الجمعة, مارس 29, 2024
حقوق الإنسان

تقرير للمرصد السوري: 5 سنوات على الاحتلال التركي لعفرين: نحو 7900 حالة اختطاف واعتقال تعسفي.. وأكثر من 3300 انتهاك آخر بحق الحجر والشجر

عفرين الجريحة.. بين مطرقة السياسة التركية لإحداث التغيير الديمغرافي وسندان انتهاكات الفصائل الموالية لأنقرة

 

5 سنوات مرت على “كارثة عفرين” كارثة تمثلت بسيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لحكومة أردوغان على مدينة عفرين والنواحي التابعة لها بريف حلب الشمالي الغربي، بعد عملية عسكرية سُميت تجاوزاً بـ “غصن الزيتون”، بدأت في كانون الثاني/يناير من العام 2018 وأفضت إلى احتلال القوات التركية للمنطقة في 18 آذار/مارس من العام ذاته.
سنوات مريرة ثقيلة على السكان الأصليين لتلك المنطقة السورية التي باتت عبارة عن أشبه بولاية تركية يُرفع فيها العلم التركي ويُجبر أهاليها على تعلّم لغتها والتفريط في أرضهم وبيوتهم للفصائل الموالية لأنقرة التي نصبت مدارسها ومحاكمها وقضاتها للسير ضمن مخطّط احتلال خبيث.
5 سنوات كانت كافية لنهب عفرين وقتل أحلام الغالبية الكردية المقيمة هناك حيث بات الهروب منها حلما للتخلّص من كابوس التخويف والترهيب والتنكيل والتعذيب، هناك حيث مُورست كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي والاجتماعي والمتاجرة بقوتهم الذي كان من أرضهم التي نهبت أشجارها وأحرقت ثمارها وكأنه مخطط إنتقامي من أقلية مسالمة لم تسبّب الأذى لأي كان.
إنّ التزام الحياد في قضية عادلة يعتبر خيانةً عظمى وتعدّيا على مبادئ الواضحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد انبرى المرصد السوري منذ تأسيسه للوقوف مع القضايا الإنسانية والدفاع عنها مهما كلّفه ذلك، وقضية عفرين من بين تلك المسؤوليات التي يدافع عنها المرصد بكل قوة.
وبرغم مرور الأعوام الخمسة وأمام مرأى العالم ومسمعه تستمر الانتهاكات في عفرين في ضرب واضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان دون رادع يكبح التجاوزات والجرائم بحق المكونات بتلك المنطقة برغم التحذيرات المتواصلة من خطورة ما آلت إليه الأوضاع هناك.
منذ دخول عفرين لم تتأخر القوات التركية وفصائلها عن القصف والاستيلاء على المنازل وافتكاك الأراضي وإجبار السكان الأصليين على ترك أرزاقهم والتفريط في ممتلكاتهم بأرخص الأثمان، لتتولى القوات التركية توطين مهجرين تم استجلابهم من مناطق مختلفة.

ليست مجرد أرقام..
لابد من التذكير في كل مرة أن الاحتلال التركي لعفرين وريفها دفع مئات الآلاف من أهلها -أي أكثر من 310 آلاف “بنسبة 56%” من الأهالي إلى النزوح والهروب من بطش الجماعات المسلحة الموالية لتركيا، بينما لم تسلم ممتلكاتهم من انتهاكات الفصائل الموالية لأنقرة، ومن اختار المكوث بعفرين من أبنائها رافضاً للتهجير، طالته يد الظلم والتنكيل والاعتقال وعانى شتى أنواع الانتهاكات، فعمليات الاعتقال مستمرة، والخطف بهدف الفدية متواصل، ومصادرة المواسم قائمة، والاستيلاء على المنازل والمحال والسيارات بات خبراً يومياً، وذلك في إطار قانون الغابة الذي تشرف عليه حكومة أنقرة، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى دفع من تبقى من أهالي المنطقة للخروج من مناطقهم بغية استكمال عملية التغيير الديمغرافي التي تسعى لها تركيا.

