الخميس, ديسمبر 19, 2024

جواد إبراهيم ملا: عظماء الأمة الكوردية – الجنرال مصطفى البارزاني (4/4)

جواد إبراهيم ملا

الجزء الرابع من الحلقة الرابعة

عظماء الأمة الكوردية: والدي إبراهيم الملا والعم أوصمان صبري والبروفيسور جمال نبز أحد العظماء السبعة الذين أسسوا كاژيك والجنرال مصطفى البارزاني

 

4- الجنرال مصطفى البارزاني

الرئيس الجنرال مصطفى البارزاني

 

في بداية عام 1972 زارني في بيروت العزيز عادل مراد رئيس إتحاد طلبة كوردستان-العراق ووجه دعوة لي بصفتي رئيسا للإتحاد القومي للطلبة الكورد في سورية ووجه دعوة إلى الرفيق خالد مللي بصفته رئيسا لإتحاد الطلبة الكورد في لبنان من أجل حضورنا المؤتمر العام لإتحاد طلبة كوردستان-العراق المقرر عقده في مدينة السليمانية في نيسان 1972 ولبيت الدعوة وتوجهت بالطائرة من بيروت إلى بغداد… وإعتذر الرفيق خالد مللي إلا إنه كلف الرفيق غازي فرحو بالمهمة للمشاركة في المؤتمر عوضا عنه…

في بغداد استقبلني العزيز عادل مراد في مطار بغداد في صالة التشريفات الخاصة بالوفود الحكومية والشخصيات الهامة…

مكثت في بغداد بضعة أيام في فندق العراق أحد الفنادق الفخمة ضيفا على حساب إتحاد طلبة كوردستان وكان الرفيق دلير رشيد رئيس فرع السليمانية لإتحاد طلبة كوردستان يرافقني في بغداد في زياراتي إلى ان لاحظ الرفيق دلير في إن عناصر من المخابرات العراقية تتبعنا فإتصل دلير مع عادل مراد وأخبره فقال له عادل: غادر بغداد فورا وتوجه مع الرفيق آكو إلى السليمانية.

فأخذنا سيارة من بغداد وتوجهنا إلى مدينة السليمانية إحدى المدن الكوردية الرئيسية في جنوب كوردستان. وفي ذلك الزمان كان في جنوب كوردستان جامعة واحدة وهي جامعة السليمانية.

ونحن في السيارة عند مدخل مدينة السليمانية إسترعى إنتباهي ذلك الطفل الكوردي الذي كان لا يتجاوز الأربعة سنوات من عمره ولابسا الشروال الكوردي ويحمل سلة بيده وينادي على السيارات الداخلة والخارجة من مدينة السليمانية باللغة الكوردية “هيلكه ونان… هيلكه ونان” أي بيض وخبز… فقد حفر البائع الكوردي الصغير كلماته في ذاكرتي اخدودا لا يمكنني نسيانه… إن الكورد في السليمانية لا يكترثون بهذا لأن الباعة كلهم ينادون على بضائعهم باللغة الكوردية أما بالنسبة لي فلم يحدث ذلك في حياتي فالكورد في غرب كوردستان ينادون على بضائعهم بالعربية وفي شمال كوردستان بالتركية مع الاسف الشديد.

وأنا في السيارة كان صدى صوت ذلك الطفل الذي كان ينادي باللغة الكوردية ليبيع الخبز والبيض… عادت ذاكرتي إلى ستينيات القرن الماضي حينما كنت والرفاق في حي الكورد الدمشقي نتتبع إذاعة صوت كوردستان باللغة الكوردية والقتال البطولي الذي كان يخوضه پيشمرگه كوردستان في صدهم لعدوان الجيش العراقي والجيش السوري الذي شارك الجيش العراقي بعد انقلاب البعث في سورية عام 1963… وكنا نستمع إلى إذاعة صوت كوردستان بشغف وخاصة حينما يتم ذكر وحدات الپيشمرگه وتقسيماتها العسكرية (التيپ والپتاليون والهيز وغيرها…).

إلا أن إذاعة صوت كوردستان كانت تتعرض إلى قرصنة الحكومة العراقية في توجيه إذاعة للتشويش عليها بإغنية (هاني هاني… باللغة الانكليزية) وكانت مزعجة جدا لأن بثها كان على نفس تردد إذاعة صوت كوردستان مما كان التشويش يمنعنا من سماع إذاعة صوت كوردستان إلا أن إذاعة صوت كوردستان كانت تنقل ترددها إلى تردد مجاور آخر… وكنا نغير مكان مؤشر الراديو حيث نسمع الاذاعة جيدا لفترة قصيرة وتعاود (هاني هاني) للظهور ومن ثم تغير الاذاعة ترددها بسرعة وكنا نغير المؤشر إلى مكان مجاور للتردد القديم لنسمعها قليلا وتعاود (هاني هاني) لتشويشها وهكذا… إنها كانت معركة البحث عن كلمة كوردية من إذاعة صوت كوردستان التي كانت تجعلنا نتصبب عرقا وبعصبية ولكن كان إيماننا بإنتصار شعبنا الكوردي يتعاظم… لأننا حينما كنا نسمع كلمة الكورد وكوردستان والپيشمرگه والقائد العام للثورة الكوردية الجنرال مصطفى البارزاني من إذاعة صوت كوردستان تزداد حماستنا القومية الكوردية إلى أقصى درجاتها حتى بدون سماعنا لأي خبر بالكامل لإننا في ذلك الزمان حينما كنا نسمع كلمة الكورد فقط فكان ذلك كافيا لنا… حتى لدرجة أن بعض الجرائد اللبنانية كانت أحيانا تذكر إسم الكورد حتى ولو كانت بصورة مسيئة للكورد إلا إننا كنا نحمل تلك الجريدة إلى جميع الاحياء لكي يراها الرفاق وكنت أقول لهم إقرؤا فإنهم يذكروننا فنحن متواجدون حتى ولو كانوا يشتموننا لأن كلمة الكورد في سورية كانت ممنوعة نهائيا كتابة ونطقا. ولكن ذلك الطفل الكوردي الذي كان ينطق بالكوردية غير مبال في إنها أحدثت انقلابا في خيالي وفجأة سمعت العزيز غازي يقول لي لقد وصلنا السليمانية. فإنتبهت له وكأني كنت في عالم آخر.

وصلنا السليمانية مساء فتوجهنا إلى بيت محافظ السليمانية “علي عبد الله” وحينما استقبلنا المحافظ كان في لباسه المنزلي بدون لفة الرأس وفي ذلك الوقت كنت أعرف شكله جيدا من صور الجرائد ولكني حينما شاهدته شخصيا وبدون عمامة على رأسه تفاجأت حيث ظننته الرئيس السوڤيتي خروتشوف بصلعته… وبدون تردد أرسلنا إلى بيت الضيافة الخاص بالمحافظ وفي اليوم التالي نزلت في فندق السلام في مدينة السليمانية المخصص لوفود الطلبة وهناك إلتقيت مع الرفيق غازي فرحو ممثل الطلبة الكورد في لبنان والرفيق طارق عقراوي رئيس جمعية الطلبة الكورد في أوروپا.

 

في أواسط شهر نيسان 1972 حضرت المؤتمر العام لإتحاد طلبة كوردستان-العراق المنعقد في السليمانية وكان مؤتمرا جماهيريا ضخما شارك فيه أكثر من ألف مندوب للطلبة من جميع المدارس الثانوية ومن جامعات كوردستان وبغداد، وكان عادل مراد الشخصية المحورية في المؤتمر ولا أتذكر جميع الأسماء إلا إني أتذكر بعضهم: محمد قرداخي وفرهاد پالوان (فرهاد عبد الحميد) وحميد بلباس ودلير رشيد وفريدون عبد القادر (شقيق العزيز فرهاد عبد القادر) وفرهاد عوني وخالد يونس خالد ومحمد الطيب.

ألقيت كلمة في المؤتمر بإسم الإتحاد القومي للطلبة الكورد في سورية ولقيت استحسانا كبيرا وتصفيقا أكثر من غيرها من الكلمات ولا أعلم هل من أجل كلمتي كانت قوية جدا أو لأني من غرب كوردستان…. وعلى ما أذكر من كلمتي اني ركزت على وحدة الصف القومي الكوردي مساندين القائد العام للثورة الكوردية المجيدة الجنرال مصطفى البارزاني وان نضع الخلافات الآيديولوجية جانبا لأن العدو متربص بنا ويسعى للإصطياد بالماء العكر ليتسلل من خلال الحلقات الضعيفة قوميا ليقطعها ويباعد فيما بين فئات المجتمع الكوردي.

ومنذ اليوم الاول للمؤتمر الذي إستمر عدة أيام عين العزيز عادل مراد الرفيق فريدون عبد القادر ليكون مرافقي من أجل ترتيب المواعيد مع المسؤولين في مدينة السليمانية وزيارة مقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني والمحافظ والمنظمات الشعبية التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وغيرها من الإتصالات.

فكان المؤتمر ينعقد من الصباح للمساء… وفي المساء كنت أقوم بالزيارات وكان الرفيق فريدون عبد القادر يقوم بترتيبها ومرافقتي حتى انتهاء الزيارات وايصالي إلى فندق السلام.

 

وفي مساء اليوم الثالث للمؤتمر أخبرني الرفيق فريدون عبد القادر في ان الرفاق في كاژيك ينتظرونك في هذا المساء… فقلت له هل أنت كاژيكي أم بارتي فقال لي إني كاژيكي… وكاژيك يشارك في الثورة وأنا أنفذ الاوامر. وكنت مستغربا أكثر في هل لكاژيك مقرا علنيا؟. فقال لي صحيح ليس له مقرا علنيا ولذلك لا يحق لي مرافقتك فقلت كيف أذهب إلى الإجتماع فقال لي حينما تخرج من فندق السلام في الساعة السابعة مساء تشاهد شابا واقفا أمام باب الفندق ويحمل بيده مسبحة حمراء فتذهب معه. وهكذا فعلت ورافقت الشاب الذي يحمل مسبحة حمراء وفيما بعد عرفت إسمه وكان العزيز “مژده طاهر” حيث أخذني إلى الإجتماع مع الرفاق كاژيك وكان هناك الرفيق “كامل ژير” الذي كنت قد إلتقيته في برلين من قبل وكان الإجتماع الاول لي مع رفاق كاژيك في جنوب كوردستان… وقد كان سروري عظيما بهذا الإجتماع لأني بعد أن انتظمت في كاژيك في العام 1969 على يد الدكتور جمال نبز في برلين -مع إني كنت قائدا لتنظيم كاژيك في غرب وشمال كوردستان- إلا ان إجتماعي مع الرفيق كامل ژير تم تثبيت الحلقة التنظيمية فيما بين جنوب وغرب وشمال كوردستان وخلال الإجتماع تحدث الرفيق كامل ژير عن مسائل التنظيم وأهمية السرية التامة.

وبعد انتهاء الإجتماع عدت إلى فندق السلام لأتابع في اليوم التالي أعمال المؤتمر.

وكان هناك برنامجا لي ولوفود الطلبة الكورد من خارج جنوب كوردستان:

  1. زيارة أهم معالم مدينة السليمانية وفي مقدمتهم الجامع الكبير والاسواق التجارية والتاريخية.
  2. دعانا محافظ مدينة السليمانية “علي عبد الله” لتناول طعام الغذاء في مطعم على شاطئ بحيرة دوكان.
  3. عرفني الرفيق فريدون عبد القادر على شاب من أهالي السليمانية في أنه پيشمرگه وحضر معارك عديدة ضد الجيش العراقي ومرة استولى بالخنجر على دبابة عراقية وأسر جنودها.
  4. كما زرت العديد من الرفاق في مدينة السليمانية واتذكر أحدهم وكان مشهورا بإسم “شيخ كاژيك”.

 

في نهاية أعمال المؤتمر تم انتخاب عادل مراد سكرتيرا عاما للإتحاد وشاركت في فرز الاصوات وكتابة البيان الختامي للمؤتمر وأعمال إدارية أخرى.

خلال عقد المؤتمر وصلت برقية من مقر الجنرال مصطفى البارزاني تنص على ان الرئيس بارزاني يطلب اللقاء مع قادة التنظيمات الطلابية الكوردية التي جاءت من خارج إقليم جنوب كوردستان.

وقام العزيز عادل مراد في تبليغي والزميل غازي فرحو ممثل إتحاد الطلبة الكورد في لبنان والزميل طارق عقراوي رئيس جمعية الطلبة الكورد في أوروپا بما جاء في برقية الرئيس بارزاني وقد كان هناك في المؤتمر من يمثل طلبة شرق وشمال كوردستان إلا إنهم لم يأتوا معنا ولا أعرف السبب فمنهم قالوا لأنهم من المقيمين في جنوب كوردستان ومنهم قالوا خوفا من كشف هوياتهم… ولكني لم أقتنع بتلك المقولات لأني في زيارتي هذه كنت إستعمل إسمي الحركي “هڤال آكو”.

لقد كان سرورنا عظيما لدعوة الرئيس بارزاني للقائنا… واخذنا سيارة وتوجهنا إلى مقر الرئيس بارزاني في جبال قنديل عن طريق مدينة هولير. وفي هولير قمنا بزيارة الجنرال عزيز عقراوي رئيس فرع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في هولير وحصلنا منه على ورقة عدم تعرض من أجل تسهيل مهمتنا لدى مقرات الثورة. وبعد أن تناولنا طعام الغذاء مع الجنرال عزيز عقراوي في أحد مطاعم هولير توجهنا إلى محافظ مدينة هولير عبد الوهاب الاتروشي الذي زودنا بورقة عدم تعرض من أجل تسهيل مهمتنا لدى مقرات الحكومة العراقية كما زودنا بسيارة مرافقة كبيرة وفيها حوالي عشرة عناصر من الپيشمرگه ولكن بلباس الشرطة العراقية وكان إسمهم قوات “حرس الحدود” بحسب إتفاقية آذار 1970 للحكم الذاتي.

 

واتخذنا طريق هاملتون، الممتد من هولير حتى بلدة “حاج عمران” على الحدود العراقية الإيرانية، الذي أنشأه المهندس البريطاني هاملتون في العام 1927 وكان يُعتقد في إنه طريقا عاديا كغيره من الطرق ولكن تم اكتشافه أثناء المعارك فيما بين قوات البيشمركه والجيش العراقي وتبين في أنه أهم طريق استراتيجي عسكري في جنوب كوردستان إذ من كان يسيطر على طريق هاملتون كان يسيطر على جنوب كوردستان لأنه كان يفصل منطقة سوران عن منطقة بادينان الكورديتين.

وقبل بلدة “حاج عمران” كانت هناك منطقة ناوبردان حيث مقر قيادة الثورة، ونزلنا هناك ضيوف الثورة في “قصر السلام” حيث هناك تم التوقيع على اتفاقية آذار 1970 للحكم الذاتي فيما بين الحكومة العراقية وقيادة الثورة الكوردية.

كان “قصر السلام” عبارة عن ثلاث منازل إسمنتية مبنية حديثا على رابية مرتفعة بعض الشئ تشرف على وادي ناوبردان الذي يعبره نهرا وعلى طرفه محطة لتوليد الكهرباء وعددا من الأبنية الطينية حيث مقرات مؤسسات الثورة الكوردية وإلتقينا هناك مع عدد من قيادات الثورة الكوردية.

منازل قصر السلام الثلاثة كانت كما يلي: الاول والثاني لضيوف الثورة والثالث كان لسكن عائلة حبيب محمد كريم سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

في ذلك اليوم الذي وصلنا منطقة ناوبردان نحن الطلبة أخذنا المنزل الاول وبعدها تشاركنا فيه مع الزعيم الروحي للديانة الأيزيدية الامير تحسين بك، أما المنزل الثاني كان فيه الوطني الكوردي الكبير عباس مامند آغا وعائلته وجاء إلى منطقة قيادة الثورة لتوديع قائد الثورة الكوردية بعد تعرضه لمرض يستوجب الذهاب إلى إحدى مشافي هولير أو بغداد للمعالجة.

بعد استراحة قصيرة في قصر السلام توجهنا إلى قرية “قصري” حيث مقر العزيز ادريس البارزاني وتناولنا الغذاء معه وحدثنا عن الثورة وبطولات الپيشمرگه وطلب منا أن نترك عنده الكاميرات أو أية أجهزة قبل التوجه إلى مقر الجنرال مصطفى البارزاني في قرية “ديلمان” حيث تم تطبيق هذه التعليمات منذ أن تعرض الجنرال مصطفى البارزاني لمحاولة إغتيال في 29-9-1971 من قبل وفد من الحكومة العراقية برئاسة الشيخ عبد الجبار الأعظمي لمقابلة الجنرال مصطفى البارزاني في مقره في بلدة حاج عمران الواقعة بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية، بدأ الإجتماع بين الجنرال مصطفى البارزاني والوفد الحكومي في الساعة 4:45 دقيقة وفي الساعة الخامسة حصل الإنفجار في غرفة الإجتماع. وبسبب علاقة الشيخ الأعظمي الطيبة بالجنرال مصطفى البارزاني وكما إن حالة التقارب فيما بين الثورة الكوردية والحكومة العراقية بعد إتفاقية الحكم الذاتي كانت من الأسباب عدم إجراء أي تفتيش للوفد العراقي، وقد قتل من جراء ذلك الانفجار ثلاثة أشخاص من أعضاء الوفد الحكومي بالإضافة إلى الپيشمرگه محمود شريف نزاري وهو يقدم الشاي للجنرال بارزاني، وعند خروج الجنرال مصطفى البارزاني من غرفة الإجتماع التي وقع فيها الانفجار قام أحد سائقي السيارات التي كانت تقل الوفد العراقي بإلقاء قنبلة يدوية على الجنرال مصطفى البارزاني فألقى الپيشمرگه أنفسهم على الجنرال مصطفى البارزاني لكي لا يصاب بأذى من القنبلة مما أدى إلى إصابة بعض الپيشمرگه بجروح كبيرة وأتذكر إني إلتقيت بأحدهم وهو العزيز صلاح عقراوي شقيق طارق عقراوي رئيس جمعية الطلبة الكورد في أوروپا.

فَقَدَ صلاح عقراوي إحدى عينيه بينما الجنرال مصطفى البارزاني أصيب بجرح بسيط. وفي تلك اللحظات كان الجنرال مصطفى البارزاني يطلب من الپيشمرگه أن يلقوا القبض عليهم لمعرفة من أرسلهم إلا أن الپيشمرگه بعد أن رأوا الانفجار والقنابل موجهة للرئيس بارزاني فلم يسمعوا أية تعليمات وأصابتهم حالة هيجان وقتلوا أعضاء الوفد العراقي كله.

وبعد أن تركنا الكاميرات في مقر العزيز إدريس البارزاني توجهنا إلى قرية ديلمان حيث مقر الرئيس الجنرال مصطفى البارزاني، الذي رحب بنا وإستمر لقاءنا مع سيادته من الساعة السادسة مساء حتى الساعة الثانية عشر في منتصف الليل وردد لنا كلمته الشهيرة: “الطلبة هم رأس الرمح في كل نضال”.

 

وبعد التحية والاحترام لسيادته قلت للرئيس بارزاني: وبدأتها بالعبارة التالية: “سيدي، أهنؤكم على الحكم الذاتي وإنشاء الله أن تكون الخطوة التالية الدولة الكوردية ورفع علم كوردستان. فقال الرئيس بارزاني: ليس هناك دولة صغيرة بقدر لبنان تساعدنا في نضالنا ولو كانت، لتغيرت المعادلة السياسية رأسا على عقب.

انشغل الرئيس بارزاني في لف سيجارته وثلاثة سجائر أخرى – أعطاها لضيوفه المسنين الجالسين على يمينه مقابل مكاني وغازي وطارق بالضبط ولا أعرف إن كانوا من قادة الثورة أم من وجهاء المنطقة لأن الرئيس لم يقدم السجائر لأحد سواهم من كيس التنباك الكبير الذي وضعه في حضنه وما إن انتهى الإجتماع في منتصف الليل إلا وكان كيس التنباك قد فرغ تماما وكان الرئيس بارزاني يلف السجائر مرة كل ربع ساعة مع توقيت تقديم الشاي.

سألت سيادة الرئيس بارزاني عن الأحزاب الكوردية في غرب كوردستان (كوردستان سورية) فقال الرئيس بارزاني: “ان قيادات اليسار واليمين هم خونة بدون قيد ولا شرط” أي انه كان يقصد رئيسي اليسار واليمين صلاح بدر الدين وحميد درويش.

كنا نجلس على الطرف الأيسر للرئيس بارزاني بالتسلسل التالي: الاول كان يجلس طارق عقراوي ومن ثم أنا ومن ثم غازي فرحو ومن ثم كان يجلس حمزة العبد الله سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي طرده الجنرال البارزاني من الحزب حينما عاد من الإتحاد السوڤيتي عام 1959… وتبين لنا إنه يقيم في بغداد واستدعاه الرئيس بارزاني من بغداد… وكان الرئيس بارزاني في ذلك الوقت على خلاف شديد مع إبنه عبيد الله ووصل إلى علمه في أن حمزة العبد الله يتعاون معه… وبعد أكثر من عدة ساعات من الجلسة مع الرئيس بارزاني إلتفت إلى حمزة العبد الله وبصوته القوي وكأنه يخاطب عدوا وعيونه التي كانت تبرق بحدة كعيون الصقور وقال:

حمزة! هل أنت تلتقي مع عبيد الله؟.

فإجاب حمزة العبد الله على الفور: لا يا سيدي لم ألتق به.

وعاد الرئيس بارزاني إلى لف وتدخين سجائره… وبعد عشرة دقائق إلتفت مرة ثانية بإتجاه حمزة وبلهجة ونظرات أشد من المرة الأولى وقال له نفس السؤال:

حمزة! هل أنت تلتقي مع عبيد الله؟.

فإجاب حمزة العبد الله: لا يا سيدي لم ألتق به ولكني تحدثت معه بالتلفون.

عندها أشار بيده للپيشمرگه الواقف في نهاية الصالون في أن إجتماعه مع حمزة العبد الله قد انتهى وليأخذه من الجلسة.

خرج حمزة العبد الله من الجلسة وعاد إلى بغداد مرة أخرى.

الرئيس بارزاني كان قليل الكلام كثير الفعل…

عندها علمت في أن الرئيس بارزاني قد تحدث معنا كثيرا وأعطانا من الوقت ما لا يعطيه لقضية هامة كقضية إبنه عبيد الله.

والجدير بالذكر في أن الصالون الذي اجتمعنا فيه مع الرئيس بارزاني كان فيه ثلاثة نوافذ ضيقة وطويلة في الارتفاع وفي صف واحد خلف الرجال المسنين الثلاثة أي في الجهة المقابلة لي وطارق عقراوي وغازي فرحو وحمزة العبد الله.

وكان يطل من كل نافذة من الخارج رأسا إثنين من الپيشمرگه مع فوهات بنادقهم أي بمجموع ستة پيشمرگه كانوا ينظرون إلينا بعيون ثابتة وثاقبة وتقدح نارا… ومما إسترعى انتباهي أن هؤلاء الپيشمرگه منذ بدء الإجتماع الساعة السادسة مساء وإلى منتصف الليل لم ترف أعينهم أو يغيروا أماكنهم وحتى لم يترك أحدهم مكانه ليشرب أو يأكل أو يقضي حاجته. لقد كانت الپيشمرگه عيونها متسمرة علينا كالتماثيل، وللحقيقة والتاريخ إني لم أشاهد بالواقع ولا حتى في الأفلام الوثائقية والتاريخية والخيالية بوجود حرس كهؤلاء الپيشمرگه.

 

انتهى الإجتماع مع الرئيس بارزاني الساعة الثانية عشر ليلا بدخول العزيز إدريس البارزاني حيث قال للرئيس: بابو، حسب تعليمات الاطباء يجب الذهاب للنوم.

فما كان من الرئيس بارزاني أن وقف ورفع يده إشارة التحية وغادر الصالون ونحن جميعا وقفنا احتراما وإجلالا لذلك اللقاء التاريخي مع سيادته.

وبعد دقائق دخل إثنان من الپيشمرگه وأخذونا إلى غرفة قريبة من الصالون لننام تلك الليلة هناك.

في الصباح حينما استيقظنا تناولنا طعام الافطار وخرجنا من الغرفة وكانت سيارة لاندروفر بإنتظارنا لتأخذنا إلى منطقة ناوبردان.

في الليل حينما جئنا للغرفة التي نمنا فيها لم نشاهد شيئا حول الغرفة من الظلام الدامس ولكن في الصباح وضوء النهار وجدنا أمام الغرفة مغارة كبيرة محفورة حديثا وارتفاعها وعرضها يتسع لدخول شاحنة من الحجم الكبير… ولا أعلم هل حفرتها الثورة كملجأ من قصف الطائرات العراقية أم إنها مستودعا للذخيرة والأسلحة أم لتموين المواد الغذائية، وكم أود أن أزور تلك المنطقة المقدسة مرة أخرى.

 

رجعنا لعند العزيز إدريس البارزاني في مقره بقرية قصري حيث أعاد لنا الكاميرات وطلب منا إختيار البرنامج التالي لزيارتنا:

  1. مشاهدة أحدى معسكرات الپيشمرگه
  2. أو مشاهدة مكان محاولة إغتيال الرئيس بارزاني

لقد قررت والاعزاء طارق عقراوي وغازي فرحو في أن نشاهد مكان محاولة إغتيال الرئيس بارزاني في بلدة حاج عمران على الحدود الإيرانية…

ورافقنا العزيز صلاح عقراوي شقيق طارق عقراوي رئيس جمعية الطلبة الكورد في أوروپا الذي فقد إحدى عينيه في تلك المحاولة الخبيثة.

كان مكان محاولة إغتيال الرئيس بارزاني في بلدة حاج عمران في بناء اسمنتي وأخبرنا العزيز صلاح بأماكن جلوس الرئيس بارزاني ومكان جلوس الجناة. وحسب المعلومات التي وصلت للثورة بعد حادث الغدر في أن الشيخ عبد الجبار الأعظمي صديق الرئيس بارزاني قد أخبرته المخابرات العراقية في إنها تريد معرفة كامل الحديث مع الرئيس بارزاني فأعطوه جهازا لتسجيل الحديث وربطوه حول خصره وأخبروه حينما يبدأ الإجتماع إضغط على الزر ليبدأ التسجيل ولكنه لم يكن تسجيلا بل كان قنبلة والتي انفجرت بكبسة زر الشيخ عبد الجبار المخدوع.

بعد انفجار القنبلة هجم الپيشمرگه عليهم وقتلوهم كلهم وحتى أحدهم هرب إلى التواليت وتبعه أحد الپيشمرگه وقتله في التواليت… ولم يتم تنظيف المكان ووجدت الدماء وقطع من لحمهم الجافة هنا وهناك على الارض والجدران والسقف وفي التواليت أيضا.

 

عدنا إلى قصر السلام وكان هناك العزيز الامير تحسين بك أمير الايزيديين الكورد ومعه مرافقه وتحدثنا عن زيارتنا للرئيس بارزاني فقال الامير تحسين جئت للإطمئنان عن صحته والإجتماع به.

وحينما حضر طعام الغذاء ووضعوه على الارض جلسنا جميعا على الارض حول مائدة الطعام وكانت جلسة جميلة جدا لأن فيها صورة عن العادات والتقاليد الكوردية في تناول الطعام على الارض.

وبعد أن جلسنا أرضا وبدأنا بتناول الطعام لاحظت مرافق الامير تحسين بقي واقفا خلف الامير تحسين فقلت له تفضل إجلس وتناول الطعام معنا فأشار لي في أنه في وضع جيد… فقلت للأمير تحسين لماذا مرافقك لا يأكل معنا… فقال الامير تحسين هذه مسألة تخصه فإذا أراد أن يأكل فسوف يأكل ومع ذلك لم يجلس المرافق وبقي واقفا… فقلت للأمير تحسين أرجو أن تقول له… فإلتفت إليه الامير تحسين  قال له: كاكا تفضل وكل معنا… عندها فقط جلس وتناول الطعام معنا… لأني وجدت من غير المعقول نحن نأكل البامية والفاصولية واللحومات والدجاج وشخص منا يتفرج علينا… فلم أناقش الامير تحسين بهذا الامر فربما مسائل دينية أو عادات وتقاليد.

كان الامير تحسين لطيفا ولبقا جدا في حديثه وشخصيته ملائكية وروحانيه وجميلة ولحيته المعتدلة والأنيقة بطولها وكأنها السوار حول وجهه الأبيض والبشوش وكانت تطفي عليه الكثير من الوقار الهيبة الخاصة برجال الدين والأمراء.

 

بعد تناول الطعام مع الامير تحسين شعرنا بحركة غير طبيعية فسألت الپيشمرگه المسؤول عن منزلنا فقال إن الرئيس بارزاني يتوجه إلينا… فخرجنا جميعا إلى أمام المنزل وعائلة عباس مامند آغا وعائلة حبيب محمد كريم أيضا كل أمام منزله.

ونظرنا إلى وادي ناوبردان فوجدنا عشرة سيارات من نوع لاندروفر تسير بإتجاه التلة التي عليها قصر السلام وفهمنا في أن الرئيس بارزاني آت إلى قصر السلام من أجل توديع رفيق نضاله عباس مامند آغا – إلى إحدى مشافي هولير- الذي شارك في ثورة إيلول 1961 منذ البداية.

لقد شاهدنا سيارات الرئيس في أسفل التلة ودخلوا الطريق الملتوي المؤدي لقصر السلام ولكن مضى وقت أكثر من اللازم لوصول السيارات ولكن لم يصل أحدا وبعد حوالي عشرة دقائق وجدنا الپيشمرگه قد حاصروا منطقة قصر السلام وعلى أسطحة المنازل الثلاثة وسلاحهم كان موجها على الجميع وبدون استثناء… وبعدها بدقائق وصل الرئيس بارزاني مشيا على الاقدام ووصل أمام منزلنا أولا ورفع يده وهو يقول: “السلام عليكم” ورد الجميع عليه: “وعليكم السلام” ولكن بدون أن يحرك أحدا يده لرد السلام خوفا من أن يفهمها الپيشمرگه بشكل خاطئ… وتوقف أمام منزل عباس مامند آغا وبعد أن سلم على عائلة عباس آغا دخل منزله لتوديع عباس مامند آغا وبقي حوالي عشرة دقائق في منزل عباس مامند آغا. وخلال تلك الفترة تجمدت الحركة في المنطقة نهائيا ولم يتحرك أحدا من مكانه إلا بعد انتهاء زيارة الرئيس بارزاني وانسحاب الپيشمرگه.

إنها اللحظات التي لن أنساها أبدا برهبتها وجمالها وكنت أقول في قلبي هؤلاء الپيشمرگه الذين سيقيموا الدولة الكوردية وسيحافظوا عليها.

وحسب توصية سيادة الرئيس بارزاني من أجل مساعدة المنظمات الطلابية أرسل العزيز إدريس البارزاني توصية الرئيس إلى العزيز عادل مراد رئيس إتحاد طلبة كوردستان للتنفيذ.

 

وبعد إجتماعي مع الرئيس بارزاني قمت بجولة في منطقة ناوبردان وزرت عددا من الكورد هناك وكان منهم:

  1. حبيب محمد كريم سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقال لي: “ما هذا الذي قلته للرئيس بارزاني البارحة… وليكن في علمك أن لا تكرر بحث مسألة الدولة الكوردية وعلم كوردستان التي لا تهمنا وليست هي قضيتنا لأننا نطالب بالحكم الذاتي فقط”، كما أخبرني “بأن الدولة الكوردية مستحيلة لأنه ليس لدينا منفذ وطريق للخارج فدول الجوار كلها تعادي الدولة الكوردية”. وسألت حبيب محمد كريم: ما هي الأسس التي تستندون اليها في نضالكم من أجل انتصار الثورة؟ فقال: ان العراق يدور في فلك الإتحاد السوڤيتي أما إيران فإنها تدور في فلك الأ‌مريكان ونحن نستفيد من التناقضات فيما بينهم والتي لن تنتهي أبدا.

وفي ذلك الوقت كنت طالبا وظننت انه يعلم أكثر مني وخاصة إن حجم رأسه أكبر من حجم رأسي بثلاثة أو أربعة مرات… ولكن بالرغم من حجم رأسه الكبير فقد أثبتت الايام انه لا يعلم شيئا من قضايا الشعوب وحريتها، فأي فريق لكرة القدم له علمه، فلماذا الشعب الكوردي يبقى بدون علم أو بدون دولة.

  1. زرت مطبعة جريدة خبات وكانت تحت إدارة الشاعر الكوردي والوطني الكبير صبري بوتاني، حيث تجول معنا في أقسامها المهنية والفنية وتوقفنا عند قسم تنضيد الصفحات عن طريق صف الأحرف المعدنية تلك الطريقة التي كانت الثورة الكوردية تستعملها طيلة فترة الحرب مع الحكومة العراقية، وهي طريقة قديمة جدا للطباعة.

وبالرغم من أن صبري بوتاني وطني من الطراز الأول إلا إنه كان يصف حروف مقالات جريدة خبات لكتاب لا يستحقون حتى أن يمسحوا حذاء صبري بوتاني ولكن وطنيته وإخلاصه للكورد وكوردستان جعله يوافق على أي عمل ضمن الثورة الكوردية ولم يخطر بباله في أنه هناك الضباط الجواسيس للدول التي تحتل كوردستان ينخرون في جسد الثورة من الداخل.

وعندما علم العزيز صبري بوتاني في إني من غرب كوردستان قرأ لي قصيدته عن الأحزاب الكوردية في سورية والمعادية لبعضها من أجل تسميات اليسار واليمين التي ليست سوى تسميات لخداع الشعب الكوردي في غرب كوردستان وكانت القصيدة طويلة وفيها المقطع التالي الذي يعبر عن كامل القصيدة: “چپ و راست، خلۆریک و ماست”. أي أن اليسار واليمين كالخلوريك واللبن (الخلوريك باللغة الكوردية نوع من أنواع اللبن أيضا).

حينما كان يتحدث معنا الأديب والوطني الكوردي الكبير صبري بوتاني كنا نشعر من حديثة بالصفاء الكوردي والجمال الوجداني والنقاء الروحي والخيال الوطني التحرري الذي لا تشوبه شائبة.

صبري بوتاني

 

  1. بعد ذلك إلتقينا بالعزيز شكيب عقراوي أحد قيادات جهاز الأمن في الثورة الكوردية الذي يسمى بالكوردية جهاز “الپاراستن” وأخذ لنا صورة من كاميرته الپولورايد حيث الصورة ظهرت فورا وبدون تحميض.
  2. بعدها توجهت إلى مكتب خاله حمه عزيز، مسؤول جهاز “الپاراستن” حيث أخبرني الدكتور جمال نبز في إنه رفيقنا في كاژيك وكنت في شوق لرؤيته ودخلت مكتبه الذي كان عبارة عن غرفة طينية فيها ثلاثة نوافذ صغيرة جدا بالكاد يدخل منها النور وكان فيها ثلاثة موظفين يجلسون خلف طاولاتهم وعلى نسق واحد وكانت طاولة خاله حمه بوضعية مختلفة تشير في أنه الرئيس وتوقعته بأن يكون خاله حمه فسلمت عليه ورحب بي وأخبرته في إني سكرتير الإتحاد القومي للطلبة الكورد في سورية وإن الدكتور جمال نبز يرسل له تحياته شكرني وطلب مني الجلوس على كرسي بجانبه وحينما دخلت كان يحقق مع أحد أعضاء الحزب الشيوعي حيث كان الخال حمه يمنعه من القيام ببعض الاعمال فإجابه الشيوعي إذا لا تعجبكم أعمالنا فإني على إستعداد لمغادرة المنطقة، فقال له الخال حمه: لا، لا أريدك أن تغادر ولكن يجب أن تسمع كلامنا.

أعطيت خاله حمه إحدى نشراتنا فقرأها بتمعن وانتقد جملة فيها والتي تقول: “بعد زمن الوحدة السورية المصرية جاء إلى سورية حكومة الإنفصال” حيث قال لي إن كلمة “الإنفصال” كلمة غير محببة ومن الافضل إستعمال كلمة جميلة عوضا عنها لأن كل إنفصال بين العرب شئ جيد ويصب مباشرة في مصلحتنا. شكرته على ملاحظته وودعته.

 

  1. قمت بزيارة عيادة الدكتور “حزني حاجو”، حيث أن الدكتور حزني طبيب من غرب كوردستان وكنا نعرف بعضنا من برلين، وفي عيادته في ناوبردان تحدثنا عن القضية الكوردية بشكل عام وسألته عن صحته وأحوال القرحة التي كان يعاني منها في برلين فقال لي الدكتور حزني، إني لم أعالج نفسي في برلين فحسب بل إن كبار الاطباء وأساتذتي في الجامعة أيضا لم يستطيعوا من معالجة القرحة لدي… ولكن منذ اليوم الاول من وصولي كوردستان تعافيت تماما وبدون أدوية فقلت له إن هواء الوطن أفضل من جميع الادوية.

بينما نحن نتحدث وإذ بكوردي يدخل العيادة وانتابتني قشعريرة من منظره… ولاحظ الدكتور حزني هيأته أيضا وقال لي ألم تذكرك هيأته بأفلام العصر الحجري فقلت له بالتأكيد… حيث كان عملاقا وثيابه التي يلبسها بالتأكيد يصنعها بنفسه لأنه ليس عليها أي ذوق لخياط كما إن حذاؤه كان عبارة عن قطعة جلد جمع أطرافها وربطها على قدمه…

وأخيرا قال له الدكتور حزني: هل أنت مريض، فإجاب إني لم أمرض في حياتي ولكني جئت بإبن جاري المريض لمعالجته، فقال له الدكتور حزني تفضل أنت وإبن جارك… وبعد أن عاينه الدكتور حزني وأعطاه الدواء… قمت واستأذنت الدكتور حزني وتمنيت له التوفيق في عمله الإنساني والقومي.

  1. إلتقيت في منطقة ناوبردان بالعزيز مصطفى جميل باشا من عائلة جميل باشا الدياربكرلي الشهيرة بوطنيتها وبسبب الإضطهاد التركي نزحوا إلى سورية وسكنوا منطقة الجزيرة ويكون ابن عم قدري جميل باشا الذي شارك في جمهورية كوردستان التي أعلنها القاضي محمد في مهاباد عام 1946.

وتحدثنا عن الحياة في الثورة الكوردية… ومن جملة ما قال لي: “لقد إعتقلتني المخابرات العراقية ولولا الرئيس بارزاني كنت في عداد الاموات وخلال 24 ساعة إستطاع الافراج عني ولكني في الـ 24 ساعة واجهت أبشع أنواع التعذيب وقطعوا أصابع قدمي حيث الحذاء المناسب لها أصغر بنمرتين من الفردة الأخرى.

والجدير بالذكر أن زوجة العزيز مصطفى تكون بنت عمر آغا شمدين زعيم الكورد في حي الكورد الدمشقي وكان إبنه لوند (حوالي 18 عاما) يسوق سيارة أ‌مريكية فخمة بدون نمرة وكان يدور حولنا ونحن نتحدث.

  1. كما إلتقيت بالعزيز إبراهيم گاباري من غرب كوردستان أيضا، حيث قام بأعظم عملية إستخباراتية كوردية، وكنت قد سمعت عنه ولكني قلت له أخبرني بالتفصيل عما قمت به فقال لي:

“بعد محاولة المخابرات العراقية إغتيال الجنرال مصطفى البارزاني في 29-9-1971 ولم يكن لدى الثورة الكوردية أي دليل في أن المخابرات العراقية قد دبرت محاولة الإغتيال، فكلفتني الثورة الكوردية بمهمة من أجل الحصول على الدليل وزودتني بالخطة وجئت بالقنبلة العراقية ومعها شيك مصرفي عراقي بإسمي بمبلغ كبير من أجل تنفيذ عملية إغتيال البارزاني ومعها أدلة تسجيلية وأرقام تلفونات سرية لضباط في المخابرات العراقية… وجئت بالادلة وسلمتهم لقيادة الثورة”. فقلت له جزاك الله خيرا فأنت بطل حقيقي.

وفي العام 2009 حينما كنت في جنوب كوردستان إلتقيت بالعزيز إبراهيم گاباري مرة أخرى وحقلت له ما هي أخبارك تنفس نفسا طويلا وقال لي لقد أضاع جلال الطالباني 25 عاما من عمري فقلت له كيف؟ فقال لي العزيز إبراهيم گاباري ما يلي:

“على أثر انهيار الثورة الكوردية في 5-3-1975 رجعت إلى قامشلو أعيش حياتي الاعتيادية وفي تلك الاثناء يلتجئ جلال الطالباني إلى سورية من أجل عقد مؤتمر لجماعته في دمشق في 1-5-1975…

قبل عقد المؤتمر تطلب المخابرات السورية من الطالباني تقريرا مفصلا حول الثورة الكوردية وأسرارها وحتى انهيارها…

كتب الطالباني تقريره للمخابرات السورية بآلاف الصفحات وكان بمثابة الاجازة له في عقد مؤتمره ودليلا على ولائه للنظام السوري ومن بين أسرار الثورة الكوردية التي ذكرها الطالباني في تقريره العملية الإستخباراتية التي قمت بها.

وعلى أثر تقرير الطالباني إعتقلتني المخابرات السورية لمدة 25 عاما حتى عام 2000 وحينما تم الافراج عني رجعت مرة أخرى إلى جنوب كوردستان”.

قلت للعزيز إبراهيم كيف عرفت في ان الطالباني كان السبب في سجنك 25 عاما. فقال إبراهيم:

“حينما أنكرت العملية الإستخباراتية أخبرتني المخابرات السورية بتفاصيل العملية من تقرير الطالباني وواجهوني بالطالباني شخصيا عدة مرات للحصول على تفاصيل أكثر”.

فقلت له: كان الله في عونك فقد تحملت الكثير ولا بد يوما من إحقاق الحق.

  1. كنت والأعزاء غازي فرحو وطارق عقراوي نسير في ناوبردان ووصلنا إلى مجموعة من المنازل فقال لي الپيشمرگه المرافق هذا منزل الكوردي اللبناني جميل محو فقلت له حقا لأني أعرف المناضل جميل محو من قبل وإلتقيت به في مركز حزبه بمدينة بيروت عام 1971.

طرقنا باب بيت المناضل جميل محو فخرج وتبادلنا التحيات وقال لنا تفضلوا ولكن كان الطقس مشمسا ولطيفا للمشي، ومشينا سوية ونحن نتحدث ومن جملة الحديث إني قلت له ماذا تفعل هنا فقال لي: لقد فرضوا علي الإقامة الاجبارية، فإستغربت وحز في نفسي وقلت له أنت المناضل الكوردي ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردي في لبنان. فقال حدث ذلك من سوء التفاهم فقلت له إنشاء الله يتم كل شئ على خير وسلامة وقبل توديعه قلت له: هل بحاجة لأي خدمة فقال: لا وإني بخير ولا ينقصني سوى مشاهدة أمثالكم من الاحبة.

 

في العام 2003 حصلت المعجزة وحررت الپيشمرگه كوردستان جنبا إلى جنب الجيش الأ‌مريكي أكبر دولة في العالم وليس كما كان يتمناها الجنرال بارزاني ان تكون اصغر دولة في العالم كلبنان… ولكن لم تعلن القيادات الكوردية الحزبية عن الدولة الكوردية حتى بوجود المعجزة… وبدلا من إعلان الدولة الكوردية ذهبت القيادات الكوردية الحزبية إلى بغداد وقدموا الولاء لصدام حسين بعد أن قتل نصف مليون كوردي. وقبلوه بحرارة ومنهم قبله ثلاثة أو اربعة قبلات… حتى أن أحد القادة قال وهو يقبل صدام حسين: انها اسعد لحظات حياتي.

وفي العام 2008 كتب نوشيروان مصطفى في مذكراته عن يوم تقبيل صدام حسين بأنه كان يوما اسود مع انه كان أحد من قبلوا صدام حسين… وتعليقا على ما جاء في مذكرات نوشيروان مصطفى كتب د. جمال نبز مقالة في جريدة ميديا في ان نوشيروان مصطفى عرف أنه كان يوما اسود وان كان متأخرا 17 عاما على مقالة “قبلة الذل” لجواد ملا… ولكن هناك من قبل صدام حسين ولا يدرون بأنه كان يوما اسود وإلى اليوم.

 

بعد أن حضرت مؤتمر إتحاد طلبة كوردستان في مدينة السليمانية والإجتماع مع قائد الثورة الجنرال مصطفى البارزاني توجهنا إلى بغداد حيث التقينا برؤساء المنظمات الكوردية في بغداد ومنهم:

 

  1. الدكتور كمال مظهر أحمد رئيس المجمع العلمي الكوردي في بغداد حيث إلتقيت في مكتب الدكتور كمال بالاميرة روشن بدرخان التي قدمت جميع أعداد مجلة هاوار التي كان يصدرها زوجها الامير جلادت بدرخان في زمن الإنتداب الفرنسي على سورية هدية للمجمع العلمي الكوردي.
  2. وزرنا المحامي جرجيس فتح الله ودارا توفيق في رئاسة تحرير جريدة خبات للطبعة العربية في بغداد.
  3. كما زرنا القاضية “زكية إسماعيل حقي” رئيسة إتحاد نساء كوردستان

حيث تحدثنا معهم عن وحدة النضال الكوردي في جميع أجزاء كوردستان وكان عندي صورا كثيرة لمن إلتقيتهم ولكن المخابرات السورية صادرتهم مع آلة الطباعة وغيرهم حينما اعتقلوني في بيروت.

 

فيما يلي صورة رئيسة إتحاد نساء كوردستان السيدة زكية إسماعيل حقي تتحدث إلي وإلى الاعزاء غازي فرحو وطارق عقراوي (هذه الصورة حصلت عليها بالصدفة على الانترنيت عن طريق أحد الاصدقاء):

من اليسار: زكية إسماعيل حقي وطارق عقراوي وغازي فرحو وجواد ملا

 

قبل مغادرتي العراق إلى بيروت عقدت إجتماعا مع العزيز عادل مراد وأخبرني في أن الرئيس بارزاني قد أوصى بمساعدة منظمتكم ماليا وبالمنح الدراسية فقلت له شكرا لك وللرئيس بارزاني… ولكنه قال يجب أن يكون عن طريق وبعلم سامي عبد الرحمن وزير شؤون الشمال وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني حيث هو المسؤول عن المنظمات الشعبية كمنظماتنا… فقلت له لا بأس، في اليوم التالي جاء العزيز عادل مراد وأخبرني في أن الوزير سامي وافق على إعطاء منظمتكم منحة دراسية واحدة فقلت له لقد أخبرتني بأن الرئيس أوصى بمساعدة مالية ومنح أي أكثر من واحدة… فقال: صحيح ولكني أعمل بحسب أوامر الوزير سامي المسؤول المباشر عني وعن المنظمات الشعبية.

وكدت أعود لمقابلة الرئيس بارزاني وأخبره في أن سامي عبد الرحمن لم ينفذ وصيتك ولكني عدلت عن هذا لفرصة أخرى.

 

أقام العزيز عادل مراد وليمة على شرفي وشرف رؤساء الوفود الطلابية في أحد مطاعم أبو النواس الراقية في بغداد على شاطئ نهر دجلة ودعا إليها عددا من الرفاق وتناولنا الغذاء سمك المسگوف البغدادي الشهير.

في المطعم كان هناك حوضا كبيرا من الماء وفيه جميع أنواع وأحجام السمك وقال لي العزيز عادل اختار أكبر سمكة فأشرت عليها فما كان من أحد العاملين في المطعم أن غرس فيها سهما وشبكة وأخرجها من الماء وأعطاها للمختص في شوي المسگوف.

وبعد ساعة من الزمن كانت السمكة الكبيرة كالخروف ممدة على صينية أمامنا وكنا أكثر من عشرة من قادة الطلبة… ولقد كان طعاما شهيا جدا ولم يصل أحد منا لأي عظمة من عظام السمكة لضخامتها.

