الخميس, نوفمبر 21, 2024

بشار جرار: معركة إدلب بين مؤتمري سوتشي ووارسو

لأسابيع سبقت إعلان الانسحاب الأمريكي من سوريا وتلته، رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صوته وكأن عمليته في منبج باتت وشيكة. ذهب قاصدا موسكو فالتقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين ليعيده في المؤتمر الصحافي المشترك إلى إدلب، مذكرا بأولوية الحرب على الإرهاب تحت عنوانه الصارخ في وضوحه، النصرة سمت نفسها هيئة تحرير الشام، أم القاعدة فهي هي لم تتغير في نظر من يسمي الأمور بمسمياتها.

وقبل أن يعود أردوغان إلى طرح هواجسه الأمنية شرق الفرات، مهددا تارة باتفاق أضنة مع الدولة السورية وتارة بتفاهم منبج مع الولايات المتحدة، عاد مرة أخرى بوتين إلى تذكير أردوغان وهذه المرة إلى جانب نظيرهما الإيراني حسن روحاني ومن منتجع سوتشي بأولوية محاربة الإرهاب هناك في شمال سورية إلى الغرب من منبج في المنطقة الأخيرة التي تم فيها تجميع حمولات الباصات “الخضر” من الإرهابيين وأسرهم.

وتشاء الأقدار – أو هي الأحداث وتداعياتها، أن تطفوا إلى السطح تقارير استخبارية وأخرى إعلامية مرتبطة بدوائر أمنية عن وجود صراع خفي على زعامتي داعش والقاعدة، ذهبت تلك التقارير إلى القول بإحباط “انقلاب” على زعيم “الخلافة” المزعومة التي من المقرر أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غضون أيام نبأ اكتمال تدميرها بالكامل، ومن يدري ربما تنتهي بقتل أو إلقاء القبض على زعيم العصابة “البغدادي”. ولعل ذلك ما جعل الزعيم شبه المنسي الدكتور “الطبيب” أيمن الظواهري يخرج بخطاب فيه الكثير من التشفي في منافسه اللدود على زعامة الإجرام والإرهاب الدولي باسم الدين الذي تم اختطافه في مهده ومن بين أبنائه. ويعلم كثيرون أن للظواهري حربه الخفية الداخلية أيضا مع زعامة طامحة تستند إلى “شرعية” الوراثة تتمثل في حمزة “الشاب” الذي يعلم الظواهري “الكهل” مدى تهديده لزعامته في خلافة مؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن.

وفيما نجحت إدارة ترامب في عقد مؤتمر وارسو بقيادة “المايكين” بينس وبامبيو، فإن نائب الرئيس ووزير الخارجية لم يعيرا بالا لتهديدات أردوغان بخصوص شمال سوريا، مشددين على ضرورة قيام الجميع في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط كله بالتركيز بطبيعة الحال على كف يد طهران إقليميا. المطالب الأميركية في هذا الخصوص واضحة وتتمثل بكف إيران عن تهديد إسرائيل والعبث في أمن أربع دول هي سوريا والعراق ولبنان واليمن.

وبالنظر إلى سوتشي ووارسو، تتقاطع الرعاية الروسية والأميركية على أولوية محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار، والقاسم المشترك الأعظم بينهما فيما يخص الحاضر الغائب “إيران” يتمثل في أولوية الساحة السورية كمعيار على كشف نوايا دولتين إقليميتين هما تركيا وإيران في سوريا حيث انضمت طهران في المحصلة إلى جانب حليفتها روسيا وعدوتها أميركا في الضغط معا على “الشريك” التركي بأن الأولوية لإدلب لا منبج، فالعدو هناك عدو مشترك وغير “خلافي” وعنوانه واضح تم تحديده عبر شهور من الإعداد والتخطيط الذكي في كنس الإرهاب شيئا فشيئا من كل سورية لحصره في منطقة محددة واضحة المعالم عنوانه إدلب.

المشهد واضح من هذه الزاوية، سيتم القضاء على “أراضي” داعش شرقا ليتم القضاء على “أراضي” النصرة غربا. والسؤال الأكبر والأكثر خطورة هو هل سيتم تفكيك المجموعات الإرهابية وتفريغها من محتواها الإنساني حتى لا تكون ضريبة “الدروع البشرية” أم أنها ستكون مقتلة كبرى تبعث من إدلب إلى العالم كله برسالة مدوية تحقق أغراض الردع. أستبعد الخيار الثاني لأسباب عدة، لكني أتمنى ألا يتم ترحيل المشكلة بترحيل أدوات الإرهاب إلى ساحات ابتزاز واستنزاف دولية جديدة في منطقة الشرق الأوسط “الكبير”. للتذكير، فإنه من غير المستبعد، عودة فلول القاعدة إلى وكرها في كابول وكهوف تورا بورا، على أن تكون في عهدة طالبان الجديدة التي فاوضت -بعد ترويضها أو إعادة تأهيلها- أميركا على انسحاب أول شروطه عدم استضافة معسكرات إرهابية أو قيادات إرهابية في البلاد. فهل يعاد تأهيل القاعدة “طالبانيا” أم يتم القضاء عليها في أفغانستان بالرصاص والمفخخات والأفيون الطالباني؟

بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية
“سي إن إن”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *