يُعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقدرته على الحفاظ على واجهة من العلاقات الودّية مع نظراء مثيرين للجدل؛ فقد أقام علاقات وثيقة مع كلٍّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي- وهم قادة يشكّلون ركائز دعم أساسية لنظام نيكولاس مادورو المتّهم بالإجرام في فنزويلا.
منذ عام 2016، تحوّلت العلاقات التركية-الفنزويلية بسرعة إلى أحد أعمدة الدعم الرئيسية لحكومة كاراكاس، وقد نشأت هذه العلاقات في بدايتها على نوع من التضامن السياسي بين أردوغان ومادورو، قبل أن تشهد الروابط التجارية قفزة حادة في عام 2018، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري 1.1 مليار دولار، مقارنة بأقل من 200 مليون دولار في عام 2017. أما الطموحات المستقبلية فكانت أكثر اتساعاً؛ ففي عام 2023 أعلن ممثلو جمعية المصدّرين الأتراك عن هدف يتمثل في رفع حجم التبادل التجاري السنوي إلى 5 مليارات دولار على المدى المتوسط.
للوهلة الأولى، تبدو تركيا حالة استثنائية واضحة عند مقارنتها ببقيّة الداعمين الخارجيين لمادورو. بوقوفها إلى جانب روسيا وإيران والصين وكوبا، تثير تركيا -بوصفها عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودولة كانت تُصنَّف سابقًا ضمن الأنظمة الديمقراطية- الكثير من علامات الاستفهام باعتبارها جزءاً من «الخماسي» الداعم لمادورو. وهذا يطرح تساؤلاً جوهرياًّ: ما الذي يدفع تركيا إلى هذا القدر من الالتزام بالاستثمار في حكومة مادورو؟
تنطلق الرؤية الاستراتيجية لتركيا تجاه فنزويلا من طموح أردوغان في ترسيخ مكانة تركيا كقوة عظمى. ففي حين يتركز جانب كبير من النفوذ الجيوسياسي لأنقرة خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، تمثل فنزويلا نقطة ارتكاز لتوسيع النفوذ التركي في نصف الكرة الغربي. ومن خلال ازدرائه المتكرر للقوى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، يسعى أردوغان إلى استثمار مشاعر مشابهة داخل المجتمع الدولي، ومحاولة لعب دور البديل على الساحة العالمية. وفي هذا السياق، يُعدّ أردوغان بالنسبة لمادورو أكثر أهمية بكثير مما يمثله مادورو لأردوغان. فمع تزايد عزلة النظام الفنزويلي نتيجة العقوبات الدولية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والإخفاقات السياسية المتكررة، أصبحت الدول الشريكة بمثابة شريان حياة لا غنى له عنها.
بناءً على ذلك، تتشابك العلاقات التركية-الفنزويلية في صميمها مع شبكات الجريمة العابرة للحدود وآليات التحايل على العقوبات، فتحت غطاء موقف معلن يتسم بالعداء للولايات المتحدة وللديمقراطية عموماً، تتيح تركيا لمادورو الاستفادة من عائدات أنشطة تُلحق أضراراً مباشرة بالمدنيين داخل فنزويلا وخارجها. وتشمل هذه الأنشطة صادرات الذهب التي تهدف إلى الالتفاف على العقوبات ودعم احتياطيات فنزويلا المستنفدة من العملات الأجنبية، فضلًا عن توفير منصة عبور تُستخدم من قبل شبكات تهريب المخدرات الفنزويلية لنقل الكوكايين.
تركيا وفنزويلا: جبهة موحّدة في مواجهة الغرب
ينطلق حساب أردوغان في دعم فنزويلا من قناعة مفادها أنّ هذا الدّعم يمكن أن يرسّخ موطئ قدم لتركيا في أمريكا اللاتينية، وهي منطقة ظلت إلى حدٍّ كبير خارج نطاق نفوذها. وبالطبع، ثمة عامل تقارب أيديولوجي واضح؛ إذ ينسجم نفور أردوغان من العالم الغربي ومن التزاماته الديمقراطية مع طبيعة نظام مادورو.
ظلّت العلاقات التركية-الفنزويلية فاترة نسبياً حتى أقل من عقد من الزمن. ففي أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، كان مادورو من أوائل قادة العالم الذين أعلنوا دعمهم لأردوغان. ووفقاً لوزير الخارجية الفنزويلي آنذاك، خورخي أريازا، شكّلت هذه الخطوة نقطة انطلاق لما وصفه بـ«ذروة» جديدة في العلاقات الثنائية. وبعد ذلك بأشهر قليلة فقط، استحضر مادورو حملة أردوغان القمعية عقب الانقلاب ليهدد المعارضين بالعنف في حال حاول الشعب الفنزويلي الاعتراض على حكمه.
بعد ثلاثة أعوام، وفي خضم الطفرة التجارية بين أنقرة وكاراكاس، وتكثيف الزيارات الرسمية، ردّ أردوغان الجميل. ففي مطلع عام 2019، أدان الرئيس التركي اعتراف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بزعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو بوصفه الرئيس الشرعي للبلاد. وبينما أطلق مادورو أجهزته الأمنية السرية والميليشيات الاشتراكية المسلحة “الكوليكتيفوس” ضد المتظاهرين المدنيين، وجّه أردوغان رسالة دعم مباشرة له قائلًا: «قف شامخًا… تركيا تقف معك».
ما يَبرز من هذه الذهنية المشتركة هو الميل الواضح لدى الزعيمين إلى تبنّي خطاب معادٍ للولايات المتحدة، فقبل وقت طويل من موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أيّ عمل سري لوكالة الاستخبارات المركزية في فنزويلا، كان مادورو يصف الدعم الأميركي لغوايدو وللاحتجاجات المناهضة للحكومة بأنه “انقلاب”. وبالروح ذاتها، ندّد الرئيس التركي بالموقف الأميركي واعتبره “إمبريالياً” واعتداءً على “الديمقراطية” الفنزويلية التي يدّعي مادورو أنّه يمثلها. وكان أردوغان قد سبق أن اتّهم الولايات المتحدة بدعم محاولة الانقلاب في تركيا في تموز/ يوليو 2016.
لا يعني ذلك أنّ أردوغان دائماً ما يكون جريئاً في دعمه لمادورو؛ ففي عام 2024، وبعد فوز مادورو بولاية ثالثة عبر انتخابات افتقرت إلى النزاهة والحرية، اكتفى أردوغان بإجراء اتصال هاتفي تقليدي مع الزعيم الفنزويلي، متجنباً تقديم تهنئة صريحة. وفي ظل تصاعد الغضب الدولي إزاء استمرار انتهاكات الحكم والإخفاقات المتكررة في كاراكاس، يدرك الرئيس التركي مخاطر الإشادة العلنية بمادورو، وقد اختار تبعاً لذلك أن يتعامل بمزيد من الحذر.
الغاز والذهب والفساد: كيف تُبقي تركيا نظام مادورو على قيد الحياة؟
يشكّل الدّعم العلني الذي يقدّمه أردوغان عاملاً مساعداً لمادورو الذي يواجه أزمة شرعية متفاقمة في الداخل، غير أنّ وسائل الدعم الأقل ظهوراً -والتي تتراوح بين ما هو قانوني في مناطق رمادية وما هو إجرامي صريح- تمثل جوهر العلاقة التركية–الفنزويلية، والعنصر الحاسم في بقاء نظام مادورو.
من بين أبرز الآليات التي أتاح من خلالها هذا الغطاء والرعاية من جانب أردوغان استمرار حكومة مادورو، مشاريع استثمارية تهدف إلى إسناد الاقتصاد الفنزويلي المنهار. وبشكل عام، تستهدف هذه المشاريع ثلاثة قطاعات رئيسية: الغاز، والبتروكيماويات، والتعدين. ففي يناير/ كانون الثاني 2024، ناقش مسؤولون أتراك وفنزويليون خططاً تتيح للشركات التركية تشغيل واستثمار حقول النفط، والغاز، داخل فنزويلا. وبعد عدة أشهر، وتحديداً في يونيو/ حزيران، وقّع مادورو اتفاقيات مع وفود تركية بشأن خارطة طريق لإقامة سلسلة إنتاج متكاملة في قطاع الغاز الطبيعي، شملت إنشاء مصنع أسمدة بتمويل تركي تُقدَّر قيمته بنحو 750 مليون دولار.
نظراً لأنّ صناعة النفط في فنزويلا تُعدّ في صميم نظام العقوبات الهادفة إلى منع مادورو من تمويل انتهاكات حقوق الإنسان، فإنّ الرغبة التركية في توسيع هذا القطاع تبدو موضع شك واضح. فعلى سبيل المثال، تخضع شركة البتروكيماويات الفنزويلية «بيكويفين» المملوكة للدولة -وهي الجهة المسؤولة عن التعامل مع مشاريع الاستثمار مثل مصنع الأسمدة- لعقوبات صادرة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13884. وحتى وقت قريب، وتحديداً في سبتمبر الماضي، حالت هذه العقوبات دون إتمام صفقة شراء شركة الطاقة الكولومبية الحكومية «إيكوبترول» لشركة «مونوميروس» التابعة ل«بيكويفين» والمتخصصة في إنتاج الأسمدة. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار الاستثمارات التركية في قطاعات النفط والغاز الفنزويلية، بمثابة تحايل على الجهود الدولية الرامية إلى منع مادورو من تحقيق أرباح تُمكّنه من الاستمرار في دعم نظامه الفاشل، والبقاء في السلطة.
غير أنّ جوهرة التاج في اتفاق يونيو/ حزيران 2024 تمثّلت في صفقة تتعلق بالاستثمارات التركية في مشاريع تعدين الذهب الحكومية داخل “قوس أورينوكو للتعدين ” بجنوب فنزويلا. ويعود انخراط أنقرة في نشاط تعدين الذهب بجنوب فنزويلا إلى ما لا يقل عن عام 2018، حين أسست مشروع تعدين مشتركاً مع حكومة كاراكاس يعرف باسم «ميبيتورفين». وقد أُنشئت هذه الشركة بمشاركة كيانات فنزويلية وتركية خاضعة للعقوبات، وحصلت سريعاً على امتياز تعدين لمدة 20 عاماً في جنوب البلاد، ثم بدأت في عام 2019 باستيراد معدات ثقيلة ومواد كيميائية للمعالجة، ما يشير إلى أن عملياتها لا تزال جارية.
من الناحية المعلنة، تُقدَّم الأموال التركية التي تمكّن مشاريع التعدين الفنزويلية في قوس التعدين على أنّها جهد لمكافحة أنشطة التعدين غير القانونية التي دمّرت المجتمعات المحلية، والمناطق المحميّة. ويمثّل ذلك مكسباً دعائياً كبيراً لمادورو الذي كثيراً ما يرفع شعار حماية البيئة. ووفق هذا المنطق المفترض، فإن التمويل الدولي لتعزيز حضور الدولة في الجنوب لا بد أن يسهم في دعم سيادة القانون. إلا أنّ تقارير عديدة خلصت إلى أن حكومة مادورو تسمح باستمرار عمليات التعدين غير المشروعة، فبرعاية الرئيس، يتلقى الجيش الفنزويلي بشكل متكرّر عمولات ورشاوى من المناجم غير القانونية، مقابل تسهيل تصدير الذهب، كما أنّ مادورو نفسه وعد مسؤولين سياسيين محليين بمناجم ذهب مقابل ضمان ولائهم.
في الوقت نفسه، تستمر أعمال عنف مروّعة ضد المدنيين بمعرفة الحكومة، وبموافقتها الضمنية. فقد خلصت منظمة حقوق الإنسان العالمية «هيومن رايتس ووتش» في عام 2020 إلى أن مشغّلي المناجم -وكثير منهم جماعات مسلّحة تحظى برعاية رسمية- كانوا يعاقبون العمال المعدمين ببتر الأطراف وعمليات قتل وحشية. إنّ تدفّق رأس المال التركي لتوسيع هذه الأنشطة دون أي شروط لا يؤدي إلّا إلى تضخيم ممارسات الفساد التي تنتهجها حكومة كاراكاس، ويوسّع في الوقت ذاته قدرتها على ممارسة القمع والعنف ضد المدنيين ضمن ما يُعرف بتجارة “ذهب الدم.”
يبدو أنّ ذلك ليس سوى بداية لخطة نظام مادورو الرامية إلى تحقيق أرباح غير مشروعة من استخراج الذهب وتصديره. لاحقاً، تلعب تركيا دوراً أكثر أهمية بكثير. فقد استوردت أنقرة في عام 2018ما يقارب 900 مليون دولار من الذهب الفنزويلي، في وقت أعلنت فيه كاراكاس أن البنك المركزي الفنزويلي نقل عمليات تكرير الذهب إلى تركيا، غير أنّ غياب إعادة تصدير الذهب إلى فنزويلا كشف أنّ مادورو لم يكن يعتزم الاحتفاظ بهذه الاحتياطيات؛ إذ قامت كيانات تركيّة بشراء الذهب المكرّر وتحويل العائدات إلى حساب فنزويلي خارجي. كانت هذه العملية التي تقارب قيمتها مليار دولار، في جوهرها، صفقة لبيع الذهب في الخارج وتأمين الموارد المالية اللازمة لمنع النظام من الانهيار الكامل، وذلك في ظل استمرار العقوبات الدولية. وقد كان دور تركيا بوصفها الجهة المكرِّرة، والمشترية للذهب الفنزويلي، عنصراً حاسماً في إنجاح هذا المخطط.
الارتباط التركي بالإمبراطورية الإجرامية الفنزويلية
لا يقتصر الدور المحوري الذي لعبه الرئيس رجب طيب أردوغان في تجارة الذهب غير المشروعة لنظام مادورو، على كونه وسيلة لتمكين كاراكاس من تعزيز مواردها المالية في مواجهة اقتصاد متعثر، بل تمثل تركيا حلقة لا غنى عنها في أنشطة نظام مادورو على الساحة الدولية، وبما يتجاوز بكثير مجرد التحايل على العقوبات، تشمل هذه الأنشطة ممارسات تتراوح بين تضخيم كلفة استيراد الغذاء على حساب الفنزويليين الذين يعانون من سوء التغذية، عبر تجارة الذهب، وصولًا إلى تسهيل مرور وتوزيع الكوكايين الفنزويلي.
يتمثل الجانب الأكثر إجراماً وفساداً خلال الفترة بين 2018 و2020 من جوانب العملية التركية-الفنزويلية المتعلقة بالذهب، في رجل الأعمال وأبرز منسّقي نظام مادورو، أليكس ساب، فقد كان ساب يسيطر على شركة «مولبيري بروجيه ياتيريم» التركية، التي كانت تتشارك أرقام الهاتف والفاكس نفسها، وتنسّق مباشرة مع الشركة التركية المسؤولة عن مشروع «ميبيتورفين»، وبناءً على ذلك، تولّى ساب إدارة جزء كبير من عمليات البيع السرية وغير المشروعة للذهب الفنزويلي في تركيا، بهدف الالتفاف على العقوبات الأميركية.
ثم قامت شركة ساب بشراء الإمدادات لفنزويلا من تركيا، وعمدت إلى تضخيم أسعار المواد الغذائية المورّدة للفنزويليين، عبر برنامج الدعم الغذائي الحكومي المعروف باسم “كلاب” (CLAP). أتاحت هذه الأسعار المرتفعة بشكل مصطنع لساب غسل أرباح فائضة لمصلحته الشخصية، ولمصلحة دائرة من الأثرياء الموالين لمادورو. في خضم هذا الاستغلال الممنهج الذي جرى بتمكين تركي، كان جزء كبير من الشعب الفنزويلي يعاني الجوع، فقد وجدت منظمة «كاريتاس إنترناشيوناليس»، الذراع الإنسانية للكنيسة الكاثوليكية، في عام 2017 أن 54% من أطفال فنزويلا كانوا يعانون من سوء التغذية.
اعتماد مادورو على تركيا بوصفها شرياناً حيوياً لتهريب الذهب وترسيخ منظومة الفساد، ربما يوازي أهمية الدور الذي تؤديه أنقرة في مخطط فنزويلا العالمي للاتجار بالمخدرات. إذ إنّ نظام مادورو متورط بعمق في تجارة الكوكايين، وهي تجارة تسير بحماية وتسهيل من كبار ضباط الجيش الفنزويلي، سواء على مستوى النقل أو التوزيع. وقد بلغ هذا التورط حدّاً دفع وزارة الخزانة الأميركية في عام 2017 إلى فرض عقوبات على نائب مادورو السابق وأحد أقرب معاونيه، طارق العيسمي، وتصنيفه بوصفه «تاجر مخدرات مُدرجاً بشكل خاص»، في مؤشر واضح على تشابك أعلى مستويات السلطة مع شبكات الجريمة المنظمة.
لا تزال تركيا تُشكّل ممراً رئيسياً ومركز توزيع محورياً للكوكايين القادم من أميركا اللاتينية. فالارتفاع بنسبة 44% في كميات الكوكايين المضبوطة داخل تركيا بين عامي 2021 و2022 لم يترافق مع أي تغيير يُذكر في أنماط الاستهلاك المحلي، ما يشير إلى أنّ تركيا ليست سوقاً استهلاكية للمخدرات بقدر ما هي حلقة عبور أساسية. وعلى وجه الخصوص، برز ميناء مرسين على الساحل الجنوبي لتركيا بوصفه الموقع الأكثر تكراراً في عمليات ضبط الكوكايين ذي المنشأ اللاتيني. وفي الوقت ذاته، كشفت المداهمات الأمنية عن وجود عمليات معالجة وتصنيع في عدد من الولايات التركية.
بلغت مسألة دور الحكومة التركية في الاتجار الفنزويلي بالمخدرات ذروتها في عام 2021، على خلفية اتهامات أطلقها زعيم عصابة تركي منفي وحليف سابق للحكومة. إذ اتهم زعيم الجريمة المنظمة سادات بيكر نجل رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم بفتح مسار لتهريب الكوكايين بين فنزويلا وتركيا خلال عامي 2020–2021، وذلك بعد أن أدّت عمليات إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA) إلى تضييق الخناق على المسارات السابقة الخارجة من كولومبيا. ورغم نفي يلدريم لهذه الاتهامات، فإنّه أكّد أنّ نجله سافر إلى فنزويلا في أواخر عام 2020، قائلًا إنّ الزيارة جاءت بهدف إيصال مساعدات طبية في ظل جائحة كوفيد-19.
من غير الواضح ما إذا كانت ادّعاءات بيكر صحيحة، وهو ما يجعل من الصعب الجزم بما إذا كانت حكومة أردوغان متورطة فعلياً في الاتجار بالمخدرات مع فنزويلا. غير أنّ توطّد علاقات أنقرة مع كراكاس على مدى العقد الماضي تزامن مع ترسّخ موقع تركيا على خريطة الاتجار العالمي بالمخدرات، وعليه، فإنّ تحالف تركيا مع نظام مادورو، وما ينطوي عليه من تواطؤ في ضمان بقاء هذا النظام عبر قنوات السوق السوداء العالمية، يشير إلى مخاطر عالية بأن حكومة أردوغان، على أقل تقدير، تقدّم دعماً غير مباشر لأنشطة الاتجار بالمخدرات الفنزويلية.
أما الكلفة المترتبة على استعداد أردوغان لمساندة أنشطة كراكاس، فهي متعددة الأبعاد، لكنّ المدنيين الفنزويليين أولًا وقبل كل شيء هم من يدفعون الثمن. فإسناد مادورو ومنع سقوطه الكامل، يكرّس البؤس الذي ترعاه الدولة، سواء من خلال عمليات التعدين الفاسدة، أو ميليشيات «الكوليكتيفوس»، أو السياسات الاقتصادية الكارثية. كما أنّ المساعدة في مخططات الفساد التي ينتهجها النظام الفنزويلي أسهمت في إثراء الدائرة المحيطة بمادورو، فيما يرزح المواطنون الفقراء تحت وطأة الجوع والعوز.
وفي الوقت ذاته، فإنّ المساعدة على الالتفاف على العقوبات تقوّض سيادة القانون على المستوى العالمي، وتكافئ أنماط الحكم الخبيثة خارج حدود فنزويلا، من خلال إفراغ أنظمة العقوبات من مضمونها، ومن خلال تغيير معادلة الكلفة والعائد المرتبطة بالعقوبات، يُشجَّع الفاعلون السيئون حول العالم على تقويض الامتثال، وتجنّب إدخال التغييرات السياسية المطلوبة للحصول على تخفيف أو رفع للعقوبات.
ولا يزال من المبكر الجزم ما إذا كان نظام أردوغان متورطاً بشكل مباشر في تجارة مخدرات تغذّي الجريمة وحالات الوفاة الناتجة عن الجرعات الزائدة في مختلف أنحاء العالم. غير أنّ الأضرار التي لحقت بفنزويلا وبالخارج نتيجة دعمه لمادورو باتت جسيمة وواضحة بالفعل.
الكاتبان: سنان سيدي، مختص بالشأن التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن- وويليام دوران، باحث متدرب في برنامج تركيا التابع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
الترجمة عن الانكليزية – مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.
المصدر: مركز الفرات للدراسات
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=81665




