الخميس, نوفمبر 21, 2024

عبد الرحمن قاسملو.. حكاية مناضل قضى عمره لنيل حقوق الكرد في إيران

 

لطالما كانت القضية الكردية، إحدى أكثر القضايا المهمة في العالم عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث يتوزع عشرات الملايين من الكرد في أرضهم التاريخية، كردستان الكبرى، المنطقةِ الممتدة من جبال زاغروس إلى الجزيرة الفراتية، والتي تضم أجزاءً في جنوب شرق تركيا، وشمال سوريا والعراق وشمال غرب إيران، وتمتد بحسب بعض التعاريف إلى أجزاءٍ من جنوب القوقاز.

يُعرف الكرد بنضالهم الطويل في سبيل نيل حقوقهم القومية المسلوبة، بعدما قسّمت المصالح الدولية أرضهم، ليكونوا مظلومين بين أربع دولٍ على وجه التحديد، والحديث هنا عن تركيا وسوريا والعراق وإيران، والتي ارتكبت سلطاتها على مدار عقود، أفظع الانتهاكات والجرائم بحق الشعب الكردي، الذي خسر مئات الآلاف من أبنائه الأبرياء، لمجرد مطالبتهم بحقوقهم وصونها.

إيران، تعد واحدةً من أبرز الدول التي ارتكبت الفظائع بحق الكرد، الذين يمثلون ما يزيد على عشرةٍ في المئة من السكان هناك، والهدف هو محو الهوية الكردية، التي تعد حقاً مشروعاً لشعبٍ يعيش على أرضه التاريخية، حيث يتوزع ما بين ثمانية واثني عشر مليونَ كردي، في المنطقة بالمعروفة بشرق كردستان، التي تضم مناطق شمال غرب إيران، وهي محافظات أذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه وعيلام، وأجزاءٌ من محافظتي همدان ولرستان.

لعب الكرد في إيران دوراً سياسياً مهماً في النضال من أجل استقلال كردستان، ما أثمر عن قيام جمهورية مهاباد الكردية، عام ألفٍ وتسعمئة وستةٍ وأربعين، والتي استمرت قرابة عامٍ واحد، قبل التآمر عليها وإنهائها من قبل الشاه، بدعم القوى الدولية، متمثلةً بالاتحاد السوفييتي سابقاً وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.. مؤامراتٌ وقمعٌ استمرا بحق الكرد هناك، وصولاً إلى الوقت الراهن، واجهتها شخصياتٌ كرديةٌ مناضلة، منهم عبد الرحمن قاسملو، الذي ضحى بحياته مطالباً بحقوق الكرد في إيران.

يعد الدكتور عبد الرحمن قاسملو، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، أحدَ أبرز قادة الكرد في إيران خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وعُرِف السياسي الجامعي الكردي بثقافته العالية، حيث كان يتكلّم عدة لغاتٍ شرقيةٍ وأوروبية، كما كان سياسياً معتدلاً، يطالب بإدارة حكمٍ ذاتيٍّ للكرد ضمن إيران.

ولد عبد الرحمن قاسملو عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثين،1930، في وادي قاسملو المجاور لبلدة رضائية (أورمية حالياً) في إيران.. تتبّعَ في سنوات دراسته حركةَ القاضي محمد، الذي أعلن الجمهورية في مهاباد الكردية، عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستةٍ وأربعين 1946، في ظل الحماية السوفيتية، ودرس المرحلةَ الابتدائية والإعدادية والثانوية فيها، وفي طهران وفي العراق.

في العام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وأربعين، انتقل قاسملو إلى مدينة إسطنبول من أجل اتمام دراسته الجامعية، قبل أنّ ينتقل إلى أوروبا، لإكمال دراسته، حيث قام بتدريس مادة رأس المال والاقتصاد الاشتراكي في جامعة براغ، ودرّس اللغة والثقافة والتاريخ الكردي في جامعة السوربون في باريس، حتى عام ألفٍ وتسعمئةٍ وواحدٍ وستين، كما لعب دوراً هاماً في تشكيل اتحاد الشباب الديمقراطي في كردستان، الذي كان أحد مؤسسات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، قبل أن يصبح عضواً رسمياً في الحزب، ويتقلّد منصب الأمين العام له، عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثةٍ وسبعين.

في أواخر العام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وسبعين 1978، عاد إلى منطقة كردستان بإيران، ليؤسس هناك فروعاً لحزبه، قبل أن يشن برفقة عشرين ألفَ مقاتلٍ من البيشمركه، حملةً ضد جيش شاه إيران في ذات العام، على ضوء الاضطرابات التي عمت البلاد خلال الثورة الإيرانية، حيث تمكنت القوات من السيطرة على ثماني مدنٍ وعشرين بلدةً في كردستان بإيران، ليضع بذلك الشعب الكردي حجرَ الأساس لشبه إدارةٍ فيدرالية.

حلمٌ لم يتحقق، فلم يحصل الكرد في أعقاب ما تعرف بالثورة الإسلامية على حقوقهم القومية، لتندلع إثرَ ذلك مواجهاتٌ مسلحةٌ بينهم وبين القوات الحكومية، كان قاسملو فيها قيادياً، ليخسر الكرد حينها أعدادًا كبيرة، إثر عمليات إعدامٍ في محاكم خلخالي سيئة السمعة، فيما اتجه القيادي الكردي إلى طريق المفاوضات، على أمل تحقيق أية مكاسبَ للشعب الكردي، دون أن يَعرف أن هذا الطريق سيودي بحياته.

فبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، في آب / أغسطس عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وثمانين 1988، استدرج الإيرانيون المناضلَ الكردي عبد الرحمن قاسملو إلى فيينا عاصمة النمسا، للتفاوض من أجل الحكم الذاتي لكردستان، ليتم اغتيالُهُ هناك، من قبل المخابرات الإيرانية، مع اثنين من رفاقه، يومَ الثالث عشر من تموز / يوليو، عام ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعةٍ وثمانين، لتتحدث لاحقاً السلطاتُ النمساوية، أنها تمتلك وثائقَ تؤكد ضلوع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، في عملية الاغتيال، ليُدفن بعدها المناضل الكردي في مقبرة العظماء بالعاصمة الفرنسية باريس.

وبعد اغتيال عبد الرحمن قاسملو، نشرت مجلة دراساتٍ كرديةٍ في باريس، عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثةٍ وتسعين، تصريحًا لابنة المناضل الكردي هيلين قاسملو قالت فيه، ” لا زالت الحكومة النمساوية تُماطل في إحقاق العدالة، فيما يخص هذه القضية. وهل معنى ذلك أن الشعبَ الكردي، حتى في بلدٍ ديمقراطي، وفي قلب أوروبا، لا يمكن أن يطمح في إحقاق حقوقه “.

المناضل الكردي عبد الرحمن قاسملو، حكايةُ نضالٍ كردية، طالبت بنيل حقوق الكرد وحريتهم وكرامتها في أرضهم، حكايةٌ لن ينساها الشعب الكردي في مختلف أنحاء العالم، لأن مَن دفع دمه وحياته ثمنًا لحقوق أبناءِ جلدته، لا يُنسى ولن يُنسَ.

المصدر: قناة اليوم

شارك هذه المقالة على المنصات التالية