الثلاثاء, مارس 4, 2025

الالتفاف على القضية الكردية في سوريا الجديدة: إعادة إنتاج التذويب بواجهات حديثة

إبراهيم اليوسف

يواجه الكرد في سوريا اليوم مرحلة جديدة من محاولات التذويب، لكن هذه المرة بوسائل أكثر دهاءً وواجهات تحمل شعارات وطنية وإسلاموية، فبعد عقود من سياسات التعريب والإقصاء، تحاول بعض الأصوات العنصرية في سوريا الجديدة إدارة الظهر للكرد في الجزء الكردستاني من سوريا، والترويج لفكرة أن الكرد يمكن تمثيلهم من خلال شخصيات موالية لأنظمة فكرية أو أيديولوجية سورية عامة، دون الاعتراف بخصوصيتهم القومية.
إعادة تدوير التمثيل: من الإقصاء إلى الاحتواء الموجه
إلا أنه لم تعد السياسات القديمة في إنكار الوجود الكردي فعالة في ظل التحولات التي طرأت بعد الثورة السورية، ما دفع بعض الجهات إلى تبني نهج أكثر خبثًا: الاحتواء الموجه. فمن خلال شخصيات كردية موجودة داخل الأحزاب السورية التاريخية أو المستحدثة، أو الميليشيات، أو الجمعيات الإسلامية والقوموية، يتم الادعاء بأن هذه الأسماء تمثل الكرد، بينما في الواقع، فهي رغم صدقها مع ذاتها ورؤاها، وحماسها الوطني أو الأيديولوجي، واعتزاز أكثرها بكرديتها، فهي لا تمثل سوى قناعاتها الأيديولوجية الشاملة، والتي غالبًا ما تتناقض مع حقوق الشعب الكردي، وهذا لايقلل من مكانة هؤلاء، إلا في حالة التحول إلى موقع معاداة أبناء جلدتهم، لأجل مصالح ذاتية آفلة، ولا أراهم، هكذا!
إن وجود كردي في حزب شيوعي سوري ، في زمن البعث، أو في حزب البعث، لم يكن يعني أنه يمثل الكرد، بل يمثل حزبه، وإن كان الشيوعيون- وفق وجهة نظري- قد دافعوا عن الكرد، ضمن دائرة وطنيتهم، بما هو متاح، بجدارة، وكذلك الكردي الذي ينخرط في ميليشيات عربية أو إسلاموية لا يمكن اعتباره ممثلاً لعموم الكرد، بل هو مجرد فرد يتبنى رؤية هذه القوى. وهذا ينطبق على الجمعيات والمنظمات التي تدّعي التعددية لكنها تذيب الهوية الكردية في قوالب سورية وإسلامية.
محاولة فرض تمثيل زائف
في ظل هذا النهج، نجد أن بعض الأصوات تسعى إلى تجاوز التمثيل السياسي الكردي الفعلي، عبر تقديم بدائل مصطنعة تحت مسميات سورية جامعة. إلا أن الهدف من ذلك ليس فقط إلغاء خصوصية القضية الكردية، بل أيضًا تقويض شرعية التمثيل الكردي الحقيقي الذي ينبع من البيئة الكردية ذاتها، وليس من القوى المسيطرة عليها.
وكلنا يعلم أن ذلك يتم ذلك عبر تسويق خطاب مزدوج: الخطاب الداخلي: الإيحاء بأن الكرد ليسوا بحاجة إلى مشروع سياسي خاص، بل يمكنهم الاندماج في مشاريع سورية عامة” وطنية أو إسلامية”. الخطاب الخارجي: الادعاء أمام المجتمع الدولي بأن الكرد ممثلون عبر هؤلاء الأفراد، وبالتالي لا حاجة للاعتراف بالكرد ككيان سياسي مستقل في سوريا المستقبلية.
حرب جديدة على الكرد: التمزيق الذاتي بأيدٍ كردية
هناك حرب جديدة على الكرد من خلال تمزيق الصف الكردي من قبل الكرد أنفسهم عبر التهكم على أولئك الذين سعوا للتجسير مع دمشق، حتى وإن كنا غير موافقين على هذا النهج. شخصيًا، أرى أنه من حق أي كردي أن يحلم بالتجسير على الصعيد الفردي، لكن هناك ممثلين عن حركة كردية عمرها سبعون سنة، وهؤلاء يمثلون الحركة رغم نقدنا لهم. إن أي تشويه لهم من قبل الكرد أنفسهم يقع في خدمة أعداء الكرد الذين يلتقطون حالة التقاذف والتشاتم الكردي ويديرون نفاياتها لمواجهتهم بها. وهذا تحديدًا ما تفعله بعض الجهات التي تستخدم أدوات النظام الأسدي السابق، حيث لم نسمع لهم موقفًا في زمن ما قبل الثورة السورية في آذار 2011.
استغلال الكرد في مشاريع الإقصاء الجديدة
ثمة كرد من جسر الشغور، جرابلس، الباب، حماة، اللاذقية، حمص، دمشق، وغيرهم، انخرطوا في صفوف الفصائل السورية التابعة لتركيا أو سواها، مكرهين، أو عن قناعة أيديولوجية، وكذلك في جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، حيث برهنوا على صدقهم وشجاعتهم وولائهم، مستلهمين في ذلك صورة جدهم البطل صلاح الدين الأيوبي، الذي فكر إسلاميًا فقط، متجاهلًا قوميته، كما تقتضي روح الدين الحنيف الذي لم تبال به الأمم الأخرى: الفرس- الترك- العرب، ويتم حاليًا إعادة تكليف هؤلاء بمهمات سبق أن استخدمها الأسد، لاسيما مع كرد همهم الديني أو المشترك العربي أعلى من همهم القومي. يتم توزيعهم في مواقع حساسة داخل دمشق مثل:
رئاسة مجلس الشورى
رئاسة المراسيم
الحرس الجمهوري
وغيرهم، لاسيما أن بعض المهرولين الذين تسللوا عبروساطات: تركية، أو عبر أرقام هواتف، أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، في محاولة لتقديم الذات، في خدمة المخطط المرسوم.
بالإضافة إلى دعوة كرد أبناء المحافظات غير الكردية لحضور مؤتمرات على أنهم كرد، في عملية خداع ممنهجة تهدف إلى طمس الوجود الكردي الحقيقي. هذا-تمامًا- ما فعلته وتفعله تركيا وإيران وبغداد ودمشق، حيث يتم تحييد الكرد الذين يحملون همًا قوميًا، واستغلال الكرد البعيدين عن محرقة المناطق الكردية التي تُعامل كمستعمرات يجري فيها إذابة الكرد ومسخ هويتهم.
تذويب جديد بأدوات حديثة
قد تكون هذه المحاولات أخطر من سياسات الإنكار الصريحة، لأنها تأتي بغطاء يبدو أكثر قبولًا وتسامحًا، لكنه يخفي في جوهره إنكارًا مقنعًا للوجود السياسي الكردي. فبدلًا من حرمان الكرد من حقوقهم بشكل مباشر، يتم الالتفاف على هذه الحقوق عبر فرض تمثيل لا يعبر عنهم، واستخدام شخصيات كردية كأدوات في هذا المخطط.
بعد كل هذا ترى”ما المطلوب؟”
من جهتي أرى ضرورة تسليط الضوء على ما يجري من سياسات تغلف بغطاء وطني براق، مزيف، والتأكيد على أن التمثيل الكردي يجب أن ينبع من الإرادة الكردية، لا من قوى تحاول إعادة تدوير الإقصاء بوسائل حديثة. كما أن رفض فكرة أن صوابية تمثيل أي كردي في حزب سوري أو إسلامي الكرد، لأن ذلك من حق كل فرد، والتأكيد على أن هذه الشخصيات تعبر عن خياراتها الفردية وليس عن القضية الكردية. إذ لابد من تعزيز حقيقة وواقع الهوية القومية الكردية في مواجهة هذه المحاولات، وعدم السماح للخطابات المراوغة بطمس المطالب الكردية الحقيقية، لاسيما أننا نجد سعاراً من محاولات تشويه صورة الكردي، وتقديمه على أنه ضيف على آباء وجدود بعضهم، في دور لاوطني، يسعى عملياً لهدم الرباط الوطني، ودفع سوريا إلى التفكيك المعنوي، ومن ثم الجغرافي الذي لايريده الكرد، رغم تأكيدي كشخص أن هناك: كردستان، وثمة جزء مسمى منها في الجمهورية السورية، ويمكن إعادة إصلاح أي عطب تركه الفاشيون والعنصريون ضد الكرد، استجابة لثقافة مبيتة، أو نتيجة ترتيب أو أجر -راتب- عيني أو معنوي أو مرتبي.
إن الالتفاف على القضية الكردية عبر شخصيات كردية موالية لتيارات سورية أو إسلاموية أو مستعربة ليس سوى إعادة إنتاج لسياسات التذويب، على نحو أشد خبثاً، ووفق: تدبير آخر، مكمل لممارسات البعث الشوفيني المجرم، و بأسلوب أكثر دهاءً. وإذا لم يتم التصدي لهذا المخطط بوعي وذكاء، فقد نجد أنفسنا أمام واقع يتم فيه إلغاء التمثيل الكردي الحقيقي باسم الوحدة الوطنية، بينما تستمر سياسات الإقصاء بأدوات جديدة.

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية