ومضات من تاريخ الكرد في دير الزور ـ3
برادوست ميتاني
علاقة الكرد ببعض المعالم التاريخية والأوابد في دير الزور
مَن يُمعِنُ النظر في تاريخ المدن والمواقع الأثرية السورية “بحيادية ووجدانية” ومنها دير الزور، سيرى أنَّ للكرد إلى جانب الشعوب الأصلية بصمات جلية في نشوئها وعراقتها.
نحن نعلم بأنه “الميترائية” من الأديان الكردية القديمة بناءً على المَصادر؛ صارت مهداً للعديد من الديانات حتى “الحالية” و”الزردشتية” التي ما زالت موجودة ومنتشرة، فقد كان لهما (الديانتين) وجود في تاريخ دير الزور حيث موقع المدينة بالذات كان معبداً ميترائياً باسم “أزدرة” المدينة التي كانت تابعة لقرقيسيا (البصيرة الحالية) عند مصب الخابور في الفرات، ومن بعدها صارت معبداً للديانة المجوسية باسم “أزدره” أيضاً أو “أزدة”. ونحن نعلم أيضاً بأن صفة المجوسي ظهرت كنعت سيء من المسلمين الذين يطلقون التسمية على الدين الزردشتي.
مدينة تابكان الأثرية
مدينة تابكان تعود لأسلاف الكرد الخوريين، وبالتحديد إلى الألف الثاني قبل الميلاد وكذلك قبله. تقع المدينة على الضفة اليمنى لنهر الخابور عند التقائه بالفرات جنوب شرقي (درزور – دير الزور) وقد ضاع القسم الأكبر من آثارها بسب الهدم.
دورا أوروبوس (صالحية الفرات)
تقع هذه المدينة بين “دير الزور” و”البوكمال”. احتضنت هي أيضاً قديماً ثقافة شعوب المنطقة، منها أديان أسلاف الكرد كالديانة الميترائية والزردشتية، حيث تتخلل آثارها بيوت النار المقدسة وكذلك الآثار واللوحات الفنية وصور الجدران الجانبية على “معبد ميترا” في المدينة، والتي تعود إلى الثقافة المنتشرة حينها في الهضبة الآرية أي الثقافة الآرية وعلى جغرافية ميزوبوتاميا وخارجها والتي تُعَدُّ منبعاً للثقافة الكردية، إلى جانب ثقافة الشعوب الآرية الأخرى، حيث يظهر في ذلك المعبد الميترائي فارس يطلق السهام على الحيوانات البرية وهي تسبقه في غابة كثيفة، كما أن رسوم “ميترا” و”أستير – عشتار” تُظْهِر دعامة قوس، حرم هذا المعبد الميترائي يعود إلى أيام حضارة الدوريين الذين تأثروا في فَنِّهم بالفن الآري؛ لذلك اعتبرت شخصياتهم مجوسية أولية للحكام الزردشتيين الثلاثة في الفن المسيحي. كانت تلك المدينة في القرن السابع قبل الميلاد بأيدي الميديين، ولكن اليونانيين استولوا عليها فيما بعد.
مدينة الرهبة (الرحبة)
تقع المدينة جنوب غرب مدينة الميادين على ضفاف نهر الفرات، فقد كان يحكمها في عهد الأسرة المرداسية حكام حلب، وقلعة “حصن الأكراد” كان يحكمها ابن محكان بأمر من صالح المرديسي، ولكن ابن محكان غدر بالمرديسي واستأثر بالرهبة، وقد فَرَّ إليها بين عامي 1055م و1058م “أرسلان البسايسري” لينضم إلى الخليفة الفاطمي المستنصر، ولكن “ثمال بن صالح المرديسي” تمَكّنَ من استعادتها وظل صاحب الكلمة فيها حتى عام 1065م، وكانت آنذاك تتبعها مدن خانوكا وقرقيسيا ودويرة (من الجدير ذكره هنا أن العائلة المرديسية هي عائلة كردية، وفي الحلقة القادمة إن شاء الله سنقف عند ذلك).
