الكرد في مهب التجهيل العلمي والتاريخي

منير شيخي

تُظهر دراسة التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الجزيرة العليا أن محاولات بعض الأطراف، مثل الجولاني ووزير إعلامه، لإثارة نزاعات عرقية بين مكوّنات الشعب السوري، تفتقر إلى الأساس العلمي والموضوعي.
فهذه الخطابات الدعائية ليست إلا استمراراً لسياسات إقصائية مشابهة لما ارتكبتها الحكومات الاستبدادية في دمشق عبر التاريخ المعاصر، والتي سعت إلى إحداث شرخٍ عمودي في المجتمع السوري من خلال المجازر المذهبية والعرقية في مناطق مختلفة في سوريا من حماة وحلب وصولاً لعامودا وقامشلو مثلها كمثل المجازر التي حصلت في الساحل والسويداء ودويلعة في عهد الجولاني وزمرته تماماً.
إن تناول قضايا كبرى، مثل نسبة الوجود الكردي في شرق الفرات وسورية، أو الادعاء بحدوث تغييرات ديموغرافية قامت بها “قسد” في المناطق التي حُررت من تنظيم داعش، يتطلب مقاربة علمية وموضوعية، وليس أحكاماً ارتجالية أو اتهامات بلا دليل.
في عصر التطور التقني وتوافر المعلومة على نطاق واسع، ولا سيما مع انتشار أدوات المعرفة الحديثة مثل ChatGPT، لم يعد من الممكن تمرير روايات مزيفة أو مشوّهة عن تاريخ المنطقة.
إذ يستطيع أي باحث، عبر الرجوع إلى المصادر التاريخية المتعددة، أن يتحقق من الحقائق ويقف على طبيعة التحولات الديموغرافية التي شهدتها هذه الجغرافيا عبر مختلف الحقب الزمنية.
فقد تعرّضت المنطقة منذ العصور القديمة، مروراً بالحقبة الإسلامية، ووصولاً إلى الاحتلال العثماني، إلى موجات متكررة من التغيير الديموغرافي، استهدفت الكرد وغيرهم من شعوب المنطقة.
ولم تتوقف هذه السياسات حتى في التاريخ المعاصر، كما يظهر في مشاريع التهجير القسري التي طالت عفرين وسري كانييه وكري سبي ومنطقة الشهبا.
إن أي دراسة تاريخية جادة، إذا ما التزمت بالمنهج العلمي والحياد الأكاديمي، ستقود إلى نتيجة واضحة مفادها: أن لهذه الجغرافيا سكاناً أصليين راسخي الجذور، في مقابل هناك جماعات وافدة وضيوف استقروا فيها في مراحل تاريخية لاحقة.

https://www.facebook.com/share/p/1JpDNn23Py/

Scroll to Top