التنور.. جسر بين الماضي والحاضر في صناعة الخبز (صور)

في ظل تطور أفران إنتاج الخبز، بات التنور التقليدي شاهداً حياً على قدرة التراث على البقاء، وتجسيداً حياً لارتباط السكان بأرضهم وعاداتهم المتوارثة.

في أرياف الشدادي بمقاطعة الجزيرة شمال شرق سوريا، لا تزال عادة بناء التنور التقليدي للخبز، تمثل جزءاً أساسياً من حياة السكان، وتعدّ رمزاً حياً للتراث الذي تنتقل أصوله من جيل إلى جيل. إذ لم يكن التنور يوماً مجرد وسيلة لطهي الخبز، بل مركز الحياة الأسرية والاجتماعية، حيث تجتمع الأمهات والأبناء حوله، وتنقل الخبرة والمعرفة في إعداد الخبز الطازج من الأم إلى الابنة، محافظة بذلك على تقاليد تعود لقرون طويلة.

وفي السياق، تحدثت هناء الأحمد عن أهمية التنور في المنازل، مؤكدة أنه ليس مجرد وسيلة لإعداد الخبز، بل رمز للترابط بين الأجيال وحافظة للهوية الثقافية.

ولا يصنع التنور من أي نوع من التراب، كما أوضحت هناء الأحمد، إذ لا بد للتربة أن تكون حمراء ناعمة يتم مزجها بالملح ويضاف لها رماد الحطب والتبن الناعم من أجل تعزيز متانته وقدرته على تحمّل درجات الحرارة العالية.

ولا يتم صناعة التنور دفعة واحدة، بل يبنى طبقة طبقة حتى يتماسك أكثر، ولذلك فإن عملية بنائه تستغرق أكثر من أسبوع، كونه يحتاج إلى تفاصيل دقيقة من حيث المساواة والملمس الناعم.

وبعد الانتهاء من البناء وتركه حتى يجف بشكل كامل، يتم حرقه بالنار عبر وضع كمية كبيرة من الخشب داخله وإضرام النار فيه للوصول إلى درجة حرارة عالية جداً تزيد من تقويته وتثبيته، ما يمنع تشققه ويجعله قابلاً للاستخدام. وعملية الحرق هذه ضرورية لإنتاج تنور صلب ومتين ولامع من الداخل يمنع التصاق العجين به.

وبعد الانتهاء من ذلك، يتم نصبه في الأرض وإحاطته بما يشبه السور المصنوع من اللبن والتراب من أجل حمايته من الخارج، من العوامل الجوية وخصوصاً الأمطار.

وتؤكد هناء الأحمد، أن كل خطوة في بناء التنور تنطوي على حكم وتجارب الماضي، حيث يتم اختيار المواد الداخلة في تركيبة البناء بعناية، مع إيلاء اهتمام خاص بكيفية إشعال الحطب وضبط درجة الحرارة، كما كانت الأجيال السابقة تفعل، لتظل طقوس الخبز التقليدي جزءاً من الحياة اليومية.

ويُعدّ خبز التنور الناتج عن هذه العملية، بطعمه الفريد ورائحته الزكية، أحد أكثر أنواع الخبز شعبية في المنطقة، حيث يحتفظ بنكهات الماضي ويجمع العائلة حول المائدة، معززاً التواصل بين الحاضر والجذور التاريخية.

ANHA