السبت, أبريل 20, 2024

مصطفى بالي: الباب بوابة الجحيم

آراء

كل المعطيات على الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بعجز القوات التركية عن الدخول إلى مدينة الباب آخر معاقل تنظيم داعش بين حلب ومنبج، لاعتبارات كثيرة، لعل أوضحها عجز وعدم رغبة الأتراك بقطع حبل صرتها مع داعش، لاسيما وأن داعش تهدد بنقل معاركها إلى العمق التركي فيما إذا تمادى الأتراك في تحالفاتهم واتفاقاتهم مع الروس، وكذلك عدم قدرة الأتراك على تحمل نفقة الدم في تحرير الباب.

لكن المصادر الخاصة التي ترفض الكشف عن اسمها تؤكد بأن هناك اتفاقا ضمنيا بين الأتراك والنظام السوري برعاية روسية إيرانية مشتركة، فحواه قصف الباب برا وجوا وإرهاق داعش بالاستنزاف من قبل الأتراك، ومن ثم إطلاق يد قوات النظام للزحف وتحريرها من داعش، بمعنى أن الروس والإيرانيين فرضوا على الاتراك ومعهم جيشهم الحر بالتعاون مع قوات النظام لتحرير الباب، وليس مستبعدا ان نرى حواجز مشتركة للنظام ومعارضته وبتنسيق تركي في شوارع مدينة الباب.

هذه المعطيات تكاد تكون ثوابت وليست تسريبات، إذا ما عرفنا بأن التدخل التركي في شمال سوريا جاء وفق اتفاقية أضنة وبالتالي هو تدخل شرعي بناء على ذلك، وهو ما يفسر عدم اعتراض النظام على هذا التدخل رسميا أو إعلاميا مما يؤكد ضلوع النظام في هذا التدخل، وتوكيل أمر تصفية المعارضة للجانب التركي بما أن الأتراك هم كانوا الرعاة الرسميين لهذه المعارضة منذ نشوئها وحتى الآن، وكل ما خرج عن عباءة الرعاية التركية كانت التصفية مصيره، ولعل تسليم الضابط السوري المنشق حسين هرموش للسلطات السورية على يد الأتراك أوضح رسالة من كلا النظامين بأن الاتفاقات الموقعة بين الطرفين سارية المفعول، سواء لجهة تسليم المطلوبين على طرفي الحدود أو لجهة حق الأتراك بالتدخل حتى عمق 15 كم لملاحقة التنظيمات التي تراها أنقرة إرهابية.

هذه الأيام يرفع الساسة ورجال الدولة الأتراك عقيرتهم، ويتحدثون كثيرا عن تحرير هنا وتدخل هناك، ورفض هنا وقبول هناك، مسوقين لما يسمى بدرع الفرات كواجهة لما كان يسمى بالجيش الحر، وهو يأتي في سياق كثير الكلام الكاذب الذي قاله نفس هؤلاء الساسة عبر ست سنوات هي عمر الأزمة السورية، ورسمهم لخطوطهم الحمر التي سقطت تباعًا، دون ان يكلف هؤلاء أنفسهم عناء تقديم شرح لأتباعهم حول تبرير سقوط تلك الخطوط و معها تلك الأقنعة، الأقنعة التركية التي سقطت كشفت لكل العالم حقيقتهم ولم تكن كافية لإزالة الغشاوة عن أتباعهم من ما يسمى بالمعارضة السورية.

طبعا هنا لا أقصد التقليل من قيمة المعارضة، بقدر ما أرغب في الفصل بين المعارضة وبين من اغتصب اسمها وصادرها لنفسها لأجندات غير معارضة، ماهيتها الطمع بالسلطة وإجبار النظام على قبول الشراكة معها، متمثلة بالأخوان المسلمين وملحقاتهم بمختلف الأسماء و التجليات، فكلنا يتذكر بدايات الأزمة السورية عندما اعتلى الخطاب السلفي موجة الحراك المدني السلمي و أطلق رماح الشعارات السلفية الطائفية من سهام الإخوان، وترافق ذلك مع الرحلات المكوكية لأحمد واوود اوغلو وزير الخارجية التركي حينها بين دمشق وأنقرة بغية إقناع القيادة السورية بإشراك الإخوان في الحكومة ومنحهم بعض المقاعد النيابية وإسقاط القانون 49 الخاص بمكافحة الإخوان، مقابل انتقال الإخوان من فريق المعارضة إلى فريق النظام، لكن النظام -واعتقد حسنا فعل- رفض العرض التركي حينها.

الاتفاق الثلاثي الروسي كراعٍ وضامن للنظام والإيراني الحليف للروس والتركي كراعٍ وضامن للمعارضة يؤكد حقيقة أن هذه المعارضة ليست سوى أداة ضغط تركيا أو شاة تم تسمينها في معلف تركي وآن الآوان لبيعها كلحم طري أو ذبحها وكل من هو خارج هذه العباءة يتم التشهير بهم وإلصاق السلسلة الطويلة من التهم بهم والتي تبدأ من تهمة التبعية للنظام ولا تنتهي بتهمة الانفصالية والإرهاب، والغريب في الأمر بأن الكثير من السوريين الذين عانوا الأمرين في تركيا ومخيماتها ما زالوا عاجزين عن إدراك أن النظام والأتراك لم يقطعوا علاقاتهم في أي لحظة وما يجري بينهم هو عض أصابع بين حليفين لا غير.

تلك الشرائح التي وضعت بيض أحلامها في سلة ما يسمى درع الفرات، وهم مرتزقة أتراك تعمل تحت عباءة ما يسمى الجيش الحر، سيكونون أولى ضحايا لدغات الأفعى التركية عندما تلتقي طلائع وحدات درع الفرات مع طلائع وحدات الجيش السوري وحلفاءه في مدينة الباب وريفها، وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وسيدركون -متأخرين- بأن الباب كانت لهم بوابة جحيم، ولم تكن قط الفردوس المنتظر.

“صدى البلد” المصرية

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *