الجمعة, نوفمبر 22, 2024

سلسلة دراسات من ذاكرة التاريخ ( الحلقة 11 ) الكرد: في قصة النبي إبراهيم ( 2 – أَبْلَسَة الكرد ثانية )

د. أحمد الخليل

 

توضيحات

عرفنا فيما سبق تفاصيل أحداث قصة النبي إبراهيم (ع) الواردة في (العهد القديم) كتاب اليهودية، وقبل استعراض الأحداث المتعلقة بتلك القصة في القرآن الكريم (كتاب الإسلام)، تُرى ماذا عنها في (العهد الجديد) كتاب المسيحية؟ وتمهيداً للإجابة دعونا نلق بعض الضوء على كل من (العهد القديم) و(العهد الجديد):

1 – العَهْد القديم: هو الكتاب الأول للديانة اليهودية، ويتألف من (39) سِفْراً، أولها (سِفر التكوين)، وآخرها (سِفر مَلاخِي)، وقد ذكر ابن مَنْظور الإفريقي في (لسان العرب، مادة سفر) أن (الأسفار) هي الكتب الكبيرة، ومفردها (السِفْرُ). والحقيقة أن أسفار (العهد القديم) ليست كبيرة، إنها أشبه بالفصول الطويلة في بعض كتب عصرنا هذا.

2 – التَّوْراة: يُطلَق اسم (التوراة) على الأسفار الخمسة الأولى من (العهد القديم)، وهي بحسب الترتيب: سِفر التَّكْوين، وسِفر الخُروج، وسِفر اللاوِيِّين، وسِفر العَدَد، وسِفر التَّثْنِية. وينقسم كل سِفر إلى عدد من الأجزاء، ويُطلَق على كل جزء اسم (أَصْحاح)، فسِفر التكوين على سبيل المثال يتألف من (50) أَصحاحاً، وينقسم كل أَصْحاح بدوره إلى عدد من الآيات.

3 – الأسباط: مفردها (سِبْط)، وتعني (قبيلة)، وكان العبرانيون يتألّفون في عهد النبي موسى (ع) من (12) سِبطاً، في مقدّمتها سِبْط (لاوي)، وإليه ينتمي النبي موسى، وكان أبناء هذا السِبط هم وحدهم المكلّفين بخدمة (خيمة الاجتماع) المقدسة، وبالقيام على أمر (تابوت العهد) المقدس، وبالإشراف على الطقوس والشعائر المقدسة؛ وهذا يذكّرنا بقبيلة (مُوغ = ماغ= ماج= مَجُوس) الميدية التي ينتمي إليه النبي الميدي زَرْدَشْت (ع)، والتي كان الكهنة الأزدائيون قبل الزردشتية، والكهنة الزردشتيون، ينتمون إليها حصراً، كما أن هذا يذكّرنا بقبيلة قُرَيش العربية، التي كانت وحدها القائمة على خدمة الكعبة والإشراف على شعائر الحج والعُمرة قبل الإسلام، وظل الأمر كذلك في الإسلام، ومنها كان النبي محمد (ع)، وفيهم حُصرت الخلافة في الإسلام دون بقية المسلمين عرباً وغير عرب.

5 – العَهْد الجديد: هو الكتاب الأول في الديانة المسيحية، ويـتألف من (27) سِفراً، أبرزها الأناجيل الأربعة: إنجيل مَتَّى، وإنجيل مَرْقُس، وإنجيل لُوقا، وإنجيل يُوحَنّا، وينقسم كل سِفر إلى عدد من الأَصحاحات، وينقسم كل أَصحاح إلى عدد من الآيات. والعهد الجديد، من وجهة النظر المسيحية، هو تتمة للعهد القديم، ولذا يُطلَق على العهد القديم صفة (عهد الناموس) أي الشريعة والقانون، ويُطَلق على العهد الجديد صفة (عهد النعمة).

أما أخبار النبي إبراهيم الواردة في (العهد الجديد) فهي موجزة جداً، إذا قيست بمثيلاتها في (العهد القديم)، وأبرز ما ورد في العهد الجديد أمران:

أ – نَسَبُ النبي عيسى (المَسيح) إلى النبي إبراهيم، عبر سِبط (لاوي) الذي ينتمي في النهاية إلى يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم.

ب – تأكيد النبي عيسى- في خطابه للكهنة اليهود- أن النبوّة نزلت على إبراهيم حينما كان في أُور الكَلدان؛ أي قبل سفره مع والده إلى حاران (حَرّان): ” فَقَالَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْمَعُوا! ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ . وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ “. (أعمال الرسل، الأصحاح السابع، الآية 2 – 4).

أما في العهد القديم فقد جاء أن الذي اتخذ قرار الهجرة من أُور إلى حاران هو تارَح والد إبراهيم، وأن الربّ ظهر لإبراهيم في حاران، وأمره بالتوجه جنوباً نحو أرض كَنْعان (فلسطين بعدئذ). (انظر سفر التكوين، الأصحاح 11، الآية 31، والأصحاح 12، الآية 1- 4).

النبي إبراهيم في القرآن

القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الأول للديانة الإسلامية، والإسلام- بحسب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية- هو خلاصة جميع الديانات التوحيدية؛ ابتداءً بعهد النبي الأول آدم (ع) أبي البشرية، وانتهاء بعهد خاتم الأنبياء محمد (ع)، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون لجميع الأنبياء والرسل السابقين موقع رفيع في السور القرآنية، ويكون المقام الأرفع لأبي الأنبياء إبراهيم (ع)، وتتمحور الآيات التي ذُكر فيها اسمه حول أمور ستة:

1 – انتماؤه إلى الفريق الذي اصطفاه الله تعالى على سائر البشر:

” إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ “. (سورة آل عِمْران، الآية 33).

2 – هو الممثل الأصيل والعريق للإسلام، وإن النبي محمداً (ع) والمسلمين أولى به من اليهود والنصارى:

” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ “. (سورة آل عِمْران، الآية 67 – 68).

3 – ثورتُه على عبادة الأصنام، ورفضُه عبادة الأجرام السماوية، واهتداؤه إلى عقيدة توحيد الله، واختلافه مع أبيه وقومه:

” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”. (سورة الأَنْعام، الآية 74 – 79).

4- تصاعدُ الخلاف بينه وبين قومه حول مسألة التوحيد، وقصةُ رميه في النار، وخروجه منها سالماً:

” وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ. إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ. أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ. قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ. قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ “.(سورة الصافّات، الآية 83 – 98).

” قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ “. (سورة الأنبياء، الآيات 66 – 70).

5 – دعاؤه إلى الله أن يرزقه ولداً، وصدورُ الأمر إليه من الله تعالى بذبح ولده، وعزمُه على تنفيذ الأمر دون تردد، وقصةُ الفداء:

” رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ “.(سورة الصافّات، الآية 100 – 107).

6 – قيامُه ببناء البيت (الكعبة) في مدينة مَكّة، مستعيناً بابنه إسماعيل، ووضعُ مناسك الحج:

” وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ “. (سورة البَقَرة، الآية 127 – 128).

مقارنــات

بالمقارنة بين قصة النبي إبراهيم في كل من التوراة والقرآن نجد قليلاً من أوجه الاتفاق، وكثيراً من أوجه الاختلاف، وإليكم الخلاصة:

1 – للنبي إبراهيم في القرآن اسم واحد فقط، هو (إبراهيم)، ولا شيء عن اسم (أَبْرام) الذي ورد في العهد القديم.

2 – لا شيء في القرآن عن الزمن الذي عاش فيه إبراهيم.

3 – لا شيء عن هوية إبراهيم الإثنية.

4 – اسم والد إبراهيم في القرآن (آزَر)، وليس (تارَح) كما جاء في التوراة.

5 – لا شيء في القرآن عن هجرة أسرة إبراهيم من أُور الكَلدانيين إلى حاران.

6 – لا شيء في القرآن عن هجرة إبراهيم من حاران إلى أرض كنعان.

7 – لا شيء في القرآن عن هجرة إبراهيم إلى مصر، ولا شيء حول عودته إلى أرض كنعان ثانية.

8 – لا شيء في القرآن عن قصة سارة مع كل من فرعون مصر وأَبِيمالك.

9 – لا شيء في القرآن عن المعركة التي قادها إبراهيم ضد الحلف الشرقي.

10 – لا شيء في القرآن حول الخلاف بين سارة وهاجر، وطرد هاجر وابنه إسماعيل.

11 – لا شيء في القرآن عن وفاة سارة، وعن دفنها في الأرض التي اشتراها إبراهيم من عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الحِثّي.

12 – لا شيء في القرآن عن وفاة إبراهيم.

وأكثر ما يثير الانتباه في هذه المقارنة أمور أربعة:

1 – لم يأتِ في القرآن أيّ ذكر للصكّ الذي منحه الله للنبي إبراهيم ولذريته، وبموجبه صار لهم حق امتلاك أراضي جميع الشعوب الساكنة بين نهر الفرات شرقاً ونهر النيل غرباً.

2 – لم يأت في التوراة أيّ ذكر لقصة اختلافه مع أبيه وقومه حول العقيدة, ولا شيء أبداً حول قصة رميه في النار، وخروجه منها سالماً.

3 – لا شيء في التوراة أبداً حول علاقة إبراهيم بالحجاز في شبه الجزيرة العربية، ولا شيء عن قيامه مع ابنه إسماعيل ببناء الكعبة، ووضع مناسك الحج.

4 – نصّت التوراة على أن الذبيح هو إسحاق. أما القرآن فلم ينصّ صراحةً على هوية الذبيح، وكان ذلك من دواعي اختلاف المفسرين؛ فمنهم فريق أكّد أن الذبيح هو إسحاق، في حين أكّد فريق آخر أنه إسماعيل. وقد توسّع الطَّبَري في ذكر روايات الفريقين، ورجّح رأي الفريق الأول، فقال: ” غير أن الدليل من القرآن على صحة الرواية التي رُويت عنه- صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: هو إسحاق، أوضحُ وأَبْيَنُ منه على صحة الأخرى “. (تاريخ الطبري، ج 1، ص 363).

والذي يهمّنا في هذا السياق أن القرآن لم يأت على أيّ ذكر للكرد في قصة النبي إبراهيم، لا من قريب ولا من بعيد، ولا تصريحاً ولا تلميحاً، ولا شيء عن ذلك في الأحاديث النبوية أيضاً. أما المفسرون فلهم آراء أخرى، وفيما يلي بعض ما ذكروه.

إلقاء النبي إبراهيم في النار

المعروف أن القرآن ليس كتاباً في التاريخ والجغرافيا، إنه كتاب في العقيدة والإيمان، لذلك لا يتناول التفاصيل الدقيقة في حياة الأنبياء والرسل، كما هو الأمر في (العهد القديم)، وإنما يقوم منهجه على سرد الحدث بأسلوب موجز، لتنبيه الناس إلى عبرة أو عظة، ولترغيبهم في توحيد الله وسلوك الطريق القويم، وتحذيرهم من الضلال وعبادة الأوثان والأصنام.

والعجيب أن كتب تفسير القرآن القديمة لا تأخذ بهذا المنهج، إن أصحابها مغرمون بمطاردة التفاصيل، فيسمّون من لم يذكر القرآن له اسماً، ويحددون الأزمنة والأمكنة ذات الصلة بالأحداث، ويحشدون الروايات المختلفة تارة والمتعارضة تارة أخرى، ويضيفون أحداثاً لم يذكرها القرآن مطلقاً، إلى درجة أن معظم كتب التفسير صارت خزّاناً هائلاً للغرائب والمفاجآت والاختلاقات.

ومن تلك الغرائب والمفاجآت والاختلاقات ما جاء حول قصة رمي النبي إبراهيم في النار، فقد أجمع فريق من المفسرين على أن هذا الحدث جرى في مدينة كان يحكمها ملك اسمه (نَمْرُود)، وجاء اسمه بصيغة (نَمْرُوذ) أيضاً، ولا يكتفون بذلك، وإنما يضعون سلسلة نسب لنمرود توصله إلى نوح، وقد أجمعوا أيضاً على أن الشخص الذي اقترح رميَ إبراهيم في النار كان كردياً، لكنهم اختلفوا أحياناً في تحديد اسمه، وفيما يأتي خلاصة ما أوردوه:

· قال الطبري (ت 310 هـ): ” … عن مُجاهد، في قوله ( حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ ) قال: قالها رجل من أعراب فارس، يعني الأكراد “. (جامع البيان، ج 10، ص 43).

· وقال الطبري أيضاً: ” عن مُجاهد، قال: تلوتُ هذه الآية على عبد الله بن عمر [= بن الخطّاب]، فقال: أتدري- يا مجاهد- من الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار؟ قال: قلت: لا. قال: رجل من أعراب فارس. قلت: يا أبا عبد الرحمن، أَوَ هل للفرس أعراب؟ قال: نعم، الكرد هم أعراب فارس، فرجلٌ منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار “. (جامع البيان، ج 10، ص 43).

· قال البَغَوِي (ت 516 هـ): ” قال ابن عمر [= عبد الله بن عمر بن الخطّاب] رضي الله عنهما: إن الذي قال هذا رجل من الأكراد. وقيل: اسمه هيزن، فخسف الله به الأرض، فهو يَتَجَلْجَل [= ينحدر مع صوت شديد] فيها إلى يوم القيامة. وقيل: قاله نمرود. فلما أجمع نمرود وقومُه على إحراق إبراهيم عليه السلام، حبسوه في بيت، وبنوا له بنيانا كالحظيرة. وقيل: بنو أَتُّوناً [= نار شديدة] بقرية يقال لها كُوثى، ثم جمعوا له صِلاب [= القاسي] الحطب من أصناف الخشب مدّة ” (معالم التنزيل، ج3، ص 250 ).

· قال الرَّازي (ت 606 هـ): ” ليس في القرآن من القائل لذلك، والمشهور أنه نَمْروذ بن كَنْعان بن سَنْحاريب بن نَمروذ بن كُوش بن حام بن نوح. وقال مجاهد: سمعت ابن عمر [= عبد الله بن عمر بن الخطّاب] يقول: إنما أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام رجل من الكرد من أعراب فارس. وروى ابن جُرَيْج عن وَهْب عن شُعَيْب الجُبّائي، قال: إن الذي قال (حرّقوه) رجل اسمه هيرين، فخسف الله تعالى به الأرض، فهو يَتَجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة “. (مفاتيح الغيب، ج 11، ص 151).

· قال القُرْطُبي (ت 671 هـ): ” رُوي أن قائل هذه المقالة هو رجل من الأكراد من أعراب فارس؛ أي من باديتها، قاله ابن عمر ومجاهد وابن جُرَيْج. ويقال: اسمه هيزر، فخسف الله به الأرض، فهو يَتَجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة. وقيل: بل قاله ملكهم نَمْرُود “. (الجامع لأحكام القرآن، مجلد 11، ص 200).

· قال ابن حَيّان الأندلسي (ت 754 هـ): ” وقيل: أشار بإحراقه نمروذ. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: رجل من أعراب العجم. قال الزَّمَخْشَري: يريد الأكراد. وقال ابن عَطِيّة: رُوي أنه رجل من الأكراد من أعراب فارس؛ أي باديتها، فخسف الله به الأرض فهو يَتَجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة، وذكروا لهذا القائل اسماً مختلفاً فيه لا يُوقَف منه على حقيقة؛ لكونه ليس مضبوطاً بالشكل والنقط،… ورُوي أنهم حين همّوا بإحراقه حبسوه، ثم بنوا بيتاً كالحظيرة بكُوثى “. (تفسير البحر المحيط، ج 6، ص 328).

· قال ابن كثير (ت 774 هـ): ” فقالوا: { حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }، فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًا قال السُّدِّي: … ثم جعلوه في جَوْبة [= حفرة مستديرة واسعة] من الأرض، وأضرموها نارًا، فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع، لم توقد قط نار مثلها، وجعلوا إبراهيم، عليه السلام، في كِفّة المَنْجَنِيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد. قال شُعَيب الجبائي: اسمه هيزن، فخسف الله به الأرض، فهو يَتَجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة “. (تفسير القرآن العظيم، ج 3، ص 183 – 184).

· قال البَيْضَاوي (ت 791 هـ): ” والقائل فيهم رجل من أكراد فارس اسمه هيون، خسف به الأرض، وقيل: نَمْرُوذ ” (أنوار التنزيل، ج2، ص 36).

· قال أبو السُّعود (ت 951 هـ) بشأن تفسير (وحرِّقوه): ” قيل: القائلُ نمرودُ بنُ كنعان بن السنجاريب بن نمرود بن كوسِ بن حام بن نوح، وقيل: رجلٌ من أكراد فارسَ اسمُه هيون. وقيل: هدير، خُسِفت به الأرض، رُوي أنهم لما أجمعوا على إحراقه عليه السلام بنَوا له حظيرةً بكُوثَى، قرية من قرى الأنباط، وذلك قوله تعالى: { قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنياناً فَأَلْقُوهُ فِى الجحيم }، فجمعوا له صِلاب الحطب من أصناف الخشبِ مدةَ أربعين يوماً، فأوقدوا ناراً عظيمة لا يكاد يَحُوم حولها أحدٌ، حتى إنْ كانت الطير لَتمرّ بها وهي في أقصى الجو فتحترق من شَلْوة [= كذا. وفي لسان العرب: شِلْوة. وتعني قطعة وشدّة] وهَجِها، ولم يكد أحد يحوم حولها. فلم يعلموا كيف يُلقونه عليه السلام فيها، فأتى إبليسُ وعلّمهم عمل المِنْجنيق فعمِلوه، وقيل : صنعه لهم رجل من الأكراد، فخسف الله تعالى به الأرضَ، فهو يَتجلجل فيها إلى يوم القيامة “. (تفسير أبي السعود، ج 6، ص 76).

· قال الشَّوْكاني (ت 1250 هـ): ” وقيل: هذا القائل هو نَمروذ؛ وقيل: رجل من الأكراد “. (فتح القدير، ج 3، ص 567).

· قال الآلوسي (ت 1270 هـ): ” وأخرج ابن جَرير عن مُجاهد، قال: تلوتُ هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال: أتدري- يا مجاهد- من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار؟ قلت: لا. قال: رجل من أعراب فارس، يعني الأكراد. ونصّ على أنه من الأكراد ابنُ عَطِيَّة “. (روح المعاني، ج 17، ص 67).

· قال القِنوجي (ت 1307 هـ): ” القائل هو النَّمْرُوذ بن كنعان بن السَّنْحاريب بن نَمْرُوذ بن كُوش بن حام بن نُوح، وقيل: القائل رجل من أكراد فارس اسمه هينون، خَسَف الله به الأرض “. (فتح البيان في مقاصد القرآن، ج 8، ص 347).

· قال الشَّنْقِيطي (ت 1393 هـ): ” وفي القصة أنهم ألقوه من ذلك البُنْيان العالي بالمَنْجَنيق، بإشارة رجل من أعراب فارس، يَعْنُون الأكراد، وأنّ الله خَسَف به الأرض، فهو يَتَجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة “. (أضواء البيان، ج 4، ص 588).

ولم يقتصر ذكر الكردي في قصة حرق النبي إبراهيم على كتب التفسير، بل ذكره الطبري في تاريخه، فقال: ” حدّثنى يعقوب قال: حدثنا ابن عُلَيّة، عن لَيْث عن مُجاهد في قوله (حَرَّقوه وانصروا آلهتكم)، قال: قالها رجل من أعراب فارس؛ يعنى الأكراد “. (تاريخ الطبري، ج 1، ص 239 – 240).

وقال ابن الأثير في تاريخه: ” قال عبد الله بن عمر: أشار بتحريقه رجل من أعراب فارس، قيل له: وللفرس أعراب؟ قال: نعم، الأكراد هم أعرابهم، قيل: كان اسمه هيزن، فخُسف به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة “. (الكامل في التاريخ، ج 1، ص 98).

ومن الطبيعي أيضاً أن تحتل قصة النبي إبراهيم موقعاً مهماً في كتاب (قصص الأنبياء)، وهنا يظهر الكردي على أنه صانع المنجنيق الذي رُمي به النبي إبراهيم في النار: ” ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كِفّة مَنْجَنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له: هيزن، وكان أوّل من صنع المجانيق، فخسف الله به الأرض، فهو يَتجلجل فيها إلى يوم القيامة “. (ابن كثير: قصص الأنبياء، ص 127).

وظهرت الرواية في كتب الأدب أيضاً، فقد جاء في كتاب يسمّى (نزهة المجالس ومنتخب النفائس، ج 1، ص 380)، مؤلفه عبد الرحمن الصّفُّوري (ت 894 هـ = 1489 م) ما يلي: ” فقال رجل من الأكراد: حَرِّقوه. فخسف الله به الأرض، فهو يَتجلجل فيها إلى يوم القيامة. قال القَزْوِيني: قال إبليس لعنه الله: أنا مع الأكراد في راحة. فإنهم لا يخالفونه “.

تسـاؤلات …

الحقيقة أنني لم أنقل إلا القليل مما رواه المفسرون حول قصة رمي النبي إبراهيم في النار، وهي قصة ملأى بالغرائب، ومحشوّة بالتهويل، وزاخرة بما لا يقبله لا العقل ولا المنطق ولا حقائق الواقع، ومنها على سبيل المثال:

· أقام المكلَّفون بحرق إبراهيم حظيرة طولها ثمانون ذراعاً وعرضها أربعون ذراعاً. والسؤال هو: هل كان حرق شخص واحد يتطلب حظيرة بكل هذا الطول والعرض؟

· جمع القوم قدراً هائلاً من الحطب، وأوقدوا النار سبعة أيام، والسؤال هو: لحرق شخص واحد هل الأمر يحتاج إلى كل هذه الكومة الكبيرة من الحطب، وكل هذه المدة الطويلة لإيقاد النيران؟

· بعد إيقاد النار سبعة أيام متتالية حاول القوم إلقاء إبراهيم فيها فعجزوا، فعلّمهم ذلك الكردي، أو علّمهم إبليس (حليف الأكراد) صناعة المَنجنيق، فكان إبراهيم أول من رُمي به. والسؤال هو: هل كان إبراهيم شخصاً آدمياً، أم كان صخرة كبيرة، لا يمكن رميها في النار إلا بمنجنيق؟

· حينما رُمي إبراهيم بالمنجنيق في النار اعترضه في الجو اثنان من الملائكة؛ الأول خازن الماء، والثاني خازن الهواء، ثم اعترضه كبير الملائكة جبريل، وعرضوا عليه خدماتهم، لكنه ذكر أنه لا حاجة به إليهم، لأنه واثق من وقوف الله إلى جانبه. والسؤال: هل كان إبراهيم شخصاً يُرمى في النار، أم كان جالساً على بساط الريح، وينتقل من مدينة إلى أخرى؟

بلى لا نرى فائدة في سرد جميع ما رواه المفسرون من الغرائب والتفاصيل، وهي في جملتها تفاصيل مقتبسة من كتب القصص والأساطير التي انتشرت بين أتباع الثقافات الفارسية واليهودية والمسيحية، ودعونا ننتقل مباشرة إلى ما يتعلق بدور الكردي في قصة الحرق.

