نهاية العام 2023، حصلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على شهادات حصرية تفيد ببدء شركة أمنية تركية مقربّة من حكومة حزب العدالة والتنمية، بإرسال دفعاتٍ جديدة من مقاتلين في صفوف فصائل “الجيش الوطني السوري/المعارض” إلى النيجر كمرتزقة؛ وكانت “سوريون” قد آثرت عدم الكشف عن المعلومات الواردة فيها إلى حين التحقق من صحتها تماماً والحصول على شهادات إضافية ومقاطعة المعلومات فيما بينها، نظراً لقلّة الأدلة الكافية وتضارب جزء من المعلومات الواردة والمنشورة لاحقاً عن عمليات التجنيد الجديدة آنذاك.

وقد بات تجنيد المقاتلين السوريين كمرتزقة ممارسة شائعة لدى جهات مرتبطة بالسلطات التركية، حيث سبق وأن استخدمت تلك الجهات المقربة من الأجهزة الأمنية التركية، عناصر سوريين من فصائل تدعمها وتتحكم بها، كمرتزقة في نزاعاتٍ مسلحة لا تمت لهم بأي صلة، وتخدم بصورة خاصة علاقتها مع أطراف معينة في هذه الصراعات، لتكون النيجر هي الوجهة الجديدة بعد ليبيا وأذربيجان. وبالمثل قامت روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين كمرتزقة إلى ليبيا ولاحقاً أوكرانيا.

وفيما تهدف عمليات التجنيد الحديثة إلى “حماية مشاريع ومصالح تركية فيها بينها مناجم” في النيجر، قال ثلاثة مقاتلون التقت بهم “فرانس 24″، أنهم وقعوا عقود تجنيد مدتها ستة أشهر مع شركة “سادات الدولية للاستشارات الدفاعية” الخاصة، وأكد أحدهم أنه وقع العقد بحضور ضباط من الشركة نفسها.

متناولاً نشاطات شركة “سادات” في تقريره “جيوش الظل (2)”، نقل “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” عن موقع “أفريكا انتلجنس” الفرنسي، أن الشركة “قامت بتدريب مقاتلي المعارضة السوريين، وأن المجموعات المسلحة التي دربتها الشركة قد تعزز فيها الولاء لتركيا وأردوغان على حساب سوريا“.

وكان “مليح تانريفردي”، رئيس مجلس الشركة، قد اعترف عام 2021، بأن الشركة على تعاون مع جهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MiT)، وأنها تنسق مع الدبلوماسيين مسؤولي الدفاع الأتراك. وفي العام 2021 أيضاً،  قال مؤسس الشركة، “عدنان تانريفردي”، أن الغرض من تأسيس الشركة هو “تقديم خدمة للدول الإسلامية التي لا تستطيع القوات المسلحة التركية الوصول إليها“، فيما تؤكد الشركة أن “الربح ليس الغرض الوحيد”، وإنما “خدمة المثل الأعلى المتمثل في تغيير ميزان القوى لصالح الإسلام“.

وفقاً لمصادر عسكرية سورية معارضة مطلعة قابلتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير، فقد أرسلت فصائل عدّة بارزة في الجيش الوطني السوري/المعارض، منخرطة في عمليات التجنيد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التركية، ما لا يقل عن 1000 مقاتلٍ سوري إلى النيجر على ثلاث دفعات، خرجت عبر معبر حوار كلس الحدودي، شمال غرب سوريا، إلى مدينة كلس التركية، على متن باصاتٍ للجيش التركي.

وبحسب أحد المصادر، غادرت الدفعة الأولى الأراضي السورية في النصف الأولى من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ووصلت إلى النيجر بداية كانون الثاني/يناير2024؛ فيما غادرت الدفعتان الثانية والثالثة البلاد سويةُ في النصف الأول من نيسان/أبريل 2024، لتصل إلى النيجر في النصف الثاني من ذات الشهر.

