بير رستم
تركيا هي أكثر دولة ذات تأثير على القضية الكردية، قديماً وحالياً، وهي بنفس الوقت أكثر من يمكن أن تتأثر بالملف الكردي، لدرجة يمكننا القول؛ بأن صراعنا معهم وجودي وليس فقط حدودي سياسي، وقد سبق وذكرنا ذلك مراراً وتكراراً! وطبعاً علينا أن لا ننسى بنفس الوقت؛ بأن قادة تركيا هم ورثة دولة وإمبراطورية تمتد لقرون عديدة، ألف عام تقريباً وذلك منذ أن ساعدهم الكرد في معركة “ملاذ كرد ١٠٧١” ضد الدولة البيزنطية وتأسيس السلاجقة لأولى أسس دولتهم في المنطقة والتي قامت أساساً على احتلال جغرافية الآخرين وإبادتهم؛ اليونانيين أولاً ومن ثم الأرمن و كان الأمل في صهر الكرد عبر إذابتهم وتتريكهم وقد نجحوا في ذلك لدرجة كبيرة وخاصةً بعد نجاح القوميين في إنهاء دولة الخلافة وتأسيس الجمهورية التركية (الكمالية) بحيث باتت الغالبية من أبناء شعبنا الكردي في شمال كردستان (تركيا) يتحدثون التركية وليست الكردية؛ لغتهم الأم!
لكن وبالرغم من هذه الحقائق التاريخية وبعد سنوات وعقود من الصراع الدامي بين الجيش التركي وكريلا العمال الكردستاني وكل الخطابات العنصرية من قادة تركيا وأحزابهم السياسية وبمختلف تياراتهم الفكرية والأيديولوجية، إذ فجأةً يخرج علينا زعيم أقصى اليمين القومي المتطرف؛ دولة بخجلي، والذي يمثل الدولة التركية العميقة، ليطالب ب”حل الملف الكردي ودعوة السيد أوجلان للحديث في البرلمان التركي”! فهل هي “صحوة ضمير” أم إن “نزل عليه وحي الرحمان والعطف الإنساني”؟! بالتأكيد ليس شيء من ذاك القبيل، بل هو نتيجة دراسة التغيرات الكبيرة الحاصلة في المنطقة والعالم، وخاصةً بعد أن تم ضرب إيران وقصقصة أذرعها في المنطقة، فحينها خرج قادة تركيا ليعلنوا بأن “الدور جاي على تركيا”، أي أن التالي المستهدف ستكون تركيا، ولذلك بادرت الدولة العميقة لطرح فكرة المصالحة مع الكرد وتمتين الجبهة الداخلية وذلك لقطع الطريق على التدخلات الخارجية.
إذاً تركيا لم تغير من جلدها لتتحول من أفعى إلى أرنب، بل لشعورها بأن ذاك الجلد بات لا يناسب المرحلة وبالتالي لا بد من سياسات جديدة تكون من خلالها قادرة على البقاء والإستمرار كدولة احتلالية لجغرافية الآخرين وضمناً لأكبر جزء من كردستان، لكن ما تناسته قادة تركيا؛ بأن الأفعى ومهما طال بها الأمد، فلا بد أن يأتي من يحطم رأسها ويبدو أن هناك من يريد فعلاً تحطيم تلك الأفعى وإلا ما كنا وجدنا هذه المبادرة الكاذبة من قادتها بخصوص “السلام” مع الكرد، بل كانت تركيا دفعت بجيوشها ومرتزقتها ضد قسد والكرد عموماً وأنهت حالة الإدارة الذاتية منذ اليوم الأول، لكن عجزها وضعفها عن القيام بذلك هو الذي دفعتها لطرح مشروع المصالحة ودعكم من الكلام الإعلامي والتهديدات التي تطلقها القيادات التركية، فالكلب الذي ينبح كثيراً لا يعض، فوالله لو كانوا قادرين على تنفيذ عشرة بالمائة من تلك التهديدات، لكانوا قاموا بها من زمان.
باختصار؛ الكرد باتوا لاعبي الشرق الجدد ولا يمكن للشرق الأوسط الجديد القادم أن يكون كاملاً ومنجزاً دون كردستان والدور الكردي وخاصةً بعد أن أثبتت القوات الكردية دورها الفاعل مع قوات التحالف الدولي في مكافحة التنظيمات الجهادية الإرهابية، كما أن من مصلحة إسرائيل أن يكون للكرد وباقي مكونات المنطقة من الأعراق والأثنيات والطوائف الأخرى دور سياسي فاعل الشرق الأوسط الجديد حيث بذلك ستشكل نوع من الحماية لدولة إسرائيل وذلك عندما تصبح لهذه المكونات الأخرى كياناتهم السياسية الخاصة بهم وبذلك يتم امتصاص نقمة الجيران العرب والمسلمين ضد إسرائيل، والأهم هي المصالح الغربية الأوروبية الأميركية في عدم إعادة الإمبراطوريات القديمة؛ الصفوية والعثمانية لأمجادها والسيطرة على جغرافية الشرق الأوسط الجديد القادم.
نعم كل هذا النفاق السياسي التركي للكرد وبالمقابل تصعيد القادة الكرد في سقف مطالبهم هي نتاج التغييرات التكتونية في السياسة الدولية الخاصة بالعالم وفي المقدمة منها ما يتعلق بسياساتهم في الشرق الأوسط، فإلى الجحيم بالدول الطاغية ونحو حرية كردستان قريباً، ربما يعتبرها البعض حلماً، لكن نحن نراها واقعاً سوف يتحقق مستقبلاً!
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=75351