وهَبَ “نور الدين الزنكي” المدينة بالإضافة إلى “حمص” لأسد الدين شيركو الأيوبي سنة 1164م، بَنى فيها شيركو الرهبة الجديدة كما أن الناصر صلاح الدين الأيوبي عهد بحكمها فيما بعد للقائد “يوسف بن ملاح” وقد ظلت المدينة قرناً من الزمن بِيَدِ الأسرة الأيوبية، وكانت محطة هامة للقوافل التجارية بين الشام والعراق.
حلبية وزلبية
بعد الحضارات القديمة كالخوريين والميتانيين، تعاقبت عليهما حضارات عديدة أيضاً ذات صلة كردية كالبرثيين البيلوانيين والساسانيين، وعندما استعاد الساسانيون المدينة من الرومان، وقد تدمرت خلال الحرب في عهد شابور الأول عام 256م الذي استخلصها منهم.
كان الحصنان “حلبية وزلبية” محط أنظار الساسانيين الكُرد والروم، وقد دمرها “كيخسرو الأول” حوالي العام (540) ميلادية، أما فيما يتعلق بسكان المدينتين والمنطقة، التي تحيط بهما كانوا من الكرد الخوريين. تبعدان (58) كم عن مدينة “درزور” شمالاً على نهر الفرات في منطقة الجزيرة.
ماري
إن دراسة التاريخ بعد التمحيص وتناول المصادر المحايدة تُنتج حقائق يستغرب منها الكثير من المتعصبين في يومنا هذا، وأول عينة تاريخية بين يدينا كمثال على ذلك هي حقيقة هذه المملكة، والمصدر هو تاريخ وحضارة الحوريين للباحث الألماني “جرنوت فيلهلم”. فالذي يعود إلى المصدر يُدرك مدى الصلة والعلاقة القوية المتداخلة بين هذه المملكة والخوريين أحد أسلاف الكرد من النواحي “الثقافية واللغوية والاقتصادية والسياسية” إلى درجة تشكلهما لأصل واحد وخاصة بين السريان والخوريين الكرد، حيث إن معظم وثائق هذه المملكة باللغة الخورية، وكذلك بالنسبة إلى أسماء أشخاصها إلى حد قول يصل إليه “أ.فيلهلم” مفاده: إن الخورية والسريانية لهجتان من لغة واحدة، والتأكيد على ذلك هو الأصل السومري لكليهما، ومهما حاول البعض من الذين زَيَّفوا حقيقة السومريين فإن باحثِين كثُراً، ومن مختلف الأجناس متَّفقُون على أن السومريين نزلوا من جبال “زغروس” الكردستانية إلى جنوب “ميزوبوتاميا” وأن الكوتيين الجوديين أحد أسلاف الكرد هم من بنوا المدن السومرية وخاصة الأولى “أريدو” وغيرها. (المصادر في هذا الصدد غزيرة ولكننا ليس بصدد ذكرها).
تُعدُّ مملكة ماري إحدى أهم ممالك الحضارة السومرية التي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد، (ويكيبيديا الموسوعة الحرة دير الزور)
بعض الأوابد
الأوابد كثيرة، ولكننا لا نتمكن تمييزها من الثقافات الأخرى لتشابه الأسماء والمعاني التي تعود إلى ثقافة العصور العباسية، والزنكية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية، وكذلك لقلة المصادر. لذلك سنكتفي بالتي نتأكد من كرديتها. مثال ذلك:
عائلة النقشبندي صاحبة الطريقة “النقشبندية” الدينية الكردية المعروفة.
شارع التكايا، وسُمِّيَ هذا الشارع بهذا الاسم نسبة للتكايا (مساجد) الموجودة فيه، حيث يضم الشارع تكية الشيخ ويس النقشبندي، بالإضافة إلى تكية الشيخ أحمد النقشبندي الصغير.
وقد بُنيت أول تكية في دير الزور عام 1885 على يد الشيخ أحمد العزي النقشبندي الكبير، وعُرفت بتكية “الشيخ ويس” ثم قام الشيخ أحمد الراوي ببناء تكية الراوي عام 1886، وفي عام 1906 قام الشيخ أحمد النقشبندي الصغير ببناء تكية الشيخ عبد الله في شارع التكايا.
“من كتاب الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ”
المصدر: صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=52773