هذا وتدفع الظروف المادية الصعبة بالكثير من المقاتلين السوريين لقبول عروض التجنيد بالرغم من المخاطر التي قد تحيط بهم في بلد الوجهة ومنها الموت خلال الأعمال القتالية؛ حيث زود أحد مصادر التقرير “سوريون”، بقائمة تضم أسماء 17 مقاتلاً، قتلوا في النيجر في شهر أيار/مايو 2024.

في هذا التقرير، تكشف “سوريون” عن تفاصيل مقتل هؤلاء المقاتلين، بالإضافة إلى آليات وشروط التجنيد، المبالغ التي وعد بها المقاتلون لقاء توجههم إلى النيجر، المهام الموكلة إليهم، وكذلك سبل نقلهم من شمال سوريا، إلى تركيا، ومن ثم إلى النيجر.

يستند التقرير إلى أربع إفاداتٍ تفصيلية جمعها الباحثون الميدانيون في “سوريون” بين شهري كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2024، عبر مقابلتين مع مصدرين عسكريين في “الجيش الوطني”، أحدهما مقاتل وصل إلى النيجر بداية العام، ومقابلة مع والد أحد المجندين القتلى، وقريب لأحد المجندين في النيجر، كانت قد وصلت جثته إلى الشمال السوري حديثاً.

أجريت ثلاث مقابلات فيزيائياً في أماكن يعتبرها الباحث والمصدر آمنة وتراعي الخصوصية، فيما أجريت الثالثة عبر الانترنت باستخدام تطبيق تواصل آمن. واطلع كل من المصادر الأربعة على الطبيعة الطوعية للمقابلة وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، فآثر جميعهم إخفاء هوياتهم، نظراً لحساسية إفاداتهم. بالإضافة إلى الإفادات، اطلعت “سوريون” على مجموعة من التقارير مفتوحة المصدر التي تناولت عمليات التجنيد هذه، والتي تقاطع بعض ما ورد فيها من معلومات مع ما أدلاه مصادر هذا التقرير.

الدفعة الأولى وشروط التجنيد:

سبقت عمليات إرسال دفعات المقاتلين إلى النيجر، اجتماعين رئيسيين عقدا خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، وفق ما أفاد “يوسف المحمد”،[1] وهو قيادي في فرقة “السلطان مراد” التي يقودها “فهيم عيسى”.

بحسب المصدر، حضر الاجتماع الأول، المنعقد بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2023 في مدينة كلس السورية، ممثلين عن السلطات التركية مع قياديين من فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، كان من بينهم “فهيم عيسى”، و”محمد الجاسم” (أبو عمشة) قائد قرفة “السلطان سليمان شاه” (العمشات)، و”سيف أبو بكر” قائد فرقة “الحمزة/الحمزات”.

بعد الاجتماع مع الأجهزة الأمنية التركية، عقد قادة من الجيش الوطني اجتماعاً آخر داخل مقر أركان فرقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، شمل بالإضافة إلى كل من فهيم عيسى، ومحمد الجاسم، وسيف أبو بكر، عدداً من قادة الصف الأول في الفيلق الثاني، والمرافقات الخاصة بكل قائد عسكري، بحسب المصدر.

بعد هذين الاجتماعين اتفق القادة على الإعلان بشكل داخلي عن تشكيل دفعة من المقاتلين للسفر إلى النيجر. يقول يوسف:

“اتفق المجتمعون على تكليف قادة الكتائب التابعة للفصائل بالإعلان عن تجهيز عناصر لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل للذهاب إلى النيجر كدفعة أولى (…) وفق شروط محددة، لكن الإعلان جرى بشكل داخلي ضمن غرفة العمليات المشتركة، وليس عن طريق المعرفات الرسمية أو وسائل الإعلام وما شابه”.

وضم إعلان التجنيد شروط محددة للقبول بالمقاتلين الذين سيتم إرسالهم إلى النيجر. بحسب يوسف:

“يُشترط أن يكون المقاتل قد تلقى تدريبات عسكرية سابقة في الداخل التركي وألا يتجاوز عمره 35 سنة، وأن يكون من المقاتلين المحترفين باختصاصات معينة (مثل: طواقم المدرعات – القناصين – الاقتحاميين المشاة – رماة المدفعية المتوسطة)، لحماية قواعد واستثمارات تركيا داخل النيجر بالاشتراك مع قوات روسية”.

وعن رواتب المقاتلين الذين سيقاتلون في النيجر، قال يوسف:

“يحصل العنصر من الدرجة الأولى “قائد الكتيبة” على راتب قدره 2500 دولار، أما العنصر من الدرجة الثانية “مقاتل” فيحصل على 1500 دولار، في حين يحصل العنصر من الدرجة الثالثة “مسؤول داخلي ضمن المقرات” على 1000 دولار”.

وبحسب يوسف فإن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الشمال السوري شكل دافعاً للعديد من العناصر للذهاب إلى النيجر:

“تشجع كثير من العناصر للذهاب إلى النيجر بسبب الفقر في المنطقة، وتعلقهم بالوعود التي قدمها القادة لهم بتأمين كافة رواتبهم، بالإضافة الى الحماس المتزايد للوصول أولاً ليكون لهم جزء كبير من “الغنائم” كما حصل في ليبيا، مثل الذهب والأموال”.

حيث سبق وأن وثقت “سوريون” تورط عدد من عناصر فصائل الجيش الوطني الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا كمرتزقة، في ارتكاب العديد من الانتهاكات التي تنوعت بين فرض إتاوات على المحال التجارية وسلب بعضها الآخر، وكذلك شن هجمات على منازل مدنيين، وسرقة محتوياتها، بما في ذلك من ذهب وأموال، معتبرين أنها غنائم.

ووفقاً ليوسف، بدأ العمل على تجهيز مقاتلي الدفعة الأولى بعد 10 أيامٍ تقريباً من اجتماع قادة الفصائل، وبلغ عددهم حوالي 420 مقاتلاً، أغلبيتهم من محافظات: حلب ودمشق ودير الزور، اختيروا من فصائل عدة، فرقة “السلطان محمد الفاتح”، بقيادة “دوغان سليمان” (أبو إسلام)، ولواء “سمرقند”، بقيادة “ثائر معروف”، و “لواء الوقاص”، بقيادة “سعد عباس”، وفرقة “السلطان مراد” وفرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) وفرقة “الحمزة/الحمزات”، والفيلق الثاني من الجيش الوطني.

وعن طريق هؤلاء المقاتلين من شمالي سوريا إلى النيجر، قال يوسف:

“جرى نقل العناصر من مقرات الجيش الوطني في مدينة إعزاز إلى مدينة كلس التركية، أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبعدها بفترة قصيرة جرى نقلهم إلى مطار غازي عنتاب، ثم إلى مطار إسطنبول، نهاية كانون الأول/ديسمبر عام 2023“.

أضاف يوسف أن مسؤول الارتباط الأمني بين جهاز أمني تركي وقادة الفصائل كان قد صادر هواتف جميع المقاتلين، مع تقديم وعود بتسليمها للأمانات في كل فصيل، منوهاً أن:

 “تمكن عدد من المقاتلين من الحصول على هواتف عند وصولهم إلى النيجر، وتحدثوا مع أصدقائهم من مقاتلي الجيش الوطني المتواجدين في سوريا، وأخبروهم أنهم وصلوا إلى النيجر بداية كانون الثاني 2024”.

حصلت “سوريون” على معلوماتٍ إضافية عن آلية التجنيد من “ثائر العلي”،[2] وهو مقاتل في فرقة “السلطان مراد” وكان من ضمن العناصر الذين أرسلوا إلى النيجر:

“كانت آلية التسجيل عن طريق مجموعات واتساب خاصة بألوية فرقة “السلطان مراد”، ثم ترفع الأسماء إلى مكتب الذاتية التابع للفرقة، وجرى تسجيل 800 مقاتل ضمن صفوف الفرقة، لكن مع تكتم كامل ومن دون ذكر أي تفاصيل عن مدة العقد والمهام التي ستوكل إلى العناصر في النيجر، حتى اسم القيادي الذي سيتولى قيادة الدفعة هناك جرى إخفاءه. أما الرواتب، فهي 1500 دولار أمريكي، يحصل المقاتل على 1000 دولار، و500 تعود لقيادي الفصيل”.

وبحسب ثائر، فإن “فهيم عيسى” قائد فرقة “السلطان مراد”، عيّن الملازم “عرابة إدريس”، مسؤولاً عن ملف التجنيد، وقام الأخير بدوره بالتواصل مع باقي قادة الألوية واستلم منهم ذاتية المقاتلين الذين سيجري إرسالهم إلى النيجر.

ويشغل “عرابة إدريس”، موقع قائد “اللواء 123” في الفرقة، وسبق وأن انخرط في عمليات إرسال المقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان، وكذلك في عمليات تجهيز عناصر من الفرقة لإرسالهم إلى أوكرانيا (دون أن تتم عملية الإرسال الفعلية بسبب التفاهمات التركية الروسية آنذاك ورغبة تركيا في لعب دور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية). ووفقاً للمعلومات الواردة في قاعدة بيانات “سوريون”، تورط عدد من العناصر الذين أشرف عليهم في ليبيا بانتهاكات عديدة.

أكد ثائر أن مغادرة الشمال السوري كانت عبر معبر حوار كلس على متن بولمانات تركية، مضيفاً أنه وخلال الرحلة سحبت جميع أجهزة الجوال الخاصة بالمقاتلين من قبل ضباط أتراك مرافقين لهم.

الدفعات الثانية والثالثة:

جرى استكمال تجهيز الدفعتين الثانية والثالثة من المقاتلين داخل معسكر مغلق لفرقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، ثم أرسلوا إلى النيجر، باستعمال طائرات شحن بضائع، بحسب يوسف، الذي أضاف:

“تم ارسال الدفعتين الثانية والثالثة (معاً)، منتصف نيسان/أبريل عام 2024، إلى المهاجع العسكرية في ولاية كلس التركية بإشراف فهيم عيسى وسامي أبو عبدو، ليتم نقلهم إلى مطار غازي عنتاب عبر باصات النقل السياحي، ومن ثم إلى مطار إسطنبول، وصولاً إلى النيجر عبر طائرات شحن بضائع”.

وعن أعداد الدفعتين الثانية والثالثة واختصاصاتهم، قال يوسف:

“يتألف عدد الدفعتين من 610 مقاتل متنوعي المهام العسكرية (كتيبة ردع – كتيبة مشاة – سرية قناصين)، وكانت حدود مهمتنا كترفيق لهم فقط إلى مطار غازي عنتاب، وتسلمنا أماناتهم الشخصية، من مبالغ مالية وهويات عسكرية وهواتف محمولة.. إلخ”.

وبحسب يوسف، بعد عدة أيام من انطلاق المقاتلين وصلت معلومات تفيد بوصولهم إلى القاعدة التركية في النيجر:

“جاءتنا معلومات إلى مقر الأركان العسكرية لدينا بوصول الدفعات المقاتلة الى القاعدة التركية في دولة النيجر، بتاريخ 16 من نيسان/أبريل عام 2024، عن طريق مسؤول التنسيق الأمني التركي كمال. ت، حيث كان في زيارة لنا داخل مقر الأركان التابعة للقائد فهيم عيسى على الحدود السورية التركية القريبة من معبر كلس العسكري”.

وحضر الاجتماع المذكور مع كمال، عدة قيادات من “الجيش الوطني”، هم: فهيم عيسى-محمد الجاسم (أبو عمشة)-سيف أبو بكر-عرابة إدريس-سامي أبو عبدو، وهو قائد هيئة الأركان في فرقة “السلطان مراد”-مأمون كبصو ( أبو الفرات تل رفعت)، قائد اللواء 102 في الجيش الوطني-الجبهة الشامية-آسيد التركماني، قائد عسكري ضمن الفيلق الثاني من الجيش الوطني، ومقرب من فهيم العيسى. ويعد القياديون السبعة، أبرز الشخصيات التي تعتمد عليها تركيا في دفع عجلة الارتزاق في مناطق سيطرة الجيش الوطني وتجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى خارج سوريا.

وقال يوسف إن القادة والمسؤول التركي اتفقوا في هذا الاجتماع على تجهيز دفعة رابعة من المقاتلين:

“تم النقاش حول تجهيز دفعة جديدة من المقاتلين يبلغ تعدادها 1000 مقاتل، ليتم إلحاقهم بالدفعات السابقة في قواعد القتال في النيجر؛ و(تم الاتفاق) على تدريب وتجهيز الدفعة هذه المرة في المعسكر التدريبي في ريف مدينة تل أبيض، داخل القاعدة التركية ببلدة المكسورة، بإشراف عرابة ادريس، وآسيد التركماني، وعدد من الضباط الاتراك العسكريين”.

وتابع المصدر:

“بعد عدة أيام (من الاجتماع)، بتاريخ 26 من نيسان 2024، تم تجهيز ما يقارب الـ 700 مقاتل من قوات “الجيش الوطني” بأوامر من قياداتهم المذكورة أعلاه، وتم نقلهم بباصات نقل سياحية بعد تجمعهم في المعسكر التدريبي في مدينة عفرين، إلى ولاية كلس التركية وصولاً إلى القاعدة التركية في بلدة المكسورة بريف مدينة تل أبيض”.

وبحسب المصدر، فإنه وحتى تاريخ توثيق هذه الإفادة في الـ15 من أيار/مايو 2024، كانت هذه الدفعة ما تزال تتلقى تدريباتها ويجري تجهيزها لتكون الدفعة الرابعة التي ستذهب إلى النيجر في بداية شهر حزيران/يونيو عام 2024.

مقتل مرتزقة:

تحدثت “سوريون” إلى مازن الخطيب،[3] وهو والد أحد المقاتلين المرسلين إلى النيجر، وكان قد تلقى بتاريخ 13 أيار/مايو 2024، خبر مقتل ابنه هناك مع مقاتلين آخرين، مضيفاً أن ابنه كان مقاتلاً في فصيل “الحمزة/الحمزات” وقد خاض معارك داخل سوريا وخارجها، حيث “شارك قبل عامين بالقتال في ليبيا، وعاد سالماً بعد سنة تقريباً من سفره”.

وعن تجنيد ابنه في النيجر، والراتب الذي عُرض عليه من قبل فصيل “الحمزة/الحمزات”، قال الأب:

“في نهاية العام الماضي تقريباً، في الشهر التاسع أو العاشر من عام 2023، أخبرني (محمد) بنيته للذهاب إلى النيجر، بعد أن طلب منه قائد كتيبته المدعو (سليمان الشيخ أبو نصار) التابع لفرقة الحمزات، الموافقة على التسجيل لكونه مقاتل متميز ولديه خبرات قتالية سابقة في عدة أماكن من سوريا وليبيا، مقابل حصوله على تعويض مالي كراتب بقيمة 1500 دولار شهرياً، بموجب عقد لمدة سنة كاملة”.

ورغم اعتراض الوالد على تجنيد ابنه في النيجر خوفاً من طبيعة البلاد الصحراوية، بحسب تعبيره، أصر (محمد) على الالتحاق بمعسكر تابع لفصيل “السلطان مراد”، في مزارع بمنطقة راجو في ريف عفرين، يتلقى فيه الجنود تدريبات خاصة من أجل القتال في النيجر:

“بعد عدة أيام أخبرنا (محمد) أنه سيلتحق بمعسكر في ريف عفرين، خاص بفصيل “السلطان مراد” مع بقية العناصر الذي سيسافرون إلى النيجر، وأنه لن يستطيع العودة بعد الآن الى المنزل حتى نهاية المهمة المكلف بها”.

حزم محمد أمتعته الشخصية في حقيبة صغيرة، وكانت بحسب والده عبارة عن “لباس عسكري، لباس نوم، لباس داخلي، جهازه الموبايل، هويته العسكرية، هويته المدنية، كروز دخان، مسدس خاص به، مبلغ مالي بقيمة 200 دولار”. وعن انتقال محمد من المنزل إلى المعسكر قال المصدر:

“جاء قائد كتيبته (سليمان الشيخ) بسيارته الخاصة ومعه مرافقته، بالإضافة إلى سبعة باصات نقل ركاب خاصة بفرقة الحمزات يوجد بداخلها العناصر التي ستذهب للقتال في النيجر، وصعد (محمد) الباص وكانت هذه آخر مرة نراه فيها”.

وعلى مدار شهرين منذ سفر محمد، حاولت العائلة معرفة أخباره في النيجر، لكنها لم تتمكن من الحصول على معلومات دقيقة، لأن الاتصالات صعبة للغاية ومحصورة بالقيادة ومرافقتهم، حتى جاءهم خبر مقتل محمد مع جنود آخرين في كمين محكم.

توجه الأب على الفور إلى المكتب العسكري لأركان فرقة “الحمزة/الحمزات”، وطلب اللقاء بأحد القادة العسكريين المسؤولين عن ملف المقاتلين في النيجر، فطلب منه أحد العناصر الانتظار خارج المكتب إلى حين وصول قيادي من الصف الأول في فرقة “الحمزة/الحمزات” يُدعى “البتار”، وقال المصدر:

“بعد ثلاث ساعات من الانتظار (…) أدخلني الحاجب الى مكتب (البتار)، وأكد لي المسؤول مقتل ابني في النيجر، وقال إنه استشهد في كمين مع عدة عناصر، ولم تتمكن قوات “الجيش السوري الوطني” من سحب جثثهم لأن المنطقة منطقة حرب طاحنة، ولا يستطيعون التقدم إلى مكان الكمين أبداً، فصدمت من الخبر وجلست أبكي وأتحسر على ولدي”.

وعن الإجراءات والتعويضات بعد اعتراف فرقة “الحمزة/الحمزات” بمقتل محمد، قال المصدر:

“أخبرني “البتار” أنه سوف يسلّمني الأمانات الخاصة بولدي (محمد) لأنهم قاموا باستلام جميع أغراض العناصر قبل سفرهم الى النيجر، وبالفعل طلب من الحاجب أن يأتي بالأمانات وتسلمت حقيبة ولدي وفيها جهازه الموبايل، وهويته المدنية، ومسدسه الخاص فقط”.

وأضاف المصدر:

“وأخبرني أن لولدي (محمد) في ذمتهم راتب شهرين، وسوف يتم منحنا الراتب عند وصوله من قبل الجانب التركي، بالإضافة إلى تعويض مالي عن مقتله يتراوح بين 15000 إلى 20000 دولار، وايضاً سوف يتم تسليمنا إياه عند وصوله من الجانب التركي، وطلب “البتار” مني أن أقوم بمراجعتهم في كل نهاية شهر إلى حين استلام المبلغ المذكور”.

وذكر المصدر أن “البتار” شدد عليه بألا يظهر على الإعلام وألا يكشف عن أي معلومات متعلقة به أو بولده، وذلك “لكي لا أتعرض للمساءلة يوماً ما”.

وبحسب المعلومات في قاعدة بيانات “سوريون”، شارك “البتار” في معارك ليبيا وأذربيجان، وكان مسؤولاً عن التنسيق بين الضباط الأتراك وضباط فرقة “الحمزة/الحمزات” في تلك المعارك.

كان اسم محمد ضمن قائمة من 17 اسماً، قال المصدر يوسف أنها تعود لمقاتلين سوريين قتلوا في النيجر في شهر أيار/مايو 2024، موضحاً:

“بتاريخ 9 أيار/مايو 2024، تواصل سليمان الشيخ قائد كتيبة المشاة في الدفعة الأولى بالنيجر، عن طريق وساطة أحد الضباط الأتراك العسكريين في القاعدة التركية وأخبره بأنه أستشهد لديه عدد من المقاتلين وعددهم 17 مقاتلاً، بكمين عن طريق الألغام الأرضية، في أثناء ذهابهم للتحصين وحفر الخنادق على خطوط التماس، وأنه لم يستطع استرجاع جثثهم لأن المنطقة مرصودة بحزام ناري مكثف، وأن المقاتلين النيجر جمعوا الجثث وأحرقوها ليلاً بعد سكب مواد مشتعلة على أجسادها”.

وبحسب المصدر فإن القتلى هم:

عبد الرحمن. ح – ادلب.
عبد الرحمن. ج – ادلب.
عبد الحميد. ب – ادلب.
كريم. ب – ادلب.
خالد. ش – درعا.
تيسير. ص – حمص.
يوسف. أ – حمص.
محمد. ف – دمشق.
رائد. د – دمشق.
فريد. ق – دمشق.
عامر. د – الرقة.
ميسرة. ع – الرقة.
حاتم. غ – دير الزور.
منصور. غ – دير الزور.
منصور. ح – حلب.
قاسم . م – حلب.
ممدوح . ن – حلب.

فيما وصلت جثة، “أحمد د.” (29 عاماً)، أحد مقاتلي فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) في النيجر إلى الشمال السوري في الـ7 من تموز/يوليو 2024، وفقاً لحسام رزق،[4] أحد أقارب المجند المتوفى، الذي أضاف أن الفصيل تسلم الجثة من معبر إعزاز العسكري، المتاخم لمدينة حوار كلس. وعن سبب الوفاة، روى حسام ما يلي:

“منذ ثلاثة أيام أخبرنا عنصر في فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات)، أنه سمع من مرافقة أبو عمشة (قائد الفرقة) أن أحمد قد توفي بجلطة قلبية، بسبب أخذ جرعة زائدة من مواد مخدرة، وأن أبو عمشة يكثف تواصلاته مع الأتراك ومع فهيم عيسى من أجل احضار جثة أحمد، كون أحمد من المقربين منه وأحد أقربائه و من أبناء منطقته”.  

يقول حسام أن علاقة ثقة قوية ربطت بين أحمد ومحمد الجاسم (أبو عمشة)، وهو مادفع بالأخير إلى إرساله إلى ليبيا ومن ثم النيجر:

“تم إرسال أحمد سابقاً بتكليف من أبو عمشة إلى ليبيا. وأذكر أن ذلك كان في عام 2020 بمنتصف الشهر الثالث (آذار/مارس)، ليتقاضى راتب مالي عالي، ويقوم بإتمام عمليات تسليم الذخائر وفحص السلاح وضمان عدم سرقته من قبل العناصر وبيعه، كون أحمد يعتبر من الشخصيات التي يأمن لها أبو عمشة، فتواجد في ليبيا لسنة ونصف كاملة، وبعدها نزل أحمد من ليبيا إلى عفرين سالماً، ليلتحق بعدها بمنصبه كنائب ضابط التسليح”.

أضاف حسام:

“وبالفترة الأخيرة، تم إرسال أحمد من قبل أبو عمشة مع مجموعة من الشبان في الفرقة والتحقوا بمعسكرات التدريب الخاصة بالسطان مراد في مدينة عفرين الخاصة بالعناصر التي قد تمت الموافقة عليها للذهاب والقتال في النيجر لحماية قواعد ومصالح تركية، واذكر تقريباً أنه (وصل إلى النيجر) بتاريخ 13 أيار/مايو 2024″.

دعت قيادة فرقة “السلطان سليمان شاه” (العشمات) عائلة أحمد، التي تنحدر من حماه، لوداعه في مقر قيادة الفرقة في مدينة عفرين صباح الـ8 من تموز/يوليو 2024، وبعدها نقلت الجثة في تابوت وتم دفنها في مقبرة أهل حماه في مدينة الأتارب، التابعة لمحافظة حلب، فيما تجري مراسم العزاء في خيمة نصبت قرب منزل أهله في قرية تل الكرامة، التابعة لمحافظة إدلب.

قال حسام أن “أبو عمشة” تواصل مع أحد أقارب أحمد، وأخبره:

“أن لأحمد مرتبات مالية يجب على أخيه أو أحد من مقربيه استلامها كرواتب عن أشهر لم يتقاضاها أحمد في النيجر، وأنه سوف يتابع مع الأتراك أمر تعويض مقتل أحمد المالي لأهله وقدره 30 ألف دولار”.  

لماذا النيجر؟

شهدت النيجر في 26 من تموز/يوليو عام 2023، انقلاباً عسكرياً نفّذه الحرس الرئاسي أدى إلى الإطاحة بحكم الرئيس “محمد بازوم”، وتشكيل مجلس عسكري جديد لقيادة البلاد برئاسة قائد الحرس الرئاسي الجنرال “عبد الرحمن تياني”، وهو ما اعتُبر ضربة للنفوذ الغربي التقليدي ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لصالح حلف آخر تمثله روسيا والصين وإيران وتركيا.

وقالت الباحثة “غابرييلا كورلينغ” من “المعهد السويدي لأبحاث الدفاع”، إن المكون الدفاعي في العلاقة القائمة بين النيجر وتركيا بات أكثر أهمية مع مرور الوقت مع توقيع اتفاقية تعاون عسكري عام 2020، وأن الانقلاب لم يعرقل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل أسهم في توثيقها.

وأعلنت أنقرة معارضتها لتهديدات مجموعة “أيكواس” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس المخلوع إلى السلطة، ثم عيّنت أول ملحق عسكري لها في النيجر في آذار الماضي، ضمن خطوات دبلوماسية أخرى، تلاها إرسال المقاتلين السوريين من فصائل “الجيش الوطني السوري ” بهدف حماية مصالحها هناك.

وكان جيش النيجر قد برر الانقلاب بهدف التصدي للهجمات العنيفة التي تشنها مجموعات إرهابية، بينها مجموعات بايعت تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وأخرى بايعت تنظيم “القاعدة”، لكن وتيرة الهجمات لم تتراجع.

وفي عام 2021، نشرت “سوريون” تقريراً وردت فيه تفاصيل حول 27 اسماً، لقادة ومسؤولين أمنيين وعناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية”، تولّوا مناصب قيادية و/أو كعناصر داخل صفوف “الجيش الوطني السوري”، بما في ذلك فصائل انخرطت بإرسال مقاتلين ومدنيين سوريين للقتال كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان.

______________________________________________________________________________________________________________

[1] تم استخدام اسم مستعار بناء على طلب المصدر خلال مقابلة فيزيائية أجراها الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 15 أيار/مايو 2024.

[2] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر، خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2024.

[3] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر، خلال مقابلة فيزيائية أجراها الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 15 أيار/مايو 2024.

[4] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر، خلال مقابلة فيزيائية أجراها الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 8 تموز/يوليو 2024.

 

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

شارك هذه المقالة على المنصات التالية