الأمين العام للحزب اليساري الكردي في سوريا محمد موسى في حوار مفتوح مع جريدة طريق الشعب
تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة مخاض عسير، صورتها المستقبلية جداً مثيرة والكل ينتظر المولود الجديد، في ظل تطورات تلقي بظلالها على المشهدين السياسي والعسكري في المنطقة برمّتها، إذ دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد البعثي الاستبدادي القمعي، ولعلّ أبرز ما في المشهد هو استلام هيئة تحرير الشام المندرجة على قوائم الإرهاب الحكم في سوريا، والدعم التركي اللامتناهي لها في ظل دولة متهالكة ومنهارة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وغياب للدستور والبرلمان، وفي ظل احتلال تركيا لمناطق من روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا وهجماتها مع مرتزقتها لمناطق سد تشرين وريف منبج، إضافة إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا وفي غزة بدعم أمريكي الذي أشعل منطقة الشرق الأوسط والعالم ولا ندري في أي لحظة يتحول إلى حرب لا يحمد عقباها.
في ظل مجريات الأحداث هذه تسير حركة التحرر الوطني الكردية في أجزاء كردستان الأربعة نحو منعطف خطير من منعطفات الحياة السياسية والاقتصادية وكذا الاجتماعية المشوبة بالغموض والضبابية، فلا تزال حالة العراك السياسية بين الأطراف السياسية، والانقسامات تلقي بظلالها ولهيبها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة والشعب الكردي، وإصرار جهات كردية على وحدة الصف الكردي وحركته السياسية وإنهاء حالة الانقسام، إضافة إلى تشتت الشعب الكردي وحالة الهجرة والنزوح التي أبعدته عن وطنه نتيجة الحروب والانقسامات داخل الحركة الكردية، وعدم وضوح الرؤية فيما يخص عقد مؤتمر قومي كردي وتشكيل وفد للحوار والتفاوض مع الإدارة الجديدة في دمشق. سيناريوهات عدة ومحاور عديدة سنناقشها مع الأمين العام للحزب اليساري الكردي في سوريا الرفيق محمد موسى من خلال هذا الحوار الخاص والشامل ضيف جريدة (طريق الشعب):
*- بداية كيف تقيّمون الوضع في الشرق الأوسط بصورة عامة في ظل مجريات الأحداث الجارية؟
وفق متابعتنا للأحداث والتغيرات التي حدثت وتحدث في الشرق الأوسط منذ مدة وحتى الآن، ووفق الأحداث الجارية فإن المنطقة برمتها أمام تغيرات كبيرة، كلنا يعلم في 2011 حدث حراك جماهيري بدأ من تونس إلى مصر مروراً بليبيا إلى اليمن وسوريا وفي مناطق أخرى ضد الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، لكن الأنظمة التي تأسست واستلمت زمام الحكم في تلك الدول على أنقاض الأنظمة الدكتاتورية لم تكن على مستوى الطموح والحراك الشعبي من أجل الحرية والكرامة، وعملياً تم خلق وضع جديد، وهو استبدال دكتاتورية بأخرى، عدا عن ذلك فإن التيار الإسلامي المتشدد قد برز في تلك المرحلة واستطاع أن يصل إلى الحكم كالإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس إلا أن التيار العلماني قد استطاع الالتفاف والإطاحة بها، وكذلك في سوريا فإن الوضع القائم هو سيطرة التيار الإسلامي المتشدد المتمثل بهيئة تحرير الشام، كما كان للإخوان المسلمين دور كبير في السيطرة على المعارضة المتمثلة بما يسمى بالائتلاف، وبالتالي تعدد الجهات الإسلامية الإرهابية والمتطرفة في سوريا، فطرحوا أنفسهم كبديل عن النظام.
إن التغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط تعيد إلى أذهاننا أن المنطقة بمجملها أمام تغيير كبير، لكن من سيكون البديل؟ باعتقادي أن التيار الإسلامي في وقتنا الراهن هو الأقوى وسيثبت أقدامه في ساحات الحكم في المنطقة داخل أنظمة الحكم.
– كيف تقرأون مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد؟
كلنا نعلم أنه بعد سقوط نظام الأسد في المرحلتين، مرحلة الأب ومرحلة الابن، تم حكم سوريا لأكثر من نصف قرن في ظل نظام استبدادي دكتاتوري بني على القمع وحجز الحريات وغياب للديمقراطيات لكافة المكونات القومية والإثنية والدينية والمذهبية، تم خلق ظروف في سوريا بعد عام 2011 أدت إلى تدمير البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى بشرياً، انتشرت الحركات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة في سوريا بكافة تشكيلاتها المختلفة المتمثلة بداعش وجبهة النصرة والأخوان المسلمين أدت إلى تدخل دولي وإقليمي.
مشروعان مختلفان كان يتم تأسيسهما في سوريا على قاعدة إسلامية متطرفة، هما المشروع السني بقيادة تركيا والمشروع الشيعي بقيادة إيران، بدأ صراع دولي في سوريا متمثلاً بالاتحاد الروسي والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، هذه الأوضاع والأحداث التي نشبت في سوريا أدت إلى تدمير سوريا – كما أسلفت – من جميع النواحي، حيث تم تشريد ونزوح وتهجير الملايين من السوريين داخلياً وخارجياً بلا مأوى.
الوضع القائم في سوريا يثير الشكوك والمخاوف من اعتماد استبداد على أنقاض استبداد سابق، لا نستطيع أن نقول إنه كان علمانياً ووطنياً، باعتقادي لم يكن وطنياً البتة، وهذا ما نستطيع أن نقوله وبقوة أنه لم يكن وطنياً لأن الوطنيين والمناضلين لا يسلمون بلدانهم للذئاب ولا يتسببون بتدميرها على كافة المستويات، لكن الآن هناك استبداد جاء بضوء أخضر دولي وبموافقة ودعم تركيين لمشروعها السني المتطرف لتضع بصماتها على كل تغيير في أي ساحة في المنطقة عامة وفي سوريا على وجه الخصوص، لذلك فإن الإدارة الجديدة في دمشق يعود تاريخها وامتدادها إلى تنظيمات القاعدة وتحاول إظهار الجانب الإيجابي لها وإمكانية التغيير في سوريا، فمن جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام ومن أبو محمد الجولاني إلى أحمد الشرع، باعتقادي تغيير الأسماء لا يمكن أن تغير الأشياء، هذه الذهنية هي ذهنية إسلامية متطرفة، ولكن إلى أي مدى يمكنها حل جميع القضايا والإشكاليات العالقة والحالة المعاشة، والسلبيات والسياسات الخاطئة داخل سوريا؟ باعتقادي من الصعوبة بمكان أنها تستطيع أن تحل كل تلك الإشكاليات والقضايا بسهولة وبهذه الذهنية، بناء بلد أو دولة منهارة على أنقاض استبداد ودكتاتورية الأسدين، وبالتالي لا تستطيع حل كل القضايا وفي مقدمتها القضايا السياسية والاقتصادية وقضايا حقوق القوميات والمكونات، حيث لا تستطيع استيعابها ودفعها نحو الحل رغم أن جميع القوى الدولية تصرح نهاراً جهاراً أنها قبلت بذلك وفق شروط، بمعنى أن هيئة تحرير الشام عليها أن تجري تغييرات جذرية في بنيتها، لكننا نجد أن تنظيم مثل جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام التي انبثقت من فكر القاعدة وبقيت عشرات السنين تحارب في ظله من الصعوبة بمكان أن تحدث أي تغييرات جذرية في بنيتها، وهذا موضع شك لدينا، ولا نجد في تغيير ثوبها الخارجي الآن وإعطاء صورة للعالم وللشعب السوري أن لديها إمكانية للتغيير، لكن وفق أفعالهم وما هو موجود على أرض الواقع من مجريات وعمليات الانتقام في الساحل السوري، والموقف من الدروز والصراعات في حمص بين العلويين والسنة، وتهميش الشعب الكردي وعدم قبوله والاعتراف بحقوقه يشي إلى أن إمكانية التغيير ليست واردة في قاموسهم على الأقل في الوقت الحالي. أضف إلى ذلك إقصاء الكرد عم العملية السياسية وتهميش دورهم كما لم يتم دعوتهم إلى الآن إلى الحوار الوطني في سوريا، فالكرد أصحاب قضية وحقوق في سوريا، وهذا يعود إلى العقلية والذهنية الإقصائية، إضافة إلى الضغط التركي المتواصل التي لا تريد أن يخطو الكرد خطوة نحو الحل وخلاص سوريا من محنتها.
*- هل نحن أمام موجة صراع من نوع جديد ظهر أو سيظهر على مسرح سوريا؟
باعتقادنا وفق الأفعال وسلوك الإدارة الجديدة في دمشق المتمثلة بهيئة تحرير الشام، والوعود المنشودة من القوى الدولية على أن تستوعب الإدارة الجديدة كافة المكونات السورية بعربها وكردها وسريانها وغيرهم من المكونات الأخرى بخلفياتهم المذهبية والطائفية كالإيزيديين والعلويين والدروز والإسماعيليين، إذا كان ما يحدث مجرد كلام ووعود فباعتقادنا لم يحدث شيء على أرض الواقع، وإذا بقيت كل تلك القضايا دون أي حل لها، وإذا بقيت الإدارة الجديدة في سيرها باتجاه واحد وذات اللون الواحد فإن بلدنا مقبل على صراع بشكل مختلف، صراع مذهبي، صراع طائفي، صراع قومي بين المكونات السورية، فلا أعتقد أن العلويين الذين يمثلون جزءاً رئيسياً في البلاد أن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال كل تلك الاعتقالات وحالات الانتقام التي تتم بحقهم أمام مرأى الجميع، والدروز أيضاً يصرحون علانية إن لم يتم تأمين حقوقهم ومطالبهم فإنهم لن ينخرطوا في العملية السياسية، وكذلك الكرد فمنذ عشرة أعوام تم تأسيس الإدارة الذاتية والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وقد دافعوا ببسالة للحفاظ على الأراضي السورية ضد الاحتلال التركي وضد النظام القمعي والإرهاب العالمي، ودفعوا في سبيل ذلك دماء عشرات الآلاف من أبنائهم وبناتهم من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وكمكون رئيسي وثاني أكبر قومية في البلاد باعتقادي أنهم أيضاً لن يقفوا متفرجين حيال كل ذلك.
نحن متأملون أن لا تعزز الإدارة الجديدة في دمشق وجودها ودورها على التناقضات الاجتماعية الموجودة بين المكونات السورية، إن لم يكن لديها – أي الإدارة الجديدة – إمكانية التخلص من كل تلك الإشكاليات والعمل وفق الرؤية الوطنية والهوية السورية الجامعة، فإن بلدنا سوريا مقبلة على صراع مدمر وستنعكس نتائجه على جميع القوى الداخلية والإقليمية والدولية بشكل سلبي.
*- ما موقفكم من الاحتلال التركي لمناطق روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، واستمرار هجماتها مع مرتزقتها على مناطق سد تشرين بعد سقوط النظام؟
في الحقيقة هذه الهجمات ليست بجديدة علينا، فتركيا منذ اللحظة الأولى تشن هجماتها على مناطق روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وقد أصدرنا في ذلك العديد من بيانات وتصريحات الإدانة والتنديد الرافضة لها، وموقفنا واضح وصريح من كل تلك الهجمات والاحتلال التركي، فأي كردي مجرد التحدث عن الحرية والديمقراطية تجد تركيا قد حاربته بآلاتها القمعية وبكل قوتها، فتركيا ليس في قاموسها الكرد والقضية الكردية، وكما هو معلوم فإن تركيا عضو في الأمم المتحدة ومن المفروض أن تلتزم بكل القوانين الدولية، لكنها تضرب كل ذلك عرض الحائط ولا تلتزم بأي شيء اسمه حقوق المكونات وقضايا الشعوب وحقوق الإنسان، بالتأكيد فإن هجمات الاحتلال التركي موضع إدانة وتنديد من قبلنا ولا نقبل به أبداً، وطالبنا المجتمع الدولي والقوى الدولية والأمم المتحدة بالتدخل ووقف الهجمات والمخططات التركية الرامية إلى القضاء على الكرد ومكتسباتهم.
*- ما هو الموقف الدولي وموقف الإدارة الجديدة في دمشق من القضية الكردية في سوريا، وهل ستظل الإدارة الجديدة في دمشق مصرة على فرض السلطة المركزية؟
الموقف الدولي المتمثل بفرنسا والولايات المتحدة حتى هذه اللحظة يصب في اتجاه حل قضايا الشعوب وحقوقهم، أضف إلى ذلك موقفهم تجاه الشعب الكردي وقضيته واضحة منذ 2020 حتى قبل مجيء الإدارة الجديدة إلى السلطة في دمشق، حيث جرت وتجري لقاءات مستمرة بيننا وبينهم أكدوا فيها على توحيد الحركة السياسية الكردية وتوحيد الموقف والصف الكرديين، وحتى بعد مجيء الإدارة الجديدة إلى السلطة زادوا من تلك اللقاءات وبشكل مكثف، حيث لم يمر شهر دون أن نجتمع مرة أو مرتين، وفي الآونة الأخيرة أكد المبعوث الفرنسي أنه لا يمثل فرنسا فقط وإنما يمثل فرنسا والولايات المتحدة والتحالف الدولي أيضاً، فقد صرح أنهم قبلوا بالإدارة الجديدة وفق شروط معينة وشرطهم هو استيعاب كافة القضايا في سوريا وقضايا المكونات، والقضية الكردية هي القضية الأساسية.
من جهة أخرى يعملون على إنهاء حالة الانقسام بين الحركة السياسية الكردية وتوحيد الموقف والصف الكرديين، إضافة إلى أنهم يؤكدون على أن الإدارة الجديدة في دمشق إن لم تستطع أن تجري تغييراً في موقفها ووضعها فإن موقفهم سيكون بشكل مختلف، وهذا يعني أن الموقف الدولي سيكون وفق تلك الرؤية.
حتى هذه اللحظة بدأت خطوات في الاتجاه الإيجابي، ونحن نأمل استمرارية هذه المواقف والخطوات وأن تكون أكثر وضوحاً من السابق. كلنا نعلم بالعادة التحالف الدولي يتحرك ويعمل وفق مصالحه وبالتالي إن ذهبت مصالحه باتجاه آخر وانسحب من سوريا فإن الوضع هنا سيكون كارثياً، نأمل أن لا يتعامل وفق هذا المبدأ، وباعتقادي فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وحتى التحالف الدولي أيضاً لا يستطيعون إدارة ظهورهم للمعضلة السورية وتركها لمصيرها.
أما بالنسبة للسلطة المركزية فإن المركزية الشديدة قطعاً غير مقبولة ومرفوضة من قبلنا، واللامركزية أيضاً مرفوضة من قبل الإدارة الجديدة في دمشق، وإذا فرضت المركزية الشديدة فليس للشعب السوري أية مصلحة في ذلك، وبذلك سنعود إلى نقطة الصفر وكأن شيئاً لم يكن، ولكن القوى الدولية التي نلتقي بهم يؤكدون أحقية اللامركزية وإيجاد حل لقضايا الشعوب والمكونات السورية.
*- ما هو مستقبل الكرد وروجآفاي كردستان، ومصير المناطق المحتلة تركياً، وهل سنكون ضحية للصراعات والمصالح الدولية، أو بالأحرى الصراع الدولي والإقليمي؟
جميع الاحتمالات مفتوحة، كثيراً ما نجد قضايا الشعوب أصبحت ضحية للمصالح والتوافقات الدولية، نحن نجد أن منطقة الشرق الأوسط عامة وسوريا خاصة أمام تغيرات كبيرة، ولذلك فإن القوى الإقليمية وبالذات مغتصبي كردستان يحاولون بشتى الوسائل الوقوف بوجه الاستنهاض الكردي في المنطقة سواء كان إيران أو تركيا أو بعض الجهات العربية، يضعون العراقيل والعقبات أمام نهوض الشعب الكردي، ولكن ما نلمسه من المواقف الدولية هناك تغييرات ضمن جغرافيا معينة وليست تغيير الجغرافيا عامة، على سبيل المثال في سوريا يحاولون إيجاد وضع معين للمكونات السورية ضمن الجغرافيا السورية وليس تغييرها، ووفق القاعدة الدولية العامة فإن قضايا الشعوب تصبح ضحية للتوافقات والمصالح الدولية.
*- ما هي قراءتكم للواقع السياسي الكردي في ظل إصرار جهات كردية على وحدة الصف الكردي وحركته السياسية وإنهاء حالة الانقسام، وهل لديكم رؤية في هذا الشأن؟
الواقع السياسي الكردي حقيقة ليس واقعاً مرضياً، وليس موضع ارتياح، وفق تقييم واقع الحركة السياسية الكردية والشارع الكردي أيضاً والأوساط والفعاليات ضمن المجتمع الكردي، نحن نمر ضمن مناخ يتيح للكرد أن يلعبوا دوراً هاماً في هذه المرحلة، وأن يحققوا بعض المكاسب في كل ساحة من ساحات كردستان، وباعتقادي قضايا الشعوب لا تحل دفعة واحدة، لكن هناك إمكانية لحل القضية الكردية في كل جزء من أجزاء كردستان على حدة.
الفرصة المواتية اليوم في روجآفاي كردستان لا تعوض ولا تفوّت، فهناك تغيرات كبيرة حدثت في سوريا بعد دمار شامل في كل البنى، وأستطيع القول إننا ضحية التناقضات الكردستانية، هناك صراع موجود على روجآفاي كردستان والكل يريد الحفاظ على مصالحه وبالتالي تعزيز دوره، ونحن في الحزب اليساري الكردي في سوريا قلناها مراراً وعلانية وبشكل واضح وصريح يجب ألا تصبح روجآفاي كردستان ضحية للمصالح الكردستانية أو ساحة صراع بينهم، نأمل منهم أن يكونوا داعمين لنا لا عبئاً علينا، كما أن هناك تناقضات كبيرة في كل جزء من أجزاء كردستان، ولكن المساحة المتوفرة في روجآفاي كردستان بعد سقوط النظام في سوريا تستدعي دعم ومساندة الجهات الكردستانية لنا، وفي هذا الشأن جرت محاولات للتوافق وتوحيد الصف والموقف الكرديين، وقد بذلنا في ذلك جهوداً كبيرة في روجآفاي كردستان في هذا الاتجاه، ونحن في الحزب اليساري الكردي في سوريا أيدنا وأكدنا على ذلك من خلال مشروع رؤية لحل القضية الكردية في سوريا وتوحيد الموقف الكردي، وقد جرت حوارات بين أطراف الحركة السياسية الكردية ثنائية وثلاثية ورباعية، لكن للأسف الشديد فإن مغتصبي كردستان حاولوا جاهدين لإفشال كل تلك المحاولات والحوارات، والمحاولات مازالت جارية خاصة بعد سقوط النظام أصبح من الضروري توحيد الموقف والتوصل إلى رؤية سياسية مشتركة توضح الموقف من سوريا المستقبل والموقف من الإدارة الجديدة وحل القضية الكردية في سوريا وقضايا المكونات الأخرى، ولكن للأسف لم نصل بعد إلى توحيد الموقف ولا إلى أي رؤية مشتركة حتى هذه اللحظة.
