السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 17 يناير، 2024

آراء

آلدار خليل: سنحبط الهجمات بالمجتمع المنظم

في كل مرة يحرز فيها إقليم شمال وشرق سوريا تقدماً أو تطوراً جديداً، يهاجم نظام حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، أمام أنظار العالم أجمع، البنية التحتية للإقليم، ويستهدف محطات الكهرباء والمياه، وصوامع الحبوب ومستودعات القطن، والمطاحن، والمراكز الصحية، ومحطات الوقود، والمعامل والورش التي تلبي احتياجات المجتمع الأساسية.

ومن الواضح أن هذه الهجمات تهدف إلى تدمير سبل الحياة؛ ليواجه أهالي الإقليم الموت جراء حرمانهم من الماء، الخبز والكهرباء، لقد ارتكبوا هذه الممارسات بحق الجميع وفي كل مكان؛ أي يتعرض الكرد، والعرب، والسريان، والأشور، والأرمن، والتركمان، والمسلمون، والمسيحيون والإيزيديون لهجماتٍ إبادة.

وتُشن هذه الهجمات أمام أنظار الجميع، لذا ليس هناك داعٍ للخوض في تفاصيلها، وبدلاً من التعليق على ما جرى وعواقبه، علينا تسليط الضوء على ما يجب علينا القيام به لإحباط هذه الهجمات وما علينا فعله لتحقيق النصر.

لا يتوقع أحد بالتأكيد، التعاطف والرحمة من العدو والتعامل وفقاً للمبادئ الإنسانية، كما لا يعوّل أحد منا على القوى الخارجية ودول العالم في حمايتنا والدفاع عنا أو يتوقع منهم التصرف بما يتعارض مع مصالحهم مع دولة الاحتلال التركي والدخول في صراعات وحروب، فهذا ليس صائباً بل هو مجرد خداع للنفس، وعلى هذا الأساس، فإن الحقيقة التي تقف أمامنا هي التصرف وفقاً لحقيقة الثورة، فالحقيقة التي أثبتتها سنوات النضال الطويلة هي أن شعبنا خاض بالتضحيات العظيمة نضالاً لا مثيل له ومقاومة تاريخية، وأنه واصل التقدم في أصعب الظروف ولم يتراجع خطوة واحدة، وهو مطالبٌ الآن في هذه المرحلة الحساسة والحرجة، بالاستمرار بالتمسك بهذا الحس والموقف وفضح ممارسات وانتهاكات الدولة التركية عن طريق الحفاظ على قوته الخاصة وإرادته الحرة.

من المهم بناء العلاقات، وتكوين الصداقات، ورفع الصوت والتواصل مع الجميع، علينا تطوير علاقاتنا مع المجتمع الدولي، ووضع وحشية الحكومة التركية وجرائم الحرب التي ترتكبها على أجندة الجميع عالمياً على الصعيدين القانوني والإنساني، وحث وسائل الإعلام ومحاكم العدل الدولية على وضع هذه القضية على جدول أعمالها، لكن نؤكد مجدداً على ما ذكرناه أعلاه، إن الحل وتحقيق النصر يعتمدان على مستوى التنظيم والنضال الجوهري، لذا علينا أن نعرف أن بناء حياة حرة وناجحة يتطلب تنمية الوعي بفلسفة التعايش المشترك للمجتمع الديمقراطي، وعنوان هذا الأمر هو استبدال النظام المركزي بنظام اجتماعي محلي ذاتي في جميع مجالات الحياة، ولا نقصد في حديثنا عن اللا مركزية، الجانبين السياسي والإداري فقط، بل نقصد جعل اللا مركزية والذاتية فلسفة حياتنا.

على سبيل المثال، يحتاج نظام الدفاع الذي يعتمد على نظام الجيوش الاحترافية المركزية للدول، إلى التغيير والارتقاء إلى مستوى نظام الدفاع الاجتماعي الذي يدافع فيه المجتمع بأسره عن ثورته ووجوده، وقد شهدنا تجربة مماثلة في بداية ثورة روج آفا، فآنذاك كانت لكل الأحياء والقرى وحدات حماية تضم جميع شرائح المجتمع، فقد كانوا مدنيون من ناحية وحماة ومقاتلون يدافعون عن أرضهم من ناحية أخرى، كان الجميع حماة للوطن، أي باختصار، من المهم ألا تكون قوات الحماية والدفاع منفصلة عن المجتمع وبمنأى عنه، يجب أن يأخذ جميع أفراد المجتمع مسؤولية الدفاع عن أنفسهم وأرضهم على عاتقهم، وتُعد قوات الحماية الجوهرية الآن نموذجاً للحماية الاجتماعية، إذ تم تنظيمه في جميع المدن والقرى، لذا من المهم أن تصبح ثقافة في المجتمع، يجب على جميع شرائح المجتمع من صغار، وشباب، ونساء، وكبار السن، ومن جميع القوميات والديانات الانضمام إلى وحدات الحماية الجوهرية (HPC)، والأنسب في هذا الوضع أن نقول إنه يجب على هذا المجتمع تنظيم نفسه وفق مقتضيات حرب الشعب الثورية.

وينطبق الأمر ذاته على موضوع الاقتصاد، أي أن نستبدل المعامل الكبيرة، بإنتاج المنتجات وتلبية الاحتياجات ذاتها في المنازل والكومينات، وأن نطور الاقتصاد الاجتماعي من خلال نظام التعاونيات، فإذا تعاون كل كومين مع جميع الأسر والأشخاص في الحي على إنتاج المنتجات والانتقال من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج ومبدع، حينها لن يستطيع العدو القضاء على سبل الحياة ووسائلها ومصادرها مهما قصف المعامل، فمجتمعنا مجتمعٌ منتجٌ بطبيعته ولا يزال يحافظ على موارده الطبيعية، ولا يزال جزء كبير من مجتمعنا يلبي احتياجاته اليومية من حقوله وبساتينه وتربية الحيوانات والمشغولات اليدوية. وبدلاً من استيراد السلع من الدول الأخرى، يجب تصنيع السلع ذاتها باستخدام الموارد الطبيعية المتاحة، وقد أثبت واقع مجتمعنا أنه من الممكن له تلبية معظم احتياجاته في المنزل، أي أنه يجب علينا استبدال ثقافة التجارة بثقافة الإنتاج بمواردنا الخاصة والمتاحة.

والأمر ذاته ينطبق على الإعلام أيضاً، فمن أجل القيام بالعمل الإعلامي والنشر، نشر المعلومات وإيصالها والحفاظ على قيم الثورة بنجاح، يجب أن يأخذ جميع أفراد المجتمع هذه المسؤولية على عاتقهم من خلال صفحاتهم على وسائل التواصل الافتراضي، وأن يصبح كل واحد منهم بمثابة جهازٍ إعلامي، فبدلاً من الاعتماد على نظام البث والإعلام المركزي كالمحطات الفضائية والوكالات فقط، يجب أن ينخرط الجميع في العمل الإعلامي كما أسلفنا.

فعندما يتولى المجتمع المنظم أداء وتنفيذ كل شيء، حينها تصل الثورة إلى معناها الحقيقي وحينها تكون تلك الثورة بالتأكيد ثورة ديمقراطية اجتماعية، وفي الوقت ذاته تصبح أنسب نظام دفاع وحماية في مواجهة هجمات الأعداء.

وبقدر ما تعدّ اللا مركزية حلاً ضد الأنظمة الديكتاتورية والفاشية الحاكمة، بقدر ما تعدّ أيضاً حلاً وأسلوباً لإقامة وحماية النظام الاجتماعي الديمقراطي الحر.

شارك هذا الموضوع على