تحذيرات الكرملين من الحكم الذاتي الكردي 

عبدالعزيز قاسم
في وقتٍ تشهد فيه تصاعد الأصوات المطالبة باللامركزية وبحماية حقوق الكرد والدروز والعلويين، وسط دعم فرنسي صريح لمطالب الكرد بحكم ذاتي للمنطقة الكردية، ودعم أمريكي مشروط ومحدود، ورفض حازم من أنقرة وسلطة الأمر الواقع في دمشق، لاي حل سلمي للقضية الكردية ورفض تقديم أي مرونة، مما يزيد التوتر، وينذر بمواجهة عسكرية وعودة الصراع إلى الواجهة، نجد تحذيرات من الكرملين تتناغم مع المواقف التركية في معارضة أي شكل من أشكال اللامركزية أو الحكم الذاتي يفصل الكرد عن السلطات المركزية، وفي أقل من أسبوعين، أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريحين أثارا قلقا كبيرا لدى أبناء  الشعب الكردي في سوريا واحتقان في الشارع الكردي، في التصريح الأول الذي جاء قبل أيام في معرض إجابته لروداو بالقول أن أعدادا كبيرة من الكورد يعيشون في بلدان المنطقة وحذر إلى أن هناك من يسعى إلى تفجير القضية الكردية كما قال وأعتقد أن الشرق الأوسط لا يحتمل انفجارا كبيرا آخر.
 اما التصريح الثاني والأخطر هو حسب ما نقله وكالة سبوتنيك الروسية بالأمس في يوم الأربعاء 8 اكتوبر من خلال مقابلة إذ قال: اذا أسفرت «المناورات» المتعلقة بالاكراد السوريين نحو «الحکم الذاتي والانفصال» إلى خطوات عملية، فإن القضية الكردية قد تنفجر في سائر دول المنطقة، مما ينذر بمخاطر جسيمة.
تأتي هذه التصريحات في  وقت حساس، حيث كانت هناك تحركات دبلوماسية أمريكية وفرنسية وبالتنسيق مع رئاسة إقليم كردستان تتعلق بمستقبل الشعب الكردي في غرب كردستان «رۆژاڤا».
ویبدو واضحا أن هناك تقلب في السياسة الروسية تجاه القضية الكردية وأن روسيا تتبنى موقفا معاديا لمطالب الشعب الكردي المشروعة، إذ تعكس تصريحات لافروف تحولًا في السياسة الروسية تجاه القضية الكردية وكذلك قضايا العلويين والدروز، هذا التحول قد يكون له تأثيرات كبيرة على الوضع السياسي في سوريا بشكل عام، رغم أن هذه التصريحات ترسم أحد أبرز المشهد الحالي ليس على صعيد سوريا فحسب بل على صعيد الشرق الأوسط، حيث تستخدم القضية الكردية كلاعب محوري في لعبة النفوذ الدولية والإقليمية، وان قضية الحكم الذاتي الكردي في غرب كردستان ليست مجرد مطلب محلي، بل أصبحت نقطة التقاء وتباين بين قوى دولية لها مصالحها المختلفة.
روسيا اليوم تواجه قيودا وعقوبات اقتصادية وسياسية واستنزاف موارد بسبب أوكرانيا وخسارتها في سوريا، رغم الاحتفاظ بقاعدة حميمم في سوريا، لاتزال تبحث عن مكانة لها في الشرق الأوسط وبخاصة أنها مازالت تحافظ على تواجد ومصالح استراتيجية رغم الضغوط وحسب مراقبين أن روسيا ستستمر في لعب دور اجنبي مهم ولكن انتقائي أو بشكل «انتهازي»: تركز على ملفات تكتيكية وألاعيب دبلوماسية بدل جهود إسقاطية واسعة، وتصريحات وزير الخارجية الروسي الرافض لفكرة الحكم الذاتي للكرد في سوريا ليس مجرد موقف دبلوماسي؛ إنها رسائل سياسية مشحونة إلى كل من أنقرة ودمشق وباريس وتل أبيب وطهران وواشنطن في آن واحد.
روسيا تقول بوضوح: لا لتقسیم سوریا، حتى لو كان الثمن كبح طموحات شعب قاتل «داعش».
تصريح لافروف يعكس استمرار الصراع غير المعلن بين موسكو وواشنطن وموسكو وباريس حول من يملك الكلمة العليا في تحديد مستقبل سوريا، فالتصريح لم يأتي بمعزل عن التوازنات الحساسة التي تحكم المشهد السوري، ولا عن التنافس المتصاعد بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ في الشرق الأوسط، وبخاصة أن روسيا ومن خلال القول إن مطلب الحكم الذاتي «ینذر بالخطر» فهي تحاول إرضاء تركيا وإيران وحتى العراق، مما يعزز من علاقاتها مع هذه الدول، لهذا صفّقت أنقرة بحرارة للموقف الروسي «الانتهازي» الذي يتماشى تمامًا مع هواجس ترکیا الأمنية المزمنة تجاه أي كيان كردي على حدودها.
 أما دمشق، فوجدت في التصريح دعما مباشرا لموقفها ضد «الفيدرالية» الكردية. ایران والدول العربية رحبت بصمت، فكل ما يحفظ وحدة سوريا يبدو اليوم مقبولًا لديهم. وحدها إسرائيل تنظر من بعيد، توازن بين رغبتها في إضعاف دمشق وارضاء الولايات المتحدة الأمريكية.
بالتأكيد التصريح الروسي رفض قاطع لحقوق الشعب الكردي وتعقيد أكثر للقضية الكردية ويزيد من مخاوف أبناء الشعب الكردي من استخدام قضيتهم كورقة مساومة وكأداة في لعبة روسية- إقليمية قذرة
لكن السؤال الحقيقي لا يكمن في المواقف، بل في العواقب!.
هل يستطيع تجاهل التطلعات الكردية أن يصنع استقرارا حقيقيا؟ أم أن موسكو تمارس سياسة تأجيل الانفجار، مفضّلة الهدوء المؤقت على الحل العادل والدائم؟
في الشرق الأوسط، التجارب تقول شيئًا واحدا:
كل قضية تُؤجّل… تعود أقوى وأعنف.
Scroll to Top