*- إلى أين توصلتم مع المجلس الوطني الكردي بشأن الحوار الكردي – الكردي، وتشكيل وفد للتفاوض مع دمشق، ولماذا تصر ENKS على عدم حضور المؤتمر المزمع عقده من قبل أحزاب PYNK؟
في كل الأحوال نحن وENKS نجتمع عبر وسطاء وبالذات فرنسا والولايات المتحدة، يعني عملياً التحالف الدولي أو القوى الدولية تحاول لعب دور الوسيط بيننا وبين ENKS لتوحيد الموقف والرؤى، ويؤكدون على تشكيل وفد كردي موحد للتفاوض مع دمشق، ولكن يبدو أن التناقضات كانت كبيرة بين الطرفين (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية PYNK و المجلس الوطني الكردي ENKS)، في الحقيقة ENKS كان عضواً في ما يسمى بالائتلاف ونحن كان لدينا وضع معين حيث هناك تيار مقاوم وهناك مؤسسات مدنية وإدارية وعسكرية وأمنية، وقد حررت المناطق من رجس نظام البعث، هناك قوة على الأرض مهمة في التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية في سوريا، وبعد سقوط النظام كانت هناك محاولات حثيثة سواء من القوى الدولية بين باشور كردستان وروجآفاي كردستان أو من شخصيات ذات كاريزما لعبوا دوراً هاماً مثل الجنرال مظلوم عبدي، حيث لعب دوراً بارزاً ومحورياً في مسألة الحوار الكردي – الكردي وخاصة لقاؤه التاريخي مع السيد مسعود البارزاني حيث أفضى إلى فتح أجواء أكثر إيجابية بين الطرفين في روجآفاي كردستان.
أما الآن فهناك مداولات بين الطرفين المذكورين ولكن ليست وجهاً لوجه بسبب رفض وتعنت ENKS، لهم أسبابهم الخاصة بهم، ولا نريد الخوض فيها على المنابر الإعلامية درئاً من خلق فجوة بيننا، لكننا نقول مهما كبرت الفجوة وإن وجدت تناقضات إلا أنه هناك إمكانية للحوار على طاولة واحدة للنقاش فالمصلحة الكردية العامة تجمعنا، هناك أمران لا ثالث لهما رؤية سياسية مشتركة ووفد مشترك للتفاوض، ونحن من جهتنا نقول إن الحركة السياسية الكردية ليست وحدها من تمثل الشعب الكردي، فهناك أحزاب وفعاليات المجتمع المدني وشخصيات وكتاب ومثقفين وحقوقيين وأكاديميين ومرأة وشباب، ونستطيع أن نجمع الكل في مؤتمر جامع للخروج برؤية وموقف موحد، ولكن للأسف الشديد فإن ENKS يرفض كل ذلك ويتمسك بموقفه الذي يدعي أنهم ملتزمون بمخرجات مؤتمرهم سنة 2022، في الحقيقة منذ 2022 وحتى 2025 حدثت تغيرات كبيرة وكثيرة، والوضع مختلف كلياً الآن عن سابقه ونحن بحاجة إلى تجديد وتطوير الخطاب والموقف ولا نجد أي مبرر لموقفهم، لكنها ليست النهاية، وهناك إمكانية للتواصل والعودة إلى الحوار، ونحن في أحزاب PYNK قد أعلنا عن عقد المؤتمر والمحاولات جارية مع ENKS لحضور المؤتمر، ولكن في النهاية إن أصروا على رفضهم وتعنتهم فلن نقف مكتوفي الأيدي وسنعقد مؤتمرنا، وهذا ما يؤكد عليه الأوروبيون والغرب، ولكن يبدو أن هناك قوة تفرض نفسها وبقوة لإفشال كافة الجهود الرامية إلى توحيد الصف والموقف الكرديين، وبالذات دولة الاحتلال التركي.
*- هل ستنجح عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وماذا تتوقعون من رسالة القائد عبد الله أوجلان المنتظرة؟
نحن نأمل أن تنجح هذه المبادرة، والسلام هو مطلب جميع الشعوب والمكونات، المبادرة بهذا الشكل ليس كما يروج لها الإعلام التركي وبهذه السهولة أن يوعز القائد عبد الله أوجلان ليتخلى حزب العمال الكردستاني عن سلاحه دون مقابل ودون ضمانات، أعتقد أن مبادرة السلام هذه ستكون ضمن شروط معينة، كما سبق ذلك العديد من مبادرات السلام منها في عام 2013 من أجل السلام، ولكن تم نسفها من الجانب التركي، ونعتقد أن هذه المبادرة ستكون مميزة وفق ما يتم الإعلان عنها أن هناك عدة رسائل لعدة جهات معينة لقوى كردستانية وجهات دولية كجهات ضامنة لإنجاح العملية والمبادرة، نحن نأمل إنجاح المبادرة، ولكن وفق ما نشاهده من مواقف وتحركات لدولة الاحتلال التركي لا ينم أبداً إلى أي بادرة حسن نية تجاه إنجاح المبادرة، كما نعتقد أن إمكانية إنجاح المبادرة في هذا التوقيت وفي هذا الظرف أكبر مما كان سابقاً، ولكن ليس كما يفكر الجانب التركي بأن يتخلى حزب العمال الكردستاني عن السلاح بهذه السهولة دون مقابل ودون ضمانات، ودون حل جذري للقضية الكردية.
*- إذا أراد المجتمع الدولي والإدارة الجديدة أن يتم التفاوض معها باسم الكرد فقط وليس باسم الإدارة الذاتية، فما هو رأيكم؟
هناك نوع من التفاوض بين قسد والإدارة الجديدة ولم يتوصلوا بعد إلى أي نتائج أو اتفاق، ومن جانب آخر يتم التحضير باسم الشعب الكردي، واحتمالات مفتوحة الاحتمال الأول هو تشكيل وفد موحد للتفاوض والاحتمال الثاني هو تشكيل وفدين للتفاوض وهو المرجح، وفد باسم قسد والإدارة الذاتية ووفد باسم الكرد وفق رؤية سياسية مشتركة وموقف موحد، والوفدان سينسقان معاً بالتأكيد لإنجاح عملية التفاوض.
– كيف تقرأون مستقبل سوريا الجديدة في ظل تلك الأحداث التي تحدثنا عنها؟
باعتقادي المستقبل الذي يصفق له السوريون لسوريا الجديدة، سوريا المستقبل، وكأن سوريا ستتحول إلى جنة الأرض على يد الإدارة الجديدة، لا أظن أنها ستحقق الديمقراطية والحرية وستحل جميع الإشكاليات وقضايا الشعوب والمكونات، على الأقل في المنظور القريب.
الضغط الدولي لا يمكن أن يحقق كل شيء، والذهنية التي تحكم دمشق اليوم تحت تأثير الدولة التركية تسير نحو إدارة إسلامية متشددة، في البداية ستحاول إعطاء الوجه المنفتح والإيجابي إلا أن تلك الذهنية ليست من السهولة بمكان أن تتحول وتتغير في ظل ما ذكرناه.
*- هل سنشهد حكماً ذاتياً للكرد في سوريا، واعترافاً بالإدارة الذاتية الديمقراطية؟
هذا أملنا وطموحاتنا وسنطالب بها حتى النهاية، بعد التضحية بدماء عشرات الآلاف من بناتنا وأبنائنا أكاد أجزم أننا لن نتخلى عن مطالبنا وعن تحقيق حلم الشهداء وحلم شعبنا، واللامركزية أو اللامركزية السياسية أصبحت مطلباً كردياً عاماً لدى جميع الكرد، ولن نتخلى عنها، واللامركزية السياسية تبدأ في حدها الأدنى من الحكم الذاتي وصولاً إلى الفيدرالية والكونفيدرالية، إلا أن الإدارة الجديدة في دمشق بهذه الذهنية لا تستطيع استيعاب هذا المطلب وهذا الطرح، إضافة إلى الضغط التركي المتواصل الذي يمنع التوصل إلى أي اتفاق يفضي إلى تحقيق ذلك.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63851