الجارية في المنطقة، ووضعتها على طاولة المناقشات في المحافل الدولية، هي ظهور منظمة (داعش)، وإعلانها عن دولتها في (الموصل والرقة)، والدور التاريخي الشجاع الذي لعبته البيشمركة ووحدات حماية الشعب (YPG, YPJ)، ضمن إطار التحالف الدولي في دحر هذا الوباء وهزيمته شر هزيمة.
ولذلك فإن تصاعد الحضور الكردي في المتغيرات الجارية في المنطقة، وبروز القواسم المشتركة المفصلية بين التحالف الدولي والقوات الكردية المنظمة وخاصة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب والعنف والتطرف في المنطقة، أثار من جديد حفيظة تلك الأنظمة الديكتاتورية التي تقتسم كردستان، والتي عادت من جديد لتثير الإشاعات والأضاليل حول (البعبع الكردي)، وتحرض شعوبها على مواجهة (الحركات الانفصالية)، ومنع تشكيل (إسرائيل ثانية).. إلى آخر هذه الأضاليل المحرضة لشعوبها، من أجل إلهائها عن أزماتها الداخلية بدلاً من حلها.
وعلى ضوء هذا الواقع، فإن التهديدات المستمرة التي لا يكف النظامان الإيراني والتركي عن إطلاقها، والهجمات الصاروخية وعمليات القصف بالمسيرات وغيرها ضد كردستان العراق وسوريا بشكل هستيري ومن دون أي اعتبار لسيادة الدول، وحرمة الجوار، والقوانين الدولية.. إنما تستهدف هاتين التجربتين الكرديتين وتقويضهما ليس إلاّ.
ومن هنا، وبالرغم من الثغرات الكثيرة التي تعاني منها هاتان التجربتان، وبشكل متفاوت بكل تأكيد، والتي لا يجب غض النظر عن معالجتها مهما كانت الظروف، فإن الشعب الكردي في كل مكان مدعو إلى الوقوف إلى جانبهما، وحشد الرأيّ العام إلى التضامن معهما، والتنديد بهذه الهجمات العدوانية الحاقدة التي تستهدف الوجود الكردي قبل أيّ شيء آخر.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية