الخميس, أبريل 18, 2024

طلال محمد: “جنديرس”.. الوجعُ مجدّداً

آراء

لم يمضِ زمنٌ طويلٌ على الفاجعةِ التي حلّت بـ “جنديرس/ جندريسه” في ريف عفرين المحتلة، جراءَ الزلزال الذي حملَ لها النصيبَ الأكبر من الدمارِ والموت، حتّى استيقظَ العالمُ على زلزالٍ دمويٍّ جديدٍ أصابها عشيّةَ عيد النوروز، إذ هاجمت بنادقُ مأجورةٌ يحملها مرتزقةٌ من فصيلِ “جيش الشرقيّة” عائلةً عفرينيّةً كانت قد أوقدت ناراً صغيرةً احتفالاً بعيد النوروز، وبدمٍ باردٍ خلّفت تلك البنادقُ 5 شهداءَ من عائلةٍ واحدةٍ، من عائلةِ “نوروز” رمزِ الثورةِ والربيعِ والتجدّدِ والحريّةِ والسلامِ والتعايش.جريمةٌ همجيّةٌ جديدةٌ تُضافُ إلى سجلِّ الجرائمِ التي اقترفتها الفاشيّةُ التركيّةُ وتوابعُها من المأجورينَ والمرتزقة في عفرين منذ أن فرضوا سوادهم وظلامهم على أرضها وشعبها وزيتونها بعد أن كانت ملجأً آمناً للفارينَ من جحيمِ الحربِ من مختلفِ المناطق السوريّةِ المتّقدةِ ناراً وباروداً، لتتحوّلَ من ملجأ آمن إلى بؤرةٍ للإرهابيينَ والمرتزقة يمارسونَ فيها شتّى صورَ القتلِ والاعتقالِ والاختطافِ والتعذيبِ والاغتصابِ والتهجيرِ والسلبِ والنهب ضدَّ من تبقّى من سكّانها الأصليين، أصحاب الأرض، أصحاب الزيتون.
الجريمةُ، من دونِ شكٍّ، بشعةٌ للغاية، لكن ثمةَ سؤالٌ يطرحُ نفسهُ بقوّة: لماذا حظيت هذه الجريمةُ دونَ سواها من الجرائم بتعاطفٍ أو اهتمامٍ من طرفِ المعارضةِ نفسها؟!.. هل حقاً لأنها متعلّقة بعيدِ “النوروز”، العيدِ الذي أسقطت الفصائلُ تمثالَ رمزه “كاوا الحداد” فور دخولهم إلى عفرين؟!، أم أن هناك مسائلَ أخرى متعلّقة بمدِّ بعض الفصائل وجزر أخرى؟.. أن تحظى هذه الجريمةُ بمثلِ هذه المتابعة من قبلِ أغلب أطياف المعارضة أمرٌ يدعو إلى الشكِّ والريبة.
ففي عفرين خلال 5 أعوامٍ من الاحتلال، ارتكبت الفصائلُ، وفقاً للمرصدِ السويِّ لحقوقِ الإنسان، ما يزيدُ عن 11234 انتهاكاً، بينها 7898 حالةَ اختطافٍ واعتقال، و 1189 عمليةَ استيلاءٍ على منازل ومحالٍ تجارية وأراضٍ زراعية، و 312 حالةَ بيعٍ لمنازل المهجّرين، و 523 عمليةَ فرض اتاوة، و 915 عمليةَ قطعٍ للأشجارِ المثمرة، و 397 عمليةَ اعتداءٍ، فضلاً عن استشهاد 668 مواطناً كردياً بينهم 97 طفلاً و88 امرأةً في انفجاراتٍ وتحت التعذيبِ وجراء الإعدامات ونتيجة القصف الجويّ والمدفعيّ والصاروخيّ التركيّ، إضافةً إلى 33 عمليةَ تجريفٍ وتخريبٍ للتلال الأثريّة، من ضمن مئات العمليات المشابهة التي جرت على مدار 5 سنوات، ناهيكم عن توطين مئات الآلاف من مناطق سورية أخرى في إطار عمليات التغيير الديمغرافي التي تنفّذها تركيا، بعد تهجير أكثر من 310 آلاف مواطن من أهل عفرين.
فما معنى أن تهزَّ هذه الجريمةُ تحديداً “ضميرَ” المعارضةِ “الميت”، بسياسييها، وناشطيها، وإعلامييها، لتتحوّلَ فجأةً وسطَ كلّ هذه الجرائم المسكوت عنها إلى قاضٍ لا يرضى بالظلم ويدعو إلى إحقاقِ الحقّ وإعلاء راية التعايش والإخوّة؟.. لا نجزمُ بأن الجريمةَ برمتها كانت مفتعلة، وأن الهدفَ منها هو استبعاد فصائل وإحلال أخرى مكانها، لكنَّ المعطيات تشيرُ إلى أن في الأمرِ شيئاً من ذلك، فعقبَ وقوع الجريمة سارعَ “أبو الجرائم” قائد “هيئة تحرير الشام” “أبو محمد الجولاني” إلى لقاء ذوي الضحايا ليقول لهم إن الكرد بحمايته وإنه لن يسمحَ من الآن فصاعداً لأيٍّ كان أن يمسَّ شعرةً من رأس أيِّ كردي، ليرسلَ بعد ذلك بيوم واحد قواتٍ من “الهيئة” إلى “جنديرس” والسيطرة على عددٍ من المقرّات والحواجز داخل المدينة وعلى أطرافها.
وما يزيدُ من احتماليةِ وجود “مخططٍ” وراء الجريمة، هو الأنباءُ التي نُشرت عن وجود اتفاقٍ بين “جيش الشرقية” و”الهيئة” ينص على خروج الأول من جنديرس وتسليمها، لاسيما وأن هناكَ معلوماتٌ تفيدُ بتبعية قيادة الفصيل المذكور للهيئة التي تسعى إلى توسيع رقعة سيطرتها.
أيّاً كانَ الهدف، وأيّاً كان الفاعل، فنارُ “نوروز” المتّقدة منذ آلاف السنين، لن تطفئها أيادٍ مأجورة باعت نفسها بثمنٍ بخس.. إنها نار الحريّة التي تحرقُ كلَّ من ارتضى أن يبقى عبداً منساقاً لدى الظلّام والطغاة، إنها نارُ الحياة.