الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

حلبجة… -الأنظمة- تأكل الحصرم و-الكرد- يضرسون – عبدالرحمن محمد محمد

عبدالرحمن محمد محمد

خمسة وثلاثون عاماً وعيون الأمهات والآباء والأبناء لم يجف دمعها، وصرخات الوجع والانين لم يخفت صوتها، عيون تجحظ من الوجع والالم، وأخرى ترقب السماء لعلها تمطر مصلا يوقف نزف فجيعتها، خمسة وثلاثين موتا يعيشه الكرد في كل آذار، لتكتمل لوحة القهر والتهجير والقتل، وإن قيل الكثير من اشكال الموت والقتل والأنفال، فإن الكثير بعد لم يقال.
لم تكن حلبجة فاتحة عذابات الكرد، وللأسف لم تكن خاتمتها، وربما انفردت بانها مع الأنفال كانت من كبرى مصائب الكرد، وكانت أولى تجارب الإبادة بالغاز في الشرق، وفي ظل حكم طاغية العراق صدام حسين، ويده التي طالما بطشت بأهل العراق عامة والكرد بشكل خاص، علي حسن المجيد، حتى استحق لقب “علي الكيماوي”.
في تفاصيل الفاجعة، والتي طالما رددتها الالسن، ورأت تفاصيله الكثير من العيون، لكن “الخردل” اعماها وسلب الروح من أجسادها، أن حلبجة كانت على موعد مع الموت، وهي التي عانت كما أغلب المناطق المحيطة بها من تداعيات وأحداث حرب ضروس، اعلنها الطاغية على الملالي، ودارت الحرب على مدى سنوات ثمان “1980-1988″، وقبل ان تضع الحرب الشعواء اوزارها، وفي تمام الدقيقة العشرين بعد الحادية عشر من صباح يوم السادس عشر من آذار، كانت صواريخ المحملة بغاز الخردل تنشر الموت في أرجاء حلبجة، بإيعاز من الطاغية وتنفيذ من الجلاد “علي حسن مجيد-الكيماوي”، ذلك إن السلاح الكيمياوي كان تحت أمرة صدام حسين المباشرة، بعد ان تقدمت القوات الإيرانية في المنطقة، وانهارت “جحافله” كما كان يسميها، اثر عملية إيرانية واسعة اطلقت عليها “عملية ظفر7” ودخولها إلى حلبجة، وكانت فرصة لصدام حسين ليضرب “عصفورين بحجر” وربما أكثر، فهو بهذا سيجهز على ما تبقى من الكرد بعد عمليات الأنفال، وسيضرب القوات الإيرانية ويعمد على ترجعها، ومن ثم سيعمل على الصاق جريمة استخدام السلاح الكيمياوي بإيران، وهنا يجدر الإشارة إلى ان الجيش الإيراني كان يستخدم الأقنعة الواقية من السلاح الكيمياوي إبان القصف، ما يطرح أسئلة أخرى واشارات تعجب واستفهام كثيرة، هل كانت القوات الإيرانية على علم بالقصف، ومن ثم تظهر بطلان أدعاء صدام انه استهدف القوات الإيرانية.
روايات الألم والوجع والفقد لم تنتهي، وما زالت بعض نتائج تلك المجزرة، بل تلك الإبادة الجماعية تظهر إلى اليوم، فلم تكن الفاجعة تنحصر في نتائجها الفورية التي أشارت إلى أكثر من خمسة آلاف شهيد وأضعاف الرقم من المصابين، إضافة إلى هلاك الزرع والضرع، وما الحقه بالمنطقة من دمار للطبيعة واذى للبيئة، ففي السنة التالية كما قال شهود عيان مات الآلاف من تداعيات الكيمياوي، وبقيت تلك المقبرة الجماعية التي دفن فيها قرابة الألف وخمسمائة شهيد مجهولة، فيما قبور المئات ما زالت مجهولة، ناهيك عن المواليد المشوهة نتيجة تعرض الوالدين لتلك الغازات، والحسرة والالم تعتصر قلوب الآلاف الذين يجهلون مصير ذويهم، حتى بعد مرور ثلاثة عقود ونصف على الفاجعة.

القانون والمواقف الدولية
اعتبر القانون الدولي ما حصل في حلبجة “إبادة جماعية” ذلك إنها اعتبرت أكبر هجوم يستهدف مدنيين من عرق واحد، بقصد الانتقام والعقوبة، فيما حكمت محكمة هولندية في 23 كانون الأول عام 2005 بالسجن خمسة عشر عاما على رجل الأعمال “فرانس فان” الذي اشترى المواد الكيميائية من السوق العالمية وقام ببيعها للنظام العراقي، ووصفت المحكمة الهولندية الهجوم بـ “جريمة إبادة جماعية”، كما اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب الحادثة المأساوية مباشرة موقفاً رسمياً بأن إيران كانت المسؤولة جزئياً عن الهجوم، كما أدان البرلمان الكندي الهجوم واعتبره جريمة ضد الإنسانية، اعتبرت المحكمة الجنائية العراقية العليا رسمياً مجزرة حلبجة جريمة إنسانية، ووصفتها بـ”إبادة جماعية” بحق الشعب الكردي في العراق بعهد حكم حزب البعث ونظام الرئيس السابق صدام حسين. بينما قدم الادعاء في المكمة العراقية الخاصة أكثر من 500 وثيقة من الجرائم خلال حكم نظام صدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد أثناء المحاكمة، وكان منها مذكرة عام 1987 من المخابرات العسكرية للحصول على إذن من مكتب الرئيس باستخدام غاز الخردل وغاز السارين ضد الأكراد، ووثائق أخرى تؤكد على أن استخدام الأسلحة الكيمياوية منوط بموافقة وأوامر صدام حسين مباشرة.

الجريمة واحدة والأعداء كثر
حاولت العديد من الروايات والعراقية منها على الأخص تبرئة صدام حسين وأزلامه من الجريمة، وإيجاد اعذار وتسويفات، غير ان الدلائل والمؤشرات كانت واضحة وضوح الشمس كما الغاية والهدف منها، والكثير من الخبراء والمحللين العسكريين يؤكدون ذلك حسب معطيات تلك الواقعة على الأرض، ورغم إن صدام قد رحل مع كل طغيانه وشروره، إلا أن بذرة الشر والطغيان لا تموت وتظهر في كل مكان وزمان، لتظهر لأكثر من مرة في الازمة السورية، وتبرز في الهجوم التركي على سري كانيه، إذ غزت صور الطفل “محمد” منصات الاعلام وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بينما قصفت قوات المحتل التركي مناطق من كردستان بالساح الكيمياوي وبأصناف عديدة، وعادت اليوم للتصدر أخبار مقاومة الشعب الإيراني والكردي في ايران وروجهلات، واستخدام نظام الملالي للأسلحة الكيمياوية والغازات السامة، ربما كحل متأمل خشية ان يدق المسمار الأخير في نعشها.
انتهت الحرب العراقية الإيرانية، وانتهى عهد الطاغية صدام، ومرت عقود على الإبادة، غير ان الجرح ما زال ينزف، وفي كل الارجاء من كردستان، ولا احد ينكر ان للانقسام الكردي ماله في في هذا الجرح الذي ينزف كل يوم، وما زالت الكثير من الآذان تُصم امام أصوات الكرد الداعية للسلام والمحبة، وما زالت الكثير من الاعين تغمض عن الجرائم بحق الكرد، غير ان الإرادة الصلبة وعشق الحياة بكل جمالياتها تبقى من أعظم الأسباب التي تحفز الكردي على ان ينشد للغد الأجمل وان طال.