د. محمود عباس
ليس كل سقوطٍ ثورة، ولا كل نهايةٍ بداية، ففي سوريا، قد يسقط المجرم، لكن الخراب يتقدّم باسمه.
لم نُخفِ فرحَنا يوم سقط نظام بشار الأسد المجرم البائد؛ فرحنا جميعًا، وبشكلٍ لا يعقل، رغم معرفتنا بأن القادم لن يكون ربيعًا، بل عواصف من الفكر الظلامي ومنظمات تكفيرية كانت تتربّص بالثورة منذ لحظة ولادتها. ومع ذلك صدّقنا، أو أردنا أن نصدّق، أنّ انهيار الطاغية قد يفتح نافذةً صغيرة نحو وطنٍ جديد.
لكن الأيام كشفت لنا الحقيقة القاسية، يوم سقوط النظام لم يكن يوم انتصار الثورة، بل يوم صعود الظلام وهيمنة المجموعات الإرهابية على خرائب الدولة.
من الخطأ الفادح، بل من الخطيئة السياسية، الاحتفال بهيمنة منظمات تكفيرية على مقدّرات سوريا، حتى لو اقترن ذلك بزوال نظام بشار الأسد المجرم وحزب البعث العنصري. فالاحتفال بزوال الطاغية لا يكون حين يخلفه طاغيةٌ أشدّ وحشية، ولا حين يتحوّل الوطن إلى ساحة تُدار بفتاوى الدم، لا بدستور ولا قانون.
ولا فرق بين هذا اليوم المشؤوم وبين يومٍ آخر زُيّن بغلاف الثورة المزيّف، 8 آذار، أو ما سُمّي بالحركة “التصحيحية”. كلها أيامٌ دشّنت عصورًا من الظلام، وفرضت على السوريين الاحتفال بلحظة دخولهم زنزانة القهر الفكري والسياسي والاجتماعي.
المؤسف أن تُقدَّم الأيام التي تُشوَّه فيها الثقافة وتُركَع فيها الشعوب على أنها مناسبات وطنية. المؤسف أن يُطلب من السوريين أن يحتفلوا بتاريخٍ كان لحظة انكسار، لا لحظة تحرر؛ وببدء مرحلة جديدة من الطغيان، لا نهايته؛ وباستبدال القفص الحديدي بآخر خشبي، ثم يُقال لهم، هذا عيد.
فهل خرجت سوريا من نير البعث إلى فجر الحرية؟
أم خرجت من سجن العسكر إلى محاكم التكفير؟
هل هذا هو اليوم الذي حلم به ثوار 2011؟ أم أنه اليوم الذي نُحرت فيه الثورة على أبواب الفكر الظلامي؟
ربما هي “ثورة” في قاموسهم… فالثورات عندهم لا تُقاس بالحرية، بل بكمّ السلاح وبعدد السجون الجديدة. لقد انتصروا، نعم، ولكن على ماذا؟
انتصروا على الوطن نفسه.
انتصروا على فكرة الدولة.
انتصروا على ما تبقّى من إنسانٍ يَحلم بدولة لا بميليشيا إرهابية.
انتصر البعث حين صادر الوطن باسم الوحدة، واليوم ينتصر التكفير حين يصادره باسم النجاة والفرقة الناجية.
الأعلام تتبدّل، أما الظلم فواحد.
والرايات تتغيّر، أما الزنزانة فهي ذاتها، تزداد ضيقًا وظلامًا.
ومن يحتفل اليوم هم ذاتهم من كانوا يحتفلون بالحركة التصحيحية النتنة وبـ 8 آذار.
لم يتغيّر شيء.
لقد استُبدلت الوجوه فقط.
أما سوريا، فبقيت بين فكّي استبدادين:
استبدادٌ قوميٌّ عنصريٌّ أمس، واستبدادٌ تكفيريٌّ متوحّشٌ اليوم.
الولايات المتحدة الأمريكية
7/12/2025م
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=81108





