ازدادت حالات الانتحار والإيذاء النفسي في عموم المناطق السورية بشكل ملحوظ خلال عامي 2021 والأشهر الثمانية الأولى من عام 2022. دون أن تقتصر على فئة بعينها، حيث شملت الأطفال واليافعين والنساء والرجال، ابتداءً من مناطق شمال غرب سوريا، وتحديداً تلك الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، وريف حلب الشمالي، وصولاً لمناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وانتهاءً بمناطق سيطرة الحكومة السورية، مثل ريف دمشق والسويداء ودرعا.

رصدت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، في تقرير خلال الفترة (بداية 2021 حتى بداية شهر أيلول/سبتمبر 2022)، وقوع ما لا يقلّ عن 348 حالة انتحار في عموم سوريا. استطاعت خلالها جمع معلومات تفصيلية حول 98 حالة انتحار (موثّقة بالاسم وتاريخ وقوع الحادثة والسياق).

كان من ضمن ضحايا تلك الحوادث التي وثقتها المنظمة (51) حالة لذكور بالغين، و(9) حالات لذكور أطفال، و(28) حالة من لإناث بالغات، و(10) حالات أخرى من الأطفال الإناث. وقد توزّعت أبرز تلك الحالات جغرافياً كما يلي:

في مناطق سيطرة القوات الحكومية: تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 38 حالة انتحار، وتحديداً في محافظات حمص وحماه واللاذقية وريف دمشق ومناطق دير الزور ودرعا، علماً أنّ الحكومة السورية كانت قد صرّحت على لسان المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي “زاهر حجو”، لصحيفة الوطن المقرّبة من الحكومة، بتاريخ 7 تموز/يوليو 2022، أنه تمّ تسجيل 93 حالة انتحار منذ بداية العام 2022، (أي في الأشهر الستة الأولى من عام 2022)، منهم 67 من الذكور و24 من الإناث، فيما أعلن في تصريح آخر له وتحديداً في أواخر العام 2021، للجريدة ذاتها، بأنه تمّ تسجيل 197 حالة انتحار في عام 2021، بينهم 109 من الذكور و48 من الإناث، وقد وقعت معظم حالات الانتحار بحسب تصريحه، في مناطق مختلفة مثل محافظة دمشق وحمص وطرطوس واللاذقية ومحافظة حلب والسويداء.

في محافظة إدلب: المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام: تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 20 حالة انتحار.
وفي مناطق ريف حلب الشمالي والشمال الغربي (الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا/عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض وإعزاز والباب وجرابلس) تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 10 حالات انتحار.

وفي مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا (الحسكة والقامشلي/قامشلو والرقة ودير الزور) تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 21 حالة انتحار، وهو رقم قريب لإحصائيات منظمة “سارة” لمناهضة العنف ضدّ المرأة في مناطق شمال شرقي سوريا، والتي صرّحت الناطقة باسمها “آرزو تمو” عبر شهادة خاصة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 24 حالة انتحار من قبل المنظمة، بالإضافة إلى 33 محاولة انتحار فاشلة، منذ العام 2021 وحتى شهر تموز/يوليو من العام 2022 في تلك المناطق.

وبحسب التقرير اختلفت الأسباب وراء حالات الانتحار التي وثقتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في قاعدة البيانات الخاصة بها، فبعضها وقع بسبب الفقر وسوء الأحوال المعيشية، وكنتيجة مباشرة للنزاع السوري الدائر منذ أكثر من عشر سنوات، وبعضها الآخر حدث نتيجة ضغوط نفسية كبيرة، لكن لوحظ أنّ أبزر الأسباب، وخاصةً تلك التي دفعت النساء والأطفال للإقدام على الانتحار، كانت تعرض المنتحرين/ات للعنف المنزلي وبسبب الزواج/التزويج المبكر.

تعددّت طرق الانتحار في الحالات المذكورة، سواء كان ذلك شنقاً عبر استخدام الحبل، أو حتى من خلال تناول مواد سامة، وصولاً إلى الانتحار حرقاً عبر استخدام مواد قابلة للاشتعال، أو من خلال استخدام أسلحة نارية.

في ظاهرة جديدة، بدأت تطفو على السطح في مناطق السيطرة المختلفة في سوريا، تمّ تسجيلّ حالات انتحار لأطفال ويافعين بعضهم لم يتجاوز سن 18 عاماً.

وكانت منظمة “أنقذوا الأطفال-Save the Children” قد أفادت في تقرير سابق لها، بأنّ عدد الأطفال الذين يحاولون الانتحار أو يقدمون على الانتحار في شمال غربي سوريا يتزايد بشكل مطرّد، مع وجود حالة من أصل خمسة تُسجل في أوساط من هم دون الثامنة عشرة من العمر، مشيرةً إلى أنّ مجموع حالات الانتحار في المنطقة بحلول أواخر عام 2020 قفزت بنسبة 86 في المئة مقارنة مع الأشهر الثلاثة الأولى من العام الذي سبقه.

تعتقد “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، واستناداً إلى مجموع المقابلات الـ27 التي أجرتها خلال أشهر (تموز/يوليو وآب/أغسطس 2022) لغرض هذا التقرير، بأنّ أعداد حالات الانتحار الفعلية في سوريا هي أكثر بكثير من الرقم الذي تمّ توثيقه. وخاصةً بعد أنّ العديد من العائلات فضّلت التكتّم على حادثة انتحار أحد أفرادها، لأسباب تتعلق بـ”الوصمة الاجتماعية” بحسب الباحثين/ات لدى سوريون.

وكانت منظمة الصحة العالمية، قد أعلنت في تقرير صادر لها نهاية العام الماضي، أنها دعمت 3400 حالة حماية من الانتحار في سوريا منذ عام 2013.

وقد أوصت الباحثتان اللتان تحدثت إليهما “سوريون” لغرض هذا التقرير بجملة من التوصيات لحماية الأشخاص من الانتحار ودعمهم نفسياً، وكان منها:

ضرورة نشر الثقافة النفسية وإتاحة الخدمات النفسية المتخصّصة للسكان، وبناء شبكة دعم نفسي واجتماعي سيّما من أجل أولئك الذين تعرّضوا لصدمات. إضافة إلى وجوب السعي لتفهّم المراحل العمرية بكامل فئاتها، ونشر ثقافة الرحمة المجتمعية ومساندة الضحايا عوضاً عن إلقاء اللوم عليهم، وخاصة الفتيات والنساء من ضحايا العنف الجنسي والجسدي.

كما أوصت الباحثتان السلطات برفع المستوى المعيشي والاقتصادي للسكان. و نشر ثقافة عدم التمييز والتنمّر وتقبل الآخر.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز