مشاهير الكرد في التاريخ الإسلامي الحلقة الخامسة عشرة الإمام ابن الصلاح الشَّهْرَزُوري ( 577 – 643 هـ / 1181 – 1245 م ) مدينة شَهْرَزُور
د. أحمد الخليل
شَهْرَزُور مدينة كردية عريقة، كانت قديماً ذات شأن كبير، ولا سيما في العهد العثماني، حتى إن بعض سلاطين آل عثمان جعلوها مركز ولاية تتبعها معظم مناطق جنوبي كردستان (إقليم كردستان في العراق حالياً)، وكانت تسمى (إيالة شهرزور)، وقد وصفها ياقوت الحموي (ت 626 هـ) في (معجم البلدان، ج 3، ص 425 – 427)، قائلاً:
” هي كُورة [منطقة] واسعة في الجبال بين إربل وهَمَذان، أحدثها زُور بن الضحّاك، ومعنى شهر بالفارسية: المدينة. وأهل هذه النواحي كلهم أكراد “.
ونقل ياقوت، في المصدر نفسه، عن جغرافي اسمه مِسْعر بن مُهلْهِل قوله:
” شهرزور مدينات وقرى فيها مدينة كبيرة، وهي قصبتها، في وقتنا هذا يقال لها: نيم إزراي، وأهلها عصاة على السلطان، قد استطعموا الخلاف واستعذبوا العصيان، والمدينة في صحراء، ولأهلها بطش وشدة، يمنعون أنفسهم ويحمون حوزتهم “.
ثم أضاف ياقوت قائلاً:
” وأكثر أمرائهم منهم، وهم موالي عمر بن عبد العزيز، وجرّأهم الأكراد بالغلبة على الأمراء، ومخالفة الخلفاء، وذلك أن بلدهم مشتى ستين ألف بيت من أصناف الأكراد الجلالية والباسيان والحكمية والسولية، ولهم بها مزارع كثيرة، ومن صحاريهم يكون أكثر أقواتهم “.
وقال ياقوت أيضاً:
” فإن هذه البلاد اليوم [عهد ياقوت] في طاعة مظفَّر الدين كُوكبري بن علي كوجك صاحب إربل على أحسن طاعة، إلا أن الأكراد في جبال تلك النواحي على عادتهم في إخافة أبناء السبيل، وأخذ الأموال والسرقة، ولا ينهاهم عن ذلك زجر، ولا يصدّهم عنه قتلٌ ولا أسر، وهي طبيعة للأكراد معلومة، وسجيّة جباههم بها موسومة، وفي مُلح الأخبار التي تُكسَع [تُمحى] بالاستغفار أن بعض المتطرّفين قرأ قوله تعالى: ( الأكرادُ أشدُّ كفراً ونِفاقاً ) فقيل له: إن الآية: (الأعرابُ أشدّ كفراً ونفاقاً ). فقال: إن الله تعالى لم يسافر إلى شهرزور، فينظر إلى ما هنالك من البلايا المخبّآت في الزوايا “.
أژى دهاك وليس (الضحّاك )
وقد أسرع ياقوت، كعادته وعادة بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى، إلى طريقته المتعجلة في تفسير الأمور، وإلى منهجه الذي يفتقر أحياناً كثيرة إلى أدنى درجات العلمية والموضوعية، فزعم أن مدينة شهرزور سميت باسم زور بن الضحاك، وأورد هذه المعلومة على أنها حقيقة تاريخية لا ريب فيها؛ إذ لا نجده استخدم عبارات حذرة مثل (ربما، لعل، قيل، رُوي)، وانطلق في زعمه هذا من نهج مؤسس في جملته على التكلف والتلفيق؛ ألا وهو تعريب الأسماء غير العربية، ثم تفسيرها على ضوء ذلك.
فالشخصية التي سماها (الضحاك)، موحياً بأنه عربي، إنما هو (أزدهاك)، وأورد الدكتور إحسان يار شاطر اسمه في كتابه ( الأساطير الإيرانية القديمة، ص 60) بصيغة (أژى دهاك)، وذكر أنه ” عفريت مخيف هائل “، كان هو وعفريت آخر يسمّى خِشْم من أبرز جنود إله الشر أَهْرِمَن، وارتبط ذكر أزدهاك في التاريخ الآرياني الشرقي بعيد (نُورُوژ / نَوْرُوز) الموافق للحادي والعشرين من شهر آذار، رأس السنة الآريانية الشرقية، وقيل: إن ظلم أزدهاك الشديد جعل الآريانيين كرداً وفرساً يثورون عليه بقيادة (كاوا) الحداد، ويقضون على حكمه، ويشعلون النيران فرحاً بالنصر.
