الكورد بين قرنٍ من المعاناة وتحديات الحاضر

حجي قادو

لم يعد يُطاق ما عاناه الشعب الكردي طوال مئة عام من القمع والقتل والتهجير، والحرمان من أبسط الحقوق القومية ومقومات الحياة، على يد أربعة أنظمة إسلامية غاصبة لكردستان. لا مثيل لعداوتهم للكرد في أي بقعة على وجه الأرض، إذ يحاربونهم بجميع صنوف الأسلحة وكأنهم يسعون إلى محوهم من الوجود.

لقد مورست بحق الكرد أبشع أشكال الظلم: النفي، الاعتقال، الإعدامات، الإقصاء، التهميش، التجويع، والتغيير الديمغرافي في مناطق وجودهم. كما طُبقت سياسات طمس الهوية من خلال تغيير أسماء قراهم ومدنهم، ومنعهم من التحدث بلغتهم الأم. ورغم ذلك، فإن مطلب الكرد لم يتجاوز حدود العيش بأمان وكرامة على أرضهم التاريخية، جنباً إلى جنب مع بقية الشعوب، ضمن أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتصون الحريات.

وفي هذا السياق، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: “لا مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سوريا”، قاصداً بذلك القوات الكردية، ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقد شدّد في حديثه على ما أسماه “ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتوفير بيئة آمنة للتعايش بين مكوناتها”، وكأنه رئيسٌ لسوريا أو وزير خارجيتها، في تدخّلٍ فجّ بالشأن السوري لا يقل خطورة عن أي تدخل خارجي آخر.

أردوغان ذهب إلى نيويورك رافعاً شعار “حل قضية غزة”، بينما الهدف الحقيقي لم يكن النهوض بتركيا صناعياً أو تجارياً أو عسكرياً، بل لتسويق صفقاته السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة. غير أن هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات قد تجرّ تركيا إلى موجة غلاء واضطرابات اجتماعية، تنعكس سلباً على اقتصادها والوضع المعيشي لمواطنيها.

لقد اعتبرت أنقرة أن هذه الصفقة تمثل ضوءاً أخضر أمريكياً لشن هجمات على روجآفا، إلا أن الواقع قد لا يشهد تدخلاً مباشراً للجيش التركي بقدر ما سيكون دعماً للفصائل المتطرفة في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام “، بهدف زعزعة الاستقرار في المناطق ذات الغالبية الكردية ومناطق سيطرة “قسد”.

وعليه، فإن المسؤولية الكبرى تقع اليوم على “قسد” في تكثيف جولات دبلوماسية والضغط على واشنطن لمنع أنقرة من شن أي هجوم جديد، والبحث عن ضمانات دولية تكبح التهديدات التركية. كما أن الانفتاح عبر قنوات خاصة على إسرائيل قد يشكل ورقة إضافية لتجنب أي حرب محتملة في المنطقة، وخاصة في روجآفا كردستان، التي تبقى مهددة في أمنها ووجودها.

Scroll to Top