الأربعاء, مايو 22, 2024

صورة الكرد في الشعر العربي

القسم الثقافي
د. ژینۆعبدالله- جامعة السليمانية
بحكم الجغرافيا، هناك دائما الجدل حول كيف يتحدث المؤرخون والمثقفون والشعراء والادباء العرب عن الكرد وقضيتهم العادلة. و المرء يسأل في هذا الصدد ما إذا كانت الصورة المقدمة حقيقية ام تشوبها الشوائب والتشويه لنوايا ومقاصد كتابها عن سابق إصرار وتجاهل الحقائق التأريخية؟ وهل أن الشعراء العرب منذ القدم وجدوا قضية باسم قضية الشعب الكردي وكيف كانت مواقفهم من نضال الكرد ضد أنظمة الحكم لاسيما في العراق وسوريا وهما الدولتان التي فرض فيهما بريطانيا وفرنسا بصفتهما قوتين محتلتين الحكم من قبل المكون العربي على سائر المكونات الأخرى على إختلاف الأعراق والأديان والطوائف واللغات والثقافات والتأريخ و الجغرافيا.
ففي العراق نصب المحتل ملكا عربيا على الكرد والتركمان، ومسلما على المسيحيين على إختلاف طوائفهم والصابئة المندائيين والايزيديين الكرد وسنيا على العرب والكرد من الطائفة الشيعية. وكان لهذا المخطط الإستعماري تبعات وعواقب وخيمة أدت الى إنقلابات عسكرية وما ترتب عليها من نشوء الحكم الديكتاتوري البعثي من ١٩٦٨ الي ٢٠٠٣ والدولة الفاشلة من ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا في ظل حكم الأحزاب الشيعية بالمقام الأول والسنية والكردية التي لا يمكن لها تغيير المعادلة السياسية في عراق ما بعد ٢٠٠٣. وكذلك الحال في سوريا التي إنتهى بها المطاف بعد الإستقلال من المحتل الفرنسي الى حكم عربي بعثي طائفي ديكتاتوري علوي على سائر مكوناتها منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم.
اذا نظرنا بشكل عام واستسلمنا الى الامر الواقع، نجد صورة الكرد ضبابية عند العرب، و يعزى ذلك الأمر سبب رئيسي الا وهو انظمة الحكم والسلطة السياسية ومصالح هذه الدول التي لطالما سعت الى فرض سيطرتها وارادتها على الكرد كأكبر مكون سكاني ذي تأريخ وحضارة ولغـة وثقافة مختلفة تمام الإختلاف عن القومية الحاكمة.
وعليه، فمن البديهي وكواجب أكاديمي لابد ان تكون هناك محاولات لتغيير الصورة النمطية المشوهة التي يقدمها أعداء الكرد الي الرأي العام العربي. وبهذه الخصوص، بذل أ.د.هيرش محمد أمين، الأستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة السليمانية، جهدا علميا رصينا وممكن أن نقول استقصائيا لجمع قصائد شعراء العرب الذين تحدثوا عن الكرد سلبا وايجابا سواء في الادب العربي القديم أو الحديث .فقد توج هذا الجهد الجهيد والبحث المتعمق بكتاب صدر بعنوان (صورة الكرد في الشعر العربي) وهو من مطبوعات الاكاديمية الكردية -٢٠٢٢.
يتكون الكتاب من فصلين، الاول بعنوان صورة الكرد في الشعر العربي القديم حيث يتناول بالتحليل والدراسة أبياتا وقصائدا لشعراء من العصر الأموي ذكروا فيها الكرد في قصائدهم، كبشار بن برد وابي نواس وابي تمام والمتنبي والبحتري وغيرهم. ومن خلال قراءتنا وتعمقنا وتحليلنا لشعر هؤلاء الشعراء نرى بأنه قد وردت الشخصية الكردية ضمن قصائد شعراء العرب القدامي بمعان كثيرة متصفة تارة بسمات ايجابية مثل الشجاعة أو الوفاء أو الكرم وتارة بخصال سلبية مثل الغدر والخيانة والسلب والنهب ، ص ١٦. فمثلا يقول المتنبي:
ساقي كُؤوسِ المَوتِ وَالجِريالِ
لَمّا أَصارَ القُفصَ أَمسِ الخالي
وَقَتَّلَ الكُردَ عَنِ القِتالِ
حَتّي اتَّقَت بِالفَرِّ وَالإِجفالِ
والفصل الثاني بعنوان صورة الكرد في الشعر العربي الحديث يتضمن قصائد الشعراء كالجواهري والسياب والبياتي وبلند الحيدري ومحمود درويش وكاظم السماوي ورشدي العامل وغيرهم.
ويذكر الباحث في الكتاب بأن الشعراء العرب تمكنوا من توظيف الكرد وكردستان بأنماط مختلفة واتجاهات متابينة ليس لمجرد الشخصية الكردية في أبياتهم وقصائدهم، وإنما لتحقيق المقاصد الدلالية المتمثلة بحجم المعاناة والظروف التي مر بها الشعب الكردي بكل شرائحه نتيجة لقسوة الأنظمة والسلطات القمعية وسياستها غير الإنسانية التي عمدت عن قصد الى إنكار أبسط حقوقهم القومية المشروعة ، ص ٤٦.
ويأتي الباحث بنموذج محمد مهدي الجواهري حيث يقف وقفة شامخة في وصف كردستان وقادتها، وغيره من الشعراء الذين أرسلوا قصائد دامعة الى حلبجة المنكوبة التي ضربت بالاسلحة الكيمياوية لتنال الشهادة.
وفي الختام وصل الباحث الي عدة نتائج مهمة منها أن صورة الكرد ومن خلال رؤى الشعراء صنفت الي أنواع مختلفة، منها سياسية ودينية واجتماعية وثقافية. وأن هناك في الشعر العربي الحديث من الشعراء من عبر عن تضامنه مع الشعب الكردي للتعبير عن معاناة الشعب الكردي وآلامه وتضحياته. وفي هذا الصدد للشعراء العراقيين والفلسطينيين نصيب وافر أكثر من غيرهم من الشعراء العرب الآخرين.
يقول الجواهري (١٨٩٩ – ١٩٩٧)
قلبي لكردستان يُهدي والـــفم
ولقد يجود بأصـغـريـه الـمـعـُـدم
ودمي وإن لم يـُبـِق في جسمي دمـــا
غـرثي جـراح من دمائي تـطــعـم
وخاتمة الكلام، اهنئ كاتبنا القدير الأستاذ الدكتور هيرش محمد أمين، لهذا الإنجاز العلمي البارز وارجو منه الإستمرارية في إثراء المكتبة الكوردية بهذة المشاريع القيمة

 

شارك هذا الموضوع على