وما يهمنا هنا أن أزدهاك عاش قبل الميلاد ببضعة قرون، ويُفهم من الأخبار الواردة حوله أن اسمه الحقيقي (بيوراسب / بيوراسف)، وأن (أزدهاك) لقب مقيت أطلقه عليه خصومه، ولا شأن له بالعرب لا من قريب ولا من بعيد، ولا علاقة من ثم بين شهرزور وتلك الشخصية المختلقة (زور بن الضحاك). ومعروف أن لكلمة ( زُور ) في الكردية معنيين: زُور بمعنى (قوة)، وزُور بمعنى (كَرَم). ومن المحتمل أن تكون الصيغة الأساسية لها هي (ژُور) Jor بمعنى (العالي / الرفيع الشأن)، وبما أنه ليس في اللغة العربية حرف ( ژ )، فقد نُطقت بصيغة ( ز )، ومن المحتمل أن يكون لاسم شهرزور علاقة ما بأحد هذه المعاني.
تشويه صورة الكرد
وأسرع ياقوت أيضاً إلى رمي الكرد عامة بصفات قبيحة، فبعد أن وصف الكرد في مناطق شهرزور بالشر، والفساد، وقطع الطرق، وتخويف عابري السبيل، أصدر حكماً عاماً، وجعل هذه الصفات الرديئة من صفات الكرد في كل المناطق، وعبر كل العصور، قائلا: ” وهي طبيعة للأكراد معلومة، وسجية جباههم بها موسومة “.
فهل هذا مما يقول به عاقل، فضلاً عن باحث وجغرافي؟! وهل هناك منطقة جبلية أو صحراوية في العالم تخلو من قطاع الطرق، ولا سيما في المناطق التي ينحسر عنها نفوذ السلطة الحاكمة، ويشيع فيها الفلتان الأمني؟! وهل ثمة شعب يكون كل أفراده من الأخيار أو يكون كل أفراده من الأشرار؟! ثم يعرف كل قارئ للتاريخ الإسلامي أن بعض البدو العرب كانوا يقطعون الطريق على حجاج مكة طوال قرون، بعد أن ضعفت السلطة المركزية، وكانوا يسلبون الحجاج أموالهم، بل كانوا يفتكون بهم أحياناَ، حتى إن السلطات الحاكمة كانت تضطر أن تدفع لهم إتاوات ليكفّوا عن عدوانهم، وكانت تكلّف فرقاً عسكرية بمرافقة الحجاج لحمايتهم ذهاباً وإياباً، فهل من العقل والمنطق في شيء أن نلصق صفات الشر والفساد بكل العرب، وأن يقول قائل: ( وهي طبيعة للعرب معلومة، وسجيّة جباههم بها موسومة )؟!
والحقيقة أن ياقوتاً الحموي يعبّر في أقواله هذه عن رأي الحكام الظلمة في عصره وفي العصور السابقة عليه، فقد كانت جبال كردستان على الدوام موطناً لمعظم الثائرين على الحكومات الاستبدادية، سواء أكان أولئك الثائرون كرداً أم عرباً، وإن ظاهرة لجوء قادة الخوارج (الشُّراة)- وكان معظمهم من القبائل العربية- إلى جبال كردستان أشهر من أن نسوق الأدلة عليها، وكانوا يتوجّهون إلى كردستان لسببين: الأول هو الطبيعة الجبلية الوعرة التي تستعصي على جنود الدولة. والثاني هو نزوع الكرد أنفسهم إلى رفض الاستبداد، والثورة على كل من يمارس الاضطهاد.
والغريب أن ياقوتاً سرعان ما أوقع نفسه في تناقض فاضح، فبعد أن أفرغ ما في جعبته من تحامل على الكرد، وقام بدوره في تشويه صورتهم، نجده يقول:
” وقد خرج من هذه الناحية من الأجلّة والكبراء، والأئمة والعلماء، وأعيان القضاة والفقهاء، ما يفوت الحصر عدّه، ويعجز عن إحصائه النفَس ومدّه، وحسبك بالقضاة بني الشهرزوري جلالةَ قدر، وعِظمَ بيت، وفخامةَ فعل. وذكر الذين ما علمت أن في الإسلام كله وليَ من القضاة أكثر من عدّتهم من بيتهم، وبنو عَصْرُون أيضاً قضاة بالشام، وأعيان من فرق بينهم بين الحلال والحرام منهم، وكثير غيرهم جداً من الفقهاء الشافعية. والمدارس منهم مملوءة “.
