الإثنين, مارس 3, 2025

بناء الدكتاتورية في ثلاثين يوما

هيثم مناع
في ليلة لم يكن فيها ضوء قمر، عينّ الجولاني الذي لم يعرّفنا بعد على ابنه محمد، 49 مقاتلا سلفيا جهاديا في أعلى الرتب العسكرية في الجيش السوري. تبع ذلك “مؤتمر النصر” الذي جعل المثل اللاتيني القديم: Vae victis “البؤس للمهزومين” برنامج عمل له، وعلى مبدأ من يحرر يقرر، قامت بحل مؤسسات الجيش والأمن والشرطة، وكذلك هيئات التفاوض والأحزاب وقيادات النقابات، وعينت أحمد الشرع رئيسا للجمهورية، ومنحته صلاحيات تشكيل مجلس دستوري وإعلان مبادئ دستورية وتشكيل حكومة انتقالية!!! بل أيضا الإشراف على عدالة انتقائية، محرّم عليها نقاش جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها من صار مديرا للمخابرات العامة ووزيرا للعدل والدفاع إلخ.
حتى الذين رصفوا الطريق لهيئة تحرير الشام (وقد أصبحوا معروفين للقاصي والداني)، لم يتمكنوا من هضم طريقة الميليشيات في بناء الدولة للمؤسسات، فهمسوا لها بتدارك ما يمكن تداركه عبر مسرحية زيارات أو نقاشات شكلية، تذكرنا بالكتب الصغيرة على البسطات في الشوارع: “تعلّم اللغة الإنجليزية في خمسة أيام”، لكن كيف لمدرسة الدكتاتوريين أن تكحل العين دون أن تعميها؟ …
تدارك “الرئيس المؤقت” بسرعة الأمر، “مؤتمر حوار وطني” على وجه السرعة يكلف به من لا ترد يد لامس مع من يلعق من كل الموائد، وبعض المكوعين. والنتيجة، أن مقررات مؤتمر النصر العسكري أصبحت ببضع ساعات، “مقررات شعبية” من ستمئة شخصية فوق اعتبارية، يمنحون كافة السلطات الدستورية والتشريعية للقائد الفذ والملهم، لحكم البلاد عبر حكومة موسعة على طريقة حافظ الأسد في نسخة مقلدة عندما قال لرئيس وزرائه الزعبي: “الوزراء ضروريون لأن الكرسي الذي أجلس عليه بحاجة لأربعة أرجل”.
لخص الشاعر جورج حنين أزمة الطغاة الصغار مع السياسة بالقول: “يتصور المستبد السياسة كشكل من أشكال العربدة، ويعتبرها الطاغية وسيلة دائمة لإعادة توزيع الشر، أما الدكتاتور فيعتبرها المخلوق التطبيقي لعالم غير قادر على البقاء معه”.
لم تتحفنا البشرية بمثل واحد استطاعت فيه الإيديولوجيا المحملة بفكرة التفوق المذهبي والغلبة العسكرية، علمانية كانت أو دينية، أن تخلّص المجتمع من الدكتاتورية دون أن تلبس الدكتاتورية نفسها، ثوبا شموليا مغلقا يمنحها القدرة على حياة أطول…
يبدو واضحا، أكثر فأكثر اليوم، أن قدر الأحرار في حذرهم وتصديهم للتقاليد التسلطية يتطلب أن نتذكر ما اعتبره كلاوس أرندت مؤشر اليقظة الضروري لمواجهة خطاب الكراهية والإبعاد والاستقصاء والتجويع، ومن أجل الدفاع عن الحريات والحقوق:
“على المرء أن يكون في كل وقت مواطنا ومتمردا !”.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية