ملامح من دور الكرد الحضاري في حماة ـ2ـ ”أوابد تحكي”
برادوست ميتاني
إضافة إلى الوجود الكردي المتأصل في حماة عبر العديد الأسر الحاكمة وخاصة الأسرة الأيوبية، وسواها من العوائل العريقة، والتي لا تزال موجودة فيها، فإن هناك الكثير من الشواهد الحضارية والأوابد الأثرية التي تقف شاهدة على التاريخ الكردي في المنطقة.
ـ خان برهان: تعود ملكية هذا الخان إلى برهان الجيلاني وتم إنشاء الخان عام 1298 هـ / 1876م. وهناك قول آخر بأن من قام بالبناء هو على جيلاني (والد برهان).
يقع الخان بجانب سوق برهان في حي الحاضر في مدينة حماة. وهو عبارة عن ساحة سماوية طولها 24م وعرضها 14م تحيط بها دكاكين وفيه أيضاً مسجد يعرف باسم جامع الأفندي (1).
من الجدير ذكره هنا هو أن اسم الجيلاني كردي نسبة إلى منطقة جيلان في كردستان.
ـ من مجموعات النواعير مجموعة الكيلانيات: وهي تتألف من أربع نواعير أيضاَ ثلاث منها على الضفة اليسرى وواحدة فقط على الضفة اليمنى وتحمل الأسماء التالية الجعبرية، والطوافرة، والكيلانية (2).
ـ مسجد الخانقاه: من مساجد حماة القديمة ورد اسمه في سجلات حماة الشرعية باسم الخانقاه النوري كما هو مرجح وبمسجد أبي العلا، ومن ثم اشتهر بمسجد الخانقاه، يقع هذا المسجد داخل باب حمص قديما ًبالقرب من حمام العثمانية، بني في عهد الملك نور الدين الزنكي. والخانقاه هي كلمة فارسية ومعناها باللغة العربية رباط الصوفية. طبعاً هنا في معظم الحالات يتم تجاهل المعنى الكردي الذي هو “خانيكا” ويتم نسبه إلى الفارسية.
كان هذا المسجد في الأساس مكاناً يسكنه الصوفيون، يخلون فيه إلى أنفسهم حيث يذكرون الله وكان للمقيم فيه طعام ولباس وراتب وأجرة حمام وثمن صابون وأغلبها في ذلك الزمان كان جارياً في وقف خاتون زوجة بدر الدين حسن أخو أبي الفداء الأيوبي (3)
ـ ولا ننسى ذكر جامع صلاح الدين وجامع طوسون وجامع الشيخ إبراهيم الكيلاني والزاوية القادرية الكيلانية في الحي الكيلاني وشارع صلاح الدين وشارع أبي الفداء.
ـ خان رستم باشا: يقع في شارع المرابط في مدينة حماة. بناه رستم باشا في عصر السلطان سليمان القانوني (964هـ/1556م) حارة عفيف الدين الكيلاني (4)
في حماه كان للكرد دور كبير في بنائها وترميم سورها وقلعتها أثناء الإمبراطورية الأيوبية، والذين سكنوا حماه وحكموها: تقي الدين عمر بن شاهينشاه بن أيوب، الذي قام ببناء مدارس كثيرة في حماه، ثم ابنه محمد الذي ازدهرت حماه بالعلم في عهده ثم حفيده محمود، ثم ابن حفيده محمد، والملك المؤيد إسماعيل بن علي بن تقي الدين عمر الملقب بأبي الفداء، وقد سميت حماه بمدينة أبي الفداء لدوره الكبير في الأسس الحضارية للمجتمع الحموي (5)
ـ يقول العلامة أبو الفداء الأيوبي: “في هذه السنة، بعد العصر من نهار الأحد، خامس جمادى الأولى، وخامس عشر كانون الأول، توفيت عمتي مؤنسة خاتون، بنت الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وأمها غازية خاتون، بنت السلطان الملك الكامل، وكان مولد مؤنسة خاتون المذكورة في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكانت كثيرة الصدقات والمعروف، أنشأت مدرسة بمدينة حماة تعرف بالخاتونية، ووقفت عليها وقفاً جليلاً، رحمها الله تعالى، ورضي عنها، وهي آخر من كان قد بقي من عائلة الملك المظفر صاحب حماة”. (6)
ـ صلة الكرد بقلعة حماة: تعد القلعة من نتاج حضارات عديدة منهم الكرد حيث آلت إلى صالح بن مرداس ذي النسب الكردي من شمال كردستان (7) صاحب حلب، حيث بدأ إعادة إعمار القلعة وتحصينها وتولاها الأيوبيون عام 570 هـ. وكانت بإمارة شهاب الدين محمود خال صلاح الدين، وبقيت في حوزة الأيوبيين الذين بنوا ما تهدم من أسوارها وأبراجها وأعادوا تحصينها عندما هاجمها المغول وهدموها سنة 1258 م
ـ جامع أبي الفداء أو جامع الدهشة أو جامع الحيايا: بناه الملك أبو الفداء الأيوبي في مدينة حماة ويقع في محلة باب الجسر على الضفة الشمالية نهر العاصي، وكان البناء في عام 727هـ / 1326م وتُزين واجهة الحرم فسيفساء صدفية بأشكال زخرفية وفي الجامع عامود رخامي مزدوج بين النافذتين الجنوبيتين تتشابك في زواياها الأربع أفاع ٍ ثمان ٍتُشكل بالتفافها تضفيراً جميلاً ولهذا أطلقت العامة على المسجد اسم جامع الحيايا.
أمر بعمارة هذا الجامع المبارك السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا والدين ابن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في شهور سنة 727هـ.
قام أبي الفداء بتشييد ضريح له في شمالي جامعه وشيد فوقه قبة وبجانبها مئذنة مثمنة، تعرض الجامع إلى بعض التخريب في مجزرة حماة عام 1982م. وأيضاً في عامي 2011 و2012م.
ـ المدرسة الخاتونية: في محلة المدينة، كانت دارًا لمؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود عمة أبي الفداء، وكانت تُسمى دار الإكرام، وقفتها مدرسة، ووقفت لها كتبًا وأوقافًا كثيرة، هي الآن بستان في مبدأَ طريق محلة الجراجمة عَلَى يسار المنحدر إلى النهر.
ـ المدرسة الحنفية: هي القطعة الشرقية من حرم جامع نور الدين، بناها الملك المؤيد أبو الفداء.
ـ المدرسة المظفرية: هي في جانب الجامع الكبير من جهة الغرب في محلة المدينة، بناها الملك المظفر تقي الدين عمر، وكان لها أوقاف كثيرة في قرية الدجاجية وغيرها.
ـ البحصا: بناه الأمير عبد الوهاب بن شيخ الأكراد في القرن العاشر.
ـ جامع الشيخ إبراهيم: بناه الشيخ إبراهيم الكيلاني.
ـ جامع السلطان: هو في محلة الدباغة، جامع كبير متسع، بناه السلطان بدر الدين حسن شقيق أبي الفداء عَلَى هيئة جامع الدهيشة.
ـ حمام الحسام: كان في باب النهر قرب جامع الدهيشة جانب طريق حلب القديم وهو بستان الآن تيسمى الآتون (8) (الأتون في اللغة الكردية أي الحرارة نسبة إلى الشمس).
ـ قلعة ميرزا أو قلعة بُرزيَة: هي قلعة أثرية في سوريا، تقع على السفوح الشرقية لجبال اللاذقية، وتطل على نهر العاصي وسهل الغاب، تقع في ناحية جورين التابعة لمحافظة حماة(9) “برزية مشتقة من الكردية برز أو بلند أي عالي” .
تعاقبت على القلعة حضارات عدة. حيث استولى عليها الصليبيون، ومن ثم قام صلاح الدين الأيوبي في العام 1188م بتحريرها. ذكرها ابن الأثير في الجزء السابع من كتابه الكامل في التاريخ، حيث تحدث عن فتحها على يد صلاح الدين تحت عنوان فتح برزية.
وفي عام 1188 ميلادي استولی عليها الكُرد الأيوبيون بقيادة السلطان الكردي (يوسف بن أيوب ـ صلاح الدين الأيوبي) وأضافوا عليها عدة تحصينات وأبنية جديدة.
ذكر اسم قلعة (ميرزا) أو (قلعة بُرزيَة) خلال المراحل التاريخية وفي العديد من المصادر بصيغة (برزية – برزويه) و(مِرزا)، فقد ظهر اسم (برزية) في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي في فترة الاجتياح البيزنطي لبلاد الشام (336هـ ـ 338هـ/947م ـ 949م)، ويلاحظ إن الاسم كُردي صريح لا يقبل الجدل ويعني (العالي) أو (المرتفع)، فقد أخذت القلعة اسمها من مكانها المرتفع على سن جبل شاهق كما نوهنا سابقاً.
قال شمس الدين الذهبي 1274م ـ 1348م. في كتابه (تاريخ الإسلام)، في حوادث سنة 336هـ/947م (غارة الروم على أطراف الشام): “وفيها أغارت الروم ـ على أطراف الشّام، فسبوا وأسروا، فسَاقَ وراءهم (سيف الدّولة) ولحقهم، فقتل منهم واسترد ما أخذوا، ثم أخذ حصْن بَرْزَيَة من الكرد بعد أن نازله مدّةً ثم افتتحه في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة”.
يقول (ابن العديم1192م ـ 1262م) في كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب) عن ولاية (سيف الدولة): “وجرى بينه و بين الروم وقائع أكثرها له وبعضها عليه، فمنها: أنه فتح حصن (برزويه) في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة من ابن أخت (أبي الحجر الكُردي) ووقع بينه وبين الروم وقعة فكانت الغلبة للروم”.
استعاد البيزنطيون السيطرة على قلعة (برزية) وظلت القلعة تحت سيطرتهم حتى عام 583هـ/1090م، ثم خضعت لسلطة الفرنجة (الصليبيين) الذين احتلوا تلك المناطق، فصارت القلعة تُحكم من عائلة نبيلة تتبع رهبانية (أنطاكيا) وذلك حتى عام 584هـ/1188م حين حاصرها السلطان الكردي الأيوبي (يوسف بن أيوب ـ صلاح الدين الأيوبي) في شهر آب من ذلك العام واستطاع السيطرة عليها(10).
ذكر (ابن الأثير، 1160م ـ 1233م) في الجزء السابع من كتابه (الكامل في التاريخ) قلعة (ميرزا) أو (قلعة بُرزيَة)، حيث تحدث عن فتحها على يد السلطان الكردي (صلاح الدين الأيوبي) تحت عنوان (فتح برزية).
هذا بالإضافة إلى أوابد أخرى عديدة من التي ضاعت هويتها الكردية بفعل تلاعب بعض الأشخاص لأسباب عنصرية وخاصة التعريب المصطنع.
المراجع:
1ـ كتاب حماة تاريخ وحضارة – راشد الكيلاني – مطبعة اليمامة
2ـ نواعير حماة… الزلزال صدعها والإهمال يهدد بانهيارها –أ.عدنان عبد الرزاق – موقع العربي الجديد ـ 14 اغسطس 2023
3ـ موقع حماة الوثائقيةـ تعرف على جامع خانقاهـ 24 أبريل 2020
4ـ حماة –ويكيبيديا الموسوعة الحرة
5ـ ـ بحث بعنوان موجز عن تاريخ الكرد في حماة وحمص في موقع “ولاتي مة” للباحث أ.علي شيخو برازي –الأربعاء 11 آب 2021م
6ـ أبو الفداء ـ المختصر في أخبار البشر ـ جـ ٤
7ـ شرفنامة –ج1 –العلامة شرفخان بدليسي
8ـ مؤسسة هنداوي –تاريخ حماة – حماة القديمة من كتاب أ.أحمد بن إبراهيم الصابوني
9ـ صفحة شخصيات من الذاكرة الكرديةـ آثار كردية في بلاد الشام29 تشرين الثاني 2024
10ـ موقع مكتبة النور ـ كتاب حماه في ظل الأيوبيين 570ـ 742 هجري (دراسة سياسية حضارية) ـ د. علي نجم عيسى.
المصدر | صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61913