فكيف تنجب بيئة اجتماعية كردية تعج بالأشرار والفاسدين والمتوحشين كل هؤلاء ” الأجلة والكبراء، والأئمة والعلماء، وأعيان القضاة والفقهاء “؟! وهل من المعقول أن يتحوّل أبناء شعب جُبل على التوحش والفساد – حسب زعم ياقوت – بين عشية وضحاها إلى منارات للعلم والمعرفة؟! إن موقف ياقوت هذا يذكّرنا بقول الشاعر القديم:
وعينُ الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ولكنّ عينَ السوء تُبدي المَساويا
وما يثير العجب أكثر أن ياقوتاً الحموي عاش بين سنتي (574 أو 575 – 626 هـ )، أي أنه كان معاصراً للدولة الأيوبية الكردية، وعندما حقق الأيوبيون النصر على الفرنجة في موقعة حطين الشهيرة سنة (583 هـ)، وحرروا القدس، كان عمره عشر سنوات تقريباً، وبما أنه رجل واسع المعرفة، فلا ريب أنه – بعد أن شبّ – كان على علم بالمواقف البطولية التي حققها الكرد مع أشقائهم العرب والتركمان تحت القيادة الأيوبية، فكيف استطاع الكرد- وهم حسب زعمه أشرار وفاسدون – أن يتصدوا لأضخم الحملات الفرنجية وأشرسها (الحملة الثالثة)؟! وكيف استطاعوا مقارعة أقوى ملوك أوربا حينذاك: إمبراطور ألمانيا، وملك فرنسا، وملك إنكلترا؟!
ومهما يكن فإننا نلمح وراء تحامل ياقوت على الكرد سبباً ما خفياً أو أكثر، حتى إن الرجل يحكم على شعب بأكمله بصفات سيئة، منطلقاً من ممارسات قامت بها شريحة صغيرة، ولن نرجم بالغيب الآن، ولن ننهج نهج ياقوت وأشباهه في إطلاق الأحكام، فالأمر بحاجة إلى بحث وتنقيب دقيقين، ليس فيما يتعلق بتحامل ياقوت على الكرد، وإنما ثمة آخرون نهجوا هذا النهج، ولعلنا نتناول هذا الموضوع بالتفصيل في المستقبل، لنميز الخبيث من الطيب، والأباطيل من الحقائق.
ونعود ثانية إلى شهرزور.
فإليها ينتسب أحد كبار الإئمة والفقهاء.
إنه ابن الصلاح الشهرزوري.
فماذا عنه.
نشأة ابن الصلاح وثقافته
ابن الصلاح هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي النصر الشهرزوري الكردي الشَّرَخاني، أبو عمر، تقيّ الدين، المعروف بابن الصلاح، أحد الفضلاء المقدّمين في التفسير والحدث والفقه وأسماء الرجال، ولد في شَرَخان قرب شهرزور، ولقب أبيه الصلاح، حفظ القرآن في بلدته وجوّده، وتفقّه على والده الصلاح أبي القاسم عبد الرحمن (نحو 539 – 618 هـ)، وكان والده عالماً، فقيهاً، مفتياً من جلة مشاهير شيوخ الكرد، وشيخ شهرزور في وقته، وكان قد دخل بغداد، واشتغل بها على شرف الدين أبي سعد ابن أبي عصرون، وتفقّه بها، ثم سكن حلب، وتولى فيها تدريس المدرسة الأسدية، وتوفي بها.
وظهرت نجابة ابن الصلاح منذ الصغر، فنقله والده إلى الموصل، فسمع الحديث من ابن السَّمِين أبي جعفر عبيد الله بن أحمد الوراق، وقرأ عليه كتاب (المهذّب) لأبي إسحاق الشيرازي في فقه الشافعي، وهو غض الصبا لم يطرَّ شاربه. ومن شيوخه في الموصل: نصر الله بن سلامة الهيتي المقرئ، وعبد المحسن بن عبد الله المعروف بـ (ابن الطُّوسي)، ثم لزم شيخه العماد أبا حامد محمد بن يونس الإربلي الموصلي، إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف، ومدرّس النظامية، ومصنّف (المحيط) في فروع الشافعية.
