الأحد 06 تموز 2025

بين سوبر رئاسية روسيا وفخ سوريا: قراءة في مقال ديميتري بريجع

بقلم: خالد دقوري

في مقاله “«يد يلتسين إلى دمشق: درس “السوبر رئاسية” الروسية لسوريا ما بعد الأسد»،

-المنشور في موقع «السفينة» الإخباري بتاريخ 25 يونيو 2025 كـ«مقال رأي»-

يحذر الكاتب الروسي ديميتري بريجع من أن سوريا ما بعد الأسد تقف اليوم على حافة فخٍّ تاريخي مشابه لما ابتلعت فيه روسيا في التسعينيات، عندما تحولت الآمال بالديمقراطية إلى “نظام سوبر رئاسي” طغى فيه الفرد على المؤسسات، وساد فيه الفساد والتفكك الاجتماعي تحت غطاء الإصلاح.

وقد لامس المقال عندي وترًا حادًا، لأننا شعوب لم تولد لتُختصر في ظلال الزعامات، ولا لتُقسَّم تحت رايات المال أو الدين أو شعارات الأمن. نحن شعوب مزخرفة بتنوعها، ولسنا عبيدًا لطبقات تتغذى من الحرب أو تستنزف الإيمان باسم النُبل السياسي.

يقول بريجع:

“فإن انساقت سوريا لإغراء القبضة الواحدة تحت ذرائع استعادة الأمن وإنعاش الاقتصاد، فإنها تعيد كتابة فصول المأساة الروسية، ولكن بحروف عربية…”

نعم، فالمماطلة في الانتخابات أو تعليق المؤسسات الدستورية لا يعني إلا فتح الباب للفوضى وتفكيك الطوائف، كما حدث في روسيا حين أُغلقت الصفحة الديمقراطية قبل أن تُفتح. إنها ذات الخدعة التي ترتدي عباءة الاستقرار لتصنع ممرًا لـ”سوبر رئيس” يُحكم قبضته على مفاتيح الدولة والمجتمع.

وهنا أقول: الشعب الذي ثار على الاستبداد لا ينبغي أن يلد من جديد أصنامًا باسم الأمن، فالمخلصون الذين يعملون بصدق وإخلاص هم طبقة العمال والمؤمنين الحقيقيين، أما من يختبئون خلف خطابات الإصلاح ويتغنون بالأمن، فهم غالبًا من السارقين وزارعي الوهم.

ويتابع بريجع:

“في روسيا التسعينيات، تحوّل الدستور إلى أداة مفصّلة على مقاس الرئيس… وسقط المجتمع في أتون صراع طبقي حاد…”

وهذه الطبقات التي صنعها النظام الروسي—الأوليغارشيا المالية، والسياسيون النبلاء المتحالفون مع رجال الدين، والمتاجرون بالإيمان—هي نفسها الطبقات التي يجب أن نحذر منها في سوريا المستقبل. كيف نميّز بين من يريد الخير ومن يستغلنا؟ الجواب واضح: المشاركة الفعلية في القرار، وتوزيع الثروات، واحترام التعدد، وفتح المجال أمام اختلاف الأفكار واللغات والأديان.

“لا بد من قاعدة ذهبية: لا مساس بصلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية مهما كانت الذرائع الأمنية…”

وهذا ما نحتاج أن نغرسه في أي عقد اجتماعي جديد. لا نريد قصرًا جديدًا يحكمنا من فوق، بل برلمانًا منتخبًا، وقضاءً مستقلاً، وإعلامًا حرًا. كل مؤسسة تُقمع اليوم ستتحوّل غدًا إلى بندقية موجهة نحو صدورنا.

روسيا احتاجت عشر سنوات لتكتشف الكارثة. أما نحن، فإن كنا أذكى، فلن ننتظر عقدًا لنفهم حجم الانهيار. علينا أن نقرأ اللحظة لا بالأمنيات بل بالبصيرة. أن نُدرك أن تأجيل الانتخابات، وتوسيع صلاحيات الرئيس الانتقالي، وكم الأفواه باسم الضرورة، ليست سوى فصول أولى في قصة انحدار جماعي.

نحن لم نولد لنُستغل، بل لنُعطي، لنُحب، لنبني، لننشر السلام…

وسوريا اليوم لا تحتاج بطلًا جديدًا، بل عقدًا اجتماعيًا جديدًا يوزّع السلطة كما يُوزع الماء.