أ.د.إبراهيم خليل العلاف

مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل

عندما أسهمت في كتابة موسوعة حضارة العراق والتي صدرت ببغداد سنة 1985 وطبعت في دار الحرية للطباعة واشترك في تحريرها نخبة من المؤرخين العراقيين , اليت على نفسي ان اكتب في موضوع الصحافة العراقية الكوردية , وقد أشرت في المبحث الخاص الذي استغرق الصفحات 255_258 من الجزء الثالث عشر , إلى أن النشاط الثقافي للعراقيين الكورد تمثل خلال هذه المرحلة واقصد المرحلة التي تبتدئ بسنة 1921 وتنتهي بسنة 1958 أي فترة العهد الملكي , في مجالات كثيرة منها مجال الصحافة .
وقلت أن اربيل كانت موطنا لصدور مجلة بأسم (كرما نجي) في 25 مايس سنة 1926.وقد جاء في ترويسة هذه المجلة انها : (مجلة اجتماعية أدبية تاريخية فنية شهرية ), صاحبها ورئيس تحريرها الصحفي الكوردي العراقي حسين حزني موكرياني . وقد قامت المجلة بدور بارز في نشر الوعي الوطني , والثقافة الكوردية , أسهم في تحريرها عدد من الكتاب الكورد منهم حسين حزني موكرياني وعبدالخالق ئه سيري ومامن كركوكي والشيخ نوري الشيخ صالح وعبدالرحمن نوري جان وعبدالخالق قطب وفئق بيكه سي. وقد صدر منها خلال ست سنوات 24 عددا فقط وتولى كيو موكرياني شقيق حسين حزني موكرياني ادارة تحريرها والكتابة فيها .
لقد كرس السيد نزار جرجيس علي لصحافة اربيل كتابا كاملا صدر سنة 1988 عن دار الثقافة والنشر الكوردية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام ببغداد. وفي هذا الكتاب القيم , أشار الى خصائص صحافة أربيل ومواقفها المشرفة إزاء القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية المتعلقة بالعراق والمنطقة عموما وكوردستان العراق خصوصا .. وأكد بان هذه الصحافة كانت بحق مرآة حقيقية عكست على صفحاتها واقع المدينة السياسي والاجتماعي والثقافي بالرغم من أمكاناتها البشرية والمادية والمهنية المحدودة جدا..ومع أن المدينة شهدت منذ سنة 1926 حتى اواخر الستينات من القرن الماضي صدور صحف وجلات كثيرة زادت على ال (25) صحيفة ومجلة كوردية إلا أن معظم هذه الصحف تعد اليوم بحكم المفقودة , فلم يعثر لحد الآن على نسخ منها , بالرغم من ان هناك جهودا كبيرة تبذل في هذا المجال وخاصة من قبل نخبة من المثقفين الكورد المعروفين باهتماماتهم الصحفية ونشاطاتهم الجمة في مجال تدوين تاريخ الصحافة الكوردية .
إن حسين حزني موكرياني يعد المؤسس الحقيقي للصحافة الكوردية الاربيلية , فجهده لم ينحصر في أصدار مجلة زاري كرمانجي سنة 1926 بل انه اصدر مجلة اخرى باسم روناكي أي النور وكانت مجلة اجتماعية علمية ادبية اسبوعية صاحبها المحامي شيت مصطفى ورئيس تحريرها حسين حزني موكرياني ,وقد صدر عددها الاول في 24 تشرين الاول سنة 1935 وتوقفت عن الصدور في 16 ايار سنة 1936 بعد ان صدر منها (11)عددا وممن اسهم في تحريرها محمد علي كردي وجبار أنما كاني..
وثمة جريدة ادبية ثقافية اسبوعية اصدرتها جمعية المعلمين في اربيل باللغتين الكوردية والعربية ’ وكان لها دورها الفاعل في دفع مسيرة الصحافة الكوردية في اربيل نحو الامام تلك هي (جريدة هه ولير) .. وقد صدر عددها الاول في 16 كانون الاول سنة 1950 وتوقفت عن الصدور في 28 كانون الاول سنة 1953 وخلال السنوات الثلاث صدر منها (140) عددا.. وكان الاستاذ جمال رشيد العماري مديرها المسؤول في حين تألفت هيئة تحريرها من عبدالمجيد حسن مدير معارف لواء اربيل انذاك وعزالدين فيضي والانسة اشير سعيد..
صدرت الجريدة أول الأمر بصفحتين ثم أصبحت بأربع صفحات وكانت تطبع في مطبعة ام الربيعين بالموصل وكتعبير عن تلاحم العرب والكورد , فان الجريدة افردت صفحتان منها لتكتب باللغة الكوردية وصفحتان اخريتان منها لتكتب باللغة العربية . وهناك تفاصيل عن هذه الجريدة في كتاب صحافة اربيل المشار اليه أنفا.. وفي الحقيقة فان الجريدة استطاعت ان تعمق الوعي الوطني والقومي بين قرائها ليس في مدينة اربيل وحسب بل وفي عموم منطقة كوردستان العراق , كما ان كثيرا من المثقفين الموصليين لايزالون يتذكرون هذه الجريدة بدورها الفاعل في خلق حركة ثقافية واسعة..
لقد حرص اعضاء هيئة تحرير مجلة هه ولير على ان تظهر جريدتهم وهي خالية من الاخطاء الطباعية , وكان الاستاذ حسين رشواني , يصحح الموضوعات باللغة العربية . اما الاستاذ عزالدين فيضي فكان يصحح الموضوعات التي تنشر باللغة الكوردية ..هذا فضلا عن المتابعة المستمرة للمطبعة في الموصل .ومن الموضوعات التي اهتمت بها الجريدة قضايا التعليم ومشكلاته وابرزها مشكلة المناهج والكتب المدرسية وضرورة تغيرها بما يتناسب مع روح العصر .. كما احتلت المرأة مكانة لائقة بها على صفحات الجريدة , فلقد ظهرت المقالات العديدة التي تؤكد اهمية مشاركتها لاخيها الرجل في العمل وبناء المجتمع..
واهتمت الجريدة بالأدب الكوردي ومدارسه ورواده ومن الذين أسهموا في تحرير الجريدة كيو موكرياتي ومعروف خزنه دار (الاستاذ الدكتور فيما بعد) والشاعر عبدالله كوران وشاكر فتاح واحسان مصطفى وفؤاد عزت ورشاد المفتي ومصطفى توفيق ووريا امين راوندوزي , ولم تقتصر مقالات وقصائد هذه النخبة على اللغة الكوردية وانما كانت لهم مقالاتهم باللغة العربية كذلك..
ولم يتوقف أل موكرياني عن دعمهم للصحافة الاربيلية وأعلاء شأنها ..فلقد انصرف كيو موكرياني وهو شقيق حسين حزني الى إصدار مجلة في اربيل في ايار سنة 1954 باسم (مجلة هه تاو) أي الشمس والتي قامت بدور مهم في خدمة الثقافة الكوردية.. وكانت مجلة أدبية اجتماعية تاريخية ثقافية تصدر ثلاث مرات في الشهر باللغة الكوردية كما جاء في ترويسها .. وقد كان كيو موكرياني صاحبها ورئيس تحريرها ..أما المحامي إبراهيم عزيز دزه يي فكان من كتابها وقد توقفت عن الصدور في الثلاثين من شهر تشرين الاول سنة 1960 بعد ان صدر منها (188)عددا , وتعد هذه المجلة , من اطول المجلات الكوردية التي صدرت في اربيل عمرا فقد عاشت حوالي ست سنوات , وكانت تصدر بشكل مستمر ومنتظم واسهم في تحريرها عدد من الكتاب والادباء والشعراء الكورد امثال الدكتور ت.ب مريواني , ومجيد ئا سنكر والشاعر المعروف قانع وبشير مشير ومحمد توفيق ووردي وشاكر فتاح. هذا فضلا عن اسهام عدد من الاقلام النسوية فيها امثال اديبة علي وبريخان وشفيقة علي وصبرية محمد وحسيبة محمد..
ان مساهمة كل تلك الاقلام المعروفة في (هه تاو) اعطتها مكانة ادبية وثقافية بارزة ومكنتها من ان تقوم بدور ثقافي واضح , وبفضل الخط الوطني والقومي الذي التزمته المجلة ومحاولاتها الجادة , أصبحت تحتل مكانة متميزة عند الكتاب والأدباء والمثقفين الكورد , حيت ان جمهرة غفيرة من القراء كانت تتجمع حولها..
وقد أفسحت مطابع الموصل المجال امام نخبة من طلاب ثانوية اربيل وباشراف أستاذ اللغة العربية صبري حسين لإصدار مجلة اربيلية بأسم الامل .. وكانت هذه المجلة تطبع في مطبعة الاتحاد الجديدة في الموصل وصدر عددها الاول في اوائل اذار سنة 1956 وجاء في ترويستها انها ” مجلة ادبية ثقافية تتناول شؤون الطلاب ” .. وضم العدد الاول من المجلة عددا من المقالات التربوية منها كلمة توجيهية لمدير معارف لواء اربيل آنذاك (الأستاذ عبد الوهاب الركابي) , وأخرى لمدير ثانوية اربيل ( الأستاذ عثمان قوجه قصاب ) .. وقد اسهم في المجلة عدد من الأساتذة والطلبة والمثقفين الكورد منهم بيرال محمود و ره وشن بدرخان ونجم الدين محمد المفتي ومتي الياس جدو وجلال الدين نوري ومحمد صائب وفخري فقي احمد وطارق اسعد ومحسن احمد وعادل الحاج صالح.. وقد دارت مقالات وقصائد المجلة حول دور المرأة في الحياة وتاريخ مدينة اربيل وكيف أنها أقدم مدينة في العالم و ” أهمية اللغة الإنكليزية ” و ” اثر عوامل التعرية والتآكل على اقتصاديات العراق ” و ” الحضارة والأخلاق توأمان ” و ” صفحات من الأدب الكوردي “…
ويمكن اعتبار مجلة الأمل , أول مجلة طلابية تصدر في كوردستان العراق , ومع أنها لم تستمر طويلا إذ لم يصدر منها سوى بضعة أعداد إلا انه استطاعت ان تستقطب مجموعة من الأقلام الفتية وتمنحهم فرصة للتعبير عن آراءهم وأفكارهم التربوية البناءة..
وتعد مجلة زيان التي صدرت في اربيل بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي , مكملة لمسير مجلة الامل الطلابية . ويقول مؤرخ صحافة اربيل ان زيان كانت مجلة ادبية اجتماعية طلابية أصدرها الاتحاد العام لطلبة العراق , فرع اربيل باللغة الكوردية , وبالحجم الصغير وقد تخصصت بنشر اخبار الطلبة في اربيل ومتابعة نتاجاتهم الادبية والثقافية وقد ذكر الأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد بأن العدد الأول من زيان قد صدر في شهر تشرين الثاني سنة 1960 لكن السيد جبار جباري قد أكد في كتابة تاريخ الصحافة الكوردية في العراق بان العدد الأول قد صدر في شهر تشرين الثاني سنة 1961 ويرجع السبب في هذا الاختلاف الى ان المجلة لم تثبت تاريخ صدور عددها الاول , وقد دعا الاختلاف هذا السيد نزار جرجيس علي لأن يرجح على الصفحة (142) من كتابه (صحافة اربيل) إن العدد الأول من المجلة قد صدر سنة 1959 أي بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 بسنة واحدة , أو اقل ببضعة اشهر ودليله على ذلك ان المجلة نشرت أخبارا تعود بتاريخها إلى العام 1959 ..
أسهم في تحرير مجلة زيان عدد من الكتاب والمثقفين الكورد منهم كمال يحيى الدين وصلاح سعيد ومهيب الحيدري وعبد الرحمن محمد امين وعبد الصمد محمد امين .. والمؤسف ان الباحثين لم يعثروا الا على العدد الاول وقد دارت مواضيعه حول ” دور الطلبة في حياة الجمهورية ” و ” الصحافة والشعب ” .. فضلا عن احتواء العدد على بعض القصائد ومجموعة من اخبار الحركة الطلابية في كوردستان العراق متابعة لوقائع المؤتمر الأول لاتحاد معلمي كوردستان الذي انعقد في مصيف شقلاوة باربيل سنة 1959 .
كان لثورة 14 تموز 1958 اثر كبير في تنامي الوعي السياسي في العراق , وقد قامت الصحافة بدور فاعل في ذلك , وازدهرت حركة اصدار الصحف وتنوعت انماطها , فبدأنا نرى الصحف الحزبية والصحف السياسية والصحف الرياضية والصحف الادبية والصحف الاقتصادية .. وفي اربيل صدرت منذ سنة 1958 وحتى كتابة هذه السطور مئات الصحف وليس من السهولة رصدها , ولابد من العودة إلى هذه الصحف وتوثيقها ودراستها ولعل ابرز هذه الصحف ( تيشك 1969 _1970 ) , روشنبير (1973) وجيا (1970 ـ1971) , وكاروان (1982) .. ومنذ سنة 1990_1991 صدرت في اربيل اكثر من (50) جريدة ومجلة منها على سبيل المثال كوردستاني نوى ( كردستان الجريدة ) ورزكاري (الخلاص) وبرايه تي ( راية الحرية ) وكولان وتوركمن ايلي (لسان التركمان ) وميديا وهه ولير وهه نكاو (الخطوة) وريكياي كوردستان (طريق كوردستان) وهه ريمي كوردستان وهاوسه نلك (التوازن) و ره سه ن (الاصيل ) و ناينده (المستقبل) ومن المجلات تيشيكي زانكو ( شعاع الجامعة) و مه تين , ودهوك وخاني وبيشمركة ودهنكي زانا (صوت العالم) ونيشتمان (الوطن) والثقافة الجديدة , و به بامي راستي (رسالة الحق) و به يامي موموستا (رسالة المعلم ) وكاروان وزاكروس وبانكي حه ق (نداء الحق) وكه له بورى كورد ( التراث الكوردي ) وهزار ميرد و هه نك (النحلة) وريبازي نوى (النهج الجديد)….
تحية لرواد الصحافة الاربيلية والرحمة لمن انتقل منهم إلى الدار الآخرة , ودعوتنا لكل مهتم بتاريخ الصحافة العراقية عامة والصحافة الكوردستانية ومنها صحافة اربيل , السعي لجميع الصحف والمجلات التي صدرت في مثل تلك الظروف الصعبة والعمل على توثيقها وفهرستها و وضعها بين ايدي الباحثين لدراستها وتوضيح دورها الكبير في صياغة الرأي العام وتوسيع دائرة المثقفين والإسهام في تيقظ الأفكار وتنمية الوعي بأهمية البناء والنهضة…

المصـــــــــــــادر:
1. جبار جباري , تاريخ الصحافة الكردية في العراق , (بغداد,1975).
2. نزار جرجيس علي , صحافة اربيل , (بغداد , 1988).
3. زاهدة إبراهيم , كشاف الجرائد والمجلات العراقية , (بغداد , 1976).
4. عز الدين مصطفى رسول , الواقعية في الأدب الكردي.
5. (بغداد ,لا.ت ), حول الصحافة الكوردية , (بغداد , 1973).
6. نزار جرجيس علي , ” كيو الموكرياني صحفيا رائدا ” , جريدة العراق 21 نيسان 1984.
7. ـــــــــ , ” هه تاو ودورها في الساحة الثقافية الكوردية ” , جريدة العراق , 5 ايار 1984 .
8. إبراهيم خليل احمد العلاف ” الصحافة العراقية 1914_1958 ” , في نخبة من الباحثين العراقيين , حضارة العراق ، ح 13 ,(بغداد ,1985) , ص 255_258.
9. هوكر طاهر توفيق , دور الصحافة الكوردية , في تطوير الوعي القومي الكوردي , 1898_1918 (دهوك ,2004).
10. عز الدين مصطفى رسول ,حول الصحافة الكوردية , (بغداد , 1973)..

شارك هذه المقالة على المنصات التالية