ونحن نأكل وجه العزيز عادل كلامه للعزيز دلير رشيد (الذي كان رئيس إتحاد طلبة كوردستان في مدينة السليمانية وبنفس الوقت كان كاژيكيا) وقال له: تعال وإجلس بجانب الرفيق آكو فأنتم مثل بعضكم تدعون لتوحيد وتحرير كوردستان… وهذه كانت إشارة من العزيز عادل في إنه قد عرفني بأني كاژيكي وهذه الاشارة حدثت بعد إجتماعه البارحة مع سامي عبد الرحمن الذي رفض مساعدة إتحادنا لأن إتحادنا أحد منظمات كاژيك الذي يدعو لتوحيد وتحرير كوردستان مع العلم إن مساعدتنا كانت بتوصية من الرئيس بارزاني شخصيا وهنا تبين لي في أن قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني لا تسير حسب تعليمات الرئيس بارزاني بالضبط كالقيادات السابقة لإبراهيم أحمد وجلال الطالباني وحمزة العبد الله وغيرهم من القيادات الحزبية اللاحقة والحالية أيضا.

 

بعد عودتي إلى مقر عملي في بيروت استلمت منحة دراسية واحدة وقررت مع قادة الإتحاد إختيار الطالب س.م الذي أرسلناه على حساب الثورة الكوردية للدراسة في أوروپا وتخرج كمهندس زراعي.

 

في 3 وإلى 15-10-1972 مرة أخرى زرت جنوب كوردستان وقيادة الثورة الكوردية على رأس وفد الإتحاد القومي الكوردي في سورية ووصلنا مقر العزيز إدريس البارزاني في قصري وطلب الپيشمرگه المرافق لنا أن ننتظر العزيز ادريس في هذا الشادر وكان شادرا بطول أكثر من 15 مترا وعرض ثلاثة أمتار ومغلق من ثلاثة جوانبه مع سقف ومفتوح من طرف واحد وفي الشادر كان صفا طويلا من الكراسي وجلست والرفيق ب.ر على الكراسي بعد أن أدينا التحية على العزيز مسعود البارزاني الذي كان يجلس تحت ذلك الشادر أيضا.

وحينما جاء العزيز ادريس البارزاني أخذني ورفيقي إلى شادر صغير مجاور وهناك أخبرته عن عدم تنفيذ سامي عبد الرحمن لتعليمات الرئيس بارزاني في منحنا مساعدة مالية ومنح دراسية.

ومع كل احترام وتضامن العزيز إدريس البارزاني لإتحادنا إلا إني فهمت من كلامه إنه من الصعوبة معاقبة أحدا في هذه الظروف وكان يقصد معاقبة سامي عبد الرحمن وأخيرا اتفقنا على تعميق العلاقات فيما بيننا وأن لا تتأثر علاقاتنا بمسائل ثانوية… فقلت له شكرا لك ووافقته وودعنا على أمل لقاء آخر.

 

في 1973 زارني في دمشق الرفيق عبد الله عزيز آگرين، وكان موفدا من قبل قيادة كاژيك في جنوب كوردستان للسفر إلى برلين من أجل الإجتماع مع الدكتور جمال نبز وشرح المرحلة الجديدة التي يمر بها الشعب الكوردي في جنوب كوردستان بعد إعلان الحكم الذاتي، كما تحدثنا عن هذه المرحلة الجديدة وحملته تحياتي للدكتور جمال ولقيادة كاژيك في جنوب كوردستان.

 

وفي بداية عام 1975 كنت في طريقي في حي الكورد بدمشق بمنطقة جسر النحاس أمام جامع حموليلى إلتقيت بالعم أحمد باراڤي وقال لي عمي جواد كيف حال إختيارنا (كانت كلمة الإختيار إصطلاحا متعارفا عليه شعبيا والمقصود فيه الجنرال مصطفى البارزاني خوفا من تنصت أحد من المخابرات والجواسيس) فقلت له حسب معلوماتي ان الإختيار أحواله جيدة وان كانت المعارك شديدة جدا منذ أن رفض العراق الحكم الذاتي في آذار 1974.

والاخبار تقول ان القتال الشديد اصبح عندهم اعتيادي بالرغم من إن بشرة وملابس الپيشمرگه قد غطتها طبقة قاتمة من غبار القنابل والبارود فلا وقت لديهم لتبديل أو غسل ملابسهم ولا يزالون يقاومون بسلاحهم الفردي الخفيف الكلاشينوف الروسي والبرنو ذات السبطانة الطويلة مقابل أشرس وأحدث طائرات الميغ والدبابات الروسية وكما ان غارات طائرات الهليوكوبتر العراقية التي تؤثر على حركة الپيشمرگه أكثر من طائرات الميغ لمرونتها القتالية.

إلا ان العم أحمد باراڤي قال لي اني قلق جدا فقلت له: لا تقلق يا عمي فكل شئ يسير كما يريد الإختيار.

فرد علي العم أحمد باراڤي: إني قلق لأني شاهدت قبل يومين مناما مزعجا عليهم… فقلت له اللهم يجعله خيرا… وكان مسرورا من حديثه معي لأني أعطيته الأمل والاطمئنان في انتصار الإختيار.

وبعد حديثي هذا مع العم أحمد باراڤي… خلال اسأبيع قليلة توقفت الثورة الكوردية.

حيث لم يكن العم أحمد باراڤي في هوس وتفكير دائم بالثورة الكوردية بل إن الشعب الكوردي كله يقوم ويقعد في كل مكان واحاسيسه على أمل انتصارها.

رحم الله العم العزيز أحمد باراڤي وجميع شهداء كوردستان واسكنهم الله فسيح جناته.

 

فقد كان العم أحمد باراڤي من كورد دمشق ومن الثائرين من أجل الحرية وألقي القبض عليه وصدر بحقه حكم الاعدام  بل وجلس على كرسي الاعدام في زمن الإنتداب الفرنسي وكاد ان يتم تنفيذ الاعدام فيه وفي تلك اللحظات الرهيبة جاء الامر من المندوب السامي الفرنسي بالعفو عنه نتيجة الضغط الكبير من الشخصيات الكوردية والمتنفذة في حي الكورد بمدينة دمشق…

ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كنت اتردد إلى منزل الثائر أحمد باراڤي كثيرا وكانت أحاديثة هادئة ومتزنة وشخصيته محبوبة كما كانت تربطني صداقة عزيزة مع ابنه زياد.

وحينما كنت أزور بيت الثائر أحمد باراڤي كان يسرد لي من قصص الثورة السورية وكيف كانت الثورة السورية قائمة بهمة الكورد من جميع المناطق مثل القادة إبراهيم هنانو وأحمد الملا وأبو دياب البرازي وغيرهم كثيرون…

 

ان الهالة الكبرى التي حصل عليها الپيشمرگه وقائدهم الجنرال بارزاني في اندلاع ثورة ايلول عام 1961 لا يمكن وصفها على الاطلاق… واصبحت انا ورفاقي والشعب الكوردي كله نتصرف بشكل مختلف مع الاخرين عنوانه السرور والافتخار بأننا ننتمي إلى الشعب الكوردي وابناؤه يحملون السلاح للدفاع عن وطنهم وكرامتهم… واصبحت الكيانات التي تحتل كوردستان ودوائرها فاقدة لأعصابها بشكل رهيب…

 

ولكن الذي قلب الموازين رأسا على عقب هو خيانة المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني لثورة الشعب الكوردي منذ ايامها الأولى… ان خيانة المكتب السياسي للثورة الكوردية كان بمثابة الثورة المضادة وشكلت أكبر ضربة للهالة والسمعة البطولية للپيشمرگه… وكانت جماعة المكتب السياسي تحت قيادة إبراهيم أحمد وجلال الطالباني قد عقدوا مؤتمرا حزبيا في ماوت عام 1964 وقرروا طرد الجنرال مصطفى البارزاني من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفي حينها قال لهم “صالح شيره” الشخصية الكوردية الشهيرة: ان قرارات مؤتمركم جيدة ولكن ليست كاملة فقالوا له كيف؟ فقال صالح شيره ان طردكم للملا مصطفى في هذا الزمان وفي كوردستان كان من المفروض عليكم ان تعلمونا طريق الهروب… وفعلا بعد أن طرد الحزب الديمقراطي الكوردستاني الجنرال مصطفى البارزاني من الحزب بأيام هربت جماعة المكتب السياسي من كوردستان إلى إيران… وحينما وصلوا إلى إيران ظنوا انهم سيهاجمون الثورة الكوردية من على الحدود الإيرانية… ولكن إيران جردتهم من أسلحتهم وأرسلتهم إلى مدينة همدان البعيدة عن الحدود الإيرانية. وحينما فشلت خطتهم طلبوا من شاه إيران أن يتوسط لهم عند الملا مصطفى ليعودوا مرة أخرى إلى صفوف الثورة وقبل ملا مصطفى واستقبلهم ومنحهم نفس اماكنهم القيادية مرة أخرى… ولكن عودتهم لم تكن صادقة فقاموا مرة ثانية بجمع المؤيدين لهم وشحنوهم ضد قائد الثورة ملا مصطفى وحينما جمعوا اعدادا هائلة من المثقفين إلتجأووا بهم إلى بغداد في العام 1966 كعملاء للنظام العراقي برواتب وهدايا مغرية وان كانوا يبررون عملهم هذا بأن ملا مصطفى كان ديكتاتورا… واني اتسائل ومتى كان النظام العراقي ديمقراطيا؟؟

 

وفي هذا الصدد اتذكر حادثة حدثت لإمام جامع كوردي في محافظة الحسكة كان اسمه مصطفى وكانت عنده مشكلة وذهب إلى مقر محافظ الحسكة لتقديم شكواه وحينما سأله حرس المحافظ ما اسمك لأخبر المحافظ بانك تريد مقابلته فقال إمام الجامع ان اسمي: ملا مصطفى (إمام الجامع باللغة الكوردية تعني: “الملا”) فدخل الحارس وقال للمحافظ ان ملا مصطفى في الخارج ويريد ان يراك… ولمجرد ان سمع المحافظ ان ملا مصطفى يريد مقابلته… ومع حالة الذعر والانهيار العصبي التي كان يعيشها النظام السوري والتي وصلت إلى ذروتها… فقال المحافظ للحرس اغلق الباب بسرعة ولا تدعه يدخل… وامسك المحافظ بالتلفون واخبر كافة الاجهزة الامنية والعسكرية في محافظة الحسكة بالتوجه إلى مقره فورا لحمايته من ملا مصطفى الذي وصل إلى مقره… وحينما وصلت الاجهزة الامنية والعسكرية فلم تجد الجنرال ملا مصطفى بل وجدوا ملا مصطفى إمام الجامع.

حقا لقد اصيبت الكيانات التي تحتل كوردستان بنوع من الهستيريا ممزوجة بالخوف والهلع وكانت تسمي الثورة الكوردية بإسرائيل ثانية مما دفع النظام السوري إلى ارسال جيش اليرموك بقيادة اللواء “فهد الشاعر” لمقاتلة الپيشمرگه وزعيمهم الملا مصطفى في العام 1963 لأن النظام السوري بالفعل كان خائفا حتى العظم من وصول ملا مصطفى إلى مقر محافظ الحسكة ويدق اعناق ازلام النظام السوري…

فمنذ خيانة المكتب السياسي إنهارت تلك الهيبة اللامحدودة للپيشمرگه والتي جعلت محافظ الحسكة يرتجف رعبا لمجرد سماعه اسم ملا مصطفى.

 

وتتالت الأحداث وعادت جماعة المكتب السياسي مرة أخرى إلى الثورة الكوردية عام 1970 وكعادتها تصالحت وتحاربت مع قيادة الجنرال بارزاني عدة مرات وفي كل مصالحة كان هدفهم تجريد قيادة الجنرال بارزاني من الانصار وعزله عن الجماهير وبالتالي زرع تلاميذ مخلصين لهم ضمن الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحول قيادة البارزاني.

واني أؤكد انه لولا خيانة المكتب السياسي لحصل الشعب الكوردي على حقوقه منذ ستينيات القرن الماضي، ولما إستمر الإنشقاق قائما إلى اليوم فيما بين ادارة هولير وادارة السليمانية، ولما كانت تلك المآسي فيما بعد وامتداد عدوى ويلاتها ومصائبها مع نشر فيروس الإنشقاقات إلى الأقاليم الأخرى من كوردستان.

هذه الأحداث التاريخية اذكرها كدرس وبكل ايجابياتها وسلبياتها ليستفيد منها شعبنا واخذ الحذر والحيطة منها ولكي لا تتكرر مستقبلا… لأن اخفاء الحقائق لا يساعدنا أبدا من أجل ايجاد الحلول المناسبة لها… وإلا نكون نتصرف كالنعامة التي تخبئ رأسها فقط وكامل جسمها ظاهرا وتظن ان الصياد لا يراها.

ان أحداث الإبادة الجماعية في عمليات الأنفال وقصف حلبجه بالأسلحة الكيماوية واختطاف 8000 كوردي بارزاني و5000كوردي فيلي في ثمانينيات القرن الماضي وبالتالي النزوح المليوني عام 1991 تثبت نجاح سياسة جماعة المكتب السياسي نجاحا منقطع النظير في بث معاداتهم لحرية الشعب الكوردي وإستقلال كوردستان وتأثيرهم وتغلغلهم ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني تحت قيادة البارزاني وبقية الأحزاب الكوردية والعراقية وفي الأجزاء الأخرى من كوردستان أيضا بهدف اضعافهم جميعا من أجل تسهيل مهمة الكيانات التي تحتل كوردستان للانقضاض على شعبنا بعد انهيار ثورة ايلول وكانت خيانة المكتب السياسي من أحد أهم الأسباب لإنهيار تلك الثورة العملاقة… وعملت جماعة المكتب السياسي إلى جر جميع الأحزاب إلى منزلقات من خلال تنازلاتهم للأنظمة التي تحتل كوردستان مما مكنهم على الاستحواذ على مختلف الإمكانيات والإموال والسلاح وكذلك الإقامة في عواصم الكيانات التي تحتل كوردستان والتنقل بحرية عبر حدودها… مما اجبر الأحزاب الأخرى على تقديم تنازلات مماثلة لتتمكن من إستمرار أحزابها على قيد الحياة وخوفا من الانقراض… وهكذا إستمرت سياسة التنازلات لأعداء الكورد وكوردستان حتى جعلوا من الكيانات التي تحتل كوردستان اصدقاء لأحزابهم وضاربين مصلحة الكورد وكوردستان عرض الحائط.

 

إن انهيار الثورة الكوردية عام 1975 جعلني أبكي كثيرا وقضيت ليالي عديدة بدون نوم وعيوني كانت تنهمر دموعا وكادت تنهمر دما لأن عيوني أصبحت حمراء دامية من شدة البكاء… كما أدى إلى انهيار الامال الكبيرة واحدث جرحا عميقا في معنوياتي ومعنويات الشعب الكوردي… فكان البكاء على النضال الكبير للشعب الكوردي وتضحياته الغير محدودة وقوافل الشهداء في المعارك وتحت التعذيب في أقبية مخابرات الكيانات التي تحتل كوردستان والإغتيالات بحوادث مخابراتية التي لم يحدث مثيلا لها في العالم كله.

لقد كانت الثورة الكوردية ثورة وملحمة اسطورية من أعظم ملاحم التضحية والفداء منذ قيامها عام 1961 إلى توقفها عام 1975.

في العام 1975 وكنت في الجيش السوري بعد إلقاء المخابرات السورية عليّ حيث أرسلوني الى الجيش من أجل اغتيالي… وفكرت عدة مرات الهروب من الجيش السوري والالتحاق بالثورة… ولكني إنتظرت ان يجيبني أحد الرفاق في جنوب كوردستان على النداءات التي أرسلتها لمعرفة الحقيقة وكيف ان ثورة تملك 150 ألف پيشمرگه أن تتوقف.

فجاءني الجواب في ان صدام حسين قد اتفق في العام 1972 مع الإتحاد السوڤيتي إتفاقية للصداقة وبذلك استمال إلى جانبه المعسكر الاشتراكي ودول عدم الانحياز كما إنسحبت پيشمرگه الحزب الشيوعي العراقي من الثورة وغيرهم وانضموا للجيش العراقي… فأعلن صدام حسين الحرب على الثورة الكوردية في آذار 1974 والتي إستمرت تلك الحرب لمدة عام كامل وكان يظن صدام إنه سينتصر ولكن الجيش العراقي لم يحرز أي انتصار على الپيشمرگه الأبطال مع كل إتفاقياته مع السوفييت ومشاركة الحزب الشيوعي العراقي وغيره من الأحزاب في جيش صدام حسين.

فعمل صدام حسين إلى استمالة الأ‌مريكان والمعسكر الغربي أيضا إلى جانبه وتنازل عن الكثير للغرب كما تنازل للشرق لكي يحرم الثورة الكوردية من أي صديق… وكان إجتماع صدام حسين مع الرئيس الجزائري هواري بومدين وشاه إيران محمد رضا بهلوي في مدينة الجزائر وبرعاية هنري كيسنجر وزير الخارجية الأ‌مريكي الذي كان يدير الإجتماع من مدينة جنيف في سويسرا حيث كان مرتبطا بإجتماعات أخرى هناك… وتم التوقيع على إتفاقية الجزائر في 6 آذار 1975 فيما بينهم على ضرب الثورة الكوردية بقوة المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي في آن واحد أي أن صدام حسين استمال العالم كله إلى جانبه ليكون ضد الشعب الكوردي وثورته في جنوب كوردستان… فأعلن الجنرال مصطفى البارزاني توقف الثورة الكوردية… في حينها كنت ضد قرار الجنرال بارزاني ولكني فيما بعد فهمت مقصده وهو المحافظة على قواته من الإبادة المخطط لها في جميع دوائر المخابرات الشرقية والغربية.

إستطاع الجنرال بارزاني البدء مرة أخرى بالثورة بعد أشهر قليلة من توقفها… وكنت أتمنى أن لا تقوم الثورة الجديد بنفس العام… وكان من الافضل ان تبقى كوردستان بدون ثورة لبضعة أعوام لكي تأخذ مسألة انهيار الثورة حقها في النقاشات السياسية لمعرفة أسباب سقوطها ومن أجل تفاديها مستقبلا… لأن النقاشات السياسية والفكرية لا تأخذ حقها في إبداء الرأي بحرية بوجود البندقية… وهكذا خسر الشعب الكوردي ثورة من أعظم الثورات الكوردية في العصر الحديث… وهكذا خسر الشعب الكوردي معرفة الأسباب الخفية لإنهيار ثورته العظيمة.

من اليمين: صدام حسين وهواري بومدين ومحمد رضا بهلوي

 

بعد انهيار الثورة الكوردية استلمت رسائل من رفاقنا في جنوب كوردستان يطلبون مني الانتظار لسماع اخبار جيدة وللالتحاق بهم فقررت الانتظار.

ولكن تتالت الاخبار السيئة وفي مقدمتها قرار الرفاق في كاژيك تجميد تنظيم كاژيك في جنوب كوردستان وبما ان قيادة كاژيك في شمال وغرب كوردستان تابعة للقيادة العامة في جنوب كوردستان إلتزمت بقرار التجميد وأوقفت كافة النشاطات كما إن دخول الجيش السوري إلى لبنان فقد تم إغلاق مكاتبنا في بيروت حيث أصبحت بيروت خاضعة لمشيئة المخابرات السورية.

بعد انهيار ثورة ايلول زارني في دمشق العديد من الثوار ومن المشاركين في الثورة ومعظمهم وصل إلى سوريا مباشرة أو توجهوا أولا إلى إيران ومن ثم إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا وكل ذلك كان مشيا على الاقدام لأن الحدود الدولية بين دول المنطقة قد أغلقت أبوابها بوجه الثورة الكوردية تماما حسب أوامر المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي وعملائهم الكيانات التي تحتل كوردستان.

من ضمن من زاروني في دمشق الرفيق شيركو بن الشاعر هژار مكرياني حيث كنت إلتقيت به كرفيق كاژيكي وزرته في بيته بمدينة بغداد عام 1972… وبقينا في دمشق نتدارس الوضع العام للشعب الكوردي والانهيار المفاجئ للثورة الكوردية… وقلت له لقد أسست هنا في سوريا وفي غرب كوردستان وامتدت إلى شمال كوردستان منظمة كاژيكية قوية فكريا وتنظيميا كما إن نضالها السري الفولاذي الذي لا يمكن إختراقه فأي عضو فيها إذا تم إعتقاله أو انكشف أمره فلا يعلم سوى شخصا واحدا وفي حال حدوث مثل هذا فإن اختباء ذلك الشخص فإن السلسلة التنظيمية تنقطع وتصبح كالخيال حتى أمام أقوى أجهزة للمخابرات. أخبرني الرفيق شيركو إن منظمة كاژيك في جنوب كوردستان حاولت أن تستمر بالثورة وتشكل وفد من منظمة كاژيك كنت رئيسه وتوجهنا إلى قائد هيز خبات الرفيق الكاژيكي فتاح محمد أمين (الشهيد فتاح آغا) حيث كانت قيادة وپيشمرگه جيش “هيز خبات” أعضاء أو أنصار منظمة كاژيك ويتجاوزون الستة آلاف پيشمرگه… فقال لي الرفيق شيركو حينما وصلنا مقر قيادة الهيز خبات كان الشهيد فتاح في حال من الذهول وعدم التركيز وحتى بعد التحيات والسلام وإعلامه في ان الرفاق في كاژيك يطلبون منه ومن هيز خبات الإستمرار في الثورة وبعد ساعات نطق الشهيد فتاح كلمة واحدة: إن البارزاني وعظمته لا يستطيع الإستمرار بالثورة… وهنا تبين للرفيق شيركو أن رفاقنا الذين عملوا مع الجنرال بارزاني قد وقعوا تحت تأثير شخصية البارزاني القوية… ونفذ هيز خبات برقية الجنرال بارزاني كما نفذتها بقية الهيزات في أن: “الثورة انتهت وكل پيشمرگه على مسؤوليته في تسليم نفسه للعراق أو الانسحاب إلى إيران”.

 

ومن ضمن من زاروني في دمشق وأخبروني عن مأساة الشعب الكوردي كان الدكتور حزني حاجو الذي إلتقيته أول مرة في مدينة برلين بصحبة الدكتور جمال نبز عام 1970 وإلتقيته ثانية في عيادته بمنطقة ناوبردان في قيادة الثورة الكوردية عام 1972 وفي دمشق كانت المرة الثالثة بعد انهيار الثورة عام 1975 وكان هو وزوجته قد إلتجأووا إلى إيران ولكنهما تابعا السير إلى تركيا ومن تركيا إلى سوريا.

 

ومن القصص الطريفة التي أخبرني بها الدكتور حزني حاجو كانت القصة التالية:

حينما إلتقيت الدكتور حزني حاجو في مدينة برلين عام 1970 كان يعاني من مرض القرحة في معدته وحينها قال لي إني طبيب وكذلك أعظم الاطباء الالمان ومنهم أصدقائي ومنهم أساتذتي ومع كل ذلك لم نجد حلا لمشكلة القرحة… وحينما إلتقيته ثانية في عيادته بمنطقة ناوبردان في قيادة الثورة الكوردية عام 1972 سألته عن القرحة فإبتسم وقال منذ أن وصلت كوردستان زالت القرحة ولم أعد أشعر بآلامها وبدون دواء… وحينما إلتقيته في دمشق بعد انهيار الثورة عام 1975 سألته ماذا تنوي الآن فقال لي إني أذهب إلى أوروپا فقلت له انتبه من القرحة… وفعلا لمجرد ان ابتعد عن كوردستان ووصل أوروپا عادت القرحة مرة أخرى…

في ثمانينيات القرن العشرين وصلت معلومات للدكتور حزني في أن النظام السوري يرحب بالدكتور حزني حاجو في أن يعود وفعلا عاد الدكتور حزني حاجو وافتتح مشفى الدكتور أحمد نافذ في قامشلو… وبعودته إلى غرب كوردستان زالت آلام القرحة مرة أخرى… ولكن في تسعينيات القرن العشرين بدأت المخابرات السورية تضايقه… فإضطر إلى ان يغادر غرب كوردستان إلى أوروپا وبالتحديد إلى النرويج حيث عادت القرحة مرة أخرى مع الاسف الشديد… وهذا يبدو ان الحياة في الوطن تشفي من الامراض… ولا بد ان الدكتور حزني حاجو أحاسيسه مرهفة جدا وحبه للوطن كوردستان لا يضاهيه حب.

 

في 4-3-2000 لبيت دعوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني للإجتماع الجماهيري على مدرج جامعة لندن بمناسبة احياء الذكرى الـ 21 لرحيل الجنرال مصطفى البارزاني وقد حضر الإجتماع أكثر من 500 شخصية كوردية وعراقية.

وبهذه المناسبة ألقيت كلمة باللغة الكوردية وفيما يلي الترجمة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

السادة المحترمون..

إن الجنرال مصطفى البارزاني هو نجم ومشعل كغيره من النجوم والمشاعل من قادة الكورد في شمال وشرق وغرب وجنوبي كوردستان مثل الشيخ سعيد پيران والشيخ محمود الحفيد ملك كوردستان والقاضي محمد رئيس جمهورية كوردستان.

البارزاني الخالد منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كان حاملا لراية تحرير الكورد وكوردستان، وأينما كانت الثورة الكوردية، كان البارزاني يتواجد وأينما يتواجد البارزاني تتواجد الثورة. فمن أجل حماية جمهورية كوردستان في مهاباد قاتل رافعا علم كوردستان هذا -وأشرت على علم كوردستان المعلق على صدري- حتى آخر لحظة من أيام الجمهورية. بعدها غادر البارزاني كوردستان وإلتجأ إلى الإتحاد السوڤيتي.

عندما كان البارزاني الخالد في المنفى ولمدة 12عاما لم تشاهد كوردستان إطلاق رصاصة واحد أو أية ثورة وأصبح الشعب الكوردي في حالة من اليأس وبدون أمل بقيام الثورة. وعن هذه الحالة أريد أن أورد لكم مثالا عنها:

في العام 1962عندما غادر د. جمال نبز كوردستان إلى أوروپا حيث إلتقى في سويسرا بالامير كاميران بدرخان، وكان الأمير بدرخان كله شوق لسماع أخبار الثورة، فأخبره د. جمال حتى منتصف الليل عن المعارك التي تدور بين قوات الثورة وقوات الحكومة العراقية. وحين ذهبوا للنوم لم يكن الأمير كاميران يستطيع النوم وأيقظ الاستاذ جمال وقال له جمال. جمال. قم، وحينما استيقظ قال الاستاذ جمال ما الخبر، قال الأمير بدرخان: هل مع الپيشمرگه أسلحة. فقال له الاستاذ جمال: منذ الصباح أقول لك إنهم يقاتلون الجيش العراقي، بالتأكيد معهم أسلحة، وهل تعتقد إنهم يحاربون بالعصي والحجار.

نعم إلى هذه الدرجة فقد الكوردي الأمل بإندلاع الثورة الكوردية مرة ثانية وبوجود پيشمرگه تقاتل.

لقد كنت عضوا قياديا في الحزب الديمقراطي الكوردي في سورية فيما بين أعوام 1964-1969 وكان بريد الثورة يأتي من أوروپا إلى بيروت على صندوق بريد الحزب الديمقراطي الكوردي في سورية، وفي كثير من الأحيان كنت آخذ بريد الثورة من بيروت إلى دمشق ومن هناك إلى الجزيرة ومن هناك كان أحد الرفاق يأخذه إلى قيادة الثورة في جنوب كوردستان.

في العام 1972 إلتقيت الجنرال البارزاني وكنت آنذاك ممثلا للإتحاد القومي للطلبة الكورد في غرب كوردستان (كوردستان سورية) الذي كان أحد تنظيمات كاژيك الذي يؤمن بالدولة الكوردية وبإسم رفاقي هنأت الجنرال بارزاني بالحكم الذاتي لقناعتي وقناعة رفاقي بأن البارزاني لم يكن رئيس عشيرة أو زعيم منطقة كوردستانية أو رئيس حزب كوردستاني أو زعيم عراقي كما قالها بعض الإخوة قبل قليل في كلماتهم، وإنما الحقيقة وكما نحن في المؤتمر الوطني الكوردستاني نرى بأن الجنرال بارزاني هو قائد وزعيم قومي كوردي. مع إن الإتحاد القومي للطلبة يؤمن بالدولة الكوردية، إلا أن الجنرال بارزاني أمر إتحاد طلبة كوردستان العراق بتقديم المساعدة للإتحاد القومي، وبناء عليه قرر إتحاد طلبة كوردستان العراق منح الإتحاد القومي زمالة دراسية للطلبة الكورد في سورية، وكان ذلك على يد رئيس إتحاد طلبة كوردستان العزيز عادل مراد.

والأهم من ذلك أن الجنرال بارزاني كان يعتمد في تسيير أمور الثورة على عناصر حزب كاژيك، الذين كانوا يستلمون أهم مناصب الثورة الكوردية مثل: الشهيد الشيخ محمد هرسين كان المدير العام لمالية الثورة. خاله حمه عزيز مدير إدارة الثورة جهاز الباراستن. الشهيد فتاح آغا آمر هيز خبات من أكبر وحدات الثورة العسكرية وغيرهم بالمئات من عناصر كاژيك.

فمرة جاء أحدهم للجنرال بارزاني بشكوى مفادها أن مسؤولي هيز خبات فتاح آغا وخمسة آخرين هم من حزب كاژيك قد جعلوا هيز خبات كله كاژيكيين. فقال البارزاني وما هذا كاژيك؟ طبعا البارزاني كان يعرف كاژيك جيدا ولكن قالها ليستدرجه في الكلام… فإجابه: بأن كاژيك يدعو إلى إقامة دولة كوردية في جميع أجزاء كوردستان. فقال الجنرال بارزاني إعطني لائحة بأسماء هؤلاء مسؤولو هيز خبات، وقال إنهم ستة، ولكن الجنرال بارزاني قال: من اليوم يمكنك إعتبارهم سبعة عناصر بإضافة إسمي معهم… وتابع البارزاني وقال: هل هناك أفضل من توحيد وتحرير كوردستان.

نعم إن الجنرال بارزاني كان قائدا قوميا، رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته.

بطاقة دعوة جواد ملا لإلقاء كلمةعن الجنرال مصطفى البارزاني

جواد ملا يلقي كلمته في جامعة لندن عن الجنرال مصطفى البارزاني

 

في 5-3-2000 إستلمت رسالة شكر من العزيز مسعود بارزاني جوابا على رسالتي في الذكرى الواحد والعشرون لوفاة والده والاب الروحي للأمة الكوردية ساكن الجنان مصطفى البارزاني:

 

في 2-8-2000 كتبت مقالة تلبية لطلب العزيز نژاد عزيز سورمي رئيس مؤسسة برایتی وخبات الصحفية كما يلي:

حضرة العزيز نژاد عزيز سورمي

تحية وبعد،

لقد كتبت حول المواضيع التي تريدها أرجو أن تفي بالغرض.

وتقبل مني فائق التحيات والإحترام لك ولجميع الإخوة في مؤسسة برایتی وخبات الصحفية.

وأكون شاكرا لو نشرتم المقالة كاملة وإرسال نسخة مما نشرتموه .

أخوكم جواد ملا

رئيس المؤتمر الوطني الكوردستاني

 

بمناسبة الذكرى الـ 54 لتأسيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني

عندما يأتي الحديث عن الحزب الديموقراطي الكوردستاني يتذكر المرء المآثر الخالدة للزعيم القومي الكوردي مصطفی البارزاني رضوان الله عليه.

فالبارزاني كان الإبن البار والأب الكبير للأمة الكوردية بكل طوائفها وأديانها وفئاتها الوطنية وكذلك كان راعيا أمينا لكل أجزاء كوردستان.

ففي العام 1965، حينما كنت مسؤولا عن تنظيم الحزب الديموقراطي الكوردي في سورية لمنطقة دمشق أتذكر حادثتين تدلان على التواجد الذي أحدثه البارزاني الخالد من الحب والتقدير والولاء غير المحدودين في ضمير ووجدان شعبنا الكوردي في غرب كوردستان، والرهبة والهلع في قلوب مستعمري كوردستان .

الحادثة الأولى : كان يوجد إمام جامع في إحدى القرى الكوردية في منطقة الجزيرة في غرب كوردستان إسمه ملا مصطفی، وكانت لديه عريضة كان قد أرسلها إلى محافظ الحسكة ولكن لم يستلم أي جواب عليها، فذهب بنفسه إلى الحسكة ليقابل المحافظ شخصيا، وأمام باب محافظ الحسكة سأله مسؤول الحماية عن حاجته فقال له ملا مصطفى: عندي مسألة مزمنة قديمة أريد أن أحصل على رأي المحافظ بها، فقال له مسؤول الحماية: وما هي هذه المسألة، فقال له ملا مصطفی: إن المسألة قديمة وكتبت للمحافظ عنها مرات عديدة ولم أستلم أي جواب، لذا فإني أصر على مقابلة السيد المحافظ شخصيا،  وعندما رأى مسؤول الحماية هذا الإصرار، فقال له سأخبر المحافظ بذلك ولكن ما هو إسمك لأخبر المحافظ، فقال له إسمي: ملا مصطفی، فدخل مسؤول الحماية إلى مكتب المحافظ وعليه علائم الارهاق من مناقشة ملا مصطفی وقال إن ملا مصطفى على الباب ولم أستطع رده ويريدك شخصيا، فإرتبك المحافظ وقال لمسؤول الحماية إغلق الباب بسرعة، وألقى بنفسه على الهاتف واتصل بالمخابرات السورية طالبا المساعدة فورأ وقائلا: أن الملا مصطفى البارزاني قد استولى على المحافظة… وبعد دقائق كانت جميع أنواع قوات الأمن السورية تحاصر مبنى المحافظة ولكن سریعا تبين لهم أنه لم يكن البارزاني وإنما هو شخصا آخر يحمل إسم الملا مصطفی فقط، ولكن الهلع والخوف والرهبة التي أحدثهما الجنرال بارزاني في قلوب مستعمري کوردستان جعلتهم يعيشون على أعصابهم المتوترة بشكل يفوق التصور والخيال .

أما الحادثة الثانية : وهي بعد أن أرسل الجيش السوري لواء اليرموك ليساعد الجيش العراقي في محاربة قوات الثورة الكوردية بقيادة الجنرال بارزاني، وحين عودته إلى سورية منهزما كمثيله الجيش العراقي، مرت القوات السورية في الذهاب والإياب من منطقة الجزيرة فكانت ملاحظات رفاقنا هناك أن السيارات وناقلات الجنود السورية قد تقلص عددها إلى النصف وكذلك عدد الجنود، فناقلات الجنود الواحدة كانت تقل أكثر من عشرين جنديا وحين العودة كان في الناقلة الواحدة أقل من عشرة جنود وحالتهم مزرية… وبتلك النتيجة المشرفة للثورة الكوردية وقيادة الجنرال بارزاني الذي رد هؤلاء الغزاة على أعقابهم خاسرين وبذلك ارتفع مستوى الحماس الوطني الكوردي بين الكورد في سورية وكاد البعض أن يهجم على ما تبقى من القوات السورية.

إن الجنرال مصطفى البارزاني هو نجم وشعلة في سماء كوردستان وستبقى ذكراه حية لا تموت في فکر ووجدإن الشعب  الكوردي.

أن إعلان الجنرال بارزاني للثورة أعاد الثقة والحق والكرامة للشعب الكوردي.

والأهم من ذلك أن الجنرال بارزاني كان يعتمد في تسيير أمور الثورة على العناصر القومية وفي مقدمتهم أنصار کاژيك، الذين إستلموا المناصب الهامة في الثورة الكوردية مثل:

الشهيد الشيخ محمد هرسين الذي كان المدير العام لمالية الثورة.

خاله حمه عزيز مدير إدارة الثورة (جهاز الپاراستن)

الشهيد فتاح أغا آمر هیز خبات ( من أكبر وحدات الثورة العسكرية ) وغيرهم بالمئات من عناصر کاژيك.

