من تجليات ازمة الحركة الكردية السورية

صلاح بدرالدين

من أوجه ازمة الحركة الكردية السورية
منذ عدة أعوام وفي ظل هيمنة الأحزاب الكردية السورية الفاقدة للشرعية القومية ، والوطنية ، والعاجزة عن الخروج من حالة الجمود ، بدأت النزعات ماقبل القومية تظهر مثل تشكيل التجمعات العشائرية ، والقبلية ، بعضها بدفع من مراكز القوى الحزبية لاستخدامها في صراعات المحاور .
” الظواهر والنزعات ما قبل القومية هي الأشكال الأولية للانتماءات الجماعية التي سبقت ظهور القومية الحديثة، مثل الولاءات القبلية، الدينية، الطائفية، والإقليمية. تعتمد هذه النزعات على روابط تقليدية مثل القرابة أو الدين أو الأرض المشتركة بدلًا من الهوية القومية المبنية على مفهوم الدولة والأمة المتجانسة التي نشأت في العصر الحديث ” ( عن الويكيبيديا ) .
وتاكيدا على ذلك فان علماء السياسة والاجتماع ، والاقتصاد توصلوا منذ بدايات القرن التاسع عشر وخلال قراءتهم وتحليلهم للحياة الانسانية منذ الازل وحتى الان الى تصنيف مراحل التطور البشري بالمشاعية البدائية ، والرق ، والاقطاع ، والبورجوازية التي ارست قواعد الرابطة القومية ثم مرحلة الراسمالية ، والأخيرة انتجت أيضا المجتمعات المدنية ، وكما يظهر فان التجمعات او الانتماءات العائلية ، والقبلية ظهرت قبل المجتمعات القومية ، ولذلك توصف بما قبل القومية من حيث النزعة ، والفكر ، والاهداف .
من المعتقد ان أوجه ازمة الحركة القومية الكردية السورية المتفاقمة ( التفكك ، والانقسام ، والارتداد الفكري والتبعية ، واضاعة البوصلة ) ، وعدم التقدم حتى الان في معالجتها بالشكل السليم ، تزيد من فرص ظهور الارتدادات ، والنزعات المعيقة لتطورها ، وهذا مانلمسها الان على ارض الواقع على شكل استحضار هويات طواها الزمن ، تفرق ولاتوحد ، تستند الى القبيلة والعشيرة والعائلة ، والمنطقة ، من دون ان نغفل ان بقاء القضية الكردية السورية من دون حل بسبب تسلط الحكومات والأنظمة الشوفينية منذ الاستقلال ، وتنفيذ المخططات العنصرية ، قد ساهم في خلق العوائق امام استكمال شروط الهوية القومية ، وتاليا الحيلولة دون التمكن من الحفاظ على تطور الحركة الكردية بشكل سليم ومتوازن وقد قال ابن خلدون بهذا الصدد : ” الشعوب المقهورة تسوء اخلاقها ، وان الانسان اذا طال به التهميش يصبح كالبهيمة ، لايهمه سوى الاكل والشرب ، والغريزة “.
‏وفوق كل ذلك محاولات الوافدين الجدد من – قنديل – الذين افشلوا تطور الحركة الكردية في تركيا ، والعبث بجوهر ومضمون الحركة الكردية السورية ، ومسارها الطويل لنحو مائة عام ، وفرض تجربتهم الفاشلة المثيرة للجدل قسرا .
عندما كان الزعيم الاخ مسعود بارزاني في زيارة الى فرنسا قبل فترة نقل احد مدراء مركز أبحاث في باريس عن لسانه ” اذا هددت العشائر العربية في سوريا الكرد فاننا سنرسل البيشمركة للدفاع عنهم وساذهب شخصيا ” وبالرغم من إعادة نشر الخبر في مواقع إعلامية باربيل الى انني شخصيا لم اتأكد من صحته ، وانتظرت أياما لاسمع تعقيبا ، وتفسيرا مقنعا من المعنيين في المكتب الإعلامي للاخ بارزاني ولكن لم يحصل ذلك .
وبعد ذلك نشر السيد عبدالله اوجلان زعيم – ب ك ك – المنحل ومن سجنه رسالة موجهة الى شيوخ ووجهاء عشائر دير الزور والرقة ، والطبقة ، اكد فيها دعمه الثابت لاخوة وتحالف الشعبين الكردي والعربي على أساس نظام الامة الديموقراطية ، واعرب عن تقديره لموقف شيوخ ووجهاء العشائر في دعمهم لقسد ..”

أولا – ان صح ماقيل على لسان الأخ مسعود بارزاني فان الكرد السوريين يعيشون مع مواطنيهم السوريين العرب ، وبينهم أبناء العشائر في الكثير من المناطق المختلطة وكذلك في المدن ، والمراكز ، وليس هناك عداوات ، ولاحروب ، ولاتهديدات متبادلة ، قد تكون هناك خلافات سياسية وهي موجودة بين الكرد انفسهم ، ومشكلة الكرد السوريين ليست مع العرب السوريين وبينهم العشائر بل هي مشكلة قديمة متوارثة مع الأنظمة والحكومات الشوفينية القمعية التي لاتعترف بالكرد وجودا وحقوقا ، نعم هناك حوادث وقعت خلال الأعوام الأخيرة في مناطق مختلطة وفي دير الزور والرقة والحسكة بين سلطة الامر الواقع وبعض العشائر العربية حول النفوذ والسلطة ومازالت قائمة ، ، ولكن لم تتحول الى مواجهات عنصرية في المناطق الكردية ، والمتداخلة .
بطبيعة الحال هناك زعماء عشائر بسبب مصالحهم الخاصة يبحثون عن توتير الأجواء ، وتسعير الخلافات ذات الطابع العنصري ولكن وعي الأكثرية بالعواقب كفيل بقطع الطريق على الباحثين عن المتاعب ، وهذا يحدث في بعض مناطق إقليم كردستان العراق حيث سمعت قبل مدة تصريحا لممثل المكون العربي في كركوك وهو زعيم قبلي ( الشيخ العاصي ) يدين بشدة اعتبار الأحزاب الكردية ان كركوك جزء من كردستان ، ولكن لم نسمع اية ردود تهديدية على ذلك المدعي ، الكرد السورييون يقدرون حكمة الزعيم مسعود بارزاني ، ووقوفه الى جانب قضية الكرد السوريين ، ولكنهم يعتقدون ان اهم موقف سياسي تجاههم في هذه المرحلة هو دعم واسناد عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع من غالبية مستقلة في دمشق العاصمة وعدم استبعاد أي مكون او تيار سياسي ، وبذلك يمكن ابعاد الحركة الكردية السورية من تعقيدات ، واشكالات العمق الكردستاني خصوصا مسالة – ب ك ك – وتسهيل توحيد الحركة ، وصياغة المشروع الكردي للحل والسلام ، وانتخاب من يمثل الكرد السوريين بشكل شرعي ، والبدء بالحوار المسؤول مع الإدارة الانتقالية الحاكمة .
ثانيا – يقوم اوجلان بالدعاية لفرع حزبه بالرغم من انه قرر كمؤسس ، ومرشد ، وقائد حل حزبه وجميع فروعه بمافي ذلك الفرع السوري ، وفي هذه الحالة اين مصداقيته في كل ماقيل عن عملية سياسية جارية في تركيا ، ثم من خول هذا الشخص الذي يحمل الجنسية التركية ، ولم يكن يوما ضمن تنظيمات الحركة السياسية الكردية السورية بالتدخل بشؤون الكرد السوريين ؟ هل يعتقد ان كرد سوريا قاصرون ويحتاجون الى من يرعاهم ؟ ثم هل أنجزحقوق شعب كردستان تركيا حتى يأتي ( لتحريرنا ) ؟! ؟ هل في اتفاقه مع الدولة التركية بند يخوله بالتدخل بشؤون بلد آخر ؟ ثم ماهو السر في مخاطبة العشائر العربية ؟ وليس الشعب السوري والكردي بالرغم من ان كل كتاباته السابقة إهانة واذلال لزعماء ووجهاء العشائر الكردية .
تعرضت الحركة الكردية السورية في مسيرتها الى أنواع من التشويه ، فقد حاول البعض اعتبار الكرد اقلية تسكن أراضي الغير ، وحركتهم مجرد تابعة للنظم الحاكمة ، او انها لاتحمل مطالب قومية ، او تغيير اسم المناطق الكردية الى شمال شرق سوريا ، او ان جوهر القضية الكردية يقتصر على القبائل والعشائر ، والوجهاء .
كما هناك بعض ( المثقفين !) ومن اجل مصالح خاصة ، وبدلا من التعمق والبحث في الكشف عن وقائع واحداث حصلت في مسيرة الكرد تعبر عن المقاومة الشجاعة ضد المحتلين ومن اجل انتزاع الحرية وهي صفحات ناصعة اخفاها الأعداء وشوهها مؤرخوهم ، وهبوا انفسهم لتشويه التاريخ الكردي عبر ابراز وتلميع وجوه قبلية عشائرية ظلامية بعضها من قطاع الطرق ، وآخرون تحوم من حولهم شبهات في خدمة الأعداء ، نعم وصل الامر بهؤلاء ( المثقفين ! ) ان اعتبروا التاريخ الكردي من صنع الوجهاء القبليين ، وليس الشعب ومتنوروه ، وثواره ، وحركته التحررية من صنعوا تاريخه بالماضي والحاضر .
نحن نحترم كل نسيجنا الاجتماعي الأصيل وعشائرنا جزء من نسيجنا الاجتماعي ، وقامت غالبيتها بادوار إيجابية تجاه الكفاح القومي والوطني ان كانت عربية او كردية ، واخطأ بعضها في مراحل معينة ، ولكنها ليست حركة سياسية تقود العمل السياسي ، وتقرر مصير الشعب والوطن .
تسييس الانتماء العشائري وادلجته ، والدعوة اليه في ظروفنا الراهنة التي يعيشها شعبنا ، وحركتنا الكردية السورية يهدفان الى امرين لاثالث لهما : اما الانخراط في صراع المحاور الكردستانية والانحياز لطرف معين ضد آخر ، او الطموح في الحلول محل الحركة السياسية الكردية كبديل لها خصوصا وان الحركة كما هو معروف تعاني التفكك والانقسام وفي الحالتين من غير المستبعد وقوف قوى سلطوية غير صديقة للكرد وقضيتهم ذات إمكانيات مادية وراء العملية ، وقد يتعلقّ الامر بتقاسم السلطة بين أمراء حرب أو زعامات قبلية وتوزيعٌ لصلاحيات في ظل سلطات الامر الواقع .

Scroll to Top