الخميس, مارس 28, 2024
القسم الثقافي

لماذا لا توجد دراما تلفزيونية كردية؟

حليم يوسف

تلفت نظري تعليقات و ملاحظات مشاهدي المسلسلات السورية والتركية من الكرد، المتعلقة بغياب الحالة الكردية بالمطلق في المسلسلات السورية، خاصة أنهم يجدون نفسهم جزءاً من العوالم الواقعية التي تتحدث عنها بعض تلك المسلسلات، في حين تغيب قضيتهم عن الشاشات بالمطلق من خلال التجسيد الفني والدرامي لهذه العوالم. ولا يتوانى بعضهم من الشكوى والتساؤل حول هذا التغييب المقصود للمشكلة الكردية بكل تجلياتها الدراماتيكية. علماً أن المخرج قد يكون كردياً في بعض المسلسلات، وأن يكون كاتب السيناريو كردياً في مسلسلات أخرى، ولا يخفى على أحد الحضور الكردي الكثيف نوعاً ما للممثلات والممثلين الذين يلعبون أدواراً رئيسية فيها.

في الدراما التركية تحضر الحالة الكردية من خلال تقديمها كمفرخة للإرهابيات والإرهابيين أو كحاضنة لقطاع الطرق المنتمين إلى بيئة قروية، بدائية، في أفضل الأحوال. وغالباً ما تلقى هذه المسلسلات التركية الاستهجان والاستنكار من الجمهور الكردي العريض الذي يرى في هذه المسلسلات شكلاً من أشكال الحرب الخاصة الممولة من أذرع الدولة الدرامية والتي تعتبر امتداداً للحرب الدموية التي يخوضها الجيش التركي ضد بناتهم وشبابهم الذين يحتمون بالجبال لمواصلة قتالهم في سبيل الحرية.

وفي البلدين، سوريا وتركيا، تعج ساحة الدراما التلفزيونية بكوادر كردية تساهم في خلق ورفع مستوى هذه الأعمال الدرامية في كل المجالات، ابتداء من الإخراج والسيناريو، مرورا بالإضاءة وتقنيات الصوت وانتهاء بالديكور والإكسسوار. والسؤال الذي يحضرني هنا، لماذا تغيب الأعمال الدرامية الكردية عن شاشات الفضائيات الكردية، رغم أعدادها الهائلة؟ خاصة أن أول فضائية كردية، “مد تيفي”، تأسست في آذار/مارس العام 1995 في بلجيكا، حتى قبل أن تتأسس الفضائية السورية.

ثم هل يبرر عدم وجود دولة كردية، عدم وجود مسلسلات كردية؟ رغم أهمية وجود الدولة، نظراً لما تلعبه مؤسساتها في هذا المجال، إلا أن ذلك لا يكفي، ولا يجوز أن نعلق كل خيباتنا السياسية والإدارية والفنية على مشجب غياب الدولة. إذ إن هناك الكثير من الدول التي ينعدم فيها الإنتاج الدرامي بالمطلق. ومن هذا المنطلق يمكننا الحديث عن كيانين إداريين يلعب الكرد فيهما دوراً محورياً. أحدهما كيان دستوري، فيدرالي تشكل في كردستان العراق منذ العام 1991، يدار من قبل الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. ولكل من هذين الحزبين عشرات الفضائيات التي يمكنها إنتاج وبث المسلسلات الدرامية، لكنها لا تفعل. والكيان الآخر غير دستوري وغير معترف به بشكل رسمي على المستويين الإقليمي والعالمي، وأقصد به الوضع السائد في شمال شرقي سوريا والذي يدار بشكل أساسي من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفائه منذ العام 2012 وحتى الآن.

تتوزع هذه الفضائيات الكردية بين قنوات إخبارية، سياسية في معظمها وتقدم الكثير من البرامج السياسية والقليل من البرامج الثقافية، إلى جانب الأغاني المصوّرة، في حين تغيب الأعمال الدرامية بشكل تام، وإن ظهرت فإنها لا تتعدى سوى محاولات خجولة قائمة على جهود بعض الأفراد المجتهدين الذين لا تلبث أن تصطدم محاولاتهم الجادة في النهوض بالدراما الكردية بجدار الإمكانيات التقنية والمالية الضعيفة، فما من مخصصات مالية كافية يتم رصدها لهذا الأمر. وهكذا تموت المحاولة تلو المحاولة في المهد. أو أنهم يخصصون التكلفة المادية التي لا تكفي لحلقة واحدة من مسلسل شيق، لعشرات الحلقات، وهكذا يتم عرض مسلسلات باهتة بين الفينة والأخرى، يكف الناس عن مشاهدتها بعد الحلقة الأولى أو الثانية. هذا عدا عن المسلسلات الكسيحة التي تروج لإيديولوجية الحزب الذي يمول تلك الفضائية.

ثمة عدد كبير من المخرجين والممثلين والتقنيين الكرد الأكفاء الذين يستطيعون النهوض بالحالة الدرامية الكردية، من خلال إنعاشها وبث الروح فيها وتطويرها، وينقسمون إلى قسمين. قسم يعمل لدى جهات غير كردية ويشاركون ببراعة في إنتاج درامي لا علاقة له بالكرد أو بالمسألة الكردية لا من قريب ولا من بعيد. والقسم الآخر يعمل في فضائيات كردية حزبية، و يدار من قبل أناس غير مهنيين يتم تعيينهم من الحزب ويكون لهم القول الفصل ويتحكمون بكل القرارات النهائية المتعلقة بصرف الأموال والعمل على المشاريع. هذا عدا عن الفساد المستشري في هياكل هذه الإدارات ومنها إدارات الأقسام المتعلقة بالمشاريع الفنية. من ناحية يتم تقليل المخصصات لهذه المشاريع على اعتبارها ليست مهمة بقدر أهمية نشر أخبار تبث من خلالها صور الزعيم وأخباره ولقاءاته “التاريخية”، ومن ثم العمل على ذهاب هذه المخصصات، على قلتها، إلى جيب المدير الحزبي وبعض المتعاونين معه في القسم الفني.

دفعت الظروف القاهرة التي تخضع لها عملية الإنتاج الدرامي الكردي بعض الأفراد الموهوبين للجوء إلى اليوتيوب لصنع دراما كردية تحظى بالانتشار والمتابعة، رغم جذب بعضهم لعشرات الآلاف من المتابعين، إلا أنها ظلت محاولات متعثرة لم يكتب لها الاستمرارية والنجاح. يمكننا إرجاع هذا التعثر إلى عاملين أساسيين، أولهما شخصي يتجسد في غياب التخصص المهني، كأن يقوم الشخص نفسه بعمليات الإخراج وكتابة السيناريو والتمثيل والتصوير معاً، وثانيهما موضوعي يتعلق بانعدام الإمكانيات المادية اللازمة لتأمين الاحتياجات التقنية الحديثة وتأمين الكوادر الفنية اللازمة لصنع عمل درامي فني متكامل ورفيع المستوى.

لكن، في المقابل، لماذا لا تخصص الفضائيات الكردية ميزانية معتبرة للدراما الكردية؟

يصعب الحديث عن دراما كردية في ظل غياب تام للتسويق ولشركات الإنتاج التي تخصص رساميلها للإنتاج الدرامي. وتظل الفضائيات الكردية هي الجهة الوحيدة، على الأقل حتى الآن، القادرة على انتشال الجمهور الكردي من متاهة البحث عن مقطع لأغنية كردية رديئة أو عزف بائس على الطنبور في هذا المسلسل العربي أو ذاك، ووضعه في مكانه الذي يليق به، من خلال صنع دراما تلفزيونية تخاطبه بلغته وتتناول مشاكله، فيرى نفسه فيها ويتابعها بشغف.

هل سيستمر القائمون على هذه الفضائيات في عدم احترام الجمهور الكردي وإبقائه بعيداً عن شاشاتها، من خلال متابعتهم لدراما تلفزيونية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أم أنهم سيعمدون إلى ملء هذا الفراغ الهائل وجذب جمهور الدراما التلفزيونية، من خلال إعطاء بعض الأهمية لهذا الموضوع وتخصيص ميزانية مستحقة لها. بكلمات أخرى، وحسب المثل الكردي الدارج، هل سيتم انتزاع المواد اللازمة لصنع “الخبز” من يد المدير الحزبي وتسليمها إلى يد “الخباز”؟ هذا ما لن أتوقع حدوثه في المستقبل القريب.

المصدر: نورث برس