د. محمود عباس
بناءً على إحصائيات رسمية، أشار السيد الرئيس مسعود بارزاني إلى أن نسبة الكورد في العراق تتجاوز 25% من مجموع السكان، بينما لا تتعدى حصتهم من الدخل الوطني 10%. وفي مفارقة موجعة، لا ينال إقليم كوردستان ما يستحقه من خيرات البلاد، بل يُغرق بثلاثة أضعاف تلك الحصة من “الغبار”—لا غبار الطبيعة، بل غبار الفكر المشوَّه، المتعمد، المحمّل بالتحريض والتجني على الكورد وقضيتهم العادلة.
وما هذا الواقع إلا مرآة لما قد يتكرر في سوريا، إن لم يُكرَّس النظام الفيدرالي اللامركزي بوضوح ودقة في الدستور المقبل. فمعالم التمييز البنيوي بدأت تتشكّل حتى قبل ولادة الدولة الجديدة، إذ تعمل بعض الجهات على نخر الحضور السكاني الكوردي التاريخي في مناطقه، متجاهلة أن هذه الجغرافيا كانت كوردية الهوية قبل أن تفتك بها سياسات التهجير، والتعريب، وبناء المستوطنات العربية.
وإذا استمر تغييب الكورد وحراكه، سياسيًا واقتصاديًا، تحت شعار الوطن للجميع، فلن تكون النتيجة إلا إعادة إنتاج لواقع الإقصاء والظلم ذاته، حضور وطني كثيف نظريا، يُقابله إقصاء ممنهج، وبدلًا من الإنصاف والاعتراف، تُقدَّم حملات التشويه والافتراء كتعويض رديء عن الحقوق المغتصبة.
وتأتي تصريحات الجولاني والشيباني، وخاصة الأخيرة، وبعد قرار ترمب برفع الحصار عن سوريا، سواء كانت نابعة من قناعة أو صدىً لإملاءات تركية، لتؤكد ما نتوجّسه، وتعزز المخاوف من أن ما يُطبخ خلف الكواليس، التركية-السورية لا يسير في اتجاه العدالة، بل في اتجاه إنكار الكيان الكوردي وتهميشه، وكأن التاريخ يعيد تدوير أدواته القمعية تحت لافتات جديدة.
ومن هنا، فإن القوى السياسية الكوردية، بكل تلاوينها، مدعوة إلى تجاوز خلافاتها، وتوحيد صفوفها خلف رؤية وطنية جامعة، تجعل من الحقوق القومية الكوردية بندًا غير قابل للتفاوض أو التهميش في أي مشروع سوري مستقبلي. فالتاريخ لا يرحم المترددين، والفرص لا تنتظر المشتتين، وإذا لم يكن للكورد كلمتهم الموحدة الآن، فستُكتب فصول التهميش من جديد، وهذه المرة بأيدٍ داخلية لا خارجية فقط.
وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأن مواقف الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي لم تتغير حيال حقوق الأقليات، وفي مقدمتها حقوق الشعب الكوردي. بل إن أحد الشروط غير المُعلَنة لرفع الحصار جزئيًا عن النظام السوري كان مرتبطًا بضمان الحقوق الكوردية وكتابة دستور عصري يراعي التنوع القومي والديني في سوريا المستقبل.
ورغم أن الإعلام العربي الرسمي يتعمد تجاهل هذه الحقائق ولا يتحدث عنها، فإنها مطروحة بجدية في الأروقة السياسية الغربية، وتُعد من العناصر الحاسمة في مقاربة الحل السياسي الشامل في سوريا.
لهذا، فإن تجاهل هذه الحقائق في الخطابات الداخلية السورية، والتقليل من شأن المطالب الكوردية، ليس فقط ظلمًا تاريخيًا، بل قصر نظر سياسي، لربما لا يقل عما كان في السابق، سيُفقد البلاد فرصة بناء دولة ديمقراطية حقيقية.
الولايات المتحدة الأمريكية
16/5/2025
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=69708