العم أوصمان صبري.. رمز المناضل الكردي الثوري  

دجوار أحمد آغا

عادة؛ عندما يتم احتلال أوطان؛ واستعمار شعوبها، تتشكل مقاومة شعبية لمواجهة المحتل وإخراج المستعمر. بطبيعة الحال، هذا الأمر يحتاج إلى قادة ومفكرين ثوريين من أجل أن يقوموا بمهام كبيرة منها توعية الجماهير وتنظيمها، نشر الفكر الوطني التحرري بين الشباب، تأمين العلاقات الخارجية للمقاومة، تحضير اعلام لتغطية نشاطات المقاومة، التجهيز والتحضير للمقاومة الشعبية.
الكرد شعب أصيل في الشرق الأوسط مثله مثل الفرس، العرب، تعرض إلى الكثير من الخيبات والانكسارات وصولاً إلى مرحلة تقسيم موطنه كردستان وجعلها “مستعمرة دولية” حسب وصف الكاتب التركي التقدمي الكبير إسماعيل بيشكجي. لذا؛ فإن مثقفي ومناضلي الكرد يحتاجون إلى جهد مضاعف من أجل تحقيق الهوية الوطنية والقومية لشعبهم المشتت والمقسّم بين أربع دول وأربعة أنظمة مختلفة لكنها في الشأن الكردي متفقة فيما بينها. سوف نتحدث في هذا المقال عن أحد مناضلي الكرد الذي وضع سنين حياته في خدمة شعبه وقضيته العادلة وناضل في جزئين من أجزاء الوطن المجزأ وهما باكور وروج آفا.
وضع الكرد في روج آفا
نتيجة لاتفاقية لوزان سنة 1923، تم إلحاق جزء من كردستان بالدولة السورية حديثة التكوين، الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، بلغت مساحة هذا الجزء 32 ألف كم2 ويمتد من أقصى الشمال الشرقي في نقطة التقاء الحدود المصطنعة التي رسمتها لوزان بين أجزاء كردستان الموزعة ما بين العراق، تركيا، وسوريا وصولاً إلى أقصى الغرب عند عفرين وجبل كرداغ. الكرد في هذه الجغرافية التي تم إلحاقها بسوريا، وقفوا إلى جانب الشعب السوري في مواجهة سلطات الانتداب الفرنسي الذي تحول إلى احتلال، فكان يوسف العظمة الكردي الأصل وزير الحربية الذي قاتل الفرنسيين في ميسلون واستشهد هناك، إلى جانب محو شاشو وإبراهيم هنانو زعيم ثورة الشمال، وكذلك ثوار الغوطة أحمد بارافي، وعبد الرحمن الشهبندر، وأحمد الملا، ومحمود البرازي، وغيرهم ممن شاركوا في مواجهة الفرنسيين. لكن؛ كل ذلك لم يشفع لهم لدى الحكومات المتعاقبة ولدى السلطات الفرنسية فتمت ممارسة الضغوط عليهم بشكل كبير.


أوصمان صبري الولادة والنشأة
شهدت قرية “نارنج” في منطقة سمسور التي أسماها الأتراك أديمان، باكور كردستان في العام 1905 ولادة طفل لعائلة صبري آغا زعيم عشيرة المرديسية الذي أطلق عليه اسم أوصمان، التي لم يكد يبلغ العاشرة من عمره حتى فقد والده، ومنذ ذاك التاريخ 1915 وهو في رعاية أعمامه الذين تكفلوا بتعليمه وتربيته.
درس الابتدائية والمتوسطة في مدينة آمد. كان في الثامنة من عمره حينما تعرّف على الشخصية الكردية الوطنية إسماعيل أفندي، حيث تلقى أولى دروس في الوطنية الحقيقية على يده بعيداً عن التعصب العائلي والحزبي الضيق. انتسب إلى المدرسة الرشيدية العسكرية العثمانية حيث تخرج منها عام 1922. تزوج مرتين الأولى في سن مبكرة وبعد فترة ماتت زوجته مع طفليها وبقي ولد يُدعى “ولات” قُتل في سن 47، الزوجة الثانية أنجبت له خمسة أولاد ثلاثة ذكور هوشنك، وهوشين، وهفال، وابنتان هنكور وهيفي.
في العام 1926 شهد حدث غيّر مجرى حياته إلى الأبد حيث تم اعتقاله برفقة عميه شكري، ونوري، ومجموعة من الثوار الكرد بتهمة المشاركة في انتفاضة الشيخ سعيد بيران 1925. تم إعدام أعمامه نوري وشكري مع مجموعة من المناضلين الثوار بينما حكم عليه بالسجن لمدة عامين قضاها في سجن “دنزلي”. أُطلق سراحه عام 1928، لكنه أُعتقل مرة أخرى برفقة 26 زعيماً من رؤساء وزعماء العشائر الكردية بتهمة التحضير لثورة جديدة، هذه المرة ساعده مواطن كردي شريف كان يشغل منصب نائب المدعي العام يُدعى “حسين حسني الكردي” الذي خاطبه قائلاً: “إني أُغامر بوظيفتي وحياتي لأنني واثق من أنك سوف تخدم قضية شعبنا”.

النزوح إلى روج آفا
نتيجة للفاجعة التي حدثت مع العائلة وإعدام أعمامه الاثنين، وملاحقته المستمرة من جانب السلطات العثمانية ومن ثم التركية، نزح العم أوصمان إلى روج آفا الواقعة تحت الانتداب الفرنسي في يوم 24 كانون الأول عام 1929 وبقي فيها حتى نهاية حياته. انضم إلى جمعية “خويبون” التي أُسِّست في العام 1927 بمبادرة من زعماء وقادة ومثقفين كرد من باكور وروج آفا من أجل دعم ومساندة ثورة آكري بقيادة إحسان نوري باشا وبرو هسكي.
بتاريخ الأول من تموز عام 1930 عاد العم أوصمان مرة أخرى إلى باكور من أجل المشاركة في ثورة آكري لكن السلطات التركية لاحقته فاضطر إلى الاختباء عن أنظارهم ومن ثم توجه إلى جنوب كردستان الواقعة تحت الانتداب البريطاني الذي سرعان ما اعتقلته ووضعته في سجن الموصل ثم نقلته إلى سجن بغداد لغاية أيار 1931 ثم أطلقت سراحه فعاد إلى سوريا التي يحكمها الفرنسيون الذين طلبوا منه التعاون لكنه رفض فتم نفيه إلى فلسطين عام 1936 ومن ثم إلى جزيرة مدغشقر عام 1937.
الانضمام إلى الحركة السياسية
منذ نشأته، تشربت روحه الوطنية التي كبرت معه، وبعد إعدام عمّيه شكري ونوري، ازداد تعلقاً بحب وطنه والنضال من أجله. بعد نزوحه إلى روج آفا، انضم إلى خويبون كما أسلفنا، وشارك في تأسيس العديد من النوادي الثقافية والاجتماعية خاصة بعد قرار السلطات الفرنسية إبعاده إلى دمشق التي استقر فيها. بدايات الخمسينات من القرن الماضي شهدت دمشق حراكاً سياسياً كردياً من أجل تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا وكان المحرك الرئيسي لهذا الحراك هو العم أوصمان صبري الذي التقى بالعديد من المثقفين الكرد الذين تركوا الحزب الشيوعي السوري بالإضافة إلى تنسيقه مع الدكتور نور الدين زازا القادم من سويسرا والشاعر الكردي الكبير جكرخوين.


تأسيس أو تنظيم سياسي
التنسيق المستمر بين العم أوصمان صبري وبين المثقفين الكرد في روج آفا وخاصة تواصله مع من ترك الحزب الشيوعي السوري أمثال (رشيد حمو، ومحمد علي خوجة، وشوكت حنان) من عفرين بالإضافة إلى حمزة نويران، حميد حاج درويش من قرية “قرماني” في الجزيرة، الشيخ محمد عيسى وخليل محمد، إلى جانب تواصله الدائم مع الدكتور نورالدين زازا والشاعر جكرخوين أفضى في نهاية الأمر إلى تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا بتاريخ 14 حزيران 1957. تم انتخاب العم أوصمان سكرتيراً للحزب والدكتور نور الدين زازا رئيساً للحزب.


الاعتقالات المتكررة
بدأت السلطات السورية بملاحقة مؤسسي الحزب حيث تم اعتقاله مع رشيد حمو والدكتور نورالدين زازا في العام 1960وتم تقديمهم إلى محاكم الجمهورية العربية المتحدة بحكم كون سوريا وقتها مشاركة مع مصر في هذه الجمهورية بصفتها الإقليم الشمالي وتم وقتها الحكم عليهم بالإعدام شنقاً حتى الموت، لكن حملة التضامن التي قادها الكتاب والأدباء والمثقفين الكرد من مختلف الأصقاع وحملة التواقيع التي جمعوها وقدموها للرئيس جمال عبد الناصر، دفعت بحكومة الجمهورية العربية المتحدة إلى إلغاء الإعدام وإطلاق سراحهم بعد سنة من صدور الحكم. وفي ليلة 23 أيار 1964 تم اعتقال العم أوصمان مع بعض رفاقه في حلب مرة أخرى وقد قضى أكثر من 12 عاماً من عمره في السجون والمعتقلات سواء التركية، العراقية، والسورية، بالإضافة إلى اعتقاله مرة في لبنان أيضاً.


تفرغه للأدب واللغة الكردية
حبه الكبير لوطنه دفعه إلى الكتابة وقد وجد ضالته في مجلة “هاوار” التي أطلقها الأمير جلادت أمين عالي بدرخان في دمشق منذ 15 أيار 1935 حيت صدر العدد الأول بعد الحصول على موافقة السلطات الفرنسية والسورية على حد سواء. نشر العديد من قصائده القومية ومقالات تتعلق باللغة الكردية وكيفية كتابة حروفها باللاتينية كما ساهم في بقية إصدارات الأمير جلادت مثل مجلة “روناهي” التي صدرت في الفترة من 1942 إلى 1945 حيث نشر فيها قصائد ومقالات باللاتينية. وكتب أيضاً في مجلة “روزا نو” أي اليوم الجديد التي أصدرها الدكتور كاميران بدرخان شقيق الأمير جلادت في بيروت، حيث وضع أسس قواعد اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية. أصدر عدة كتب مثل العاصفة، الأبطال الأربعة، آلامي، وغيرها كما ألف كتاب (ألف باء باللغة الكردية) سنة 1954 وفي العام 1956 شارك الأديب والعالم الكردي جمال نبز في إنشاء مجمع علمي كردي في دمشق.
لقاؤه مع القائد عبد الله أوجلان


عديدة هي المرات التي قام فيها القائد والمفكر الكبير عبد الله أوجلان بزيارة العم أوصمان صبري في منزله بدمشق فقد كان القائد يعتبره رمزاً من رموز مقاومة شعبنا، وكان العم أوصمان على علاقة مع حركة حرية كردستان منذ العام 1980. كان دائماً يردد هذا الكلام للقائد أوجلان خلال زياراته له: “أنت تحقق أحلامنا، لم أكن فخوراً في حياتي كما أنا الآن” كانت فرحة العم أوصمان لا توصف وهو يرى ويسمع كيف أن قوات الكريلا تقاتل في جبال كردستان وتوقع خسائر كبيرة بصفوف المحتل التركي وكان يرى فيها خلاص من الظلم والاضطهاد وتحقيق أحلامه في الحرية. بالمقابل كان القائد أوجلان يحترمه كثيراً ويستشيره في العديد من الأمور ويزوره باستمرار.

الوفاة ونقل الجثمان
يوم الاثنين الموافق 11 تشرين الأول 1993وفي منزله بحي الأكراد في العاصمة السورية دمشق، توقف قلب المناضل الكبير عن الخفقان معلناً انتهاء رحلة حياة 88 عاماً مليئة بالكفاح والمقاومة والنضال، رحلة عمره قضاها في العمل من أجل قضية شعبه ووطنه، رحلة مناضل سخر حياته وكل اهتمامه للقضايا العامة سواء السياسية، الثقافية، الاجتماعية، والأدبية، التي تهم شعبه الكردي ووطنه الأم كردستان التي اضطر إلى تركها وبقيت مسألة العودة إلى أرض الآباء والأجداد حسرة في قلبه حتى وفاته. أقيمت له مراسم شعبية كبيرة وتم نقل جثمانه إلى مقبرة قرية بركفري لتحتضنه روج
آفا التي كرّس القسم الأكبر من حياته من أجلها.

ومن الجدير بالذكر؛ هناك تمثال للعم أوصمان صبري في حديقة القراءة بمدينة قامشلو إلى جانب (جكرخوين، وموسى عنتر، وشيركو بيكس)، كما يُقام سنوياً “مهرجان أوصمان صبري الأدبي” تحت رعاية هيئة الثقافة في إقليم شمال وشرق سوريا والتي تتضمن الشعر، والرواية، والقصة، والقصة القصيرة وهي لتشجيع الأدباء والكتاب والمواهب الشابة للكتابة والإبداع وخاصة الكتابة باللغة الأم الكردية وبالأحرف اللاتينية.

صحيفة روناهي

Scroll to Top