مام في الشام برؤية عربية (8)

مصطفى عبد الوهاب العيسى

 

إن العمل ضمن الإمكانات والظروف المتاحة كان ميزة تميز بها مام جلال عن الكثير من السياسيين الكرد ، و كنا نظن سابقاً بأن هذه الميزة كانت نتيجة تراكم الخبرات والتجارب ، ولكن مام في الشام أكدت بأن هذه الميزة كانت قديمة وأن مام جلال ليس حديث عهدٍ بها .

لم تنحصر طبعاً علاقات مام جلال العربية بالعواصم التي ذكرناها و ذكرها الكاتب في سلسلة حلقاته ، بل إن مام جلال سعى أيضاً بكل قوة إلى تطوير العلاقات مع دول الخليج ، و رغب حتى بعضوية العراق في مجلس التعاون ، بل و تنازل كما ذكر في أكثر من مقابلة عن معظم الحقوق من أجل الوحدة العراقية و مصلحة العراق .

تمكن مام جلال من الوصول للعالمية حين استطاع الموازنة في علاقاته بين واشنطن و طهران في آن واحد ، بل وأن يلعب دور رسول خير في المفاوضات السرية بينهما في ذلك الوقت ، و إيجاد روابط إيجابية كانت ستسهم في علاقة جيدة بينهما و ستنعكس على العراق بشكل إيجابي بكل تأكيد .

ستبقى دمشق هي أول وأبرز المحطات العربية التي أحبها كثيراً مام جلال ، و بشكل يمكن أن نراه واضحاً في عذوبة لسانه حين توترت العلاقة مع دمشق .

في ذلك الوقت كان يُصّر جلال طالباني ويقول بأن العلاقة مع سوريا من جانبنا جيدة وممتازة ، و يتابع ويقول أنا أشعر بفضل سوريا علينا كثيراً وأحرص كثيراً على علاقة ممتازة معها ، والعلاقات السورية العراقية راسخة رسوخ جبال كردستان ، و حتى عند محاولة استفزازه من قبل الصحافة بتصريحات نارية غير دقيقة للمسؤولين السوريين ( فاروق الشرع أنموذجاً ) كانت ردة فعله لا تتجاوز قوله : ” بأنه لن تؤثر فيه قلة اللطف من بعض المسؤولين السوريين ” .

هذا ما كان بحق كما أراه حباً لدمشق وللشام قبل أن يكون حفظاً للود والمعروف الذي ناله من السوريين .

بعين عربية و بشغف قرأت هذه الحلقات من سلسلة مام في الشام ، و رأيتها شهادة تاريخية وثقت مشهد الأخوة العربية الكردية بشكل كبير ، و لا سيما أنها أظهرت وداً بين زعيمين و رمزين للشعبين في العصر الحديث والمعاصر ( مام جلال والرئيس جمال عبد الناصر ) .

وهي الحقيقة التي أدركها مام جلال مبكراً بأن الوسط العربي سيبقى الأقرب للكرد من الأوساط الأخرى ، و كذلك الشعب العربي الذي أستطيع القول بأنه أقرب شعوب المنطقة أيضاً للكرد و قضاياهم .

إن الأخوة العربية – الكردية التي عززها و شدد عليها مام جلال ، ودافع عنها ، لم تكن شعاراً كرتونياً كما تدعي بعض القوى السياسية (العربية والكردية) المتطرفة ، وهذه الأخوة قديمة وأصيلة ووجدت قبل أن تتشكل هذه القوى السياسية المتطرفة بقرون ، وفي الكتب والوثائق الكثير مما يشهد بتحالف عشائر وقبائل عربية وكردية لمواجهة الغزو أو استعداداً للحرب أو .. الخ ، و استمرت هذه التحالفات كصورة من صور الأخوة العربية – الكردية حتى العصر الحديث ، و في علاقات الزعيم الكردي البارز محمود الحفيد مع القبائل العربية في العراق خير مثال على ذلك .

 

Scroll to Top