أَبْلَسَة الكرد ثانية!

سبق أن مررنا- في حلقات سابقات- بثلاث محطات ثقافية في التراث الإسلامي، استُغِلّت بمزيج من الدهاء والجرأة على المنطق والواقع، بغرض تبشيع صورة الكرد، وتسويد صفحتهم، وتقديمهم بشكل منفّر إلى شعوب غربي آسيا، وإلى تاريخ البشرية جمعاء، وتلك المحطات الثقافية الثلاث هي:

1 – الزعم بأن الكرد من سلالة طُرَداء أزدهاك (الضحّاك)، وأنهم خليط غير معروف الهوية.

2 – الزعم بأن الكرد من سلالة الشيطان (الجَسَد)، وأمهاتهم من الجواري المنافقات، بما أنهم من هذه السلالة الشريرة، فقد أمر النبي العبراني سليمان بطردهم إلى الجبال النائية.

3 – الزعم بأنهم قوم أولي بأس؛ ليس بالمعنى الإيجابي طبعاً، ولكن بمعنى أنهم من أعداء الإيمان الذين أمر الله المسلمين- ومن جملتهم الأعراب- بمحاربتهم، وإجبارهم على اعتناق الإسلام.

واستنتجنا من بعض الأدلة والمؤشرات أن ثمة جهات كانت تقف خلف تبشيع صورة الكرد، وتعمل ضمن مشروع هدفه (أَبْلَسَة الكرد)، وسقنا من الأدلة والمبررات ما يرجّح أن قيادات ذلك المشروع لم يكونوا عرباً، وإنما كانوا ينتمون- بشكل مباشر وغير مباشر- إلى مدرستين ثقافيتين كانتا تهيمنان على إنتاج الثقافة وتصديرها في غربي آسيا قبل الإسلام: كانت الأولى في بلاد الرافدين، ولا سيما في إمارة (الحِيرَة) بجنوب شرقي العراق، قرب الكوفة. وكانت الثانية في بلاد اليمن.

وتأكد لنا أيضاً أن قادة تلك المدرستين كانوا حلفاً مؤلفاً من أتباع الثقافات الفارسية واليهودية والنصرانية وخاصة المذهب النسطوري، وصحيح أنهم خسروا مواقعهم بسقوط حاميتهم الدولة الساسانية تحت ضربات الفتوحات العربية الإسلامية، لكن سرعان ما استعادوا توازنهم، وعادوا ثانية إلى احتكار إنتاج الثقافة وتصديرها، من خلال ثلاث قنوات هي أبرز القنوات الثقافية في العهود الإسلامي: التفسير، والتاريخ، والأدب، ووجدنا من الأدلة ما يرجّح أنهم استطاعوا التغرير ببعض الصحابة العرب من أمثال ابن عبّاس، وعبد الله بن عمر بن الخَطّاب، وأبي هُرَيْرة، ولم نستبعد حينذاك أنهم استغلوا مكانة هؤلاء الصحابة في قلوب المسلمين، فنسبوا إليهم كثيراً من الأخبار بقصد الترويج لها.

وها نحن نجد مشروع (أَبْلَسَة الكرد) يظهر ثانية في قصة النبي إبراهيم، ومهما أحسن المرء النيّة فلن يستطيع غضّ النظر عن خطورة الدلالات الكامنة وراء ظهور رجل كردي في قصة حرق النبي إبراهيم، وتحميله مسؤولية ذلك الفعل الشنيع دينياً وإنسانياً، وإليكم بعض الدلالات التي أراد أصحاب مشروع (أبلسة الكرد) الإيحاء بها:

· الدلالة الأولى: الكردي الذي أشار بحرق النبي إبراهيم حتى الموت شخص غير متحضّر؛ إنه جلف فظّ قاسي القلب من البدو الرحّل (الأكراد)، وهؤلاء البدو الرُّحّل (الأكراد) هم (أعراب فارس/العجم)، ولا يوجد بدوٌ في بلاد فارس إلا من الكرد، أما من (الفُرس/العجم) فلا.

تعليق: لاحظوا أن وصف الأكراد بأنهم (أعراب فارس!) يوازيه وصفُ (أتراك الجبال!) الذي أطلقه الطورانيون على الكرد في العصر الحديث.

· الدلالة الثانية: هذا الكردي الذي أشار على القوم بحرق النبي إبراهيم تارة، وصَنع المنجنيق تارة أخرى، حكم على نفسه بأنه عدو لله ولملائكته ولأنبيائه إلى أبد الآبدين، وكلما قرأ المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، وفي كل العصور، قصة النبي إبراهيم في القرآن، ورجعوا إلى كتب التفسير سيُحمّلون هذا الكردي مسؤولية ذلك الفعل الهمجي الشنيع.

· الدلالة الثالثة: هذا الكردي وإبليس متفقان في الرؤية والرأي، فهما لم يدّخرا جهداً في محاربة أبي الأنبياء، ومن يبادر إلى محاربة أبي الأنبياء كيف يحظى بالاحترام في قلوب المؤمنين؟ وكيف لا يكون مكروهاً وملعوناً إلى أبد الآبدين؟

· الدلالة الرابعة: حكم الله على هذا الكردي (الكافر، صديق إبليس، عدو الله) بأن خسف به الأرض، فهو (يَتجلجل فيها إلى يوم القيامة)، وهذا التجلجل الأبدي يوازيه في المخيّلة الإسلامية حكم أبدي بالكراهية واللعن، والدليل على ذلك أن الأخذ بهذه الروايات استمر أكثر من ألف سنة على الأقل، من غير تحقيق ولا تدقيق، وتعامل معها المفسرون طوال هذه القرون على أنها حقائق مسلَّم بها، ولا حاجة إلى تفحّصها؛ والدليل على ذلك أمران:

1 – ثمة كثيرون من أعلام الكرد البارزين، قديماً وحديثاً، في الثقافة الإسلامية، وخاصة في مجال الدين، ولم أجد- إلى الآن على أقل تقدير- واحداً منهم وقف عند هذه الروايات وقفة نقدية، ليس بقصد الدفاع عن الكرد، ولكن بحثاً عن الحقيقة. وأضرب مثالاً على ذلك المفسر الشهير (أبو السعود) صاحب تفسير (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)، فهو ينتمي إلى أسرة كردية من مدينة (عمادية) في شمالي إقليم كردستان – العراق، وقد ساق ما جاء تحت بند (قيل) بشأن الكردي الذي أشار بحرق النبي إبراهيم، ولم يكلّف نفسه التدقيق في الموضوع، وكأن الأمر حقيقة مؤكدة، ولا داعي إلى الشك فيه.

2 – وجدتُ في المكتبات طبعتين من كتاب (قصص الأنبياء) لابن كَثير، الأولى طبعة سنة (1978) وتحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد. والثانية طبعة سنة (1992) تحقيق الأساتذة علي عبد الحميد بَلْطَه جِي، ومحمد وَهبي سليمان، ومعروف زُرَيْق. وينتمي هؤلاء السادة المحققون إلى ثقافة الربع الأخير من القرن العشرين، ويحمل الأول شهادة أكاديمية، وكان منطق العقل والعلم يقتضي أن يكتبوا في الهامش تعليقاً قصيراً، يوضّحون فيه آراءهم بموضوعية. لكنهم لم يفعلوا ذلك؛ والسبب أن الأمر بالنسبة إليهم حقيقة لا شك فيها.

· الدلالة الخامسة: قد يقال: ما هو وجه الغرابة في أن يكون أحد الكرد من (الكفّار)، ومن أعداء الله وأنبيائه؟ فهل تخلو أمة من أمثال هذا الرجل؟ فها هو ذا (أبو لَهَب)، إنه عمّ النبي محمد (ع)، ومع ذلك كان من أشدّ أعدائه، إلى درجة أن الله قال في القرآن: ” تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ” (سورة المَسَد، الآيات 1 – 5).

والجواب: لا غرابة مطلقاً في أن يكون أحد الكرد معادياً لبعض المصلحين أو لأحد الأنبياء، لكن تكمن الخطورة في الطريقة التي تتعامل بها المخيّلة الغرب آسيوية مع حدث كهذا الحدث؛ فقد اعتادت تلك المخيّلة طوال قرون- بتأثير ثقافة إنكار الآخر- على الانسياق خلف نزعة (روح القَطيع)، والحكم على (أسرة، جماعة، قبيلة، شعب، طائفة، دين) من خلال فرد، وكان الذين دسّوا اسم الكردي في قصة النبي إبراهيم يعرفون ذلك، ويعرفون أن (روح القطيع) أفضل قناة يمرّرون من خلالها أحد أجزاء مشروع (أبلسة الكرد).

وقد صرّح القَزْويني بذلك في قوله ” قال إبليس لعنه الله: أنا مع الأكراد في راحة. فإنهم لا يخالفونه “؛ فالمسألة لا تقتصر إذاً على كردي واحد كان متحالفاً مع الشيطان ضد أبي الأنبياء إبراهيم، وإنما ثمة حلف أبدي بين الشيطان و(الأكراد) حيثما كانوا، وفي أي عصر كانوا، وإزاء أيّ موقف كانوا، إلى درجة أن الشيطان يلمس تفهّماً كاملاً من قِبل حلفائه (الأكراد) في كل ما يريد القيام به ضد المؤمنين، بل إنهم جنده المخلصون، وكلما كلّفهم بمهمّة قالوا له: سمعاً وطاعة، وبادروا إلى تنفيذها دون تردد ، وإذا كان (الأكراد) جميعاً حلفاء طبيعيين لإبليس، فكيف ظهر منهم الصحابي الجليل جابان (أبو ميمون) ؟ وكيف ظهر منهم شيوخ الإسلام مثل ابن الصَّلاح الشَّهْرَزُوري، وكبار حُفأظ الحديث مثل الحافظ العراقي؟ وكيف ظهر منهم مئات الفقهاء والقُرّاء؟
.

والسؤال هو: هل في التراث الإسلامي الغرب آسيوي من قال في حق العرب أو الفرس أو الأرمن أو الترك، أو في حق غيرهم من شعوب غربي آسيا، ما قاله القزويني في حق (الأكراد)؟ وعلى أيّ محمَل حسن يمكن أن نحمل هذه الظاهرة الغريبة؟ ألا توحي مقولة القزويني بوجود صلة وثيقة بين تهمة (الحلف الشيطاني الكردي)، وبين مزاعم نسبة أصل الكرد إلى (الشيطان الجَسَد) الوارد ذكره في قصة النبي سليمان؟ أليست هذه دعوة صريحة إلى (أبلسة الكرد) دون أيّ مراعاة لمنطق الإيمان ولمنطق العقل؟

ملاحظات ختامية

وفي الختام نخرج من جميع ما سبق بالملاحظات الآتية:

· الملاحظة الأولى: مرة أخرى برزت الروايات المؤسسة على العبارات الغامضة (قيل، قالوا، رُوي، …).

· الملاحظة الثانية: معظم الرواة الذين وردت أسماؤهم في تفسير قصة النبي إبراهيم ليسوا عرباً، وإنما هم من أتباع المدرستين الثقافيتين اللتين أشرنا إليهما قبل قليل، وهم:

1 – مُجاهد: هو مُجاهد بن جَبْر (ت 104 هـ = 722 م)، مولى بني مخزوم، وسبق في (الحلقة التاسعة) أن ذكرنا اعتماده على كتب اليهود والنصارى، وكان ذلك مدعاة إلى التشكيك في مصداقيته. (انظر الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 450 – 455).

2 – السُّدّي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدّي (ت 128 هـ = 745 م)، تابعي، عرف بالسُّدي لأنه كان يجلس بالمدينة في موضع يقال له: السُّدّة. وقيل: لأنه كان يقعد فى سُدة باب الجامع بالكوفة، وهو من موالي بني هاشم. وقد قيل للشَّعْبي: ” إن إسماعيل السُّدّي قد أُعطيَ حظاً من عِلم. فقال: إن إسماعيل قد أُعطيَ حظاً من الجهل بالقرآن “، ” وقال الجَوْزَجانى: حُدِّثت عن مُعتمِر، عن لَيْث، قال: كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السُّدّي والكَلْبى “. (الذهبي: أعلام النبلاء، ج 5، ص 264. الزركلي: الأعلام، ج 1، ص 317).

2 – شُعَيب الجُبّائي: قال الذهبي: ” شعيب الجبائى، أخباري متروك “. (ميزان الاعتدال، ج 2، ص 278).

3 – وَهْب: الأرجح أنه أبو القاسم وَهْب بن سليمان الفقيه، من تلامذة شُعَيْب الجُبّائي (ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 41، ص 346).

4 – ابن جُرَيْج: (ت 150 هـ = 767 م) عبد رومي، من موالي بني أمُيّة، وهو أول من دوّن العلم وألّف الكتب في مكة، تتلمذ على مجاهد وعلى ابن عَطاء، وكما هي العادة وصفه بعضهم بأنه ” كان من بحور العلم “، ووصف آخرون كتبه بأن كتبه “كتب الأمانة “، في حين حذّر منه آخرون، ووصفوا رواياته بالتدليس والحشو، وقالوا: ” ابن جُريج صاحب غُثاء “. (انظر ابن خلّكان: وفيات الأعيان، ج 3، ص 163 – 164. الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 6، ص 325 – 331. الزركلي: الأعلام، ج 4، ص 160).

5 – القَزْويني: العلماء الذين نُسِبوا إلى (قَزْوين) في شمالي بلاد إيران الحالية كثيرون، والأرجح أن القزويني الذي أكّد وجود حلف أبدي بين إبليس و(الأكراد) ليس القَزْويني المؤرخ والجغرافي زكريا بن محمد بن محمود (ت 682 هـ = 1283 م)، صاحب كتاب (آثار البلاد وأخبار العباد)، إذ لم نجد ذكراً لهذا الحلف في هذا الكتاب، ومهما يكن فالأرجح أن القزويني صاحب الخبر غير عربي.

· الملاحظة الثالثة: درجت العادة على أن يسند هؤلاء الرواة ما يروونه إلى أحد الصحابة المشهورين، وهذا ما فعلوه بشأن الكردي الذي أشار على القوم بحرق النبي إبراهيم؛ إذ أسندوا الخبر إلى صحابي شهير، له مكانة مرموقة جداً في التراث الديني الإسلامي، وهو عبد الله بن عمر بن الخطّاب. وثمة احتمالان:

1 – إما أن الرجل وقع في شَرَك أتباع المدرستين الثقافيتين المذكورتين، ونقل ما كانوا يذيعونه شفهياً وكتابياً، بعد أن أوهموا الناس أنهم يحيطون بالتاريخ من جميع أطرافه، وهذا ما نستبعده، لأن عبد الله كان معروفاً بالتقوى، ولا أعتقد أن صحابياً جليلاً مثله يترك ما جاء في القرآن وفي الأحاديث النبوية الصحيحة، ويأخذ بالأخبار التي روّج لها مؤلّفو القصص والأساطير.

2 – وإما أنه لم يقل شيئاً في هذا الموضوع، لكن الرواة نسبوا إليه الخبر، كي يوهموا الناس أن ما يقولونه حقيقة مؤكدة، باعتبار أن مصدر الخبر هو صحابي له تلك المكانة الرفيعة بين الصف الأول من الصحابة، وإذا كانت الأحاديث النبوية لم تَسلم من الدس وحشر الأقوال الكاذبة فيها، فهل تَسلم أقوال الصحابي عبد الله بن عمر؟

· الملاحظة الرابعة: ثمة اختلاف في الروايات حول المكان الذي جرت فيه حادثة تحريق إبراهيم، فقد ذكر فريق من المفسرين أن البلد كان مدينة (كُوثى)، وهي مدينة قديمة كانت تقع في جنوبي بلاد الرافدين، وتحديداً في بلاد سُومَر، وقد أطلق العرب على السومريين اسم (النَّبْط)، وأفاد الإمام علي بن أبي طالب أن قبيلة قريش هي في الأصل من نبط كوثى، قال القَزْوِيني: ” كُوثى قريةٌ بسَواد العراق قديمة، يُنسب إليها إبراهيمُ الخليل عليه السلام، وبها كان مولده، وطُرح في النار بها، ولذلك قال أمير المؤمنين عليّ، رضي الله عنه، من كان سائلاً عن نسبنا فإنّا نَبْط كُوثى “. (القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، ص 449). ومر في (العهد القديم) أن أسرة النبي إبراهيم كانت في أور، فأين هي الحقيقة؟

· الملاحظة الخامسة: ذكر بعض الرواة أن الحدث جرى في عهد الملك نمرود، والمعروف أن نمرود كان يحكم في الجزء الشمالي بمن بلاد الرافدين، وكانت عاصمته تسمى (كالح) بحسب الصيغة التوراتية (انظر جين بوترو وآخرون: الشرق الأدنى الحضارات المبكرة، ص 20). وأفاد الرواة أن من أجداد نمرود شخص اسمه (كوش) وسمّي (كوس) أيضاً، فهل كان نمرود من سلالة الكاشيين المعروفيين باسم (كاشّو)؟

وإذا أخذنا في الحسبان أن من أسماء الكاشيين (كاشي، كوشو، كاسي، كاساي، كاسيت)، وأن اسم (كاشو) يعني بالكردية (الجبليون) نسبة إلى الجبال، وأن اسمهم في العهد القديم (كوش)، وأنهم كانوا يقطنون المنطقة الممتدة من كرمانشاه وبِشْتكُوَه الحالية وحتى الضفاف الشرقية لنهر دجلة، وأنهم حكموا بلاد الرافدين حوالي ستة قرون بين ( 1741 – 1160 ق.م تقريباً)، وأنهم من الفروع الكبرى التي تكوّن منها الشعب الكردي، فهل هذه جميعها مؤشرات على أن ثمة علاقة إثنية ما بين نمرود والنبي إبراهيم وأجداد الكرد؟

· الملاحظة السادسة: جاء في القرآن الكريم أن النبي إبراهيم ثار على أبيه وعلى قومه الوثنيين، وأن الخصومة كانت بينه وبين قومه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)، (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)، وأن قومه هم الذين قرروا رميه في النار (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ)، (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)، فكيف تجاوز المفسرون هذه الحقائق القرآنية الواضحة، وأسندوا فكرة التحريق إلى شخص واحد، وجعلوه كردياً حصراً؟

· الملاحظة السابعة: يُفهم من سياق الروايات أن ذلك الكردي لم يكن من قوم إبراهيم، فهل كانت جاليات كردية تسكن جنوبي بلاد الرافدين حينذاك؟ أم أن ذلك الكردي كان الوحيد الذي جاء من بلاد الكرد (كردستان) ليشير على القوم بحرق النبي إبراهيم؟

· الملاحظة الثامنة: العجيب أن ذلك الكردي كان مسموع الكلمة بين قوم إبراهيم، إلى درجة أنه بمجرد أن أشار عليهم بأن تكون عقوبة إبراهيم الحرق بالنار بادروا إلى الأخذ بما أشار به، ورجل كهذا مسموعُ الكلمة ومُطاعُ الرأي، بين قوم هو غريب عنهم، أمرٌ يثير الاستغراب، فما هي الحقيقة؟

· الملاحظة التاسعة: إذا أخذنا في الحسبان أن الرواية اليهودية، وسليلتها الرواية المسيحية، وروايات مفسري القرآن المستمدة من الروايات اليهودية، تجعل الزمن الذي عاش فيه النبي إبراهيم واقعاً بين سنتي (2000 – 1500 ق.م)، فهل يعني ذلك أن الكرد كانوا موجودين بهذا الاسم (كرد/ أكراد) في غربي آسيا منذ ذلك الحين؟

· الملاحظة العاشرة: جاء في بعض هذه الروايات أن ذلك الكردي أشار على القوم باستخدام المنجنيق لرمي النبي إبراهيم في النار، وأنه أول من اخترع آلة المنجنيق في العالم، وبطبيعة الحال لا بد أن يمتلك من يبتكر هذه التقنية الهندسية الحربية- وهي متقدمة بحسب مقاييس ذلك العصر- قدرات علمية متطورة جداً، وليس من المعقول أن يكون خرّيج بيئة رعوية بدوية، إنه بالتأكيد خرّيج بيئة حضارية متقدمة علمياً، فكيف يمكن التوفيق بين هذا الكردي الذي يؤكد الجميع أنه من (أعراب فارس) أي من البداة المتخلفين حضارياً، وبين أنه مهندس قدير، إلى درجة أنه أول من اخترع آلة المنجنيق العالم؟

هذه بعض الملاحظات والتساؤلات.

وهي بحاجة إلى الفحص والتدقيق.

وهذا ما سنحاوله في الحلقة القادمة بعون الله.

المراجع

1. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1979.

2. الآلوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار الفكر، بيروت، 1978.

3. البغوي: معالم التنزيل، إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العك، مروان سوار، دار المعرفة، بيروت، 1987.

4. البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1955.

5. جين بوترو، أوتو إدزاد، آدام فاكنشتاين، جين فيركوتر: الشرق الأدنى الحضارات المبكرة، ترجمة عامر سليمان، جامعة الموصل، 1986.

6. ابن حَيّان الأندلسي: التفسير الكبير المسمى البحر المحيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1990.

7. ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1968.

8. الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق شُعَيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1982.

9. الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1963.

10.الرازي (فخر الدين): مفاتيح الغيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطباعة الأولى، 1981.

11.الزِّركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، 1986.

12.أبو السعود: تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1994.

13.الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، عالم الكتب، بيروت، 1963.

14.الشوكاني: فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية وعلم التفسير، حققه وخرّج أحاديثه الدكتور عبد الرحمن عميرَة، دار الوفاء للطباعة النشر والتوزيع، مصر، المنصورة، الطبعة الثانية، 1997.

15.الصفوري: نزهة المجالس ومنتخب النفائس، نسخة إلكترونية.

16.الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، القاهرة، 1968.

17.الطبري: تاريخ الطبري: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1979.

18.ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، تحقيق محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العَمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1995.

19.القُرْطُبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967.

20.القزويني: (زكريا بن محمد بن محمود): آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، 1960.

21.القِنوجي البخاري: فتح البيان في مقاصد، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1989.

22.ابن كَثِير: تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1982.

23.ابن كثير: قصص الأنبياء، تحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1978.

وإلى اللقاء في الحلقة الثانية عشرة

د. أحمد الخليل 5 / 3 / 2009

شارك هذه المقالة على المنصات التالية