الشاعر الكورمانجي والمحارب الكومانشي

مراد سليمان علو

منذ عثوره على لغته والشاعر الكورمانجي يثقف لفرمان الجيران عليه، والمحارب الكومانشي يحارب من أجل بقاءه في سهوله مادام في ساعده سحر أرواح الأجداد الأوائل…

الكومانشي هم الهنود الحمر الأصليون، اسياد السهول. تقول أسطورتهم التي جلبها الهواء الغربي مع أرواح الأجداد في آخر معركة مع اليانكي، الكومانشي تعني: أعداء للأبد…

أعرفهم جيدا، فلقد كانوا يرقصون حول النيران وكأن جيش من الزنابير قد قرصهم. والآن واحدهم يشرب بيرته وينظر للأعلى ويخاطب السماء قائلا: لماذا لا تستجيب لصلواتي؟

تمام مثل الكورمانجي الهارب إلى أوربا، أو الباقي في النزوح تحت خيمة حين يخاطب الشمس قائلا: أنت الدليل، والمرشد فلماذا لا ترزقينا العودة؟

الأيزيدي في حوض جبل شنكال لم يؤرخ تواريخه بغير الشفاه، واليوم أنا أضيف للشفاه الخيال الأخضر والأحمر؛ فقد كنا نقول حين كنا أطفالا: الأخضر والأحمر في بيتنا…

الأيزيدي الشنكالي لم يعرف من الأحمر غير تلك الزهرة البرية الحمراء التي تدعى: زهرة نيسان التي لا يدوم عمرها كثيرا.

جنكيزخان كان يدوس على زهور نيسان في غزواته، ونحن نضعها على أعلى وسط أبوابنا الخارجية ليتعرف على بيوتنا الهندي الأحمر التائه البعيد عن موطنه عندما يأتي مع (خدلياس) ليعايدنا…

يأتي الهندي الكومانشي بكامل قيافته وكأنه محارب في لواء العميد (باشا الشيخ خلف)، يضع الهندي اللون الأزرق والأبيض، ويشتل ريشة نسر أصلع على شعره، ويبدأ الدعاء معنا…

يبدو أن صلوات ذلك الكومانشي تشبه صلوات الكورمانجي، فهما يريدان أن يرجعا إلى أراضيهما، دون أن يتدخل أحد ويقول لهما كيف يزرعانها أو كيف يهتمان بها…

ولكن الكومانشي يعرف والكورمانجي الأيزيدي يعرف إن الرب لن يستجيب لدعائهما؛ لذلك يسرفان في الشراب ولعب القمار…

تقول الأسطورة الكورمانجية القيرانية القديمة: وحده من يقفز من فوق (سن الكلوب) يصل ويفوز، وتقول رسالة الكومانشي: وحده من يمتطي صهوة الخطر يفوز بالأخضر، وهي إشارة إلى السهول البعيدة…

بعد أن استلمت الرسالة أردت اخباره بإن الأيزيديون كأحجية لا يمكن تجميع أجزاءها، وفي أحسن الأحوال أهم جزء منها مفقود، ولكنه باغتني بالقول:

إن جبلكم يطفو وسط قرى طينية جميلة، مثلما جبلنا يطفو وسط خيامنا الملونة وسهولنا الخضراء…

وهكذا، وبعد أن أصبحت العالم قرية صغيرة، وبعد تبادل الرسائل والأخبار كلانا نقول في سرنا الآن: أتمنى لو ولدت قبل مرض الضفادع، وقبل أن يفكر طائر الخطاف أن يكون هجرته موسمية، وقبل أن تقدم حجول جبل شنكال استقالتها إلى العمّ (الياس قولو) …

والآن، الشاعر، والمحارب يفكران بالصرخة المناسبة التي يجب أن تلي هذه الحكاية.

 

Scroll to Top