كما أن الكثير من الذين كان الجنرال بارزاني يعتمد عليهم لم يكونوا من الحزب الديموقراطي الكوردستاني ولم يكونوا من عشيرته أو عائلته وكذلك لم يكونوا من مواطني جنوبي کوردستان أيضا، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كان ممثل البارزاني الأول في أوروپا الأمير کامیران بدرخان (من الكورد من شمال کوردستان) وممثله الثاني الدكتور عصمت شریف وانلي من الكورد من غرب کوردستان)، كما أن الشاعر هژار موکریاني مستشار الجنرال بارزاني المقرب منه وكان يناقشه في المسائل الهامة جدا وكان من الكورد من شرق کوردستان.

نعم إن الجنرال بارزاني كان قائدا قوميا بكل ما في الكلمة من معنی.

وهذا ما دفعني بقوة في العام 1972 لألتقي بالقائد الخالد مصطفى البارزاني ولأتأكد أكثر من تصوراتي عنه ومن اللقاء الأول حصلت على الصورة الكاملة للقائد الأسطورة ورغبته في أن يكون للكورد علم ودولة ولكن كان هناك إتجاه عراقي صاحب نفوذ كبير أيضا من الذين لم يكن يسرهم وجود علم کوردستان الذي سيؤدي إلى دولة كوردية مستقلة… وما إستخلصته من لقائي مع الجنرال بارزاني في السبعينيات وجدته مكتوبا في مذكرات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأ‌مريكي بناء على وثيقة مقدمة من الجنرال بارزاني نفسه، وتم طبع هذه المذكرات قبل بضعة أشهر فقط في العام 1999 والذي ورد في الصفحة 588 ما يلي:

“كان البارزاني سريعا في إستعداده لإستغلال الموقف، فهو فسر فشل المحادثات مع بغداد كفرصة يفك قيود تحالفه معها ويقوم بفرض سلطته بطريقة لازال يصفها بالحكم الذاتي ولكنها في الجوهر لا تختلف عن الدولة المستقلة.

ففي 16 مارس 1974، قدم لنا البارزاني صيغتين لإستراتيجيته المقترحة: 180 مليون دولار للحكم الذاتي الكامل، أو 360 مليون دولار لتأسيس ما سماه مؤسسات مناسبة للإستقلال”.

نعم وبكل وضوح كما نرى في مذكرات كيسنجر أن الجنرال بارزاني كان في صدد إعلان الدولة الكوردية، فألف رحمة عليه وألف تحية على روحه الطاهرة.

 

 

في 1-1-2003 طبعت كتابي “البارزاني وكيسنجر والدولة الكوردية”، ففي العام 1999 كتب وزير الخارجية الأ‌مريكي السابق هنري كيسنجر مذكراته بحوالي 1000 صفحة وبينهم حوالي 20 صفحة عن كوردستان حيث يقول كيسنجر فيها بأن الجنرال مصطفى البارزاني طلب من الولايات المتحدة المساعدة من أجل دولة كوردية مستقلة، لذلك اقتطعت هذا البحث وعلقت عليه بالإنگليزي والعربي وطبعتهم ضمن كتاب، لقد تم تعميم الكتاب على المكتبات والجامعات والمراكز العلمية البريطانية وقد تم الإستفادة منه في الاوساط الاكاديمية، ومنهم الاكاديمية البولونية Agnieszka Goralczyk التي إستعملت الكتاب في حصولها على درجة الماجستير من جامعة ويستمنستر في لندن وكان كتابي (البارزاني وكيسنجر والدولة الكوردية) المادة الرئيسية لإطروحتها وبذلك ساهمت في وضع اسم القائد الكوردي الكبير الجنرال بارزاني في الاوساط الاكاديمية والعلمية وفيما يلي طلبها وموافقتي عليه في إعطائها الترخيص في ترجمة الكتاب إلى اللغة البولونية:

استخدمت البروفيسورة فيرنا غراف كتابي البارزاني وكيسنجر والدولة الكوردية كمادة تدريسية في جامعة جنيف في سويسرا

في 16-8-2007 لبيت دعوة العزيز محسن دزيي مستشار الرئيس مسعود البارزاني من أجل تكريم الاعضاء القدامى في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في لندن وطلب مني ان ألقي كلمة حول انطباعاتي عن الجنرال مصطفى البارزاني وركزت في كلمتي بأن الجنرال مصطفى البارزاني كان مؤمنا بإستقلال كوردستان:

جواد ملا يلقي كلمته عن الجنرال مصطفى البارزاني

في الصف الأول من اليمين: شيروان رشيد وجواد ملا ومحمد سعيد محمود والشاعر أنور وكمال چلبي ومحسن دزيي ودارا محمود (ابن الشيخ بابا علي ابن الشيخ محمود الحفيد)

 

في 11-9-2007 بالإشتراك مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مقر جمعية غرب كوردستان في لندن عقدت ندوة بمناسبة الذكرى 46 لإندلاع ثورة ايلول بقيادة الجنرال مصطفى البارزاني وتحدثت عن تجربتي في ثورة ايلول ولقائي بالجنرال مصطفى البارزاني في العام 1972:

من اليمين: جواد ملا يلقي كلمته وپشتوان ملا زاده وشيركو حبيب

 

في 6-12-2009 زرت العزيز د. جمال رشيد أحمد في منزله بمدينة Heerenveen في هولندا وكان برفقتي كل من الاعزاء زوجتي ليلى وعديلي كاوا.

د. جمال رشيد أحمد علم من اعلام الكورد وبروفيسور في علوم التاريخ الكوردي القديم بجامعة هولير، وهو موسوعة علمية من المعلومات والقدرة على ان يخبرك ساعات طويلة ليس عن تاريخ الكورد القديم بل عن حياة الكورد اليومية وساعة بساعة مما يجعل المستمع وكأنه يعيش في تلك الأزمنة…

وكنا على عجل ولكن اللقاء إستمر حوالي ستة ساعات بدون ان ندري… وفي ذلك اليوم قدم لي الدكتور جمال كتابه هدية جميلة ورائعة في ثلاثة مجلدات بعنوان “ظهور الكورد في التاريخ”.

ومن ضمن الاحاديث الطريفة التي جرت في هذا اللقاء وبحضور زوجتي ليلى وعديلي كاوا.

قال العزيز د. جمال رشيد أحمد ما يلي:

البارزانيون ليسوا من الشعب الكوردي

فقلت له: هل من المعقول؟

فقال د. جمال: إن الشعب  الكوردي يحب الكلام كثيرا ولكن الاخ كاوا منذ أربعة ساعات وتحدثنا عن مختلف الموضوعات ولكنه لم يتكلم وحتى لم ينطق كلمة واحدة. وهنا ضحكنا كثيرا على هذا الاستنتاج.

صحيح، البارزانيون لا يتكلمون كثيرا ولكني أعتقد في إنهم أهل فعل وعمل وليسوا أهل كلام.

والجدير بالذكر أن والد زوجتي ووالد عديلي كاوا كانوا من الپيشمرگه الذين شاركوا في جمهورية كوردستان عام 1946 ومن البارزانيين الـ 500 الذين رافقوا الجنرال مصطفى البارزاني المسيرة الكبرى من مهاباد إلى الإتحاد السوڤيتي وبقوا في المنفى لحوالي إثني عشر عاما وحينما عادوا إلى كوردستان في العام 1958 كانوا الشرارة الأولى التي أشعلت نيران ثورة ايلول 1961.

 

 

في 21-12-2009 توجهنا إلى بارزان، وزرنا أضرحة الـ 8000 كوردي بارزاني وقرأنا الفاتحة على أرواحهم وقدمت إلى ادارة مكتبتهم نسخة من تقريري عنهم ودعوة الامم المتحدة لي في العام 1988بشأن اختطافهم من قبل النظام العراقي المقبور في العام 1983.

جواد ملا أثناء زيارته لأضرحة الـ 8000 كوردي بارزاني في بارزان

 

وبنفس اليوم زرنا أضرحة المرحوم الجنرال مصطفى البارزاني والمرحوم ادريس البارزاني ووضعت الورود على أضرحتهم وقرأنا الفاتحة على أرواحهما وقدمت إلى ادارة مكتبتهم كتابي عن البارزاني وكذلك وقعت على دفتر الزيارات.

جواد ملا أثناء زيارته لأضرحة الجنرال بارزاني وإبنه إدريس البارزاني

 

في 7-1-2010 في الساعة 12.30 بعد منتصف الليل كان موعد عودة الطائرة من هولير إلى لندن عن طريق استوكهولم، وفي المساء اتصلنا بالمطار للتأكد من موعد الطائرة، فكان الجواب ان الطائرة ستغادر هولير الساعة 8 صباحا والتأخير بسبب تراكم الثلوج في مطاريي لندن واستوكهولم فذهبنا إلى مطار هولير في الساعة السادسة صباحا فأخبرونا أن هناك تأخيرا آخر إلى الساعة العاشرة وآخر في الساعة الواحدة بعد الظهر، وهذا الموعد تم تثبيته وانطلقت الطائرة إلى استوكهولم وفي مطار استوكهولم انتظرنا كثيرا وبعد 4 ساعات انطلقت الطائرة إلى لندن، حيث وصلنا بعد منتصف الليل والحمد لله.

وفي مطار هولير أنا وزوجتي كنا ننتظر الطائرة في صالة التشريفات حيث وجدت فيها صورة كبير للجنرال مصطفى البارزاني والى جانبها علم العراق وعلم كوردستان، وأردت ان أعمل شيئا من أجل أن تستريح روح الجنرال البارزاني وذلك بإبعاد علم العراق عن صورته، ذلك العلم الذي جعله مشردا طوال حياته في المنافي أو في أعالي الجبال، وحتى بعد وفاته وبسبب هذا العلم دفن الجنرال مصطفى البارزاني بعيدا عن بارزان مسقط رأسه في العام 1979.

وفي صالة التشريفات بمطار هولير كان هنالك عناصر من الأمن والموظفين وبعض المسافرين، أردت ان آخذ صورة مع علم كوردستان وصورة الجنرال مصطفى البارزاني وبدون أن يظهر علم العراق في الصورة، فحملت العلم العراقي ووضعته خلف علم كوردستان وجلست مع العزيزة ليلى وأخذنا الصورة، وحتى جاء موعد الطائرة ولأكثر من 5 ساعات بقي العلم العراقي غير مرئي ولم يأت أحد من رجال الأمن أو من الموظفين ليعيده لمكانه ولربما لا يزال غير مرئي إلى الآن، ولكن حينما عدت إلى لندن وطبعت الصورة فوجدت خطا أسودا إلى جانب علم كوردستان، فكان ذلك اللون الاسود من طرف العلم العراقي قد ظهر طرفه في الصورة مع الاسف الشديد.

 

في 17-3-2013 مساء، حضرت ندوة ومعرض فوتوغرافي بمناسبة مرور 110 سنوات على ميلاد الجنرال مصطفى البارزاني بناء على دعوة من الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بريطانيا وبهذه المناسبة ألقيت كلمة حول الجنرال بارزاني وكيف إلتقيت به في العام 1972 ومنحني العزيز كمال آميدي مسؤول الحزب في بريطانيا شرف البدء في قطع قالب الكيك الكبير لميلاد الجنرال بارزاني:

من اليمين: الشاعرة پيمان وجلال شواني وكمال آميدي وجواد ملا: يلقي كلمته، وگيلاس داستان

من اليمين جلال شواني وجواد ملا يقطع قالب الكيك وكمال آميدي

 

جواد إبراهيم ملا: عظماء الأمة الكوردية – د. جمال نبز (4/3)

جواد إبراهيم ملا: عظماء الأمة الكوردية – العم أوصمان صبري (4/2)

جواد إبراهيم ملا: عظماء الأمة الكوردية: والدي ابراهيم الملا والعم أوصمان صبري والبروفيسور جمال نبز أحد العظماء السبعة الذين أسسوا كاژيك والجنرال مصطفى البارزاني (4/1)

جواد إبراهيم ملا: الضباط الجواسيس (3)

جواد إبراهيم ملا: مهمات القيادات الكوردية الحزبية (2)

جواد إبراهيم ملا: نقاط هامة في سيرتي الذاتية وكفاحي (1)

هذه المقالات مقتطفات من مجموعة كتب للكاتب جواد ملا على الرابط التالي

مجموعة كتب لـ جواد إبراهيم ملا “سيرتي الذاتية وكفاحي من أجل استقلال كردستان”

 

 

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية