سركيس قصارجيان
تعيش تركيا حالة من الترقّب السياسي لرسالة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، المتوقع صدورها في 15شباط (فبراير) الجاري، بعد سلسلة من التطورات اختتمت بزيارة ممثلين عن حزب الديموقراطية والمساواة بين الشعوب “ديم”، الموالي للكرد، لسجن إمرالي حيث يُحتجز أوجلان.
وقف الكفاح المسلّح مقابل الاعتراف بحقوق الكرد
وكشف مصدران مطّلعان على محادثات ممثّلي “ديم” مع الزعيم الكردي خلال الأسابيع الماضية لـ”النهار” أن الرسالة ستكون مصوّرة وستتضمّن بنوداً موجّهة إلى الحكومة التركية وأخرى إلى الحركة الكردية داخل تركيا وخارجها.
وقال المصدران المواكبان لمسار المصالحة التركية-الكردية إن “الرسالة ستتضمّن إعلاناً بإنهاء العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني، وتعهّداً بتوقّف الكفاح المسلّح مقابل تنفيذ مطالب بحقوق سياسية وثقافية للأكراد في تركيا، والتركيز على اللامركزية كحلّ أمثل في تركيا وسوريا أيضاً”.
ويتطابق المضمون المتوقّع لرسالة أوجلان مع مطالب الحركة الكردية التي يمكن تلخيص أبرز بنودها بوقف الاعتقالات السياسية للنشطاء الأكراد والإفراج عن السجناء السياسيين، بما في ذلك الزعيم السابق لحزب الشعوب الديموقراطي صلاح الدين دميرتاش، وصوغ دستور جديد وشامل يعترف بحقوق الأقليات، والاعتراف باللغة الكردية في التعليم والحياة العامة، وإنهاء العمليات العسكرية التي تستهدف الإدارة الذاتية في شمال سوريا، وإلغاء القوانين التي تسمح بتعيين الأوصياء (الكايوم) في البلديات، وتنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) بشأن حقوق الأكراد.
ويصادف يوم 15 شباط، الموعد المرتقب لرسالة أردوغان، ذكرى اعتقاله في التاريخ ذاته من عام 1999بعملية تعاون استخباري تركي-أميركي-إسرائيلي.
ويطالب السياسيون الأكراد بمنح أوجلان الذي قضى 26 عاماً في السجن، فرصة الاستفادة من “حق الأمل”، إذ أصبح مؤهلاً للإفراج المشروط بموجب التعديل القانوني التركي الصادر عام 2022، والذي يسمح للمحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة بطلب الإفراج المشروط بعد 30 عاماً، أو بعد 24 عاماً مع حسن السلوك.
ويستند هذا المطلب إلى حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 2023، الذي انتقد عزل أوجلان غير المحدّد المدّة في السجن.
خطوة رمزية لتسريع الحلّ السياسي
وشكّلت زيارة ممثلي حزب “ديم” والتصريحات اللاحقة جزءاً من جهود حلّ القضية الكردية عبر الحوار، في مقابل النهج العسكري الذي تتبنّاه الحكومة التركية منذ سنوات، إذ يسعى الحزب، الثالث في البرلمان في عدد المقاعد، إلى ترسيخ نفسه وسيطاً في عملية السلام التركية-الكردية، مستغلاً تأثير أوجلان على الأوساط الكردية داخل سوريا وخارجها.
وقبل يومين، نظّم “ديم” تظاهرة حاشدة في ميدان إيساتسيون في ديار بكر، معقل أكراد تركيا، هتف خلالها المشاركون بشعارات تنادي بـ”الحرية لأوجلان” ورفض العمليات العسكرية التركية في مناطق “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا وشرقها.
وتقدّم الحكومة التركية مساعيها الأخيرة لحلّ القضيّة الكردية تحت عنوان “استراتيجية تركيا الخالية من الإرهاب”، مع الإصرار على أن أوجلان ليس صانع القرار، وإنما صاحب خطوة رمزية لتسريع الحلّ السياسي.
ويقول الصحافي التركي عبد القادر سيلفي، المقرّب من الرئيس رجب طيب أردوغان، إن “مشاركة أوجلان (في مسار حلّ القضيّة الكردية) ليست ضرورة حتمية، بل مجرد أداة تكتيكية. الأولوية الأساسية لأنقرة هي تفكيك حزب العمال الكردستاني عبر الضغط العسكري والعزلة الديبلوماسية، بغضّ النظر عن موقف أوجلان”.
وتتبع أنقرة مسارين متناقضين عبر مزيج من استمرار الهجمات على حزب العمال في شمال العراق، وقوات سوريا الديموقراطية “قسد”، التي تعتبرها الجناح السوري للحزب، في شمال شرق سوريا، إلى جانب تكثيف الضغوط على كل من بغداد ودمشق لاحتواء نفوذ الطرفين.
وتعوّل تركيا الأطلسية، على حشد الدعم الإقليمي من كل من العراق وإيران وحتى روسيا، للضغط على الجماعات الكردية في المنطقة، على أرضية تعاونها مع الولايات المتّحدة وتلقّي التأييد السياسي من إسرائيل.
دوّامة الغرب التركية-الكردية
وأثار الإعلان عن رسالة أوجلان جدلاً في المشهد السياسي التركي، ففيما يرى المؤيدون للأكراد أنها قد تشكل نقطة تحوّل في تاريخ البلاد، لا يخفون شكوكهم في جدّية الخطوات الحكومية، فيما تستمر الأطراف والتيّارات القومية في الطعن بجدوى المسار.
ومن المتوقّع أن تسهم الرسائل التصالحية بين أوجلان والحكومة التركية في تخفيف التوترات في سوريا والعراق، حيث تؤدي المجتمعات الكردية دوراً جيوسياسياً مهماً، فيما تظل مشاعر التفاؤل الحذر والشك العميق تجاه جهود تركيا المتجددة لحلّ الصراع الكردي المستمر منذ عقود هي السائدة بين الأكراد داخل تركيا وخارجها.
ويمكن القول إن نجاح المسار الحالي يعتمد في الأساس على استعداد أنقرة لتقديم تنازلات، وخاصة بشأن حقوق الأكراد والاعتراف الدستوري بالهوية الكردية والإفراج عن السجناء السياسيين، وعلى قدرة أوجلان على إقناع حزبه بقبول خريطة الطريق الجديدة، وخاصة مع تصعيد تركيا هجماتها على شمال العراق، بالإضافة إلى موقف أنقرة المعادي للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، فيما تستمر دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مواجهة المعضلة بين دعم حقوق الأكراد وبين تجنّب أيّ خطوات قد تؤدّي إلى زعزعة الشراكة مع أنقرة، الحليف الاستراتيجي في الناتو.
المصدر: النهار اللبنانية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62568