وفي هذا السياق وثق المرصد السوري استشهاد 668 مواطن كردي في عفرين بينهم 97 طفل و88 مواطنة في انفجار عبوات وسيارات مفخخة وتحت التعذيب على يد فصائل عملية “غصن الزيتون”، وفي القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التركي، وفي إعدامات طالت عدة مواطنين في منطقة عفرين، وذلك منذ الـ 20 من كانون الثاني / يناير من العام 2018 وحتى يومنا هذا.

كما وثق المرصد السوري منذ السيطرة التركية على عفرين وحتى مساء 17 آذار/مارس 2023، اختطاف واعتقال أكثر من 7898 من كورد عفرين، من بينهم 1082 لا يزالون قيد الاعتقال، فيما أفرج عن البقية بعد دفع معظمهم فدية مالية باهضة، تفرضها فصائل “الجيش الوطني” التابعة والموالية لأنقرة.
في حين تشير إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى توطين مئات الآلاف من العائلات من محافظات سورية أخرى في عفرين، بعد أن هُجروا أيضاً من مختلف المحافظات وأجبروا على النزوح، وذلك في إطار التغيير الديمغرافي من قبل الحكومة التركية، بعد الاتفاقات الروسية-التركية التي أفضت إلى تسليم عفرين للأتراك مقابل سيطرة النظام على الغوطة الشرقية، ولطالما حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من السياسة التركية الممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي في عفرين منذ احتلالها عقب تهجير أكثر من نصف أهلها، وتوطين آلاف العوائل فيها، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً.

انتهاكات بحق الحجر والشجر..
إلى جانب حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان على مدار 5 سنوات من الاحتلال التركي لعفرين، أكثر من 3336 انتهاك بأشكال عدة، توزعت على النحو التالي:

– 1189 عملية استيلاء على منازل ومحال تجارية وأراضي زراعية في عفرين والنواحي التابعة لها، من قبل عناصر وقيادات الفصائل الموالية للحكومة التركية، حيث تعود ملكية هذه العقارات لمهجرين من المنطقة بفعل عملية “غصن الزيتون” بالإضافة لمواطنين رفضوا التهجير.

– 312 حالة بيع لمنازل مهجرين كانت الفصائل قد استولت عليها بقوة السلاح، حيث تتم عملية البيع بأسعار زهيدة وبالدولار الأميركي تحديداً.

– 523 عملية “فرض إتاوة” من قبل الفصائل والمجالس المحلية على المدنيين، مقابل السماح لهم بزراعة أراضيهم وجني محصولها، وتتمثل تلك الإتاوات بدفع الأهالي لمبالغ مادية بالدولار الأميركي والليرة التركية، أو نسبة من أرباح المحصول أو كمية منه.

– 915 عملية قطع للأشجار المثمرة من قبل فصائل الجيش الوطني شملت قطع آلاف الأشجار المثمرة إن لم يكن عشرات الآلاف منها، لبيعها واستخدامها كوسيلة للتدفئة.

– 397 عملية اعتداء من قبل فصائل الجيش الوطني بمختلف مسمياتها على مدنيين لأسباب مختلفة.

تخريب متواصل للتاريخ السوري..
سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال العام الفائت فقط، 33 عملية تجريف وتخريب للتلال الأثرية، من ضمن مئات العمليات المشابهة التي جرت على مدار 5 سنوات، فعفرين تتميز بمواقعها الأثرية التي تعود إلى عصور مختلفة، وأبرزها مدينة “النبي هوري” وتبعد عن مدينة عفرين نحو 23 كلم، كما تضم “قلعة سمعان” الواقعة جنوب المدينة على بعد 20 كيلومترًا في القسم الجنوبي الشرقي، وتضم كنيسة مار سمعان التي كانت من أكبر كنائس العالم، إضافة إلى مناطق “جبل شيخ بركات” وجبل “برصايا”، ومدينة عين دارا الأثرية التي تتكون من آثار ومعبد يحتوي على تماثيل مختلفة، وغيرها من المواقع الآثرية، التي تعمد الفصائل الموالية للحكومة التركية على تجريفها وتخريبها وطمس هويتها والعبث بالتاريخ السوري ككل على مرأى ومسمع الأتراك وضلوع المخابرات التركية بذلك أيضاً.

كذلك، لم تتعرض عفرين للانتهاكات والتجاوزات من قبل القوة التي تحتلها والمدعومة من الفصائل السورية فحسب، بل أصيبت باللاّمبالاة الدولية وعدم إيلاء القضية الحاملة للطابع الإنساني الاهتمام الكافي والدعم الإنساني والحقوقي المطلوب، برغم كل مساعي المنظمات الحقوقية السورية ،ومن ضمنها المرصد السوري، لإيصال معاناة أهاليها كما هي بأمانة إلى العالم، معاناة قاس من ويلاتها أطفال ونساء عفرين: تهجيرا قسريا وتجويعا ممنهجا وإرهابا متواصلا لطردهم من ديارهم والاستيلاء عليها لتوطين من تم استجلابهم من مناطق أخرى.
لم تتوقّف التجاوزات هناك بل بلغت حدّ بناء مدن سكنية وتوطين مهجرين فيها على حساب السكان الأصليين، وقد وثق المرصد إجراءات جمعية “الأيادي البيضاء” الكويتية للتحضير لافتتاح المرحلة الثانية من مستوطنة قرية” بسمة” في يوم الثلاثاء بتاريخ 29 مارس /آذار، وتتألف من 8 وحدات سكنية جديدة مكونة من 125 شقة سكنية، بالإضافة إلى الاستمرار في أعمال بناء 6 وحدات سكنية جديدة .
وكان “فصيل السلطان مراد” قد أنشأ مستوطنة لأهالي مدينة حمص بالقرب من قرية كفروم التابعة لناحية شران، ويبلغ عدد المنازل حوالي 360 منزلا تقدر مساحة المنزل الواحد ب 120 مترا مربعا، وتحتوي المستوطنة أيضاً على مدرسة وجامع ومحلات تجارية.
جاء ذلك دون تدخل من المجتمع الدولي لإيقاف التهجير والتخريب وغيره من التصرفات العدوانية التى تستهدف تلك المنطقة، علما أن الأهالي ليسوا ضدّ توطين مدنيين سوريين بل هم ضدّ مخطط التخريب الممنهج ومخطط تهجيرهم القسري من منطقتهم التي ولدوا وتربوا فيها.
وأمام استمرار الانتهاكات تتواصل الدعوات إلى وضع قوانين صارمة تحارب الممارسات الهمجية لكل من شارك في الاتّجار والتنقيب غير المشروع أو بيع تلك اللقى الأثرية إلا أن تلك المساعي ينقصها الدعم الدولي المؤمن بخصوصية الحفاظ على تراث كل منطقة.
ولطالما حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من المساعي الرامية إلى إحداث تغيرات ديمغرافية، وفرض الاستيطان التعسفي وسط صمت دولي أمام هذه الانتهاكات المخزية بحق السكان الذين تمّ تهجيرهم قسريا والاستيلاء على ديارهم وعقاراتهم وأراضيهم بالقوة.

ويدعو المرصد السوري المجتمع الدولي إلى التحرّك العاجل لإنقاذ المنطقة من براثن القوات التركية والفصائل الداعمة لها، ولحماية آثارها وهويتها من عمليات التغيير الديمغرافي، إلى جانب السعي إلى الكشف عن مصير المخطوفين وإعادة المهجرين إلى مناطقتهم والعمل على بسط الأمن هناك وطرد الفصائل المخرّبة، وهي أهداف قد تتحقق بخروج المحتل وتحقيق الاستقرار السياسي وتنفيذ القرارات الدولية.
كما يذكّر المرصد السوري بأن مكونات المجتمع في عفرين تتعرّض لانتهاكات عديدة، من تهجير وقتل وتعذيب وتشليح ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفاء بأعيادهم السنوية، هذا فضلا عن سياسة التتريك.
ويجدد المرصد السوري دعوته الملحة للمجتمع الدولي كي يدعم عفرين وسكانها ويعمل على إعادة بريق عفرين وعودة أهلها إليها.
ويدعو المنظمات المحلية والدولية إلى التعاون لكسر حاجز الصمت حيال الأوضاع السيئة السائدة في المنطقة، وفضح التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي جعلت عفرين مقاطعة تتكلم اللغة التركية وتُكره على الخضوع لقوانين المليشيات المتطرفة.

المصدر: المرصد السوري لحقوق الإنسان