وبعد أن أقام ابن الصلاح بالموصل زمناً سافر إلى بغداد وله بضع وعشرون سنة، وسمع الكثير من علمائها، ثم سافر إلى هَمَذان، ونيسابور، ومَرْو في خراسان، وسمع من كبار علمائها، ثم دخل إلى بلاد الشام حوالي سنة (613 هـ)، فسمع من كبار علماء حلب ودمشق، ثم أتي بيت المقدس، فتولى التدريس بالمدرسة الناصرية المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وأقام بها مدة، واشتغل الناس عليه وانتفعوا بعلمه.
ثم انتقل ابن الصلاح إلى دمشق، وتولى التدريس في المدرسة الرواحية التي أنشأها الزكي أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي، ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب دار الحديث بدمشق فوّض تدريسها إليه، واشتغل الناس عليه بالحديث، ثم تولى التدريس في مدرسة ست الشام زُمُرُّد خاتون بنت أيوب، وهي شقيقة شمس الدولة تَوْران شاه بن أيوب، وأخت صلاح الدين، وكانت تلك المدرسة تقع داخل البلد قبلي البيمارستان النوري، وكان ابن الصلاح في عمله مثالاً للعالم المخلص، شهد له بذلك القاضي ابن خلّكان في (وفيات الأعيان ، ج3، ص 244) قائلاً:
” فكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها؛ إلا لعذر ضروري لا بد منه، وكان من العلم والدين على قدم حسن “.
عصر ابن الصلاح
عاش ابن الصلاح كل حياته في العصر الأيوبي (567 – 648 هـ / 1171 / 1250)، وتميّز العصر الأيوبي بأمرين اثنين: استمرار الصراع الإسلامي – الفرنجي، والازدهار العلمي. هذا إضافة إلى الخلافات الداخلية بين مراكز القوى في الصف الإسلامي نفسه. أما على الصعيد السياسي فقد أزاح صلاح الدين الخلافة الفاطمية في مصر وبعض بلدان الشام وشمالي إفريقيا؛ بضغط من الخليفة العباسي في بغداد، ومن السلطان نور الدين زنكي في دمشق، ثم أسس الدولة الأيوبية سنة (567 هـ) بعد وفاة السلطان نور الدين، واستمر في مقارعة الفرنجة، وخاض معهم أعنف الحروب، وتصدى لأضخم الحملات الفرنجية، وانتصر عليهم في معركة حطين، وحرر القدس سنة (583 هـ)، وقصم ظهر الإستراتيجية الفرنجية في شرقي المتوسط بأن أسقط مملكة القدس الفرنجية.
أما على الصعيد العلمي فقد اهتم صلاح الدين ومعظم سلاطين الأيوبيين بتنشيط الحركة العلمية، وبتشجيع العلم والعلماء، إنهم بنوا المدارس، وأنشؤوا المكتبات الضخمة، وشيّدوا المشافي، فازدهرت العلوم بأنواعها النقلية ( القراءات، التفسير، الحديث، الفقه، النحو، اللغة، الأدب)، والعقلية (الطب، الكيمياء، الفلسفة، الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا)، ونبغ كثير من الأدباء والعلماء في مختلف ميادين المعرفة.
مكانته العلمية
احتل ابن الصلاح مكانة علمية مرموقة بين علماء عصره، وبرز في علوم التفسير والحديث والفقه؛ إنه جمع في الفقه الشافعي بين طريقي المذهب (الخراساني والعراقي)، وروى في الحديث أمهات الكتب عن كبار مشايخه، وشهد له علماء عصره بغزارة العلم، وعمق النظر، وسعة الاطلاع.
قال تلميذه المؤرخ القاضي ابن خلكان في (وفيات الأعيان):
” كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسدّدة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم “.
وقال تلميذه الفقيه الحنبلي صفي الدين أبو الصفاء المراغي:
” الشيخ الإمام الفقيه الحافظ ذو الفضائل… أحد الأئمة المشهورين، والعلماء العاملين، والحفاظ المذكورين، جمع بين علوم متعددة: علم الفقه، وعلم أصوله، وعلم الحديث، وعلم العربية، مع ما أوتي من التحرّي والإتقان والتحقيق، مضافاً إلى سلوك طريقة السلف، معظَّماً عند الخاص والعام، ولم أرَ مثله بعد شيخنا الإمام أبي محمد بن قدامة المقدسي “.
ووصفه تاج الدين السبكي في كتابه (طبقات الشافعية) قائلاً:
” ربّ الفوائد والفرائد، ومجمع الغرائب والنوادر، … أحد أئمة المسلمين علماً وديناً، وكان إماماً كبيراً فقيهاً محدّثاً، زاهداً ورعاً، مفيداً معلماً “.
وأشاد به الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه (تذكرة الحفّاظ) قائلاً:
” كان ذا جلالة عظيمة، ووقار وهيبة، وفصاحة وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النِّحلة، كافاً عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمناً بالله وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البِزّة، وافر الحرمة، معظّماً عند السلطان “.
وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي في كتابه (البداية والنهاية):
” هو في عداد الفضلاء الكبار، وكان ديّناً، زاهداً، ورعاً، ناسكاً، على طريقة السلف الصالح كما هو طريقة متأخري أكثر المحدثين، مع الفضيلة التامة في فنون كثيرة “.
وقال ابن كثير في موضع آخر من كتابه:
” … يكره طرائق الفلاسفة، ويغضّ منها، ولا يمكّن من قراءتها بالبلد، والملوك تطيعه في ذلك، وله فتاوٍ سديدة وآراء رشيدة، ما عدا فتياه في استحباب صلاة الرغائب “.
تلامذته ومؤلفاته
لابن الصلاح تلامذة نشروا العلم في الحواضر الإسلامية، بدءاً من عصره إلى آخر الربع الأول من القرن السابع. وتفقّه عليه أئمة كبار، نذكر منهم:
– الكمال سَلار بن حسن بن عمر بن سعيد الإربلي (ت 670 هـ).
– أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (ت 665 هـ).
– الضياء الإسْعَرْدي صالح بن إبراهيم (ت 665 هـ).
– تقي الدين المعروف بابن رَزين، قاضي القضاة بمصر (ت 680 هـ).
– عبد الله بن مروان الفارقي (ت 703 هـ).
– عمر بن أسعد الإربلي (ت 675 هـ).
– محمد بن محمد بن عبد الله الكتامي التلمساني ( ت 727 هـ).
– ابن خلّكان شمس الدين قاضي القضاة (ت 681 هـ).
– الشرف النابلسي المقدسي خطيب دمشق ومفتي الشام (ت 694 هـ).
– محمد بن يوسف بن يعقوب بن عثمان الإربلي (ت 702 هـ).
– محمد بن عَرَبْشاه الهمذاني (ت 77 هـ).
ومن مؤلفاته:
– المقدمة في علوم الحديث.
– شرح صحيح مسلم.
– الأمالي.
– النُكت على المهذب لأبي إسحاق الشيرازي.
– شرح مشكل الوسيط، لأبي حامد الغزالي.
– صلة الناسك في صفة المناسك.
– الفتاوى.
– أدب المفتي والمستفتي.
– طبقات فقهاء الشافعية.
– المنتخب من كتاب المُذهِب في ذكر شيوخ المذهب للمُطوَّعي.
– حلية الإمام الشافعي.
– الرحلة الشرقية (فوائد الرحلة).
– – – –
وتوفي ابن الصلاح سنة (643 هـ) في دمشق، فازدحم الناس على نعشه، وصُلّي عليه مرتين، ثم شيّعوه إلى مثواه الأخير في مقابر الصوفية. وذكر محيي الدين علي نجيب، محقق كتاب (طبقات الفقهاء الشافعية) لابن الصلاح، أن قبر ابن الصلاح قائم إلى الآن داخل مبنى كلية طب الأسنان خلف مشفى التوليد، بجوار قبري الإمامين ابن تيمية وابن كثير.
المصــادر
1– الدكتور إحسان يار شاطر: الأساطير الإيرانية القديمة، ترجمة محمد صادق نشأت، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
2- خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السابعة، 1986.
3- ابن خلّكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1968.
4- الذهبي (شمس الدين): تذكرة الحفاظ، دار الفكر العربي، 1956.
5 – السبكي (تاج الدين): طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، محمود محمد الطناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1964-1979م.
6- ابن الصلاح الشهرزوري:
– أدب المفتي والمستفتي، دراسة وتحقيق الدكتور موفّق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة العلم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1986.
– طبقات الفقهاء الشافعية، حققه وعلق عليه محيي الدين علي نجيب، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1992.
7- عبد الرحيم الأسنوي (جمال الدين): طبقات الشافعية، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1987.
8– ابن كثير: البداية والنهاية، دار ابن كثير، بيروت، 1965.
9- هداية الله الحسيني (أبو بكر): طبقات الشافعية، حققه وعلق عليه عادل أبو نهيض، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1979.
10- ياقوت الحموي: معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990.
وإلى اللقاء في الحلقة السادسة عشرة.
د. أحمد الخليل في 4 – 5 – 2006