السبت, أبريل 27, 2024

من تفجير أنقرة إلى مجزرة حمزة بك – خورشيد دلي

آراء

مع أن وقائع التاريخ تؤكد أن أردوغان لا يحتاج إلى مبرر أو حجة لشن عدوان على الكرد على امتداد تواجدهم الجغرافي، كلما وجد أن ذلك يخدم أجندته السياسية، إلا أن تفجير أنقرة مطلع الشهر الجاري، كان فرصة له في التوقيت والأهداف، وقد كان لافتاً مسارعة حزب العمال الكردستاني إلى تبني هذا التفجير، واللافت أكثر كان مسارعة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى الإعلان عن أنهم سيستهدفون جميع مرافق البنية التحتية في شمال شرق سوريا، لتؤكد الوقائع لاحقا أن القضية بالنسبة لتركيا ليست محاربة قسد بوصفها إرهابية كما تقول أنقرة، بل تدمير كافة مقومات الحياة في هذه المنطقة، ودفع الإدارة الذاتية إلى الإنهيار، وخلق حالة من الفوضى والفراغ، على أن يشكل كل ما سبق مدخلاً للمزيد من النفوذ التركي في سوريا والعراق وعموم المنطقة.

ثمة إجماع على أن حزب العمال أراد من تفجير أنقرة إرسال رسالتين، الأولى، إن له أذرع قوية قادرة على الوصول إلى أي مكان داخل تركيا، وقد كان لاختيار قلب العاصمة أنقرة رمزيته السياسية، ومثل هذه الرسالة مهمة له في ظل إدعاءات تركيا بأنها قضت على أي فعالية للحزب. والثانية إرسال رسالة إلى البرلمان بأن القضية الكردية في تركيا ينبغي أن تكون حاضرة على جدول أعماله خلال دورته الجديدة، وعلى سلم السياسة التركية الداخلية في المرحلة المقبلة.

هذه الرسائل، قابلها أردوغان المنتشي بما حققه حليفه الأذربيجاني في قره باغ، بحملة عسكرية غير مسبوقة، حملة شاركت فيها عشرات المسيرات، قبل أن تشاركها مقاتلات إف – 16 في قصف أهداف محددة، وتشن حرب تدميرية طالت بشكل أساسي محطات الطاقة التي تشكل عصب الحياة في هذه المنطقة، فضلاً عن المرافق الخدمية والصحية، وتدمير منظم كان أشبه بنكبة لأهالي المنطقة، وصولاً إلى إرتكاب مجزرة قرية حمزة بك التي راحت ضحيتها العشرات، دون أي اعتبار للمعاهدات والقرارات الدولية التي تجرّم ذلك.

مع أن المفاجئة الوحيدة في العدوان التركي، كان إسقاط الجيش الأميركي لمسيرة تركية بعد أن اقتربت كثيراً من موقع أميركي إلا أن الموقف الأميركي حمل طابع التجاهل لهذا العدوان، وهو ما أثار أكثر من تساؤل وعلامة استفهام، لاسيما أن تجاهل العدوان التركي ينصب لصالح “داعش” حيث يقول الجانب الأميركي إن مهمته الأساسية في هذه المناطق هي محاربة “داعش”، فكيف صمتت على العملية التركية التي كانت تستهدف بشكل أساسي الحليف الموثوق (قسد) في محاربة التنظيم الإرهابي؟ الإجابة عن السؤال السابق يحلينا بشكل مباشر إلى الحسابات الأميركية أولاً، وثانياً إلى الحوار الأميركي – التركي الجاري بشأن مستقبل المنطقة، وعلاقة ذلك بالموقف التركي من الحرب الروسية – الأوكرانية.

من دون شك، يدرك أردوغان حاجة أميركا الماسة إلى تركيا في مسألتين مهمتين، الأولى عدم السماح لإيران بملء الفراغ الذي يتركه الروسي في سوريا، ومحاولات إيران التوسع شرقاً. والثانية، الحاجة إلى اصطفاف تركيا إلى جانبها ضد روسيا في الحرب الأوكرانية – الروسية، وعليه يبتز أردوغان الإدارة الأميركية لتحقيق جملة من الأهداف، تارة بالطلب من الجانب الأميركي وقف دعمه لـ”قسد”، وأخرى بعدم السماح للبرلمان بالموافقة على ضم السويد إلى عضوية حلف الناتو، وثالثه بإتمام صفقة شراء مقاتلات إف- 16 الأميركية وإعادة بلاده إلى مشروع إف – 35، كما أن تركيا التي تنافس إيران على النفوذ في سوريا والعراق، بدت مدركة لأهمية شن العدوان على شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني؛ فالتوقيت حمل إدراكاً تركياً بأن ما حدث في شرقي ديرالزور من اشتباكات بين قسد ومسلحين تابعين لعشائر عربية هي في سياق مشروع إيراني للتوسع شرقاً، وكذلك في ظل حديث عراقي عن انتفاء الحاجة لتواجد القوات الأميركية في العراق، حيث تدرك أنقرة جيداً أن هذه التطورات ستكون لصالح نفوذ منافستها إيران، وعليه سارعت إلى العدوان على أمل توسيع نفوذها وتواجدها العسكري في مناطق شرقي الفرات، لاسيما في منطقة عين عيسى بالرقة، ومحيط رأس العين بمحافظة الحسكة، على أن ينقل كل ما سبق الجدل الأميركي – التركي بشأن قضايا خلافية إلى مرحلة جديدة، ولصالح تعظيم النفوذ التركي على حساب الأطراف الأخرى في المنطقة.

من تفجير أنقرة إلى مجزرة حمزة بك، ثمة أسئلة تطرح نفسها بقوة، أولها ماذا بعد عملية الكردستاني في أنقرة؟ هل كانت مجرد عملية يتيمة أم أنها كانت في إطار استراتيجية جديدة تحمل مرحلة من التصعيد في الداخل التركي؟ وماذا عن الجدوى السياسية لمثل هذه العمليات في ظل عدو يمتلك ترسانة من القوة ولا يتوانى عن ممارسة الإبادة ضدك وقضية شعبك؟ والأهم ما الذي يمكن استخلاصه من الموقف الأميركي المتجاهل للعدوان التركي الأخير؟ وكيف سينعكس السعي الأميركي – التركي إلى تفاهمات بخصوص القضايا الخلافية على وضع سوريا والعراق والمناطق الكردية بشكل خاص؟ أسئلة تستدعي الكثير من التأمل، وحساب الجدوى السياسية لأي عملية أو تفجير، لاسيما إذا كانت من النوع الذي جرى في أنقرة.

المصدر: نورث برس

شارك هذا الموضوع على