الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

إيران وأمريكا؛ تحدٍّ جديد، أم استعراض للقوة لتخفيف التوتر؟

علي أفشاري

شكّل الهجوم الصاروخي على القواعد الأمريكية في شرق سوريا، جولةً جديدة من المواجهات العسكرية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة.

قُتل في هذا الهجوم الذي شنته الجماعات الإيرانية بالوكالة على هذه القواعد، بالصواريخ والطائرات المسيّرة، متعاقد مدني يعمل مع الجيش الأمريكي، كما أصيب عدد من الجنود الأمريكيين بجروح.

ردّ الجيش الأمريكي بالمقابل بهجمات على القواعد العسكرية التابعة للجمهورية الإسلامية في دير الزور، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أسفرت الهجمات الأمريكية عن مقتل تسعة عشر شخصاً، بينهم ثلاثة أفراد من الجيش السوري، وأحد عشراً من المقاتلين السوريين الموالين لإيران، إضافةً إلى خمسة مقاتلين غير سوريين. ولا يُعرف ما إذا كان يوجد إيرانيون أيضاً بين القتلى غير السوريين.

عقب هذا الإجراء، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن – على الفور – أن الولايات المتحدة لا تنوي توسيع المواجهة العسكرية مع إيران. لكنّ ردّ فعل الولايات المتحدة، قوبل بإدانة من قبل الحكومتين السورية والإيرانية.

هدّد “كيوان خسروي”، المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في معرض اتهامه للولايات المتحدة بـ “الهروب إلى الأمام”، قائلاً، إنّ: “أي ذريعة لمهاجمة القواعد التي تمّ إنشاؤها بناءً على طلب من الحكومة السورية، ستواجه على الفور بردّ فعل مماثل.”

وأعلنت جماعة عراقية تسمى “لواء الغالبون” مسؤوليتها عن تنفيذ الهجمات، وزعمت أنها ستستمر في تنفيذ هجمات مماثلة، حتى الخروج الكامل للقوات الأمريكية من العراق. وبما أنّ هذه الجماعة غير معروفة من قبل، وليس لها أنشطة سابقة، وبالنظر إلى التهديدات المماثلة من قبل “كتائب حزب الله”، يمكن استنتاج أنّ هذا العمل تم تخطيطه وتنفيذه من قبل الميليشيات الشيعية العراقية المتطرفة، تحت إدارة فيلق القدس.

كانت آخر مرّة نُفذت فيها هجمات مماثلة، على منشآت عسكرية أمريكية في جنوب وشرق سوريا على الحدود مع العراق، في آب/أغسطس 2022، والتي خلفت خسائر بشرية أقل، لكنها استمرت لمدة يومين على التوالي. في ذلك الوقت أيضاً، نفذت الولايات المتحدة هجوماً على مواقع إيرانية في سوريا، وصرّحت أنها لا تنوي زيادة مستوى المواجهة.

بدأت سلسلة هذه الاشتباكات عقب مقتل قاسم سليماني في العملية العسكرية الأمريكية، ويتم تنفيذها بين حين وآخر. لكنّ هذه الأعمال الكيدية لم تترك تأثيراً يُذكر على العلاقات الرسمية بين العراق والولايات المتحدة، ولم تؤدِّ إلى خروج الجيش الأمريكي من العراق. حيث جدّد المتحدث الرسمي باسم البنتاغون، باتريك رايدر، أنّ الجيش الأمريكي سيواصل مهمته في محاربة داعش في سوريا والعراق، ولن ينسحب من هذه المناطق.

كانت الخسائر المادية والبشرية للقوات الموالية لإيران، المعادية للولايات المتحدة، أكبر حجماً في هذه الهجمات، لكن هذه القوات تعتقد أنّ استمرار هذه الهجمات بطريقة غير متجانسة، سيؤدي إلى إجهاد الجنود الأمريكيين وإرهاقهم بمرور الوقت، وإجبارهم على المغادرة، في نهاية المطاف.

إنّ دافع نواة القوة الصلبة في إيران، يتجاوز الهدف الأول المعلن عنه، وهو خروج أمريكا من العراق، ويبدو أن السبب وراءه هو التوقف الحاصل في مسألة تبادل السجناء مع أمريكا. ففي ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها النظام الإيراني، فإنّ تحرير مبلغ مالي يتجاوز 10 مليار دولار، هو أمر مهم، لهذا السبب، يسعى الإيرانيون إلى زيادة الضغط على الإدارة الأمريكية.

في الوقت نفسه، يمكن التكهّن بأنّ الهجوم المذكور أعلاه، هو أيضاً ردّ على الهجمات المستمرة، الي لا يمكن إيقافها، للجيش الإسرائيلي، على أهداف تابعة للجمهورية الإسلامية في سوريا، حيث يعتقد بعض صانعي القرار في طهران، أنّه من خلال الضغط على أمريكا، يمكن إحباط الهجمات الإسرائيلية وتحييدها.

لا يمكننا أيضاً إغفال أنّ إيران في ظل المتغيّرات التي حصلت داخل المجتمع الإيراني خلال السبعة أشهر الفائتة، أبدت مزيداً من الحماس من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، لإحياء الاتفاق النووي. ويأمل الساسة الإيرانيون في أن يكون التوافق مع السعودية، مقدمةً لخفض التوتر مع الغرب، ويؤدي في النتيجة إلى إحياء الاتفاق النووي.

لكن الدول الغربية تعاملت بشكّ وحذر، ولم تستجب لحماس المسؤولين في طهران. وفي هذا الصدد، أشار ميخائيل أوليانوف، رئيس الوفد الروسي في مفاوضات 5+1، مؤخراً إلى أنّ “الدول الغربية لا تريد العودة إلى الاتفاق النووي، كما أنها لا تعلن موته أيضاً.”

بالطبع، واصل “جوزيف بوريل”، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، المباحثات مع حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، لكنه لم يحصل على الدعم اللازم من قبل دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) والولايات المتحدة، للمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق.

مضى الآن أكثر من سبعة أشهر على الجمود القائم في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ولا تلوح في الأفق أي جولة جديدة من المفاوضات، بعد انتهاء الدورة الثامنة. في الوقت نفسه، فإنّ الاتفاق النووي لم يخرج من جدول الأعمال بشكلٍ كامل، وهذا سيحدث من خلال تفعيل آلية “الزناد” التي لم تبدِ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، مثل هذه الرغبة في الوقت الحالي.

في تطورٍ ذي صلة، أدى الاتفاق الأخير بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، واللقاءات التي جمعت رفائيل غروسي بإبراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان، بشكلٍ نسبي وجزئي إلى تقليل المخاوف بشأن توسيع أنشطة إيران النووية الحساسة. مما لا شكّ فيه أنّ الاتفاق في هذا المجال سيكون مطمئناً، لكنّ الأمور ليست واضحة بعد.

إنّ نتيجة حركة “المرأة، الحياة، الحرية” ومدى استقرار الجمهورية الإسلامية في الأشهر القادمة، ومسار الحرب الأوكرانية، هي المتغيّرات الحاسمة لموضوع الاتفاق النووي وتذبذبه بين نقيضي الموت الكامل أو إحيائه.

يبدو أنّ الدول الغربية اختارت “الصبر، والإبقاء على الضغط وتوسيع نطاق العقوبات” حتى إشعار آخر. ومع ذلك، فإنّ سيناريو العودة إلى طاولة المفاوضات-في حال “التأكد من بقاء الجمهورية الإسلامية في المستقبل المنظور” و”حدوث تغيير في التعاون العسكري بين إيران وروسيا في الحرب الأوكرانية”- هو أمر غير مستبعد؛ على الرغم من أنّ احتمال تحقق ذلك في ضوء الوقائع الراهنة هو احتمال ضعيف.

من هذه الزاوية، فإنّ الجولة الأخيرة من المواجهات العسكرية المحدودة بين إيران والولايات المتحدة، هي استعراض واختبار للقوة، لفرض المطالب وإجبار الطرف الآخر على المرونة في مسار خفض التصعيد، وتسهيل بدء مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، أكثر من أن تكون مؤشراً على المضي باتجاه المسار العسكري.

…………………………

الكاتب: علي أفشاري – محلل سياسي وناشط حقوقي إيراني، مقيم في الولايات المتحدة.

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال