السبت, أبريل 27, 2024

عفرين قصص من مقاومة العصر – 2مقاومة حمام وقسطل جندو أثبتت أن الاحتلال ومرتزقته لم يكن ليتقدموا شبراً بدون الطائرات

أخبار

ضمن معركة غير متكافئة في العدة والعتاد والتي استخدم فيها جيش الاحتلال التركي ومرتزقته الطائرات وكافة الأسلحة الحديثة والمتطورة ضد شعب أعزل ومنطقة جغرافية ضيقة، واجهها أهالي عفرين ومقاتلوهم من وحدات حماية الشعب والمرأة متسلحين بقوة الإرادة والإصرار على الدفاع عن أرضهم حتى الرمق الأخير، ولمدة 58 يوماً خلال المرحلة الأولى من مقاومة العصر سُطرت ملاحم في التصدي لثاني أقوى جيش في حلف الناتو مصحوباً بآلاف المرتزقة المجردين من الإنسانية، والكثير من تفاصيل تلك الملاحم دفنت باستشهاد من خاضوا تلك المعارك، والقليل منها بقيت في ذاكرة من خرجوا منها والذين لايزالون يواصلون المقاومة في المرحلة الثانية متمسكين بعهد الانتقام للشهداء وتحرير عفرين عاجلاً أو آجلاً.

المقاومة في مرحلتها الأولى، برز فيها أسماء فدائيين كأفيستا خابور، وإيلان دارا وبارين كوباني وبولات، وغيرهم ممن أصبحت أسماؤهم رموزاً لتلك المقاومة التاريخية. وتخبئ كل شجرة في أرض عفرين وعلى امتداد 365 قرية قصة ملحمية لأبطال نذروا أنفسهم للدفاع عن الأرض والشعب، وفي هذا الملف يروي لنا مقاتل كان شاهداً على بعض أحداث مقاومة العصر تفاصيلاً عن جانب من تلك المقاومة والملحمة الأسطورية.

المقاتل في صفوف وحدات حماية الشعب خمكين جياشين من أبناء ناحية شرا في مقاطعة عفرين، كان مقاتلاً ضمن مجموعة أبدت مقاومة قلّ نظيرها، وأثبتوا أن الاحتلال التركي ومرتزقته لم يكن ليتقدموا شبراً على أرض عفرين بدون الطائرات وسلاح الجو، وبأنهم أجبن من أن يواجهوا شعباً متمسكاً بأرضه وكرامته.

خمكين سرد لوكالتنا ANHA تفاصيلاً عن بعض المعارك التي خاضها مع رفاقه الذين استشهد أغلبهم وهم يدافعون عن عفرين، مؤكداً أنهم لم يكونوا يخرجوا من نقطة أو قرية إلا بعد أن يكبدوا جيش الاحتلال التركي ومرتزقته خسائر فادحة، ويشتتونهم رغم مساندتهم بسلاح الجو وطائرات الاستطلاع الحديثة.

يقول خمكين :”قبل بدء الهجمات التركية على المقاطعة، كنت متواجداً في قرية غزاوية، وبعد إعلان حالة التأهب لمواجهة هجوم تركي محتمل انتقلنا إلى قرية إيسكا، وفي تاريخ الـ 20 من شهر كانون الثاني 2018 وصلتنا معلومات تفيد بأن طائرات الاحتلال التركي ستقصف عفرين، وعليه أخلينا نقاطنا المعروفة والمكشوفة، وفي ذات اليوم وبالفعل حصل العدوان وشنت أكثر من 70 طائرة حربية بالتناوب القصف على مقاطعة عفرين، وحينها تحولت سماء عفرين إلى كتلة من الضباب جراء القصف المكثف وما رافقها من حرائق ودمار، واختلاطها بالدخان المنبعث من محركات أسراب الطائرات التي تحوم دون انقطاع فوق المقاطعة، وعلى الأرض اختلطت أصوات سيارات الإسعاف بصراخ الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن وأفراد عوائلهن، لأن قصف الطيران التركي استهدف في معظمه المناطق السكنية والمدنيين وارتكبت المجازر بحق أهلنا في عفرين”.

مقاومة قرية حمام

أشار خمكين أنه وبعد قصف الطيران الذي أعلن بموجبه بدء الحرب انتشرت وحدات حماية الشعب والمرأة والقوات العسكرية الأخرى على جبهات القتال، بالإضافة إلى مشاركة كبيرة من قبل قوات حماية المجتمع وواجب الدفاع الذاتي، وعليه توجه خمكين مع مجموعته إلى قرية حمام في ناحية جندريسة الحدودية للتصدي لهجمات جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، والتي بدأت فيها المعارك في أول يوم من هجمات الاحتلال التركي، منوهاً أن هجماتهم كانت تستهدف تلة مشرفة على القرية قريبة من الحدود.

وبدأ خمكين بسرد الأحداث التي عاشها وشاهدها لدى وصوله إلى القرية قائلاً:” لدى وصولنا إلى قرية حمام كانت أصوات المعارك تسمع من على التلة المشرفة على القرية، وطُلب منا التوجه إلى التلة لمؤازرة من بقي فيها من رفاقنا لأن البعض أصيب وتم إسعافهم من قبل رفاقهم ولم يبق فيها الكثير من المقاتلين، فشكلنا مجموعة مؤلفة من 9 أشخاص وتم اختيار المقاتلة آفين لقيادة مجموعتنا، ثم أخذوا أحد المقاتلين في مجموعتنا وأرسلوه إلى جبهة أخرى، وبقينا 8 أشخاص”.

وأضاف:” حملنا أسلحتنا والذخائر وتوجهنا إلى التلة سيراً على الأقدام، ولدى اقترابنا من التلة وصلتنا معلومات عبر اللاسلكي تقول أن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته وصلوا إلى أعلى التلة من إحدى أطرافها، وطلبوا منا توخي الحذر، ولكننا كنا نسمع أصوات إطلاق النار على التلة ولا نعلم بعد ما حل برفاقنا الذين كانوا يتصدون لهجمات جيش الاحتلال على التلة وكم عددهم، وعليه قررنا الصعود لعلنا نتمكن من إنقاذهم إن كانوا بخير أو تخليص جثامينهم إن استشهدوا أو أصيبوا، ونظراً لخطورة وحساسية الوضع وتحسباً من طائرات الاستطلاع التي بدأت تحوم في الأجواء، قررنا آلا نذهب كلنا إلى التلة، وقسمنا أنفسنا إلى مجموعتين كل واحدة 4 أشخاص وتوجهت مجموعة واحدة إلى التلة كنت أنا من بينهم، والمجموعة الثانية بقيت على أطراف التلة للتدخل في حال طلبنا المساندة، وتسللنا من خلف التلة من الجهة المطلة على القرية وهي الجهة الوحيدة التي يمكننا التحرك فيها، لأن الجهات الثلاثة الأخرى تتعرض للقصف بالمدفعية وقذائف الهاون وتقع تحت مرمى نيران العدو، ولدى اقترابنا من سفح التلة شعرنا بأزيز الرصاص يمر من فوق رؤوسنا بشكل مكثف ويبدو  أنه يطلق من مكان قريب لقوة صوته لدى المرور، وكان ذلك الموقف مع بدء غروب الشمس يخيم على المشهد رهبة تحبس الأنفاس، وتوزعنا على التلة وتقدمنا زحفاً صوب نقاط رفاقنا، ولكن لم نكن نعلم بعد إن كان أحد منهم لايزال على قيد الحياة أو لا، تحركنا بحذر شديد وأصغينا السمع على سواتر رفاقنا لعنا نسمع لهم صوتاً أو خروج الرصاص منها، ولكن كان يصعب علينا التمييز بين أصوات الرصاص واتجاهها، ولدى الإقتراب أكثر شعرنا بخروج الرصاص من إحدى نقاط رفاقنا باتجاه العدو، وصاح أحد رفاقنا لينبه المقاتل في النقطة بأننا رفاقه وأتينا للمؤازرة، ولدى سماعه صوتنا صاح هو الآخر وقال: تعالوا بسرعة، فأسرعنا باتجاهه، وقفزنا داخل الخنادق وخلف الساتر الذي كان يتمركز فيه، وما أن نظرت إلى وجهه، صُدمت لذلك المشهد….، كان المقاتل مسناً في العقد الخامس من عمره تقريباً ومصاباً بعينه اليمنى والدماء غطت طرف وجهه وكتفه، ورغم ذلك كان يواصل القتال ويتصدى لسيل الرصاص الذي ينهال عليه مع القذائف التي يطلقها جيش الاحتلال ومرتزقته صوبه، وقال لنا: بصوت مليء بالثقة هؤلاء الجبناء لا يجيدون القتال ساندوني ولن نسمح لهم بالتقدم”.

وأردف خمكين:” كلماته تلك بثت فينا المعنويات وشعرنا بحماسة كبيرة، واتخذنا مواقعنا وبدأنا بالتصدي للهجوم معه، حيث كان المرتزقة يحاولون تسلق التل وتساندهم المدفعية والأسلحة الثقيلة، التفتُ إليه مرة ثانية وقلت له أين باقي رفاقنا؟ فأجاب دون أن ينظر باتجاهي لا يوجد أحد غيري على التلة، فقد أصيب بعض رفاقنا وطلبت من البقية انقاذهم وأنا أغطي عليهم!!. انتابني حينها شعور بالقشعريرة تسري في جسدي لتعجبي من كيفية مواجهته الهجمات من 3 جهات لوحده وهو مصاب بجرح بليغ أفقده البصر بإحدى عينيه، وقدرته على صد الهجمات كل تلك المدة حتى وصلنا إليه، في تلك اللحظة أحسست بالدماء تجري بقوة في عروقي وتبدد في قلبي الرهبة من الموت وأدركت حينها لماذا استطاع هذا المقاتل الصمود وحده، لأنه استطاع التغلب على الخوف ولإيمانه بأن الموت دفاعاً عن الأرض والعرض أشرف من العيش بذل”. 

وأكمل خمكين السرد قائلاً:” توقفت عن الرمي وأخرجت قطعة شاش ومعقم كانا معي وضمدت جرح المقاتل المسن، وحينها كان الليل قد حلّ ووسط احتدام المعركة كنا نسمع أصوات انفجارات على أطراف التل، وقال المسن لي هذه أصوات الألغام التي زرعناها على أطراف التل لمنع تسلق المرتزقة، يبدوا أنها تنفجر بهم”.

وقال:” تحدثنا بعدها مع مجموعتنا الثانية وطلبنا منهم الصعود على التل، وبالفعل لم تمض دقائق حتى وصلوا إلينا ووسعنا من جبهتنا وتصدينا للهجمات من الجهات الثلاثة، وحينها أجبرنا المرتزقة وجيش الاحتلال على التراجع، وطلبت القيادية أفين من أحد رفاقنا إسعاف المقاتل المسن وإيصاله إلى نقاط رفاقنا في قرية حمام، ورغم محاولاته البقاء معنا إلا أن القيادة أصرت عليه بأن يذهب ليعالج جرحه، وغادرنا وهو يدعو لنا بالنصر، وبعدها خيم سكون حول التل وكنا نسمع أصوات الطائرات الحربية تحوم في السماء، وأصوات قصف على محيط قرية حمام، وبقينا متمركزين في مواقعنا نرصد تحركات المرتزقة، وقبل بزوغ الفجر بقليل استأنف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته القصف بالأسلحة الثقيلة بشكل مكثف على التل، وكانت الصواريخ والقذائف تنهال علينا من كل الجهات ونحن نحاول الاحتماء من شظاياها داخل الخنادق، لكن لكثافة القصف أصيبت القيادية أفين بجرح بليغ في وجهها، وأبلغنا القيادة بذلك فطلبوا منا إسعافها وأن يستلم المقاتل جوان قيادة المجموعة، وبعدها بلحظات طلبوا منا الانسحاب من التل تحسباً من قصف الطيران الحربي مع شروق الشمس، وعليه انسحبنا من التلة وتوجهنا إلى قرية حمام”.

وفي النهار بدأ طيران الاحتلال التركي بقصف التل ظناً منهم أننا لازلنا على التل وبعد تأكدهم أنه لا أحد عليها صعد المرتزقة التلة، وبدأوا بقصف قرية حمام بالمدفعية والهاون، واندلعت على إثرها اشتباكات قوية بين مقاتلينا في وجيش الاحتلال ومرتزقته في القرية، تساندهم طائرات الاستطلاع وقصف بالطيران الحربي، وكنا قد أخرجنا كافة المدنيين من القرية حفاظاً على حياتهم من القصف الوحشي، وبقي معنا أهالي القرية من أعضاء قوات الحماية الجوهرية، ومع حلول المساء دخل المرتزقة أطراف القرية ووسط قصف مكثف للطيران والمدفعية تقدموا حتى احتلوا نصف القرية. وفي تلك الأثناء أصيب عضو في قوات حماية المجتمع HPC وبقي محاصراً داخل جامع القرية، ثم عرفنا أن معه اثنين من أطفاله في الجامع، وكان يتوجب علينا أن نخرجهم بأي ثمن، لكن الجامع أصبح الخط الفاصل بيننا وبين جيش الاحتلال ومرتزقته، فلاهم قادرون على التقدم ولا نحن، وحاول أحد المقاتلين التسلل وحاول إنقاذهم لكنه استشهد قبل الوصول إليهم، وبحلول المساء تسللنا إلى الجامع، لكن الوقت كان قد داهمنا، فقد استشهد المصاب داخل الجامع متأثراً بجروحه، لكننا استطعنا إنقاذ الطفلين وإخراج جثمان الشهيد”.

لم يتوقف المقاتلون عند إنقاذ الطفلين، وشكلنا مجموعة لتنفيذ عملية خاصة على تلة القرية ضد المرتزقة، وتحركت تلك المجموعة من رفاقنا إلى التل وتمكنوا خلال ساعات من إلحاق الضربات بالمرتزقة المتمركزين على التل وتدمير إحدى دبابات جيش الاحتلال التركي، وإجبار البقية على الفرار وأعادوا السيطرة عليها، وعند طلوع الشمس كان رفاقنا ينسحبون من التل تحسباً من قصف الطيران، واستمرت معركة التل عدة أيام على شكل كر وفر أي في المساء نستعيد التل وننسحب منه نهاراً.

وتابع خمكين ” بعد هروب المرتزقة المتكرر صوب الحدود أقدم جيش الاحتلال التركي على إغلاق المعابر التي كان قد فتحها لتمرير المرتزقة، وذلك لمنع المرتزقة من الفرار، كان جيش الاحتلال التركي يستهدف المرتزقة الفارين ويقتلهم، ورأيت ذلك بعيني”.

وبعد عدة أيام من المعارك الطاحنة والكر والفر لم يتمكن جيش الاحتلال والمرتزقة التقدم أكثر في قرية حمام، وفي صبيحة أحد  الأيام وبعد تأكد المحتل التركي أن مرتزقته لا يمكنهم التقدم شنوا على القرية غارات مكثفة بالطيران الحربي والمروحي ودمر القصف نصف القرية، ولم يكن بوسعنا فعل شيء سوء الاحتماء، ثم انسحبنا بشكل تدريجي من القرية حتى لا نفقد الكثير من الشهداء.

مقاومة قرية قسطل جندو

بعد أن قدمت وحدات حماية الشعب والمرأة وكافة المقاتلين في عفرين مقاومة بطولية في قرية حمام، جاءت التعليمات بتوجه مجموعة إلى قرية قسطل جندو التابعة لناحية شرا التي كانت تشهد معارك ضارية وخصوصاً على تلتها الاستراتيجية. وتم ارسال مجموعة من المقاتلين من بينهم المقاتل خمكين.

يقول خمكين:” عندما توجهنا إلى قسطل جندوا مررنا بناحية جندريسة وكانت الحياة فيها لاتزال شبه طبيعية، ومن المشاهد اللافتة والتي رفعت من معنوياتنا وزاد إصرارنا على المقاومة، الاستقبال الحماسي الذين كان يستقبلنا به  الأهالي في الشوارع التي نمر فيها وترديدهم الشعارات التي تحي مقاومة وحدات الحماية، بالإضافة إلى رفع الأمهات والآباء أيادهم إلى السماء وهم يدعون لنا بالنصر، فذلك المشهد لم يكن يغيب عن بالي وكنت استمد منه القوة والإصرار على الدفاع عنهم، لأنهم وضعوا كل ثقتهم فينا كمقاتلين لنكون الدرع الذي نحميهم من المحتلين والمرتزقة”.

وأضاف خمكين:” وقبل أن نصل قسطل جندو أوقفنا رفاقنا في قرية بافلونة القريبة من قسطل جندو، وأخبرونا أن القرية دخلها الاحتلال التركي ومرتزقته، وعليه اتخذنا أماكننا في بافلونه، وكانت المجموعة التي أنا ضمنا 9 مقاتلين. هناك أعطت القيادة تعليمات بالتحرك عبر مجموعات صغيرة، لذا قسمنا مجموعتنا إلى قسمين حتى نتحرك بسرعة ونتمكن من الاختباء عن طائرات الاستطلاع بسهولة.

بعدها توجهنا إلى قرية قسطل جندو، وتمكنا الوصول إلى أطرافها واشتبكنا من عدة نقاط مع جيش الاحتلال ومرتزقته المتمركزين في القرية، وبعد أن احتدمت الاشتباكات بيننا وبدأنا نتقدم من منزل إلى آخر وسط تراجع للعدو، عادت الطائرات الحربية التركية بشن غارات مكثفة على مواقعنا وانهال علينا سقوط الصواريخ، وهنا استشهد عدد من رفاقنا جراء القصف، وكان من بينهم رفيقي المقاتل حمزة، الذي تأثرت كثيراً بشهادته، لأنه قبل الشهادة أصيب بجراح ورغم ذلك حمل عدة قنابل يدوية وتقدم صوب نقاط جيش الاحتلال والمرتزقة، ولدى اقتراب مجموعة من المرتزقة صوبه في محاولة منهم لأسره فجر حمزة تلك القنابل بنفسه وبالمرتزقة وقتل وجرح عدداً منهم. تلك العملية قتلت في قلبي كل الخوف ولم يعد يرهبني الموت، وباتت المقاومة والقتال بالنسبة لي يثير فيها الشعور باللذة والقوة أكثر من كونه مقارعة للموت”.

إنقاذ رفاقه الجرحى

بعد القصف العنيف لطيران الاحتلال التركي على قسطل جندو وتدميرها لكل شيء، اضطر من بقي من المقاتلين والمقاتلات التراجع ومن بينهم خمكين جياشين والتوجه إلى قرية ديكمداش، ومن ثم تم إرسال خمكين ومقاتل آخر إلى قرية عرب ويران المحاذية، لمساندة رفاقهم.

وقال خمكين “بعد وصولنا إلى القرية، والمشاركة في التصدي لهجمات الاحتلال، بدأت الدبابات التركية بقصف القرية، كنت أنا ورفيقي الآخر قريبين من بعضنا خلف إحدى السواتر، وفجأة سقطت قذيفة على الساتر، ومن قوة الصدمة فقدت الوعي، بعدما استعدت الوعي، نظرت حولي لم أشاهد شيئاً سوى الدخان والغبار يرتفع من حولي، ولا أعلم ما حل برفيقي الآخر، ناديت عليه عدة مرات لم أتلقى أي جواب، شعرت حينها وكأنني أنا الوحيد في تلك المنطقة والقرية، كان رأسي لايزال يؤلمني، والقصف لازال مستمراً على القرية، فتسللت إلى أحد منازل القرية القريبة من موقعي لأبعد نفسي عن أنظار العدو وطيران الاستطلاع، ولدى دخولي المنزل وجدت فيها جثمان أحد رفاقنا مستشهداً داخل المنزل اقتربت منه، ونظرت إلى وجهه انتابني شعور بالغصة وامتلأت عيناي بالدموع بلا وعي، كان ذلك الشهيد أحد رفاقنا واسمه روجفان، ودخلت غرفة أخرى من المنزل وصدمت بما رأيت، كان في الغرفة 6 مقاتلات من رفيقاتنا كلهن مصابات وبعضهن لم يعد يقوين على الحركة، قوة الصدمة شلت تفكيري في البداية كنت أنظر إليهن  وهن ينظرن إليّ دون أن نتكلم بحرف، ثم استجمعت قواي، وحاولت أن أساعدهن وأن أضمد جراحهن، لكن كثافة القذائف التي كانت تسقط على المنزل وحوله شتتت تفكيري، فحملت سلاحي وأصبحت أتنقل من غرفة لأخرى وأنظر إلى الخارج في محاولة لحماية المصابات لعلي استطيع انقاذهن، وبقينا محاصرين في المنزل من الساعة الـ 18:00 حتى 22:00. عندما حل الليل تمكنت مجموعة من رفاقنا الوصول إلينا ونقلنا والمصابات وجثمان الشهيد إلى مكان آمن.

بعدها بقيَ خمكين في قرية عرب ويران مع رفاقه مدة 3 أيام متواصلة، وهم يتصدون لهجمات الاحتلال، وتابع خمكين ” بينما كنت اتحرك من نقطة إلى أخرى حددت إحدى طائرات الكشف مكاني، وباتت تتعقبني، حاولت الاختباء لكنها أطلقت قذيفة باتجاهي، ولحسن حظي لم أصب بأذى. وبعد أقل من ساعة شن سرب للطائرات الحربية وعدد من الطيران المروحي غارات وهجمات على القرية ودمروا كل شيء، وعليه انسحبنا من عرب ويران، وانتقلنا إلى قرية أومارا.

مقاومة أومارا وإصابة خمكين

توجه خمكين مع مجموعة من رفاقه إلى قرية أومارا التابعة لناحية شرا. عند وصولهم إليها كانت القرية تشهد معارك وقصف على أطرافها أيضاً، ونتيجة قصف الطيران والمدفعية للاحتلال التركي وصل جيش الاحتلال ومرتزقته إلى داخل القرية، وبعدها طلبت القيادة تشكيل مجموعة لتنفيذ عملية نوعية في قرية أومارا، وتم اختيار خمكين ليكون من بين تلك المجموعة.

وعن هذه العملية قال خمكين “اتخذنا استعداداتنا للعملية وجهزنا أسلحتنا والذخيرة، وانتظرنا حتى الفجر عندما غطى الضباب المنطقة، وبات الجو مهيأ للعملية، وعليه بدأنا التحرك صوب القرية ووصلنا إلى مدخل القرية، وهناك قسمنا أنفسنا إلى ثلاثة مجموعات صغيرة لسهولة التحرك وحتى لا يلاحظنا العدو، ودخلنا القرية من 3 محاور، واستهدفنا عدة نقاط لتمركز جيش الاحتلال ومرتزقته واندلعت على إثرها اشتباكات قتل وأصيب فيها العديد من المرتزقة وجنود الاحتلال ولاذ البقية بالفرار لتشتتهم من العملية المفاجئة.

العملية رفعت من معنوياتنا، ومع طلوع الشمس وانقشاع الضباب عادت الطائرات لتمطر القرية بالصواريخ، أصيب بعض المقاتلين، واضطررنا للانسحاب من القرية مرة أخرى.

وتابع خمكين ” انتقلنا بعدها إلى قرية خراب شرا، وهناك تصدينا للهجمات عدة أيام، وفي هذه القرية أصبت بجراح إثر القصف المدفعي، فنقلني رفاقي إلى قرية متينا حيث كان هناك نقطة طبية لأتلقى العلاج، وفي متينا تم استهدافنا من قبل  طائرة كشف تركية وأصبت بشظايا في مختلف أنحاء جسدي، وبعدها استفقت ورأيت نفسي في مشفى آفرين بمدينة عفرين”.

وعليه بقي خمكين عدة أيام بالمشفى حتى شفي من جراحه، وحينها كان الاحتلال التركي ومرتزقته وصلوا أطراف مدينة عفرين من جهة حي المحمودية، وارتكب طيران الاحتلال مجزرة فيها راح ضحيتها العشرات من المدنيين بينهم الأطفال والنساء والشيوخ، حيث شارك خمكين في اسعاف ضحايا المجزرة إلى المشفى، وبعدها أعلن الانتهاء من المرحلة الأولى من مقاومة العصر، والبدء بالمرحلة الثانية، وعاد خمكين ليشارك في المرحلة الثانية من المقاومة التي لاتزال مستمرة.

وفي نهاية حديثه قال خمكين جياشين “خلقنا على أرض عفرين، وسنموت عليها، الاحتلال لن يبق في عفرين مهما طال به الزمن، سنحرر عفرين ولن ننتظر أحد، عاهدنا شهداءنا بأن ننتقم لهم وسنبقى على ذلك العهد حتى تحرير عفرين”.

ANHA

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *