الأربعاء 13 آب 2025

11 عامًا على الإبادة الإيزيدية: هل آن أوان التدويل والحماية الدولية؟

يحيى هركي. كاتب وصحفي ـ المانيا

هذه ليست قصة عادية، بل مأساة تزلزل الضمير الإنساني. 11 عامًا مضت على واحدة من أبشع إبادة جماعية في تاريخنا الحديث، إبادة دمّرت حياة شعب بريء وأرادت طمس وجوده من خارطة الإنسانية. في الثالث من آب 2014، شنكال لم تكن فقط مدينة بل جرح ينزف، صرخة مدوية تسجل فصولًا من الخيانة، الألم، والصمت الدولي الذي يفاقم الكارثة.
أكثر من خمسة آلاف مدني إيزيدي قُتلوا بدم بارد، وأكثر من ستة آلاف امرأة وطفل سُبوا، وتم بيعهم في أسواق النخاسة كعبيد في القرن الحادي والعشرين. وما زال مصير المئات منهم مجهولًا.
أظهرت المأساة وجوهًا متعددة، بعضها كان خائنًا وبعضها مشرفًا. الانسحاب المفاجئ لقوات البيشمركة وتركها المدنيين دون حماية،
في المقابل، سطر مقاتلو وحدات حماية الشعب (YPG) من روجآفا ملحمة إنسانية في الدفاع عن جبل شنكال. فتحوا ممراً إنسانيًا من الجبل المحاصر باتجاه الأراضي السورية، وأنقذوا ما يزيد عن 50 ألف إنسان من الجوع والعطش والموت. رافقهم أيضًا مقاتلو وحدات حماية سنجار (YBŞ) التي تشكّلت لاحقًا، لتكون نواة مقاومة حقيقية من أبناء الأرض أنفسهم.
ومأساة لم تنتهِ رغم مرور 11 سنة لا إعمار في شنكال، لا مدارس مؤهلة، لا مستشفيات، لا تعويضات للناجين. النساء الإيزيديات اللاتي عدن من الجحيم يعشن اليوم جحيمًا آخر: التهميش الاجتماعي، الإهمال النفسي، وغياب العدالة. آلاف الأطفال وُلدوا في الأسر، وبعضهم لا يُعرف لهم أب أو مصير. أبناء الأمهات المغتصبات تُركوا في مخيمات أو شُتّتوا في الشتات.
ويواجه الأطفال الإيزيديون الذين خُطفوا من قراهم ثم تم غسل أدمغتهم على يد داعش أزمة هوية ودمارًا نفسيًا عميقًا. بعضهم تربى على أيدي الإرهابيين، والبعض الآخر عاد يحمل لغات ولهجات غريبة، لا يعرف عن ديانته أو أهله شيئًا. هؤلاء الأطفال اليوم يُعتبرون قنبلة اجتماعية موقوتة،
اما البعد القانوني: جريمة إبادة جماعية فبحسب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن ما جرى للإيزيديين يندرج بوضوح تحت تعريف الإبادة الجماعية. لقد استُهدفوا كجماعة دينية، بالقتل والسبي والاضطهاد بهدف القضاء عليهم وجوديًا، ثقافيًا وجسديًا. تجاهل هذا التصنيف هو تواطؤ مع الجريمة.
عندما قُصفت مدينة حلبجة بالسلاح الكيميائي عام 1988، أُعلنت لاحقًا محافظة، وتم الاعتراف بمأساتها رسميًا. بينما في سنجار، ورغم أن الجريمة استهدفت أكثر من نصف السكان بالسبي والمجازر والتهجير القسري، لا زالت المنطقة مهمّشة ومقسّمة سياسيًا. فهل حياة الإيزيديين أرخص؟ هل عذابات النساء الناجيات لا توازي موتًا بكيميائي؟
رسالة إلى حكومتي أربيل وبغداد:
شنكال لم تنكسر، رغم أنكم تركتموها تنهار.
شنكال لا تزال تصرخ، لأن العدالة لم تأتِ، ولأن الأفعال غابت، وبقي الصمت سيد الموقف.
الإيزيديون ليسوا غرباء في هذه الأرض، بل أصحابها، ولن يقبلوا بعد اليوم بالوعود الجوفاء، ولا بالشعارات الفارغة. العدالة لا تُنتظر، بل تُنتزع بصوت لا ينكسر، وإرادة لا تُساوَم. وما ضاع حقّ وراءه شعب حيّ، قرر أن يقول: كفى!
دماء الآلاف التي سُفكت، والنساء اللواتي ذُبحن وسبين، والأطفال الذين اختُطفوا وعُذِّبوا… ليست مجرد أرقام، بل وصمة في جبين من تخلّف عن الحماية والتعويض، وعن إعمار الأرض التي طمرها الحطام والنسيان.
لذا نطلب منكم ونقولها بوضوح:
تعويض شامل لكل ناجٍ وناجية – ماديًا، نفسيًا، واجتماعيًا.
اعتراف رسمي بالإبادة كجريمة ضد الإنسانية.
ضمان حق الإيزيديين في تقرير مصيرهم داخل مناطقهم التاريخية.
الخلاصة:
إلى الأمراء والزعماء الإيزيديين الكرام .يا من تحملون لقب الزعامة، يا من تنتمون إلى شعبٍ عريق ذاق الويلات، يا أمراء الإيزيديين، وسَدنة التاريخ والكرامة…
آن الأوان أن نكسر جدار الصمت، ونعلنها للعالم أجمع:
تدويل قضية شنكال في الأمم المتحدة والمطالبة بحمايتها دوليًا.
اعتبار شنكال محافظة أو إقليماً مستقلاً تحت حماية دولية، لأن من خذل أهلها لا يمكنه أن يضمن لهم الأمن. فمنذ 11 عامًا، لم تبنِ الحكومتان العراقية والكردية أي مشروع تنموي حقيقي في المنطقة، ولم يتم تعويض الضحايا ولا محاكمة المسؤولين.
لم يعد في الوقت متسعٌ للمجاملات أو الخطابات المكرّرة، فقد شبع شعبنا من الألم، ومن الوعود التي لم تُترجم إلى أفعال.
الإيزيديون، هذا الشعب الذي وقف وحده أمام آلة الموت، لن يرضخ بعد اليوم للخذلان ولا للتجاهل.
شنكال ليست مجرد اسم على الخريطة، بل رمز للكرامة والصمود، ورفع الصوت من أجلها ليس تمردًا، بل دفاعٌ عن الحق الطبيعي في الحياة والحماية والإنصاف.
كل دم سُفك، كل امرأة سُبيت، كل طفل ضاع بين المخيمات أو غُسل دماغه في معسكرات داعش… هي أمانة في أعناقكم. وكل لحظة صمت منكم تُفسَّر اليوم كخذلان أو تراخٍ. نخاطبكم لأنكم تمثّلون وجدان هذا الشعب…لأنكم إن صمتّم، فمن ينطق؟ وإن تهاونتم، فمن يتحرك؟
الأمن لا يُهدى، بل يُنتزع. والكرامة لا تُستعاد بالكلمات، بل بالفعل، بالموقف، وبالضغط على كل الجهات المعنية. لا تتركوا شعبكم وحيدًا. كونوا على قدر الثقة، وعلى مستوى التحدي.
فالتاريخ لن يرحم المتفرجين، ولن ينسى من صمت حين كان يجب أن يصرخ.