إعداد: نواف بشّار عبد الله
مجلة الحوار- العدد /82/- السنة 30 – 2023م
* تتمة المقال المنشور في العدد (80) من مجلة «الحوار»
6-5-2006
وفي مقالة أخرى بالعدد (17) السالف الذكر بعنوان:
(هل من الحق والإنصاف أن يُعامَلَ الأصدقاءُ معاملة الأعداء؟!)، وردَ ما يلي:
{ إن الاعتقالاتِ التي جرتْ بحق بعض قادة حزبنا وملاحقة البعض الآخر بدون مبرر وزجّهم في أقبية سجن الشيخ حسن الانفرادية وتعذيبهم بقساوة واتهامهم بشتى التهم الغير مسندة على الحقيقة، بالإضافة إلى اعتقال الناس البسطاء والتقاطهم من الشوارع وتعذيبهم واستجوابهم إلى غير ذلك مما شمل ما لا يقل عن مئة شخص بالإضافة إلى خرق رجال الأمن حرمة البيوت، كلُّ هذا يجعلنا نتشكك في احترام رجال الأمن للدستور وقدسيته، كما أن تغذية الروح العشائرية البالية من قبل السلطات المحلية في المنطقة قد أصبحتْ واضحةً، فجميعُ بعضِ الذين يعتبرون أنفسَهم رؤساءَ العشائر من الذين كانت الأنظمة الرجعية السابقة تعترفُ بهم وإعطائهم التوجيهات ضد حزبنا وقطع الوعود لهم بما يرضي نزواتهم التي لم تعد تلائم روحَ العصر ولا تتفقُ بشكل من الأشكال مع الاشتراكية، وأخذ التواقيع منهم بموافقتهم على تطبيق الحزام وإرسالها إلى السلطات العليا بدمشق خيرُ دليلٍ على ذلك، فهل يتمثلُ الرأي العامُ الشعبي في الجزيرة بهؤلاء أم على الأحزاب الجماهيرية الوطنية؟!. ويظهرُ أن السلطة غير قانعةٍ بوجهة نظر تلك الأحزاب بما فيها أحزاب الجبهة، حيث أنها غيرُ مقتنعة بتطبيق المشروع بالشكل المطروح، ولذلك ارتأت السلطة الاعتمادَ على العشائر بدل الأحزاب الجماهيرية. إن حزبنا كفصيلة تقدميةٍ في هذا البلد، له الحق أن يبديَ رأيه في السلبيات التي تظهرُ بين آونة وأخرى في هذه المشكلة أو تلك، وإننا عندما نُبدي رأينا بالقوانين الاستثنائية المطبقة بحق الجماهير الكردية في الجزيرة، هذه القوانين الموروثة من الحكومات العنصرية السابقة، نطالبُ بالتخلي عن تطبيق تلك القوانين الجائرة ومماشاة روح العدالة بوضع حلولٍ جذرية للمشاكل الناجمة عن الإجراءات التعسفية حتى ترسيخ الوحدة الوطنية حسب مفهوم الحركة التصحيحية، ولكن الذي اصطُدمنا به وما لاقتْه الجماهيرُ الكردية لم يكنْ متوقعاً من السلطة. فهل من الحق والعدل أن يبقى الوضع كما هو عليه؟ وبالأحرى أن تزدادَ سوءاً، وهل تخدمُ هذه الإجراءاتُ الجديدة الحركة التصحيحية؟ . بالتأكيد لا. فإن الجنسية حقُ أساسي لكل المواطنين لا يجوز مسّه حسب شرعة حقوق الإنسان، كما أن توزيعَ الأراضي على جميع الفلاحين وعدالة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي حسب مبدأ(الأرض لمن يعمل بها) من ألف باء الاشتراكية التي يطمح إليها الحكم، كما أن الاعتقالات ليست حلاً للمشاكل التي تواجهُها المنطقة ، وإنما يجبُ إشغالَ العقل والمنطق بدل القوة والتعسف لتوحيد جهودنا وتقوية جبهتنا الداخلية الكفيلة بصدّ هجمات العدو الغاشم وتحرير أراضينا المغتصبة، وإن المستقبل كفيلٌ بإثبات صحة آرائنا وطرحنا للمواضيع التي تتطلّب حلولاً عادلة.}.
صدر العدد (19) من الجريدة المركزية-دنكي كرد- بتاريخ أواخر كانون الأول 1973، يحمل في طياته العديد من المقالات، منها مقالة رئيسية بعنوان:(ذكرى إعلان حقوق الإنسان) جاء فيها:
{….فمما يُؤسَفُ له، ويحزّ في النفوس، وجودُ مئة ألف كردي مجردين من الجنسية بعد تطبيق قانون الإحصاء الاستثنائي الذي جرى في عام 1962 وحرمان 25 ألف عائلة فلاحية كردية من حق الانتفاع بالأراضي التي عملوا بها منذ مئات السنين بعد تنفيذ مشروع الحزام العربي_ «مزارع الدولة»- وتقوم السلطة اليوم بنقل سكان منطقة الغمر إلى تلك المنطقة وتوزعُ عليهم الأراضي مع حرمان فلاحي تلك القرى منها.
إن هذه الإجراءاتِ التي تستهدفُ الأكرادَ، تتنافى ونصوصِ حقوق الإنسان من جهة، وتتناقضُ تناقضاً فاضحاً مع سياسة القطر ومواقفَ وتصريحاتِ المسؤولين فيه على المستوى الدولي. فحقُ المواطنة والانتفاع بموجب القوانين المرعية وعدمُ التمييز بين المواطنين في مجال التطبيق، والمساواة التامة بينهم في الحقوق والواجبات هي من أبسط الحقوق التي نادتْ بها البشرية وناضلت في سبيلها وصاغته في هذا الإعلان التاريخي الذي بات أحد سمات عالمنا المتحضر. وشعبنا الكردي إذ يشاركُ شعوبَ الأرض قاطبةً بالاحتفال بهذا اليوم المجيد ويُحَيّي كافة الحركاتِ التحررية العربية والعالمية، ويأملُ لها المزيدَ من الانتصارات والنجاحات، يطالبُ المسؤولين في القطر بوضع حدٍ لهذه السياسة ولتلك الإجراءات الاستثنائية الشاذة التي لن تجلبَ سوى الفرقة والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد والطبقة الفلاحية الواحدة، كما يطالبُ بالإفراج عن قادة الحزب الديمقراطي الكردي المعتقلين منذ خمسة أشهر تمشياً وانسجاماً مع نص وروح هذا الإعلان}.
وجاء في العدد (19) المذكور أعلاه أيضاً وتحت عنوان (مشاكل المواطنين) نشر عريضةٍ تقدم بها وفدٌ من الفلاحين الأكراد بالجزيرة إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والقيادة القطرية ووزير الإصلاح الزراعي والاتحاد العام للفلاحين، بعد عدم مقابلتهم من قبل مسؤولي الدولة لشرح معاناتهم المريرة نتيجة تطبيق مشروعي الحزام والإحصاء العنصريين.
كما جاءَ في العدد بيانٌ بعنوان (أهلاً بك يا أخي الفلاح العربي الوافد) بخصوص مشروع الحزام الذي تركَ ظلالاً سوداءَ على مجمل حياة الأكراد، حيثُ جاء البيان نقدياً تهكمياً، ورد فيه:
{أنا الفلاحُ الكردي، يسرّني أن أستقبلك بأرضي أيها الأخ الفلاح العربي، فبالأمس كنتَ بجانب السد العظيم، واليوم أنت زائرُنا قسراً مضطهداً محروماً من خيرات السد ونعيمه، جلبوك لأرض قاحلة تعتمد على الأمطار ولترى حال أخيك المنتفع، مع أنني لست منتفعاً، ومجرداً من جنسيتي السورية منذ عام 1962 عندما أقدمتْ عليه حكومة الانفصال الرجعية وما زالتْ حكومة الثورة مصممة عليها.
لا يوجدُ عندي ما أقومُ بواجبي كمستقبلٍ لك، لأنني غيرُ منتفع بقانون الإصلاح الزراعي، وبالرغم من اضطهادك ونقلك، لكنك ستصبح قريباً، وقريباً جداً برجوازياً بالنسبة لي، لأن لا حول ولا قوة لي سوى عطف الحكام، ورغم ذلك، فأنت مضطهَدٌ مثلي، لأنك محروم أيضاً من خيرات ونعيم منطقتك، منطقة السد العظيم، فسمحاً منك لأنني أنا الذي جلبت لك البلاء، لا لشيء، إلا لأنني خلقت كردياً!!فحرمتني حكومة الانفصال ثم الثورة ومن ثم حركة شباط وأخيراً الحركة التصحيحية، ويتهمونني باللاوطنية وعدمَ الإخلاص. وقد صدق العظماء من قبلنا عندما قالوا:(إن شعباً يضطهد شعباً آخر ليس بشعبٍ حر)، لذا، أعانقك معانقة الأخوة، لأن الشوفينيين والعنصريين (…..) لأنه لنا عدواً مشتركاً ألا وهو الصهيونية والامبريالية، لأنهم شردوا أخوة لنا من كل وطنهم واغتصبوا أرضنا…ومهما يكن، فالعدو عدو والأخ أخ رغم كبريائه، وأن إرادة الشعوب هي المنتصرة.}.
ونظراً لعدم اكتراث حزب البعث لكل النداءات الصادرة عن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي) بالعدول عن تطبيق مشروع الحزام، والإصرار على إبقاء قيادة الحزب في السجن رهن الاعتقال التعسفي المنافي لكل القوانين والمواثيق الدولية وحتى لدستور البلاد، فقد احتدَتْ لهجة خطاب البارتي المنددة بتلك السياسات الشعواء اللاإنسانية تجاه الشعب الكردي وقضيته العادلة. فقد صدر العدد (20) من الجريدة المركزية بتاريخ أوائل آذار 1974، وعلى صدر صفحتها الأولى نشر مقال بعنوان: (البعث بين الاشتراكية والعنصرية!) جاء فيه:
{إن حزب البعث ينادي بالاشتراكية منذ تأسيه، ومنذ عام 1963 استلم البعث لحكم في سوريا، أي منذ أحد عشر عاماً، وبيده كل إمكانياتِ البلد ولكن دون أن يصل حتى ألف باء الاشتراكية. ففي شباط 1966 حدث انقلاب من قبل بعض العسكريين الحزبيين ضد القيادة اليمينية وأزاحها عن الحكم واستلمت أمور البلد القيادة الجديدة، والتي أطلقت على نفسها (القيادة اليسارية) وكالت شتى التهم لقيادتها السابقة…إلخ، وانتظرتْ جماهيرُ الشعب من القيادة الجديدة أن تقدم أشياء عملية ملموسة لها، ولكن بعد مرور فترة قصيرة، إذا بها تنفردُ بالسلطة وتخنقُ الحرياتِ بحجة وجود تآمرٍ على الحزب وعلى النظام الاشتراكي وبالتالي على الوطن إلخ…وتحت هذا الستار زجت بمئات المواطنين في المعتقلات والسجون ولاحقت الآخرين و…إلخ. ولقد لقي الأكراد -كغيرهم من المواطنين- السجونَ والملاحقات وحجز الحرية، بالإضافة إلى أنهم بقوا محرومين من جنسيتهم السورية (ذلك الحرمان الذي يعتبر بدعة العهد الانفصالي الرجعي)، كما حُرموا من الاستفادة من قانون الإصلاح الزراعي ودخل تطبيقُ المرحلة الأولى من الحزام حيز التنفيذ عندما استولى اليسار البعثي على أراضي الحزام وحَرَم أهلَ المنطقة الأكرادَ من الانتفاع وأسستْ مزارع سميت فيما بعد بمزارع الدولة، فإذا باليسار البعثي ما زال يحتفظ بالعقلية اليمينية الشوفينية كسابقه البعث اليميني، أي أنها يسارية التفكير ولكنها تريد تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها حركة شباط، وانتعش المواطنون وهللوا لها وكبّروا. والشعب الكردي كشقيقه الشعب العربي في هذا القطر توقع أشياءً من الضرورة حلُها، كإعادة الجنسيات وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي على المواطنين الأكراد وتخلي البعث عن فكرة الحزام وإعطائهم بعض الحريات السياسية منها والثقافية، ولكن كل هذه التطلعات – على الرغم من مرور أربع سنوات-أصبحت بخاراً، بل على العكس، أصبح الأكراد أمام تطبيق المرحلة الثانية من مشروع الحزام العنصري بإسكان أهالي منطقة سد الفرات في منطقة الحزام المأهولة بالسكان الغير مستفيدين من قانون الإصلاح الزراعي، ويلاقي الأكرادُ الصعوبات والعقبات التي رأوها في عهد العقلية اليمينية وحركة شباط، من سجنٍ واعتقالٍ وملاحقة العناصر الحزبية، ويمنعُ الأكراد من شراء الآلات الزراعية ودور السكن وبناء مساكن جديدة وترميم المساكن القديمة، كما أن الأكراد يعانون-من جراء حرمانهم من الجنسية- من معاملة قاسية في تزودهم بالمواد التموينية، كما يُمنَعُ دخولُ الطلبة الأكراد المدارس والجامعات لنفس السبب…إلخ. إننا نسأل المسؤولين كيف لنا أن نصدق ما ينادي به البعث من المساواة التامة بين كافة المواطنين دون تمييزٍ في العنصر واللغة أو الدين.. إلخ؟ … وما هو الفرق بين البعث الحالي وبين البعث اليميني وحركة شباط؟ وأية أشياءٍ صححها هذا العهد بالنسبة للأكراد؟!… لا شيء مطلقاً مع فارق بسيط هو إجراء انتخاباتٍ شكليةٍ ومزيفةٍ في الجزيرة، سواءً في انتخابات الإدارة المحلية أو في انتخابات مجلس الشعب، فالجنسياتُ بقيت كما كانت في العهود السابقة، والحزامُ ينفذ خطوة بعد أخرى، ومضايقة الأكرادِ من كافة النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية سائرة. إن العقلية الشوفينية ما زالتْ مسيطرة على قسمٍ كبيرٍ في جهاز الحكم والقيادة القطرية لحزب البعث، وما زالوا يؤمنون بعقلية اليمين البعثي، وهو صهرُ القوميات الغير عربية في بوتقة القومية العربية، وهم متخلفون عن قائد هذا البلد فكرياً وعملياً، فالرئيس الأسد كان قد كسر طوق تحكم الحزب الواحد والانفراد بالسلطة وطبق نوعاً من الديمقراطية وأطلق بعض الحريات رغم ما يلاقيه من صعوبات وعقبات كثيرة، ولكن الآن هل سيكون بإمكانه كسر طوق العقلية الشوفينية في الحزب والدولة تجاه الأكراد ومتى؟؟ ليكتمل في حزبه وحكومته كافة المعالم الإنسانية!}.
وفي مقال آخر بنفس العدد حول الجبهة الوطنية التقدمية، ورد ما يلي:
{ …ولم يرَ الشعبُ الكردي من هذه الأحزاب أن انتقدتْ حزبَ البعث أو حتى نبهته عن المخاطر والمساوئ الناجمة والتي ستنجمُ من جراء تطبيق الحزام وعن بقاء الإحصاء واستمرار القوانين الاستثنائية الأخرى بالرغم من عدم موافقة هذه الأحزاب على هذه الأعمال المخالفة لمبادئها، وكان الأكراد يتوقعون من تلك الأحزاب بأنها سوف لا تسكتُ على هذه المشاريع اللاإنسانية، ولكنها بكل أسف إلى الآن، نراها ساكتة !! حتى أنها لم تعبرْ عن احتجاجها أمام الرأي العام بأدبياتها على الأقل-على تطبيق هذه المشاريع العنصرية، فهل تخلت تلك الأحزاب عن مبادئها الأممية والاشتراكية والوطنية والتقدمية؟! أليس الأكراد مواطنين مدافعين حريصين على مصلحة القطر كغيرهم من المواطنين؟ في أي بلدٍ في العالم توجد جبهة وطنية تقدمية ويوجد مواطنون من الدرجة الثانية في بلدهم؟ لماذا يحرم الأكراد من جنسيتهم؟ ولماذا تتحمل أحزاب الجبهة جرائم عهد الانفصال؟ أليس الفلاح فلاحاً عربياً كان أو كردياً؟ ولماذا لا تطالب هذه الأحزاب الحزب القائد بتطبيق قانون الإصلاح الزراعي في الجزيرة وتوزيع الأراضي على أهالي المنطقة أنفسهم؟ بالرغم من يقيننا التام بأن هذه الأحزاب لا تتفق مع حزب البعث بنظرته الشوفينية والعنصرية تجاه الأكراد وتطبيق المشاريع العنصرية بحقهم، بأن تلك الأحزاب تريد تطبيق المساواة التامة بين كافة المواطنين دون تمييزٍ في العنصر أو اللغة أو الدين، كما أننا نعتقدُ أنها إذا رفعت أصواتها ضد هذه المشاريع اللاإنسانية سيكون تأثيرها فعالاً، وستلاقي صدى واسعاً بين كافة الأوساط التقدمية والرأي العام الداخلي والخارجي، ولكن، لماذا لا تصرخ؟ إن هذه المواقف آتية من خوفها من التصادم مع حزب البعث المتشبث بمواقفه الشوفينية وإصراره على صهر القوميات الأخرى بالقومية العربية، ولكن رغم هذا، فإن السكوتَ عن الأعمال اللاإنسانية جريمةٌ مهما كانت المبرراتُ والحججُ. وإنّ هذه الأحزاب سوف تفقدُ مكانتها بين الجماهير عاجلاً أم آجلاً. وإذا كان كل موقفٍ يتشبثُ به البعث توافقُ عليه الأطراف الأخرى في الجبهة، فماذا يكون معنى هذا الاشتراك؟! وإن الجبهة تذكرنا بأيام البرلمانات السورية عندما كان بعض النواب قد تعودت ألسنتهم على كلمة موافق. وفي الختام نسأل إخواننا في الجبهة: ماذا كان مصير أولئك النواب؟ وماذا سيكون مصير الجبهة؟!}.
صدر العدد (20) من الجريدة المركزية بتاريخ أوائل نيسان 1974 يحمل عناوين مختلفة، أبرزها المقال الافتتاحي بعنوان:(الجمود الفكري في البعث)، جاء فيه:
{منذ الأربعينات، برز حزب البعث العربي الاشتراكي كحزبٍ سياسي في المنطقة، وخاصة بعد استلامه مقاليد الحكم في سوريا. ونظرة فاحصة لماضيه وحاضره تدلنا على أنه حزبٌ بطيءُ التطور فكرياً، فهو منذ تأسيسه يتسمُ بنظرةٍ عنصرية شوفينية في قضايا الشعوب، وما زالَ يعملُ لصهر القوميات غير العربية في بوتقة القومية العربية، وهو بعمله هذا يفرغُ القومية العربية من محتواها الإنساني وتعايُشِها مع القوميات الأخرى…صحيحٌ أن البعثَ ينادي بالاشتراكية، وكثيرون من التقدميين يهللون له، ولكن ما هذه الاشتراكية؟ أتوجد اشتراكية يُضطَّهَدُ في ظلها العمالُ والفلاحون من القوميات الأخرى؟ أم أن الاشتراكية للقوميات القوية وحدِها وتحرمُ منها القومياتُ الضعيفة؟ وكثيراً ما نقرأ ونسمع من أجهزة إعلام البعث تأييدَه لهذه الثورة أو تلك في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فإذا كان حقاً يؤيد الثورات وحقَ الشعوب في تقرير مصيرها، فهذا متوقفٌ بقدر تأييده لقومية غير عربية تعيش في منطقته. فلم نر يوماً أن البعث قد تكلم عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، ولا عن أخبار الثورة الكردية، بل يمنعُ كافة المطبوعات التي تنشر فيها أخبارُ أكراد العراق مثلاً، فضلاً عن أنه يمارسُ سياسة عنصرية تجاه الأكراد السوريين ويطبقُ بحقهم سياسات استثنائية كالحزام والإحصاء والاعتقالات والملاحقة والضغط ويحاربونهم اقتصادياً بكافة السبل.
إن الاشتراكيَ الصحيحَ هو ذاك الذي ينددُ بتسلط قوميةٍ على أخرى ويساندُ ويدعمُ نضالَ القومية الضعيفة من أجل حقها في المساواة مع القومية التي تتحكم فيها، وإلا، كيف يمكن أن يكون اشتراكياً؟ وإن السكوت عن الاضطهاد القومي والتمييز العنصري من قبل هذا الاشتراكي يجرده من كونه اشتراكياً، بل هو شوفيني عنصري…}.
كما تضمن العدد(20) آنف الذكر مقالة أخرى بعنوان:(الإبادة التربوية في الجزيرة) جاء فيها:
{أصدر السيد وزير التربية بلاغاً تحت الرقم443/453/4/6 بتاريخ 18/2/1974 وعممته مديرية التربية بالحسكة على جميع المدارس الابتدائية بالمحافظة تحت الرقم532/أوب بتاريخ 21/2/1974. وقد ورد في ذلك البلاغ النص التالي:(نرى عدم منح أية وثيقة للتلاميذ المكتومين وعدم ترفيعهم من صفٍ إلى صفٍ أعلى ما لم يُسَجلوا رسمياً). واضحٌ أن البلاغَ المذكورَ يؤدي إلى ترسيب التلاميذ الأكراد الذين حُرمتْ أسرُهم من الجنسية، وحرمانهم من الاستمرار في تلقي التعليم. وهنا نسأل السيد الوزير: هل ينسجمُ هذا البلاغ مع مبدأ مجانية التعليم الذي تتبناه سوريا ويتطلب تهيئة الفرصة لجميع من تقع أعمارهم في السن المحددة لتلقي التربية بمقتضى الأنظمة النافذة؟ وهل يتلاءمُ مع مبدأ إلزامية التعليم الابتدائية الذي يتطلب أن تجبر الدولة أولياء التلاميذ على إدخال أولادهم في المدارس؟ ألم يكفِ النشء الكردي المجرد من جنسيته بمقتضى الإحصاء العنصري البغيض الجاري في 1962 من الدراسة الجامعية والعليا؟ حتى جاء هذا البلاغ ليسد أبواب التربية الابتدائية أيضاً في وجه الأطفال الأبرياء، وهل كانت هذه الخطوة بدلاً من تشييد دور الحضانة وبناء الملاعب وإنشاء الحدائق العامة ووسائل التسلية والترفيه لأطفالنا رجال المستقبل!!وقد ورد في البلاغ المذكور:( ويمنح المكتوم فرصة أقصاها نهاية العام الدراسي الحالي ليتمكن ذووه من إتمام معاملة تسجيله). ألا يعرفُ السيد الوزير أن مشروعَ الإحصاء العنصري قد برز إلى الوجود منذ فرصة اثني عشر عاماً، فإذا لم تكن تلك الفرصة الطويلة كافية لأن يستردَ المكتومون الأكراد جنسياتهم، فكيف يتمكنون من ذلك في فرصة ثلاثة أشهرٍ التي تضمنها البلاغ الشبيه بإنذار حربي صادرٍ من وزير دفاع لا من وزير تربية!… إن هذه الثمرة المرة من ثمار الإحصاء الشوفيني لعام 1962 تتنافى مع ابسط مبادئ الإنسانية، لأنها محاولة أثيمة لحرمان قسم كبيرٍ من الأطفال الأبرياء من حقهم في العلم…}.
إن الغاية من نشر هذه المقتطفات والمقالات التي تعودُ إلى أكثر من ثلاثين عاماً، والتي تُعتبر وثائقَ حيةً أمام الشعب والتاريخ تدينُ النظام على مخططاته الرامية إلى إزالة الشعب الكردي في سوريا من الوجود ومحو آثاره، هي الوقوف على ظروف الشعب الكردي في تلك المرحلة والسياسات الاستثنائية العنصرية التي مارستها أجهزة الدولة بحقه دون أي رادعٍ من ضمير، ومحاربته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، والاطلاع على الموقف القومي و الوطني المتزن الصارم الذي اتخذته القيادة الكردية حيال القضايا المصيرية، والربط المحكم بين القضايا الوطنية والقضية القومية الديمقراطية.
————
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=45166