الخميس, ديسمبر 26, 2024

محمد شيخو… فنان ثورة وعاشق وطن

عبد الرحمن محمد

لعب الفن والأدب في التاريخ الكردي دورا رياديا منذ وجودهم على ظهر البسيطة، وكان للفن الكردي والغناء بشكل خاص دوره البارز، فالموسيقا الكردية والغناء كانا سمة بارزة في هوية الكردي، وأركان ثقافته، التي حافظ بها على الكثير من أدبه وفنه وشفاهيا حتى عقود قريبة، ليصار فيما بعد إلى توثيق ما أمكن حفاظا على الإرث الكردي من الضياع والزوال.
في هذا المجتمع العاشق للأصالة وكل ما يمت للعراقة والأصالة والأخلاق الفاضلة، والأنفة والشموخ الكردي العنيد، والثائر رغم الظروف المتداخلة فيه، فكان الغناء الكردي يحفظ أسماء مغنين، وفنانين عمالقة بقدر ما يحفظ أسماء قادة ورجالات سياسة، وعظماء في المجتمع.
محمد شيخو، اسم ما يزال يحرك وترا في الوجدان، ويعزف له القلب لحن وفاء كما كان هو، ويردد المرء في سره آيات العرفان، لرجل أفنى سنين عمره في سبيل إعلاء شأن قومه، وإيجاد السبل لينال قسطا أكبر من الحرية.
قد لا تختلف ولادته ونشأته عن بدايات الكثير من المطربين، وهو المولود في قرية خجوكة بريف قامشلو عام 1948، وكثير منا يعلم تفاصيل نشأته، وما كان يعانيه من مشاكل في العينين، وعمله في الزراعة، والحالة المادية للأسرة، لكن شيخو لم يكن طفلاً عاديا، كان موهوباً، اتجه إلى الموسيقا، والغناء، وبقي هذا الشغف لديه، وهو ما جعله يكمل دراسته للموسيقا حينما سنحت له الفرصة ببيروت لاحقاً، فوجد لنفسه طريقا نحو التميز والتفرد، فكان محمد شيخو الفنان الثائر، والكردي المتمرد على الخنوع، في أوقات كانت “الكردية” أشبه ما تكون بالجريمة، ما جعله فنانا من الطراز الأول بفنه الأصيل، ومدرسة في الفن الثوري والالتزام الأخلاقي بالمبادئ، والمثل العليا، ليخلد اسمه وفنه بين أسماء العظماء في الساحة الكردية ، بل والعالمية.
محمد شيخو وبعد أن أطلق أغنياته التي كانت صرخات تدعو للاستيقاظ من غفوة الاستكانة، والثورة على الواقع المرير، هو صاحب أغنيات قل أن تجد مثيلات لها من قبل، كأغنيات (eman dilo – hebs û zindan- rabe ji xew) التي رددتها آلاف الحناجر، وغنتها القلوب.
وقد انتشرت كالنار في الهشيم بأسلوبها المميز، وبكلماتها المنتقاة بعناية وبصوته العذب، الذي استحق لاحقا لقب “البلبل الحزين”.
لم يستكن محمد شيخو، ولم تفتر عزيمته، فسافر من قامشلو إلى لبنان، ثم إلى العراق فإقليم كردستان، ومنها إلى روجهلات كردستان، ومن مسارح بيروت إلى راديو بغداد، مرورا بحضوره الآسر في جبال كردستان وغنائه للبيشمركة.
الأطفال كانت لهم حصة في فنه واهتمامه، فقام بتشكيل فرقة فنية للأطفال ليعلمهم الأناشيد الوطنية ما يدل على وفائه لوطنه، فكان بحق من المخلصين والحريصين جدا على تطوير الأغنية والموسيقا الكردية، والاهتمام بالقضايا القومية والوطنية والإنسانية.
القضايا النبيلة، التي حملها محمد شيخو على عاتقه، وسخر لها حياته وفنه جعلته ملاحقاً من الظلاميين والشوفونيين، لأنه أراد لشعبه أن يبصر الحقيقة، وأن يتلمس طريقه للنور، فلاحقته واعتقلته ونال الكثير من الاعتقالات والتعذيب والنفي، ناهيك عن محاولات الترغيب والترهيب، لكن الفنان الأصيل والملتزم بقضايا أمته بقي على عهده.
لعب محمد شيخو ومن خلال أغنياته الرائعة وفنه الملتزم الثوري دورا رياديا في نمو الوعي الوطني، حيث كان يسمعه كل شعبه، ومن النخب والفئات، والشرائح العمرية والمجتمعية، فقد غنى للورد، والحب، والعشق كما غنى للوطن، والجمال، والإنسانية، فملك قلوب الملايين بصوته الشجي، والثائر في الوقت ذاته.
الميزة الأخرى، التي كانت ظاهرة وخلدت محمد شيخو في القلوب إضافة لفنه الثوري الملتزم، أنه كان فنانا شاملا، وبارعا في انتقاء قصائد لكبار الشعراء، وألحان لملحنين عباقرة، رغم حساسية الفترة وتناقضاتها، حيث كان تقسيم الوطن الكردي والتناحر الحزبي والسياسي سائدا والحس الوطني والقومي شبه غائب.
محمد شيخو، جمع بين رقة الفنان، وصلابة الثوري، وبلاغة الشعر واللحن، وقد صاغ من آلام شعبه ومجتمعه أغنيات رددتها وما تزال حناجر الكرد، وترددها شفاه الثائر والعاشق، وترسم البسمة على شفاه المحبين وتشد اليد على بنادق الثوار والمدافعين عن الحق والحرية.
رحل الفنان محمد شيخو عن محبيه وعن كردستان التي طالما تجول في وديانها وسهولها وجبالها، يوم التاسع من آذار عام 1989، وخلف الكثير من الأعمال والآمال، ليبقى الراحل أسطورة الأغنية الكردية، وأيقونة مضيئة في تاريخ النضال الوطني، ونغمة خالدة في تاريخ الفن الموسيقي.

​المصدر: صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية